تفسير ابن كثر - سورة آل عمران - الآية 159

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) (آل عمران) mp3
يَقُول تَعَالَى مُخَاطِبًا رَسُوله مُمْتَنًّا عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا أَلَانَ بِهِ قَلْبه عَلَى أُمَّته الْمُتَّبِعِينَ لِأَمْرِهِ التَّارِكِينَ لِزَجْرِهِ وَأَطَابَ لَهُمْ لَفْظه " فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ " أَيْ بِأَيِّ شَيْء جَعَلَك اللَّه لَهُمْ لَيِّنًا لَوْلَا رَحْمَة اللَّه بِك وَبِهِمْ . وَقَالَ قَتَادَةُ " فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ " يَقُول : فَبِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ وَمَا صِلَة وَالْعَرَب تَصِلهَا بِالْمَعْرِفَةِ كَقَوْلِهِ " فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ " وَبِالنَّكِرَةِ كَقَوْلِهِ " عَمَّا قَلِيل " وَهَكَذَا هَهُنَا قَالَ " فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ" أَيْ بِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه. وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : هَذَا خُلُق مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ اللَّه بِهِ وَهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة شَبِيهَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيص عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوف رَحِيم " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا حَيْوَة حَدَّثَنَا بَقِيَّة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زِيَاد حَدَّثَنِي أَبُو رَاشِد الْحَرَّانِيّ قَالَ : أَخَذَ بِيَدِي أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ وَقَالَ : أَخَذَ بِيَدِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " يَا أَبَا أُمَامَةَ إِنَّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَلِينَ لَهُ قَلْبِي " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَد ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْب لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك " وَالْفَظّ الْغَلِيظ الْمُرَاد بِهِ هَهُنَا غَلِيظ الْكَلَام لِقَوْلِهِ بَعْد ذَلِكَ " غَلِيظ الْقَلْب " أَيْ لَوْ كُنْت سَيِّئَ الْكَلَام قَاسِيَ الْقَلْب عَلَيْهِمْ لَانْفَضُّوا عَنْك وَتَرَكُوك وَلَكِنَّ اللَّه جَمَعَهُمْ عَلَيْك وَأَلَانَ جَانِبك لَهُمْ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ كَمَا قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو إِنِّي أَرَى صِفَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة أَنَّهُ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظ وَلَا صَخَّاب فِي الْأَسْوَاق وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَة وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَح . وَقَالَ أَبُو إِسْمَاعِيل مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ أَنْبَأَنَا بِشْر بْن عُبَيْد حَدَّثَنَا عَمَّار بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ الْمَسْعُودِيّ عَنْ أَبِي مُلَيْكَة عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي بِمُدَارَاةِ النَّاس كَمَا أَمَرَنِي بِإِقَامَةِ الْفَرَائِض " حَدِيث غَرِيب . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر ". وَلِذَلِكَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَاوِر أَصْحَابه فِي الْأَمْر إِذَا حَدَثَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ لِيَكُونَ أَنْشَط لَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ كَمَا شَاوَرَهُمْ يَوْم بَدْر فِي الذَّهَاب إِلَى الْعِير فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه لَوْ اِسْتَعْرَضْت بِنَا عَرْض الْبَحْر لَقَطَعْنَاهُ مَعَك وَلَوْ سِرْت بِنَا إِلَى بِرَك الْغِمَاد لَسِرْنَا مَعَك وَلَا نَقُول لَك كَمَا قَالَ قَوْم مُوسَى لِمُوسَى اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ وَلَكِنْ نَقُول اِذْهَبْ فَنَحْنُ مَعَك وَبَيْن يَدَيْك وَعَنْ يَمِينك وَعَنْ شِمَالِك مُقَاتِلُونَ . وَشَاوِرْهُمْ أَيْضًا أَيْنَ يَكُون الْمَنْزِل حَتَّى أَشَارَ الْمُنْذِر بْن عَمْرو بِالتَّقَدُّمِ أَمَام الْقَوْم. وَشَاوَرَهُمْ فِي أُحُد فِي أَنْ يَقْعُد فِي الْمَدِينَة أَوْ يَخْرُج إِلَى الْعَدُوّ فَأَشَارَ جُمْهُورهمْ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ . وَشَاوَرَهُمْ يَوْم الْخَنْدَق فِي مُصَالَحَة الْأَحْزَاب بِثُلُثِ ثِمَار الْمَدِينَة عَامَئِذ فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ السَّعْدَان سَعْد بْن مُعَاذ وَسَعْد بْن عُبَادَة فَتَرَكَ ذَلِكَ . وَشَاوَرَهُمْ يَوْم الْحُدَيْبِيَة فِي أَنْ يَمِيل عَلَى ذَرَارِيّ الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ لَهُ الصِّدِّيق : إِنَّا لَمْ نَجِيء لِقِتَالِ أَحَد وَإِنَّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ فَأَجَابَهُ إِلَى مَا قَالَ : وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّة الْإِفْك " أَشِيرُوا عَلَيَّ مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ فِي قَوْم أَبَّنُوا أَهْلِي وَرَمَوْهُمْ وَايْم اللَّه مَا عَلِمْت عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوء وَأَبَّنُوهُمْ بِمَنْ ؟ وَاَللَّه مَا عَلِمْت عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا " وَاسْتَشَارَ عَلِيًّا وَأُسَامَة فِي فِرَاق عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَاوِرهُمْ فِي الْحُرُوب وَنَحْوهَا وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْفُقَهَاء هَلْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَوْ مِنْ بَاب النَّدْب تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَقَدْ رَوَى الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه : أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب الْعَلَّاف بِمِصْرَ حَدَّثَنَا سَعِيد بْن أَبِي مَرْيَم أَنْبَأَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى " وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر " قَالَ : أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ثُمَّ قَالَ صَحِيح عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَكَذَا رَوَاهُ الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْر وَعُمَر وَكَانَا حَوَارِيّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَزِيرَيْهِ وَأَبَوَيْ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا وَكِيع حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن غَنْم أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْر وَعُمَر " لَوْ اِجْتَمَعْتُمَا فِي مَشُورَة مَا خَالَفْتُكُمَا ". وَرَوَى اِبْن مَرْدُوَيه عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَزْم ؟ فَقَالَ " مُشَاوَرَة أَهْل الرَّأْي ثُمَّ اِتِّبَاعهمْ " . وَقَدْ قَالَ اِبْن مَاجَهْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بُكَيْر عَنْ سُفْيَان عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْمُسْتَشَار مُؤْتَمَن ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد الْمَلِك بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا . ثُمَّ قَالَ اِبْن مَاجَهْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر اِبْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا أَسْوَد بْن عَامِر عَنْ شَرِيك عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْمُسْتَشَار مُؤْتَمَن " تَفَرَّدَ بِهِ . وَقَالَ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة وَعَلِيّ بْن هَاشِم عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا اِسْتَشَارَ أَحَدكُمْ أَخَاهُ فَلْيُشِرْ عَلَيْهِ " تَفَرَّدَ بِهِ أَيْضًا وَقَوْله تَعَالَى " فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّه " أَيْ إِذَا شَاوَرْتهمْ فِي الْأَمْر وَعَزَمْت عَلَيْهِ فَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّه فِيهِ " إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَوَكِّلِينَ " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • معجم افتراءات الغرب على الإسلام

    تعرض الإسلام ورسوله الكريم منذ زمن طويل لهجوم عنيف من قبل خصومه وأعدائه، وهؤلاء الأعداء منهم الظاهر المجاهر في عدائه، ومنهم المستتر غير المجاهر الذي يدس السم في العسل. وقد وجدنا بعض الأقلام الحاقدة، من ذوي الأفكار المشوهه، قد اهتمت بإثارة الشبهات وتدوين التشكيكات، ضمن حالة من الاستنفار العام للهجوم على الاسلام وأهله. وفي هذه الدراسة سوف نقوم بعرض شبهات علماء ومفكري الغرب وافتراءاتهم على الإسلام في محاولة النيل منه، ومحاولة الرد عليها بعلمية وموضوعية.

    الناشر: موقع رسول الله http://www.rasoulallah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/372701

    التحميل:

  • زينب ورقية وأم كلثوم بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ربائبه

    زينب ورقية وأم كلثوم بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ربائبه : هذه الرسالة رد على ماذكره جعفر المرتضى العاملي في كتبه بأن فاطمة - رضي الله عنها - هي الابنة الوحيدة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن زينب ورقية وأم كلثوم لسن بنات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هُن ربائبه.

    الناشر: مركز البحوث في مبرة الآل والأصحاب http://www.almabarrah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/260204

    التحميل:

  • منهج الدعوة وأئمة الدعوة

    منهج الدعوة وأئمة الدعوة: أصل الكتاب محاضرةٌ تحدَّث فيها الشيخ - حفظه الله - عن منهج أئمة الدعوة في العبادة، وعلى رأسهم في هذا العصر: الإمام المُجدِّد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ومن جاء بعده.

    الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع بالرياض - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/341898

    التحميل:

  • من محاسن الدين الإسلامي

    من محاسن الدين الإسلامي: بين الشيخ - رحمه الله - بعض محاسن الدين الإسلامي، وهذا الكتاب جزء من كتاب موارد الظمآن لدروس الزمان.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2559

    التحميل:

  • مطوية الدعاء من الكتاب والسنة

    مطوية الدعاء من الكتاب والسنة: فهذه أدعية جامعة نافعة، اختصرها المؤلف - حفظه الله - من كتابه: «الدعاء من الكتاب والسنة».

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/339731

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة