العودة   منتديات زهرة الشرق > >{}{ منتديات الزهرة الثقافية }{}< > شخصيات وحكايات

شخصيات وحكايات حكايات عربية - قصص واقعية - قصص قصيرة - روايات - أعلام عبر التاريخ - شخصيات إسلامية - قراءات من التاريخ - اقتباسات كتب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 08-06-09, 11:36 AM   #1
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني



المعرّي .. فيلسوف الشعراء

(في ذكرى وفاته: 3 ربيع الأول 449هـ)


سمير حلبي

نشأ "أبو العلاء المعري" في أسرة مرموقة تنتمي إلى قبيلة "تنوخ" العربية، التي يصل نسبها إلى "يَعرُب بن قحطان" جدّ العرب العاربة. ويصف المؤرخون تلك القبيلة بأنها من أكثر قبائل العرب مناقب وحسبًا، وقد كان لهم دور كبير في حروب المسلمين، وكان أبناؤها من أكثر جند الفتوحات الإسلامية عددًا، وأشدهم بلاءً في قتال الفرس.
وُلد أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان في بلدة "معرَّة النعمان" من أعمال "حلب" بشمال "سوريا" في (27 من ربيع الأول 363هـ = 26 من ديسمبر 1973م). ونشأ في بيت علم وفضل ورياسة متصل المجد، فجدُّه "سليمان بن أحمد" كان قاضي "المعرَّة"، وولي قضاء "حمص"، ووالده "عبد الله" كان شاعرًا، وقد تولى قضاء المعرَّة وحمص خلفًا لأبيه بعد موته، أمَّا أخوه الأكبر محمد بن عبد الله (355 - 430هـ = 966 – 1039م) فقد كان شاعرًا مُجيدًا، وأخوه الأصغر "عبد الواحد بن عبد الله" (371 – 405هـ = 981 - 1014م) كان شاعرًا أيضًا.


محنة في محنة
وعندما بلغ أبو العلاء الثالثة من عمره أُصيب بالجدري، وقد أدَّى ذلك إلى فقد بصره في إحدى عينيه، وما لبث أن فقد عينه الأخرى بعد ذلك. ولكن هذا البلاء على قسوته، وتلك المحنة على شدتها لم تُوهِن عزيمته، ولم تفُتّ في عضده، ولم تمنعه إعاقته عن طلب العلم، وتحدي تلك الظروف الصعبة التي مرَّ بها، فصرف نفسه وهمته إلى طب العلم ودراسة فنون اللغة والأدب والقراءة والحديث. فقرأ القرآن على جماعة من الشيوخ، وسمع الحديث عن أبيه وجدِّه وأخيه الأكبر وجدَّتِه "أم سلمة بنت الحسن بن إسحاق"، وعدد من الشيوخ، مثل: "أبي زكريا يحيى بن مسعر المعري"، و"أبي الفرج عبد الصمد الضرير الحمصي"، و"أبي عمرو عثمان الطرسوسي". وتلقَّى علوم اللغة والنحو على يد أبيه وعلى جماعة من اللغويين والنحاة بمعرَّة النعمان، مثل: "أبي بكر بن مسعود النحوي"، وبعض أصحاب "ابن خالوية".
وكان لذكائه ونبوغه أكبر الأثر في تشجيع أبيه على إرساله إلى "حلب" – حيث يعيش أخواله – ليتلقى العلم على عدد من علمائها، وهناك التقى بالنحوي "محمد بن عبد الله بن سعد" الذي كان راوية لشعر "المتنبي"، ومن خلاله تعرَّف على شعر "المتنبي" وتوثقت علاقته به. ولكن نَهَم "أبي العلاء" إلى العلم والمعرفة لم يقف به عند "حلب"، فانطلق إلى "طرابلس" الشام؛ ليروى ظمأه من العلم في خزائن الكتب الموقوفة بها، كما وصل إلى "أنطاكية"، وتردد على خزائن كتبها ينهل منها ويحفظ ما فيها. وقد حباه الله تعالى حافظة قوية؛ فكان آية في الذكاء المفرط وقوة الحافظة، حتى إنه كان يحفظ ما يُقرأ عليه مرّة واحدة، ويتلوه كأنه يحفظه من قبل، ويُروى أن بعض أهل حلب سمعوا به وبذكائه وحفظه – على صغر سنه – فأرادوا أن يمتحنوه؛ فأخذ كل واحد منهم ينشده بيتًا، وهو يرد عليه ببيت من حفظه على قافيته، حتى نفد كل ما يحفظونه من أشعار، فاقترح عليهم أن ينشدوه أبياتًا ويجيبهم بأبيات من نظمه على قافيتها، فظل كل واحد منهم ينشده، وهو يجيب حتى قطعهم جمعيًا.

بين اليأس والرجاء
عاد "أبو العلاء" إلى "معرة النعمان" بعد أن قضى شطرًا من حياته في "الشام" يطلب العلم على أعلامها، ويرتاد مكتباتها. وما لبث أبوه أن تُوفي، فامتحن أبو العلاء باليُتم، وهو ما يزال غلامًا في الرابعة عشرة من عمره، فقال يرثي أباه:
أبي حكمت فيه الليالي ولم تزل
رماحُ المنايا قادراتٍ على الطعْنِ
مضى طاهرَ الجثمانِ والنفسِ والكرى
وسُهد المنى والجيب والذيل والرُّدْنِ
وبعد وفاة أبيه عاوده الحنين إلى الرحلة في طلب العلم، ودفعه طموحه إلى التفكير في الارتحال إلى بغداد، فاستأذن أمه في السفر، فأذنت له بعد أن شعرت بصدق عزمه على السفر، فشد رحاله إليها عام (398هـ = 1007م).

نجم يسطع في سماء "بغداد"
واتصل "أبو العلاء" في بغداد بخازن دار الكتب هناك "عبد السلام البصري"، وبدأ نجمه يلمع بها، حتى أضحى من شعرائها المعدودين وعلمائها المبرزين؛ مما أثار عليه موجدة بعض أقرانه ونقمة حساده، فأطلقوا ألسنتهم عليه بالأقاويل، وأثاروا حوله زوابع من الفتن والاتهامات بالكفر والزندقة، وحرّضوا عليه الفقهاء والحكام، ولكن ذلك لم يدفعه إلى اليأس أو الانزواء، وإنما كان يتصدى لتلك الدعاوى بقوة وحزم، ساخرًا من جهل حساده، مؤكدًا إيمانه بالله تعالى ورضاه بقضائه، فيقول تارة:
غَرِيَتْ بذمِّي أمةٌ
وبحمدِ خالقِها غريتُ
وعبدتُ ربِّي ما استطعـ
ـتُ، ومن بريته برِيتُ
ويقول تارة أخرى:
خُلِقَ الناسُ للبقاء فضلَّت
أمةٌ يحسبونهم للنفادِ
إنما ينقلون من دار أعما
لٍ إلى دار شقوة أو رشادِ
ولم يكن أبو العلاء بمعزل عن المشاركة في الحياة الاجتماعية والفكرية في عصره؛ فنراه يشارك بقصائده الحماسية في تسجيل المعارك بين العرب والروم، كما يعبر عن ضيقه وتبرمه بفساد عصره واختلال القيم والموازين فيه، ويكشف عن كثير مما ظهر في عصره من صراعات فكرية ومذهبية، كما يسجل ظهور بعض الطوائف والمذاهب والأفكار الدينية والسياسية.
وقد عرف له أهل بغداد فضله ومكانته؛ فكانوا يعرضون عليه أموالهم، ويلحُّون عليه في قبولها، ولكنه كان يأبى متعففًا، ويردها متأنفًا، بالرغم من رقة حالة، وحاجته الشديدة إلى المال، ويقول في ذلك:
لا أطلبُ الأرزاقَ والمو
لى يفيضُ عليَّ رزقي
إن أُعطَ بعضَ القوتِ أعـ
ـلم أنَّ ذلك فوق حقي
وكان برغم ذلك راضيًا قانعًا، يحمد الله على السراء والضراء، وقد يرى في البلاء نعمة تستحق حمد الخالق عليها فيقول: "أنا أحمد الله على العمى، كما يحمده غيري على البصر".

رسالة الغفران
لم يطل المقام بأبي العلاء في بغداد طويلاً؛ إذ إنه دخل في خصومة مع "المرتضي العلوي" أخي "الشريف الرضي"، بسبب تعصب "المعري" للمتنبي وتحامل المرتضي عليه؛ فقد كان أبو العلاء في مجلس المرتضي ذات يوم، وجاء ذكر المتنبي، فتنقصه المرتضي وأخذ يتتبع عيوبه ويذكر سرقاته الشعرية، فقال أبو العلاء: لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قصيدته: "لك يا منازل في القلوب منازل" لكفاه فضلاً.
فغضب المرتضي، وأمر به؛ فسُحب من رجليه حتى أُخرج مهانًا من مجلسه، والتفت لجلسائه قائلاً: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر تلك القصيدة؟ فإن للمتنبي ما هو أجود منها لم يذكره. قالوا: النقيب السيد أعرف! فقال: إنما أراد قوله:
وإذا أتتك مذمَّتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأنِّي كامل
وفي تلك الأثناء جاءت الأخبار إلى أبي العلاء بمرض أمه، فسارع بالرجوع إلى موطنه بعد نحو عام ونصف العام من إقامته في بغداد.

العودة إلى الوطن
غادر أبو العلاء بغداد في (24 من رمضان 400 هـ = 11 من مايو 1010م)، وكانت رحلة العودة شاقة مضنية، جمعت إلى أخطار الطريق وعناء السفر أثقال انكسار نفسه، ووطأة همومه وأحزانه، وعندما وصل أبو العلاء إلى بلدته كانت هناك مفاجأة قاسية في انتظاره.. لقد تُوفِّيت أمه وهو في طريق عودته إليها. ورثاها أبو العلاء بقصيدة تقطُر لوعة وحزنًا، وتفيض بالوجد والأسى. يقول فيها:
لا بارك الله في الدنيا إذا انقطعت
أسباب دنياكِ من أسباب دنيانا
ولزم داره معتزلاً الناس، وأطلق على نفسه "رهين المحبسين"، وظلَّ على ذلك نحو أربعين عامًا، لم يغادر خلالها داره إلا مرة واحدة، عندما دعاه قومه ليشفع لهم عند "أسد الدولة بن صالح بن مرداس" - صاحب حلب - وكان قد خرج بجيشه إلى "المعرة" بين عامي (417،418هـ = 1026،1027م)؛ ليخمد حركة عصيان أهلها، فخرج أبو العلاء، متوكئا على رجُل من قومه، فلما علم صالح بقدومه إليه أمر بوقف القتال، وأحسن استقباله وأكرمه، ثم سأله حاجته، فقال أبو العلاء:
قضيت في منزلي برهةً
سَتِير العيوب فقيد الحسد
فلما مضى العمر إلا الأقل
وهمَّ لروحي فراق الجسد
بُعثت شفيعًا إلى صالح
وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع منِّي سجع الحمام
وأسمع منه زئير الأسد
فقال صالح: بل نحن الذين تسمع منَّا سجع الحمام، وأنت الذي نسمع منه زئير الأسد. ثم أمر بخيامه فوضعت، ورحل عن "المعرة".

أبو العلاء النباتي
وكان أبو العلاء يأخذ نفسه بالشدة، فلم يسع في طلب المال بقدر ما شغل نفسه بطلب العلم، وهو يقول في ذلك: "وأحلف ما سافرت أستكثر من النشب، ولا أتكثر بلقاء الرجال، ولكن آثرت الإقامة بدار العلم، فشاهدت أنفس مكان لم يسعف الزمن بإقامتي فيه".
ويُعدُّ أبو العلاء من أشهر النباتيين عبر التاريخ؛ فقد امتنع عن أكل اللحم والبيض واللبن، واكتفى بتناول الفاكهة والبقول وغيرها مما تنبت الأرض. وقد اتخذ بعض أعدائه من ذلك المسلك مدخلاً للطعن عليه وتجريحه وتسديد التهم إليه، ومحاولة تأويل ذلك بما يشكك في دينه ويطعن في عقيدته. وهو يبرر ذلك برقة حاله وضيق ذات يده، وملاءمته لصحته فيقول: "ومما حثني على ترك أكل الحيوان أن الذي لي في السنة نيِّفٌ وعشرون دينارًا، فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب بقي لي ما لا يعجب، فاقتصرت على فول وبلسن، وما لا يعذب على الألسن.. ولست أريد في رزقي زيادة ولا لسقمي عيادة". وعندما كثر إلحاح أهل الفضل والعلم على أبي العلاء في استزارته، وأبت به مروءته أن يرد طلبهم أو يقطع رجاءهم، وهم المحبون له، العارفون لقدره ومنزلته، المعترفون بفضله ومكانته؛ فتح باب داره لا يخرج منه إلى الناس، وإنما ليدخل إليه هؤلاء المريدون. فأصبح داره منارة للعلم يؤمها الأدباء والعلماء، وطلاب العلم من كافة الأنحاء، فكان يقضي يومه بين التدريس والإملاء، فإذا خلا بنفسه فللعبادة والتأمل والدعاء. وكما لم تلن الحياة لأبي العلاء يومًا في حياته، فإنها أيضًا كانت قاسية عند النهاية؛ فقد اعتلّ شيخ المعرَّة أيامًا ثلاثة، لم تبق من جسده الواهن النحيل إلا شبحًا يحتضر في خشوع وسكون، حتى أسلم الروح في (3 من ربيع الأول 449هـ = 10 من مايو 1057م) عن عمر بلغ 86 عامًا.

آثاره أبي العلاء
وقد ترك أبو العلاء تراثًا عظيمًا من الشعر والأدب والفلسفة، ظل موردًا لا ينضب للدارسين والباحثين على مر العصور، وكان له أكبر الأثر في فكر وعقل كثير من المفكرين والعلماء والأدباء في شتى الأنحاء، ومن أهم تلك الآثار:
- رسالة الغفران: التي ألهبت خيال كثير من الأدباء والشعراء على مَرِّ الزمان، والتي تأثر بها "دانتي" في ثُلاثيته الشهيرة "الكوميديا الإلهية".
- سقط الزند: وهو يجمع شعر أبي العلاء في شبابه، والذي استحق به أن يوصف بحق أنه خليفة المتنبي.
- لزوم ما لا يلزم (اللزوميات)، وهو شعره الذي قاله في كهولته، وقد أجاد فيه وأكثر بشكل لم يبلغه أحد بعده، حتى بلغ نحو (13) ألف بيت.
- الفصول والغايات (في تمجيد الله والمواعظ).
- عبث الوليد: وهو شرح نقدي لديوان "البحتري".
- معجز أحمد: وهو شرح ديوان "أبي الطيب المتنبي".
- رسالة الملائكة.
- رسالة الحروف.
- الرسالة الإغريضية.
- الرسالة المنيحية.


سلسله يتبع


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-09, 11:40 AM   #2
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


أشهر الأبيات








"أيها الغرّ إنْ خُصِصْتَ بعقلٍ فاتّبعْهُ ، فكلّ عقلٍ نبي"

------------ ------- ------------

يرتجي الناسُ أن يقـومَ إمامٌ ناطقٌ في الكتيبة الخرساء
كذب الظنُّ لا إمام سوى العقل مشيرا في صبحه والمساء
فإذا ما أطعته جلب الرحمة عند المسير والإرساء
إنما هذه المذاهب أسباب لجذب الدنيا إلى الرؤساء
أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما دياناتكم مكرٌ من القدماء

------------

ولا تصدق بما البرهان يبطله -- فتستفيد من التصديق تكذيبا


------------


جاءت أحاديثُ إن صحتْ فإن لها -- شأناً ولكنّ فيها ضعف إسنادِ
فشاور العقل واترك غيره هدرا -- فالعقلُ خيرُ مشيٍر ضمّه النادي

------------

في كل أمرك تقليدٌ رضيتَ به -- حتى مقالك ربي واحدٌ ، أحدُ
وقــد أُمرنا بفكرٍ في بدائعه -- وإن تفكر فيه معشر لحدوا ؟

------------

قلتم لنا خالقٌ حكيم قلنا صدقتم كذا نقـولُ
زعمتموه بلا مكانٍ ولا زمانٍ ألا فقولــوا
هذا كلام له خبـئٌ معناه ليست لنا عقولُ

------------

أما الإله فأمرٌ لست مدركه -- فاحذر لجيلك فوق الأرض إسخاطا

------------

أنهيتَ عن قتل النفوس تعمدا -- وبعثت أنت لقبضها ملكين؟
وزعمت أن لنا معادا ثانيا -- ما كان أغناها عن الحالين

------------

إن كان لا يحظى برزقك عاقــل -- وترزق مجنونا وترزق أحمقا

------------

فلا ذنب يارب السماء على امرئ -- رأى من ما يشتهي فتزندقا

------------

أما اليقين فـلا يقين وإنما -- أقصى اجتهادي أن أظن وأحدسا

-----------

وقد عدم التيقن في زمان -- حصلنا من حجاه على التظني

------------

هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ويهود حارت والمجوس مضللةْ
اثنان أهل الأرض : ذو عقـل بلا ديـن وآخر ديِّن لا عقل لهْ

------------

تعالى الله فهو بنا خبير -- قد اضطرت إلى الكذب العقول
نقول على المجاز وقد علمنا -- بأن الأمر ليس كما نقول

------------

فلا تحسب مقال الرسل حقا -- ولكن قول زور سطّروه
وكان الناس في يمنٍ رغيدٍ -- فجاءوا باالمحال فكدروه

------------

دين وكفر وأنباء تقص وفرقان وتوراة وإنجيل
في كل جيل أباطيل ، يدان بها فهل تفرد يوما بالهدى جيل ؟

------------

وينشأ ناشئ الفتيان منا -- على ما كان عوّده أبوه

وما دام الفتى بحجى ولكن -- يـعلمه التدين أقربوه

------------

ولا تطيعن قوما ما ديانتهم -- إلا احتيال على أخذ الإتاوات
وإنما حمل التوراة قارئها -- كسب الفوائد لا حب التلاوات
إن الشرائع ألقت بيننا إحنا -- وأودعتنا أفانين العـــداوات

------------

أمور تستخف بها حلوم -- وما يدرى الفتى لمن الثبور
كتاب محمد وكتاب موسى -- وإنجيل ابن مريم والزبـور
نهت أمما فما قبلت وبارت -- نصيحتها فكل القوم بور

------------

في اللاذقية ضجةٌ ما بين أحمد والمسيح
هذا بناقوس يدق وذا بمئـذنة يصيح
كل يعظّم ديـنه ياليت شعري ما الصحيح ؟

------------

وما حجّي إلى أحجار بيت -- كؤوس الخمر تشرب في زراها
إذا رجع الحكيم إلى حجاه -- تهاون بالمذاهب وازدراها

------------

ما الركن في قول ناس لست أذكرهم -- إلا بقية أوثان وأنصاب

------------

أرى عالما يرجون عفو مليكهم -- بتقبيل ركن واتخاذ صليب

------------

وما لنفسي خلاص من نوائبها -- ولا لغيري إلا الكون في العدم

------------

وزهَّدني في الخلق معرفتي بهم وعلمي بأن العالمين هباء

------------

إذا سألوا عن مذهبي فهو بيِّن وهل أنا إلا مثل غيري أبله

------------

جهلنا فلم نعلم على الحرص ما الذي يُراد بنا والعلم لله ذي المنِّ

------------

سبحان من ألهم الأجناس كلَّهم أمراً يقود إلى خبل وتخبيل

------------

سألتموني فأعيتْني إجابتُكم من ادَّعى أنه دارٍ فقد كذبا

------------

وكم طلبتَ أموراً لست مدركَها تبارك الله من أغراك بالطلب

------------

قال المنجِّم والطبيب كلاهما -- لا تُحشَر الأجساد قلت إليكما
إن صحَّ قولُكما فلستُ بخاسرٍ -- أو صحَّ قولي فالخسارُ عليكما

------------

لا تقيِّد عليَّ لفظي فإني مثل غيري تكلُّمي بالمجاز

------------

خالق لا يُشَكُّ فيه قديم وزمان على زمان تقادم
جائز أن يكون آدم هذا قبله آدم على إثر آدم
لست أنفي عن قدرة الله أشـ ـباح ضياء بغير لحم ولا دم
وليس لنا علمٌ بسرِّ إلهنا فهل علمتْه الشمس أو شعر النجم

------------

يحطِّمنا ريب الزمان كأننا -- زجاج ولكن لا يُعاد لنا سَبْك
وما الإنسان في التطواف إلا -- أسيرٌ للزمان فما يفك

------------

يُفني ولا يفنى ويُبلي ولا يبلى ويأتي برخاء وويل

------------

نَزول كما زال أجدادنا ويبقى الزمان على ما ترى


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-09, 12:31 PM   #3
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


اخى حسين
شاكر لك الفضل فىما نشرته
وربما تتحفنا بنشر رساله الغفران للمعرى

وقد قيل عن هذة الرساله :

رسالة الغفران: تعد رسالة الغفران لابي العلاء من أعظم كتب التراث العربي النقدي وهي من أهم وأجمل مؤلفات المعري وقد كتبها رداً على رسالة ابن القارح وهي رسالة ذات طابع روائي حيث جعل المعري من ابن القارح بطلاً لرحلة خيالية أدبية عجيبة يحاور فيها الأدباء والشعراء واللغويين في العالم الآخر، وقد بدأها المعري بمقدمة وصف فيها رسالة ابن القارح وأثرها الطيب في نفسه فهي كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ثم استرسل بخياله الجامح إلى بلوغ ابن القارح للسماء العليا بفضل كلماته الطيبة التي رفعته إلى الجنة فوصف حال ابن القارح هناك مطعماً الوصف بآيات قرآنية وأبيات شعرية يصف بها نعيم الجنة وقد استقى تلك الأوصاف من القرآن الكريم مستفيداً من معجزة الإسراء والمعراج ، أما الابيات الشعرية فقد شرحها وعلق عليها لغوياً وعروضياً وبلاغياً . ويتنقل ابن القارح في الجنة ويلتقي ويحاور عدداً من الشعراء في الجنة من مشاهير الأدب العربي منهم من غفر الله لهم بسبب أبيات قالوها كزهير وشعراء الجنة منهم زهير بن أبي سلمى والأعشى و عبيد بن الأبرص و النابغة الذبياني و لبيد بن أبي ربيعة و حسان بن ثابت والنابغة الجعدي.ثم يوضح قصة دخوله للجنة مع رضوان خازن الجنة ويواصل مسامراته الأدبية مع من يلتقي بهم من شعراء وأدباء ثم يعود للجنة مجدداً ليلتقي عدداً من الشعراء يتحلقون حول مأدبة في الجنة وينعمون بخيرات الجنة من طيور وحور عين ونعيم مقيم. ثم يمر وهو في طريقه إلى النار بمدائن العفاريت فيحاور شعراء الجن مثل " أبو هدرش" ويلتقي حيوانات الجنة ويحوارها ويحاور الحطيئة. ثم يلتقي الشعراء من أهل النار ولا يتوانا في مسامرتهم وسؤالهم عن شعرهم وروايته ونقده ومنهم إمرؤ القيس وعنترة بن شداد و بشار بن برد و عمرو بن كلثوم و طرفة بن العبد والمهلهل و المرقش الأكبر والمرقش الأصغر والشنفرى وتأبط شراً وغيرهم. ثم يعود من جديد للجنة ونعيمها .

الأهمية الأدبية لرسالة الغفران: تعد محاوارات ابن القارح مع الشعراء والأدباء واللغويون التي تخيلها المعري في العالم الآخر مصدراً مهماً من مصادر دراسة النقد الأدبي القديم حيث حوت تلك المسامرات والمحاورات مباحث نقدية مهمة وأساسية في النقد الأدبي


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-09, 12:34 PM   #4
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


تنفرد "رسالة الغفران" بمكانة خاصة، ولكنها لم تكن معروفة قبل عام (1899)، حيث نشر المستشرق الإنكليزي "بيكلسون" أنه ظفر بمخطوطات عربية أهمها "رسالة الغفران" ثم قدم بعد عامين وصفاً للمخطوطة، وبعد عامين نشر ملخصها.
لكن اكتشاف النسخة الخطية في مكتبة "كوبر يللي زاده" في استنبول ومقابلتها بكل النسخ التي عثر عليها، بينت حقيقة هذه المخطوطة حيث نشر النص المحقق عام (1950)، وأعيد طبعه مرات ومرات. وبداية فإن "رسالة الغفران" قد أمليت في أخريات الربع الأول من القرن الخامس الهجري، فهي من آثار أبي العلاء في الشطر الثاني من حياته، أملاها في صميم عزلته "بمعرة النعمان" وقد بلغ الستين من عمره، تتكون الرسالة من مقدمة وقسمين رئيسيين.



والمقدمة في جملتها من الأمالي اللغوية والأدبية، وقد ساقها "أبو العلاء" بأسلوب الألغاز وهو فن بديعي ولع به أصحاب الصنعة الأدبية في عصره. أما القسم الأول فيبدأ بخبر وصول رسالة "ابن القارح" المفتتحة بتمجيد الله، ومن هذا التمجيد كان المنطلق إلى العالم الآخر.



وإذ يذكر الندامى ما قاله شعراء الدنيا الفانية في الخمر ونشوتها وكؤوسها وأباريقها، يجيء ذكر الأعشى فيتمنون لو أنه كان بينهم فلا يكادون يعربون عن هذه الأمنية حتى يمثل أمامهم "الأعشى" شاباً أحور العينين، ويعجبون لوجوده في الجنة. وقد مات كافراً، ويسألونه بم غفر الله له، فيجيب بأن قصيدته الدالية التي نظمها في مدح الرسول الكريم قد شفعت له فادخل الجنة على ألا يشرب خمراً، لأنه كان في طريقه إلى الرسول الكريم ليسلم وينشده القصيدة، فصدته قريش وحبه للخمر. وينظر "ابن القارح" في رياحين الجنة، فيرى قصرين منيعين، عليهما لافتتان باسم"عبيد بن الأبرص" و "زهير بن أبي سلمى" وإذ يسألهما بم غفر لهما، وقد ماتا في الجاهلية؟ يجيب عبيد أنه نال ثواب بيتهمن يسأل يحرمون وسائل الله لا نجيب)ويجيب زهير بأنه كان في الدنيا ينفر من الباطل وكذلك قوله: فلا تكتمن الله ما في نفوسكم .... ليخفي ومهما يكتم الله يعلم... يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر.... ليوم حساب يعجل فينقم


ثم يرى في أقصى الجنة بيتاً حقيراً وفيه رجل ليس عليه نور أهل الجنة يخبره أنه الحطيئة، وصل إلى الشفاعة بالصدق في قوله: أرى لي وجها قبح الله خلقه .... فقبح من وجه وقبح حامله ويعجب الشيخ، لمَ لم يغفر له بقوله: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه .... لا يذهب العرف بين الله والناس.

وبعد ذلك يلتقي بالخنساء، وهي قريبة من النار، فتخبره أنها أحبت أن تنظر إلى "صخر" فرأته كالجبل الشامخ والنار تضطرم رأسه.


ويلقى ابن القارح في النار إبليس اللعين ، ويدور بينهما حوار عنيف ثم يسأل عن الشاعر بشار بن برد، فإذا هو أمامه يسام سوء العذاب، ولكن عذابه لم يصرف ابن القارح عن مساءلته في أخباره ومناقشته في شعره، ويفعل ذلك مع من لقي من شعراء النار أمثال: (أمرؤ القيس – عنترة العبسي – علقمة – عمرو بن كلثوم – الحارث اليشكري – طرفة بن العبد – أوس بن حجر) حتى إذا قضى من محاورتهم انطلق عائداً إلى الجنة.


ومن الملاحظ أن أبا العلاء في تصويره عالمه الآخر، متأثر بما في البيئة الإسلامية من وصف للحياة الأخرى، كالجنة والنار في القرآن الكريم، والمرويات الإسلامية عن الثواب والعقاب، والشفاعة في كتب الحديث الشريف والتفسير وقصة المعراج ثم ديوان الشعر العربي في الجاهلية وصدر الإسلام بما فيه وصف للمتع والملذات وفنون اللهو والطرب والمتعة، وقد نقلها أبو العلاء إلى جنته وكذلك الأساطير العربية التي عرفت في البيئة الإسلامية. لكن أبا العلاء صاغ عالمه صياغة فريدة لها طابعها المتميز، فلم ينقل شيئا من هذه المرويات، إلا بعد أن ينفذ به إلى أعماق وجدانه ويستجيب فيه لما تنفعل به النفس من أشواق وهموم.


وفيها جديد من الفن الأدبي لم يعرفه النثر العربي قبل "آبي العلاء المعري" وبخاصة هذا الإخراج التمثيلي الذي عرض فيه مشاهد عالمه الأخير كما أن الرحلة تسجل صدى انفعاله بالدنيا وتجربته وعزلته وإنسانية معاناته للحياة وتؤصل فهمنا للحرية، ولحرية الأديب بوجه خاص. حيث كشفت الرسالة المجاهدة الطويلة القاسية لأشواق بشرية وتؤكد أنه لم يسترح قط عن حب الدنيا، ولانفض يديه منها، وكشفت بذلك عن كل ما كان يعانيه ويكابده، وقد حشد في جنته، كل ما خطر على باله وتمثلته بشريته المحروقة المكبوتة من صنوف المتع الحسية والملاذ المادية التي لم يسترح منها إلا بموته سنة (449) ه. ==


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-06-09, 11:26 AM   #5
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الكريم اخي الفاضل ,شرفتومنا بالزيارة والافادة الكبيروالتوضيح الواسع لرسالة الغفران والشاعر المعري ووفيه دلاله اطلاعكم وغزارة معلوماتكم الوفيرة يشرفني التواصل في الموضوع وسأوفر لكم طلبكم سريعا وما استطعت له وسنكون بتواصل أن شاء الله
تقبل سلامس وخالص التقدير
تقبل سلامي


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-06-09, 03:01 PM   #6
 
الصورة الرمزية هيام1

هيام1
مشرفة أقسام المرأة

رقم العضوية : 7290
تاريخ التسجيل : Apr 2007
عدد المشاركات : 15,154
عدد النقاط : 197

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ هيام1
رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


[align=center]سلمت يداكم
أثابك الله بهذا المجهود الباهر والمعلومات الجديدة
.[/align]


توقيع : هيام1
قطرة الماء تثقب الحجر ، لا بالعنف ولكن بدوام التنقيط.


زهرة الشرق

هيام1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-06-09, 11:33 PM   #7
 
الصورة الرمزية سلام العبيدى

سلام العبيدى
مشرف حدائق بابل

رقم العضوية : 5500
تاريخ التسجيل : Oct 2006
عدد المشاركات : 4,600
عدد النقاط : 51

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ سلام العبيدى
رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


[align=center]شكرا لك على مجهودك الرائع

تحيتي

سلام العبيدي[/align]


توقيع : سلام العبيدى
زهرة الشرق
zahrah.com

سلام العبيدى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-06-09, 01:15 PM   #8
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
مشاركة رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


--------------------------------------------------------------------------------




رسالة الغفران الكتاب كاملا للتنزيل او النسخ مع التحيه




للتنزيل اضغط هنا

anis-soft
للمزيد من مواضيعي










رسالة الغفران-للمعري -حسين الحمداني

--------------------------------------------------------------------------------












للتنزيل اضغط هنا



anis-soft


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-06-09, 02:32 AM   #9
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
مشاركة رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيام1 مشاهدة المشاركة
[align=center]سلمت يداكم
أثابك الله بهذا المجهود الباهر والمعلومات الجديدة
.[/align]
سلام
اهلا وسهلا بكم في الموضوع بوركتم بالعليق وشكرا للزيارة


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-06-09, 02:34 AM   #10
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
واثق رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلام العبيدى مشاهدة المشاركة
[align=center]شكرا لك على مجهودك الرائع

تحيتي

سلام العبيدي[/align]

لكم
اهلا بكم شرفتمونا بالمرور وشكرا للتعليق الكريم


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-09, 01:53 AM   #11
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


رِسَالَة اَلْغُفْرَان
أَبِي اَلْعَلَاء اَلْمُعَرِّي
حَقَّقَهَا وَشَرَحَهَا اَلْأُسْتَاذ
مُحَمَّد عِزَّت نَصْر اَللَّه
بِسْمِ اَللَّه اَلرَّحْمَن اَلرَّحِيم
اَلْمُقَدِّمَة

أَظَلّ اَلْمُعَرِّي عَصْر اِضْطَرَبَتْ فِيهِ اَلْأَحْوَال اَلسِّيَاسِيَّة وَالِاجْتِمَاعِيَّة وَظَهَرَتْ فِي أَرْجَاء
اَلْعَالَم اَلْإِسْلَامِيّ حَرَكَات وَثَوْرَات مَا تَكَاد تَنْهَض أَحَدَّاهُمَا حَتَّى تَخِرّ صَرْعَى تَحْت وَطْأَة
حَرَكَة أَقْوَى , وَلَكِنَّ هَذَا اَلِاضْطِرَاب اَلسِّيَاسِيّ عَادَ عَلَى اَلْعِلْم وَالْأَدَب بِفَوَائِد لَا
تُنْكَر , إِذْ عَمَدَ كُلّ أَمِير إِلَى حَشْد طَائِفَة مِنْ اَلْعُلَمَاء وَالْأُدَبَاء يُبَاهِي بِهِمْ خَصْمه
, فَازْدَهَرَ اَلْأَدَب وَنَمَا اَلشِّعْر وَتَعَدَّدَتْ اَلْمَدَارِس اَلْعِلْمِيَّة , و اَلْأَدَبِيَّة
وَأَتَتْ , فِي هَذَا اَلْعَصْر اَلتَّرْجَمَات عَنْ اَللُّغَات اَلْأَعْجَمِيَّة ثَمَرَات نَاضِجَات وَمِنْهَا
ظُهُور فَلَاسِفَة كَاَلْفَارَابِيِّ وَابْن سِينَا وَأَخَوَانِ اَلصَّفَا ثُمَّ اَلْمُعَرِّي اَلشَّاعِر وَالْأَدِيب
اَلنَّاقِد اَلْفَيْلَسُوف .
فَكَانَتْ فَلْسَفَة اَلْمُعَرِّي وَآرَاؤُهُ فِي نَقْد اَلْحَيَاة اَلِاجْتِمَاعِيَّة وَالدِّينِيَّة ثَمَرَة لِمَا
زَخَرَ بِهِ هَذَا اَلْعَصْر وَهُوَ اَلْقَرْن اَلرَّابِع اَلْهِجْرِيّ مِنْ مُتَنَاقِضَات اِضْطِرَاب فِي اَلْحَيَاة
اَلسِّيَاسِيَّة وَرَقِيّ فِي اَلْعِلْم وَالْأَدَب وَلَوْ لَمْ يَرَ اَلْمُعَرِّي اَلنَّقَائِض اَلِاجْتِمَاعِيَّة
اَلسَّائِدَة يَوْمئِذٍ لَمَا قَذَفَ مِنْ فِيهِ حُمَمًا يَرْمِي بِهَا اَلْحُكَّام وَالْعُلَمَاء وَالنَّاس
وَكَافَّة وَقَدْ تَأَفَّفَ مِنْ اَلْحَيَاة وَمِنْ نَفْسه " وَمِنْ زَمَن رِيَاسَته خساسة " وَطَعْن
بِالْحُكَّامِ وَحِقْد عَلَى جَمِيع وَلَا شَكّ أَنَّ تَجْرِبَته اَلْخَاصَّة مَعَ بَعْض اَلْأُمَرَاء قَدْ جَعَلَتْهُ
يَثُور هَذِهِ اَلثَّوْرَة اَلْيَائِسَة , ضِدّ مُجْتَمِعَة اَلَّذِي لَمْ يُقَدِّرهُ حَقّ قَدْره فَاضْطَرَبَ فِي
اَلنِّهَايَة إِلَى اَلِانْزِوَاء فِي دَاره يُمْلِي عَلَى كَاتِبه مَا يُبَرْهِن بِهِ عَلَى عُلُوّ كَعْبه
فِي اَللُّغَة وَالْأَدَب .
وُلِدَ أَبُو اَلْعَلَاء أَحْمَد بْن عَبْد اَللَّه فِي سَنَة 363 ه بمعرة اَلنُّعْمَان بْن بَشِير
اَلْأَنْصَارِيّ وَسَمَّى اَلْمُعَرِّي نِسْبَة إِلَى هَذِهِ اَلْبَلْدَة , وَعَرَفَتْ أُسْرَته بِالْفَضْلِ وَالْعِلْم
وَالْأَدَب كَانَ أَبُوهُ قَاضِي المعرة وَكَذَلِكَ جَحَدَهُ وَيَنْتَهِي نَسَبه إِلَى عَرَب اَلْيَمَن .
لَاقَى اَلْمُعَرِّي فِي طُفُولَته عِنَايَة بِاللُّغَةِ مِنْ أَبَوَيْهِ , وَلَكِنَّ هَذِهِ اَلْعِنَايَة لَمْ
تَمْنَع عَنْهُ تَصَارِيف اَلْقَدَر إِذْ أُصِيبَ بِالْجُدَرِيِّ , فَذَهَبَ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ ثُمَّ اِنْطَفَأَتْ
اَلثَّانِيَة وَلَمْ يَكَدْ اَلْمُعَرِّي يَعِد سِنِي حَيَاته عَلَى أَصَابِع يَده وَيَتَحَدَّث هُوَ عَنْ نَفْسه
فَيُخْبِرنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِف مِنْ مَشَاهِد اَلدُّنْيَا غَيْر لَوْن اَلْحُمْرَة , لَوْن اَلثَّوْب اَلَّذِي
كَانَ يَلْبَسهُ فِي مَرَضه وَهُوَ طِفْل , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مندوحة مِنْ اَلِانْصِرَاف لِلْعِلْمِ فَأَخَذَ
أَبُوهُ بِتَلْقِينِهِ اَلْعِلْم حَتَّى شَبَّ , ثُمَّ انهدم رُكْن حَيَاته إِذْ مَاتَ أَبَوْهُ وحاطته فِي
حَلَب , ثُمَّ نَضِجَ عِلْمه وَاسْتَقَرَّ فِي المعرة فَتْرَة مِنْ اَلزَّمَن , وَلَمْ تَهْدَأ تَحْصِيله فِي
حَلَب , ثُمَّ نَضِجّ عِلْمه وَأَسْتَقِرّ فِي المعرة فَتْرَة مِنْ اَلزَّمَن , وَلَمْ تَهْدَأ نَفْسه فَطَافَ
بِسَوَاحِل اَلشَّام فَعَرَفَتْهُ أَنْطَاكِيَة وَاَللَّاذِقِيَّة وَطَرَابُلُس وَزَارَ مَكْتَبَتهمَا اَلضَّخْمَة ,
وَرُبَّمَا لَزِمَهَا أَيَّامًا .
وَأَخِيرًا عَادَ إِلَى المعرة يَسْتَجِمّ مِنْ عَنَاء اَلرِّحْلَة , وَلَمْ نَدْرِ كَمْ بقى فِيهَا مِنْ
اَلسِّنِينَ ثُمَّ تَطَلَّعَتْ نَفْسه إِلَى اَلرِّحْلَة فَقَصَدَ اَلْعِرَاق وَسَبَقَتْهُ شُهْرَته إِلَى بَغْدَاد
فَأَسْتَقْبِلهُ عُلَمَاؤُهَا بِالْحَفَاوَةِ وَالتَّرْحَاب وَلَقِيَ فِي مُخْتَلِف اَلْمَجَالِس اَلْعِلْمِيَّة
إِكْرَامًا , و اِحْتِرَامًا لَوْلَا أَنَّهُ أُهِينَ فِي مَجْلِس اَلشَّرِيف المرتضى اَلَّذِي أَمَرَ بِطَرْدِهِ
خَارِج اَلْمَجْلِس , فَجْر مِنْ قَدَمَيْهِ وَأُلْقِي فِي اَلشَّارِع هَذِهِ اَلْحَادِثَة حَزَّتْ فِي نَفَسِي
اَلْمُعَرِّي وَجَعَلَتْهُ يَنْكَمِش عَلَى نَفْسه وَيَنْزَوِي فِي دَاره .
وَلَمْ تُطِلْ أقامة اَلْمُعَرِّي فِي بَغْدَاد فَلَمْ تَمْضِ عَلَيْهِ سُنَّتَانِ حَتَّى عَاوَدَهُ اَلْحَنِين إِلَى
المعرة وَعِنْدَمَا بَلَغَهُ أَنَّ أُمّه مَرِيضَة بِهِ لِيَكُونَ فِي قُرْبهَا , وَتَرَكَ بَغْدَاد عَائِدًا
وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكهَا إِذْ مَاتَتْ قُبَيْل وُصُوله وَكَانَ قَدْ بَلَغَ اَلثَّامِنَة , اَلثَّلَاثِينَ وَكَانَتْ
أُمّه آخَر عِمَاد يَلْجَأ إِلَيْهِ فَرَثَاهَا أَحَرّ اَلرِّثَاء وَأَعْتَزِل اَلنَّاس وَالْحَيَاة وَالْعَامَّة
, وَلَزِمَ بَيْته وَعَزَمَ عَلَى تَجَنُّب أَكَلَ لَحْم اَلْحَيَوَان وَنِتَاجه مُكْتَفِيًا بِالنَّبَاتِ , وَفِي
ذَلِكَ يَقُول : -
يَسُرّنِي بِلِسَان يُمَارِس لِي وَأَنْ أَتَتْنِي حَلَاوَة فَلَيْسَ
وَجَاءَهُ طُلَّاب اَلْعِلْم مِنْ أَنْحَاء اَلْبِلَاد اَلْإِسْلَامِيَّة , يَتَلَقَّوْنَ عَنْهُ اَلْعُلُوم حَتَّى غَصَّتْ
دَاره بِهِمْ وَكَانَ شَدِيد اَلْحَفَاوَة بِتَلَامِيذِهِ يحوطهم بِعِنَايَة وَرِعَايَته وَظَلَّ عَلَى هَذِهِ
اَلْحَال إِلَى أَنَّ مَرَض , وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِنْ اَلْعُمْر عِتِيًّا و فَوَصْف لَهُ اَلطَّبِيب فَرَوَّجَا
لِمَا جِيءَ بِهِ لَهُ مِيدَالْيَة ده وَهِيَ تَرْتَعِش فَمَا تَحَسَّسَهُ حَتَّى كَفّ يَده وَقَالَ اِسْتَضْعَفُوك
فَوَصَفُوك هَلَّا وَصَفُوا شِبْل اَلْأَسَد ? ‎ " وَأَسْتَمِرّ مَرَضه ثَلَاثَة أَيَّام قَضَى فِي نِهَايَتهَا
وَدَفَنَ فِي اَلْمُعَمِّرَة وَهُنَالِكَ اِنْطَفَأَ مِصْبَاح شَعَّ عِلْمًا وَأَدَبًا وَمَلَأ اَلدُّنْيَا تَغْرِيدًا
وَصَدَّاحًا إِذْ كَانَ اَلْمُعَرِّي كَاتِبًا وَشَاعِرًا مِنْ آثَاره اَلنَّثْرِيَّة " شَرْح دِيوَان اَلْمُتَنَبِّي
وَاَلْبُحْتُرِيّ وَأَبِي تَمَام " وَلَهُ كِتَاب " ‎ اَلْفُصُول وَالْغَايَات " كَمَا لَهُ رَسَائِل مُتَعَدِّدَة
مِنْهَا " رِسَالَة اَلْغُفْرَان " اَلَّتِي نَحْنُ فِي سَبِيل اَلْحَدِيث عَنْهَا , وَأَمَّا آثَاره
اَلْمَنْظُومَة فَمِنْهَا " اللزوميات " و ‎ " سَقَطَ اَلزَّنْد ‎ " و " الدرعيات ‎ " فَهُوَ إِذَنْ
مُفَكِّر وَكَاتِب , شَاعِر .
وَرِسَالَة اَلْغُفْرَان قِصَّة خَيَالِيَّة فِيهَا رُمُوز وَإِشَارَات , وَفِيهَا أَحْيَانًا تَلْمِيحَات
وَتَصْرِيحَات وَظَاهِرهَا جَوَاب عَلَى رِسَالَة تَلَقَّاهَا اَلْمُعَرِّي مِنْ أَدِيب حَلَبِيّ يُسَمَّى أَبَّنَ
القارح وَيُسْتَعْرَض اَلْمُعَرِّي فِي رِسَالَته مَا يَتَعَرَّض لَهُ اَلنَّاس يَوْم اَلْحَشْر وَيَصِف حَالَة
اَلنَّاس فَيَتَحَدَّث عَنْ اَلْمَوْقِف وَمَا يُلْقِي اَلنَّاس فِيهِ مِنْ أَهْوَال , وَتَدُور اَلْقِصَّة حَوْل
عَلِيّ بْن مَنْصُور ( أَبَّنَ القارح ) إِذْ يَعْجَب مِنْ طُول وُقُوفه فِي اَلْحَشْر فَيَسْعَى إِلَى
دُخُول اَلْجَنَّة قَبْل اَلنَّاس , وَهُنَا تَحَدُّث لِلرِّجَالِ حَوَادِث تَدْعُو إِلَى اَلضَّحِك و اَلسُّخْرِيَة
إِذْ يُنَاقِش جَمَاعَة مِنْ اَلْعُلَمَاء وَالشُّعَرَاء فِي اَلْمَوْقِف كَمَا يُنَاقِش خَازِن اَلْجَنَّة
وَيَمْدَحهُ بِشِعْر لَا يُفَقِّه مِنْهُ اَلْخَازِن شَيْئًا , وَبَعْد طُول عَنَاء يَدْخُل اَلْجَنَّة وَيَجْتَمِع
بِشُعَرَائِهَا وَيُنَاقِشهُمْ فِيمَا قَالُوا فِي اَلدَّار اَلْفَانِيَة وَيَسْأَل كُلّ مَنْ يُلَاقِيه هَذَا
اَلسُّؤَال " بِمَ يَغْفِر اَللَّه لَك ? ‎ " وَيُطِلّ عَلَى جَهَنَّم وَيَسْأَل مِنْ فِيهَا " لِمَ لَمْ يَغْفِر
اَللَّه لَك ? ‎ " وَلِهَذَا تُسَمَّى رِسَالَته بِرِسَالَة اَلْغُفْرَان .
وَسَوَّقَ اَلْمُعَرِّي كَلَامه بِقَالَب غَامِض فِيهِ حَشْد مِنْ اَلْأَلْفَاظ اَلْغَرِيبَة لَا يَسْتَطِيع
اَلْقَارِئ اَلْمُضِيّ فِي مُطَالَعَتهَا دُون أَنْ يَجُول جَوْلَة طَوِيلَة فِي اَلْمَعَاجِم لَقَدْ حَشَدَ فِي
اَلرِّسَالَة ثَرْوَة ضَخْمَة مِنْ اَلْأَلْفَاظ حَتَّى لَا تَكَاد تُوجَد لَفْظَة مُعْجَمِيَّة إِلَّا أَحْيَاهَا
فِي رِسَالَته هَذِهِ كَأَنَّهُ كَانَ يُرِيد أَنْ يُعْمِي عَلَى اَلنَّاس فَلَا يَفْهَم أَغْرَاضه فِيهَا غَيْر
اَلنُّخْبَة مِنْ اَلْعُلَمَاء , وَالْغَرِيب فِي أَمْره أَنَّهُ تَعَرَّضَ لِلْجِنِّ وَأَوْرَدَ طَائِفَة مِمَّا نُسِبَ
إِلَيْهِمْ مِنْ اَلشِّعْر وَكَأَنَّهُ فِعْلًا مِنْ شِعْر اَلْجِنّ فِي غَرَابَة أَلْفَاظه وَتَرْكِيبه وَظَاهِر
اَلْكَلَام فِي اَلرِّسَالَة جَدّ وَبَاطِنَة هَزَلَ .
وَيَخْتَلِف اَلنَّاس فِي سَبَب كِتَابَة هَذِهِ اَلرِّسَالَة وَعِنْدِي أَنَّ اَلْمُعَرِّي كَانَ يَحْمِل ثَرْوَة
ضَخْمَة مِنْ عِلْم اَللُّغَة وَالدِّين , اَلْفَلْسَفَة , مِمَّا عَرَّفَهُ عَصْره مِنْ أَلْوَان اَلثَّقَافَات
اَلْمُخْتَلِفَة وَكَأَنِّي بِهِ إِنَاء اِمْتَلَأَ مَاء فَلَا بُدّ لَهُ أَنْ يَفِيض فَفَاضَ اَلْمُعَرِّي بِمَا
عِنْده مِنْ اَلْمَعْلُومَات وَذَكَرَ مَا أشتمل عَلَيْهِ صَدْره ثُمَّ أَنَّ اَلرَّجُل كَانَ ضَرِيرًا اِنْطَفَأَتْ
مَدَارِكه إِلَى عَالَم بَاطِن فَجَعَلَ يَتَصَوَّر مَا يَمُرّ بِذِهْنِهِ فَجَمْع ذَلِكَ كُلّه وَأَلْف بَيْنه
فَكَانَتْ مِنْهُ رِسَالَة اَلْغُفْرَان وَثُمَّ شَيْء آخَر وَهُوَ أَنَّ اَلْمُعَرِّي كَانَ رَجُلًا مُتَشَكِّكًا
يُرِيد أَنْ يَفْهَم مَشَاكِل اَلْحَيَاة وَمَا بَعْدهَا فَهُمَا عَقْلِيَّا فَيَعْجِز تَارَة عَنْ ذَلِكَ فَيَثُور
وَيُهَيِّج وَتَارَة يَرْضَخ لِلْقَضَاءِ وَيَسْتَكْنَ وَإِلَّا أَنَّ اَلْمُعَرِّي لَمْ يَتَقَرَّر عِنْده اَلْإِيمَان
بِوُجُود اَلْجَنَّة أَوْ اَلنَّار فَشَكَّ فِي اَلْحَشْر وَأَحْوَاله مِنْ ثَوَاب وَعَذَاب , وَكَانَ يَتَمَنَّى
فِي قَرَارَة نَفْسه أَنْ تُصَدِّق اَلْأَخْبَار عَنْ اَلْجَنَّة وَالنَّار فَيَكُون هُوَ مِنْ اَلْمُحْسِنِينَ
اَلَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ جَنَّات اَلنَّعِيم , وَلَمَّا لَمْ يَتَحَقَّق مِنْ إِمْكَان اَلْخُلُود تَخَيُّله فِي
رِسَالَة اَلْغُفْرَان عَلَى نَحْو مَا جَاءَ فِي اَلْقُرْآن و فِي اَلْحَدِيث وَفِي اَلْأَخْبَار عَنْ
اَلْجَنَّة وَالنَّار , وَإِنَّمَا كَانَ سِيَاقه فِيهَا عَلَى سَبِيل اَلْهَزْل وَالْمُبَطَّن إِذْ يُجْرِي
مُنَاقَشَات بَيْن اَلشُّعَرَاء تَجُرّ إِلَى الملاحاه كَالْمُنَاقَشَةِ اَلَّتِي دَارَتْ بَيْن اَلْأَعْشَى
والجعدي , إِذْ يَقُول هَذَا لِلْأَعْشَى : ‎ " يَا ضَلَّ يَا أَبِنْ الضل إِنَّ دُخُولك اَلْجَنَّة مِنْ
اَلْمُنْكَرَات وَلَوْ جَازَ اَلْغَلَط عَلَى رَبّ اَلْعِزَّة لَقُلْت أَنَّهُ غَلِطَ بِك , وَكَانَ مِنْ حَقّك أَنْ
تُصْلِي فِي اَلْجَحِيم وَقَدْ صَلَّى بِهَا مَنْ هُوَ خَيْر مِنْك " وَيَضْرِب اَلْأَعْشَى بِكُوز مِنْ ذَهَب


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-09, 01:55 AM   #12
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


لِيَقُولَ لَهُ بَعْض اَلْحَاضِرِينَ فِي اَلْمَجْلِس , أَلَّا تَخْشَى أَنْ يَمُرّ مَلِك يَكُون بِمَثَابَة
اَلْحَفَظَة فِي أَهْل اَلدُّنْيَا فَيَرْفَع اَلْأَمْر إِلَى اَلْعَلِيّ وَالْأَعْلَى وَقَدْ اِسْتَغْنَى أَنْ تَرْفَع
إِلَيْهِ , فَيَجُرّ إِلَى مَا تَكْرَهَانِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُوكُمَا آدَم مِنْ اَلْجَنَّة بِأَهْوَن مِمَّا
تَصْنَعَانِ " .
وَفِي اَلرِّسَالَة أَحَادِيث دَارَتْ بَيْن اَلشُّعَرَاء وَالْأُدَبَاء فِي اَلنَّحْر وَفِي اَللُّغَة و فِي
اَلنَّقْد اَلْأَدَبِيّ وَفِي اَلْمَسَائِل اَلدِّينِيَّة وَهَكَذَا كَانَتْ رِسَالَة اَلْغُفْرَان وَعَاد ضَخْمًا
أَفْرَغَ فِيهِ اَلْمُعَرِّي مَا عِنْده مِنْ طَاقَة لُغَوِيَّة وَأَدَبِيَّة وَتَارِيخَيْهِ وَلَمْ يَسْبِق
اَلْمُعَرِّي إِلَى مِثْل هَذَا اَلْمَوْضُوع فَكَانَتْ رِسَالَة اَلْغُفْرَان مَصْدَرًا لِمَا كَتَبَ أُدَبَاء
اَلشَّرْق وَالْغَرْب مِنْ اَلْقِصَص اَلْخَيَالِيَّة اَلْمُمْتِعَة .
وَأَسْتَطِيع اَلْقَوْل أَنَّ مُصِيبَة اَلرَّجُل فِي بَصَره مَدَّتْ فِي خَيَاله فَجَعَلَ يَتَنَاوَل مَوَاضِيع
لَمْ يَسْبِق إِلَيْهَا , وَقَدْ أُوتِيَ اَلْمُعَرِّي ذَكَاء حَادًّا وَلَهُ طَرِيقَته اَلْخَاصَّة فِي
اَلتَّفْكِير وَطَرِيقَة اَلتَّعْبِير , وَإِنَّهُ لِمَنْ اَلْمُؤَكَّد أَنَّ اَلْمُعَرِّي قَدْ سَجَّلَ رَأْيه فِي كَثِير
مِنْ اَلْمَسَائِل اَللُّغَوِيَّة وَالنَّقْدِيَّة فِي هَذِهِ اَلرِّسَالَة , وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ صِنْف سُكَّان
اَلْجَنَّة وَالنَّار أَصْنَافًا وَجَعَلَهُمْ مَرَاتِب بَعْضهَا فَوْق بَعْض فَوَضْع فِي أَقْصَى اَلْجَنَّة
بُيُوتًا حَقِيرَة وَأَسْكَنَ فِيهَا شُعَرَاء اَلرِّجْز وَقَالَ لَهُمْ لَقَدْ صَدَقَ اَلْحَدِيث اَلْمَرْوِيّ : ‎ " ‎
إِنَّ اَللَّه يُحِبّ مَعَالِي اَلْأُمُور وَيَكْرَه بِالْإِغْوَاءِ " وَإِنَّ اَلرِّجْز لِمَنْ سفساف القريض
قَصَّرْتُمْ أَيُّهَا اَلنَّفَر فَقَصَرَ بِكُمْ " . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى رَأْي اَلْمُعَرِّي فِي اَلرِّجْز وَلَمْ يَكُنْ
يُنَظِّم شَعْرًا عَلَى هَذَا اَلْبَحْر .
وَطَبَعَتْ رِسَالَة اَلْغُفْرَان لِلْمَرَّةِ اَلْأُولَى عَام 3091 فِي مِصْر , وَهِيَ مَا تَعْرِف بِطَبْعَة
أَمِين هِنْدِيَّة , ثُمَّ طَبَعَتْ أَجْزَاء مِنْ هَذِهِ اَلرِّسَالَة شَرْحهَا اَلْأُسْتَاذ كَامِل كِيلَانِيّ ,
وَتَلًّا ذَلِكَ طَبْعَة مُحَقَّقَة أَصْدَرَتْهَا دَار اَلْمَعَارِف بِمِصْر لِلدُّكْتُورَةِ عَائِشَة عَبْد
اَلرَّحْمَن ( بِنْت اَلشَّاطِئ ) وَأُعِيدَ طَبْعهَا عِدَّة مَرَّات , وَهَدَّ أَوَّل طَبْعَة كَامِلَة مُحَقِّقَة
لِرِسَالَة اَلْغُفْرَان , وَقَدْ اَلْمُحَقِّقَة نُسْخَة " كوبريلي زادة بِالْإِغْوَاءِ " ,
أَصْلًا لِطَبْعَتِهَا وَلَكِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ اِسْتَأْنَسَتْ بِعِدَّة مَخْطُوطَات لِرِسَالَة اَلْغُفْرَان , وَبِمَا
نَشَرَ فِي مَجَلَّة اَلْجَمْعِيَّة اَلْآسْيَوِيَّة اَلْمَلَكِيَّة مِنْ مَخْطُوط نِيكِلْسُون وَفِي بَيْرُوت ظَهَرَتْ
طَبْعَة تِجَارِيَّة عَام 4691 صَدَرَتْ عَنْ " دَار صَادَرَ وَدَارَ بَيْرُوت " منقوله بِشَكْل سيء
عَنْ اَلطَّبْعَة اَلَّتِي حَقَّقَتْهَا اَلدُّكْتُورَة بِنْت اَلشَّاطِئ وَقَدْ حَوَتْ هَذِهِ اَلطَّبْعَة , أَخْطَاء
كَثِيرَة وَأَسَاءَتْ إِلَى نُصُوص رِسَالَة اَلْغُفْرَان إِسَاءَة كَبِيرَة .
أَمَّا هَذِهِ اَلطَّبْعَة اَلْجَدِيدَة لِرِسَالَة اَلْغُفْرَان , فَقَدْ اُعْتُمِدَتْ فِي تَحْقِيقهَا عَلَى
مَخْطُوطَة حَدِيثَة هِيَ طِبْق اَلْأَصْل , عَنْ مَخْطُوط " كوبريلي زادة " , وَقَدْ تَفَضَّلَ اَلسَّيِّد
" سي رَابِح بُو رِبَاط " بِالْإِغْوَاءِ هَذِهِ اَلْمَخْطُوطَة إِلَّا أَنِّي لَا أُنْكِر اَلْبَتَّةَ أَنَّ
اَلطَّبْعَة اَلرَّابِعَة , اَلْمُحَقِّقَة اَلَّتِي نَشَرَتْهَا اَلدُّكْتُورَة , عَائِشَة عَبْد اَلرَّحْمَن قَدْ
أَفَادَتْنِي كَثِيرًا وَسَهَّلَتْ عَلَيَّ فَهُمْ بَعْض نُصُوص اَلْغُفْرَان وَالْإِلْمَام بِمَا جَاءَ فِي بَقِيَّة
اَلْمَخْطُوطَات مِنْ كَلِمَات قُرِئَتْ أَوْ رَسَمَتْ بِشَكْل يُغَايِر مَا جَاءَ فِي مَخْطُوطَة كوبريلي
رَادَّة اَلْأَصْلِيَّة , وَلَا شَكّ أَنَّ مَا جَاءَ فِي نُسْخَة " سي رَابِح بُو رِبَاط " يَخْتَلِف بَعْض
اَلشَّيْء عَنْ طَبْعَة اَلدُّكْتُورَة بِنْت اَلشَّاطِئ وَذَلِكَ يَعُود إِلَى لَهُمْ اَلنَّاسِخ لِبَعْض
اَلْكَلِمَات أَوْ سُوء فَهْمه لَهَا و إِنَّنِي سَأُشِيرُ عِنْدَمَا أُجِدّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَة إِلَى
تَرْجِيحَات نُسْخَة رَابِح بُو رِبَاط , بِرَمْز " سي ‎ " فَعَسَى أَنْ يَنْفَع ذَلِكَ جُمْهُور اَلْأُدَبَاء
.
وَإِنِّي أَرَى مِنْ اَلْأَهَمِّيَّة بِمَكَان أَنْ أُشِير إر رورو بَعْض اَلْأَخْطَاء اَلطَّفِيفَة فِي
شُرُوح طَبْعَة اَلدُّكْتُورَة عَائِشَة عَبْد اَلرَّحْمَن , فَقُمْت بِتَصْحِيح هَذِهِ اَلْأَخْطَاء أَثْنَاء
شَرْحِي لِغَرِيب رِسَالَة اَلْغُفْرَان إِلَّا إِنِّي لَمْ أَتَعَرَّض للاعلام بِالتَّرْجَمَةِ أَوْ اَلتَّحْقِيق
وَإِنِّي أَفْضَل أَنْ نُفْرِد لاعلام اَلْغُفْرَان رِسَالَة خَاصَّة تَتَنَاوَل سَيْرهمْ بِإِسْهَاب , وَقَدْ
أَقُوم إِذَا سَنَحَتْ لِي اَلْفُرْصَة , بِهَذَا اَلْعَمَل أَنْ شَاءَ اَللَّه تَعَالَى .
وَقَدْ لَاحَظَتْ اَلْمُحَقِّقَة اَلْفَاضِلَة أَنَّ اَلْمُعَرِّي يَشْرَح بَعْض غَرِيب أَلْفَاظه أَوْ يَأْتِي
بِبَعْض مُلَاحَظَاته وَتَعْلِيقَاته , وَيَضَعهَا فِي سِيَاق اَلنَّصّ اَلْعَامّ لِلْغُفْرَانِ , أَوْ أَنَّهُ
رَحِمَهُ اَللَّه , يَخْرُج بِشَكْل مُلْفِت لِلنَّظَرِ عَنْ سِيَاق حَدِيثَة اَلْأَصْلِيّ , إِلَى حَدِيث آخَر
لَهُ عَلَاقَة , مَا بِحَدِيث اَلْأَوَّل , وَقَدْ ظَنَنْت اَلدُّكْتُورَة عَائِشَة عَبْد اَلرَّحْمَن , هَذَا
اِسْتِطْرَادًا مِنْ أَبِي اَلْعَلَاء وَشُرُوحًا مُعْتَرِضَة لَهُ , فَكَتَبَتْ تَقُول .
" فَإِذَا أَبْعَدَنَا عَنْ أُسْلُوب اَلْغُفْرَان تُهْمَة تَشَتُّت اَلْأَفْكَار وَانْعِدَام اَلرَّبْط
اَلْمَعْنَوِيّ بَقِيَ ملحظان آخَرَانِ , عَلَى اَلتَّرْتِيب , قَدْ يَرُدّ إِلَيْهِمَا مَا نَرَاهُ مِنْ تَمَزُّق
اَلنُّظُم فِي اَلْأُسْلُوب وَهُوَ شَيْء آخَر غَيْر مَا قِيلَ مِنْ اَلتَّشَتُّت وَالْعَجْز عَنْ اَلرَّبْط
أَوَّلهمَا اَلِاسْتِطْرَاد .
فَقَدْ كَانَ أَبُو اَلْعَلَاء يَكْثُر اَلْخُرُوج عَنْ اَلْمَوْضُوع اَلَّذِي يَتَحَدَّث فِيهِ , مُسْتَطْرِدًا
إِلَى حَدِيث آخَر , مِمَّا يَدْعُو إِلَيْهِ , أَوْ هِيَ دَاعٍ مِنْ اَلنُّظُم أَوْ اَلْمَعْنَى وَلَا عَيْب
فِي هَذَا لَوْ أَنَّهُ أَخَذَ بِاعْتِدَال , لَكُنَّا نُلَاحِظ عَلَى اَلشَّيْخ أَنَّهُ كَانَ يُسْرِف فِي ذَلِكَ
إِسْرَافًا , وَاضِحًا , يُفْسِد وَحِدَّة اَلْمَوْضُوع , وَيَعْبَث بِالنُّظُمِ .
وَمَا ظَنّك بِاسْتِطْرَاد يَسْتَغْرِق أَكْثَر مِنْ نِصْف اَلرِّسَالَة , أَعْنِي تِلْكَ اَلرِّحْلَة إِلَى
اَلْعَالَم اَلْآخَر , فَقَدْ كَانَتْ كُلّهَا اِسْتِطْرَادًا سَاقَ إِلَيْهِ تَقْدِير أَبِي اَلْعَلَاء لِمَا
اُفْتُتِحَ بِهِ أَبَّنَ القارح رِسَالَته مِنْ تَمْجِيد اَللَّه ? .
قَالَ اِبْن القارح : ‎ " ‎ اِسْتِفْتَاحًا بِاسْمِهِ , واستبجاحا بِبَرَكَتِهِ , وَالْحَمْد لِلَّهِ
اَلْمُبْتَدِئ بِالنِّعَمِ اَلْمُنْفَرِد بِالْقَدَمِ , اَلَّذِي جَلَّ عَنْ شِبْه اَلْمَخْلُوقَات وَصِفَات
اَلْمُحْدَثِينَ وَلِي اَلْحَسَنَات اَلْمُبَرَّأ مِنْ اَلسَّيِّئَات اَلْعَادِل , فِي أَفْعَاله , وَالصَّادِق فِي
أَقْوَاله خَالِق اَلْخَلْق ومبديه ومبقيه مَا شَاءَ ومنفيه " .
فَرَدَّ أَبُو اَلْعَلَاء : ‎ " وَقَدْ وَصَلَتْ اَلرِّسَالَة اَلَّتِي بِحَرِّهَا بِالْحُكْمِ مَسْجُور وَمَنْ
قَرَأَهَا لَا شَكّ مَأْجُور . أَلْفِيَّتهَا مُفْتَتَحَة بِتَمْجِيد صَدَرَ عَنْ بَلِيغ مَجِيد , وَفِي قُدْرَة
رَبّنَا جَلَّتْ عَظَمَته أَنْ يَجْعَل كُلّ حَرْف مِنْهَا شَبَح نُور , وَلَا يَمْتَزِج بِمَقَال اَلزُّور . .
وَلَعَلَّهُ - سُبْحَانه , قَدْ نَصُبّ لِسُطُورِهَا , اَلْمُنْجِيَة مِنْ اَللَّهَب , مَعَارِج مِنْ اَلْفِضَّة
أَوْ اَلذَّهَب , تُعَرِّج بِهَا اَلْمَلَائِكَة مِنْ اَلْأَرْض اَلرَّاكِدَة , إِلَى اَلسَّمَاء , وَتَكْشِف عَنْ
سجوف اَلظَّلْمَاء " .
وَمِنْ هُنَا صَاحَبَهُ إِلَى اَلْجَنَّة , وَمَا زَالَ بِهِ فِي رِحْلَته , حَتَّى أَكْمَلَ طَوَافه
بِالْعَالَمِ اَلْآخَر , وَجْنَته وَنَاره , لِيَعُودَ بَعْد ذَلِكَ , إِلَى اَلرَّدّ عَلَى اَلسَّطْر
اَلْخَامِس مِنْ رِسَالَة صَاحِبه .
وَأَبُو اَلْعَلَاء حِين يَسْتَطْرِد يُخْلِص لِلْمَوْضُوعِ اَلْجَدِيد اَلَّذِي أُقْحِمهُ فِي حَدِيثه فَلَا
يَدْعُهُ إِلَّا بَعْد أَنْ يَسْتَوْفِيه مَهْمَا يُطِلّ اَلْقَوْل , وانك لِتَكَادَ تَنْسَى اَلْمَوْضُوع اَلْأَوَّل
اَلَّذِي كَانَ يُحَدِّثك فِيهِ مِنْ قَبْل , إِلَى أَنْ يُذَكِّرك بِهِ , رَجَعَ أَبِي اَلْعَلَاء إِلَيْهِ ,
وَهُوَ لَا يَنْسَى مَا كَانَ فِيهِ قَبْل أَنْ يَمْضِي مُسْتَطْرِدًا .
و اَلْأَمْر يُهَوِّن لَوْ أَنَّهُ يَسْتَطْرِد فِي اَلْمَرَّة اَلْوَاحِدَة , إِلَى مَسْأَلَة وَاحِدَة , لَكِنَّ
اِسْتِطْرَاده غَالِبًا , يُسَلِّم إِلَى آخَر فَآخَر , حَتَّى لِيَتَسَاءَل اَلْقَارِئ فِي إِنْكَار ,
أَلَّا يَنْتَهِي ? وَلَكِنْ لَا غَرَابَة فِي ذَلِكَ فَإِنَّ غَيْرهَا - مِنْ اَلْأَلْفَاظ أَوْ اَلْمَسَائِل
فِي هَذَا يُدْرِكهُ بِبَيْتَيْ اَلنَّمِر بْن تولب , هُمَا يَذْكُر أَنَّهُ بِحِكَايَة خَلْف اَلْأَحْمَر مَعَ
أَصْحَابه فِي تَغْيِير اَلْقَافِيَة , مِنْ اَلنُّون إِلَى اَلصَّاد , وَهَذَا يُسَلِّمهُ إِلَى أَنْ يَمُرّ
بِالْقَافِيَّة عَلَى حُرُوف اَلْهِجَاء جَمِيعًا , مُسْتَطْرِدًا فِي ثَنَايَا ذَلِكَ اِسْتِطْرَادَات جَدِيدَة
يضرح بِهَا مَا يَعْرِض لَهُ مِنْ أَلْفَاظ أَوْ يُفَسِّر مَا يَأْتِي مِنْ شَوَاهِد .
وَلَعَلَّ عُلَمَاء اَلنَّفْس يُفَسِّرُونَ هَذَا , بِأَنْ يَرُدُّوهُ إِلَى ظُرُوف أَبِي اَلْعَلَاء , فَقَدْ كَانَ
يُمْلِي وَلَا يَكْتُب , وَطَبِيعَة اَلْإِمْلَاء - وَبِخَاصَّة إِذَا كَانَ مِنْ غَيْر مَكْتُوب - لَا تُعَيِّن
عَلَى مِثْل اَلتَّحْدِيد وَالتَّقْيِيد اَللَّذَيْنِ فِي اَلْكِتَابَة , أَوْ لَعَلَّ هَذِهِ الاستطرارات
اَلْجُزْئِيَّة لَمْ تَكُنْ سِوَى مَظْهَر لِعَرْض ثَرْوَته اَللُّغَوِيَّة , وَوَسِيلَة إِلَى كَشْف اَلْمَكْنُون مِنْ
ذَخِيرَته فِيهَا .
وَنَنْتَقِل إِلَى الملحظ اَلْآخَر , عَلَى تَرْتِيبه لمعانية فِي اَلْغُفْرَان وَهُوَ اَلشُّرُوح
اَلْمُتَعَرِّضَة .
وَهَذَا يُشْبِه يَكُون نَوْعًا مِنْ اَلِاسْتِطْرَاد , وَكَانَ مِنْ اَلْمُمْكِن أَنْ يَرِد إِلَيْهِ وَيُدْمِج
فِيهِ لَوْلَا أَنَّهُ لَازَمَهُ طُول إِمْلَائِهِ لِلرِّسَالَةِ , حَتَّى صَارَ مِنْ حَقّه أَنْ يُفْرِد بِالنَّظَرِ
وَيَخُصّ بِالذِّكْرِ .
وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ قَبْل - أَثْنَاء اَلْحَدِيث عَنْ تَأْثِير اَلْغُفْرَان بِسُوء اَلْحَيَاة اَلْأَدَبِيَّة
فِي عَصْرهَا , كَيْفَ كَانَ هَذَا اَلشَّرْح يُؤْذِي اَلْجَمَال اَلْفَنِّيّ , فِي قِصَّته , وَيُشَوِّه صُوَره


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-09, 01:58 AM   #13
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


وَهَذَا يُشْبِه يَكُون نَوْعًا مِنْ اَلِاسْتِطْرَاد , وَكَانَ مِنْ اَلْمُمْكِن أَنْ يَرِد إِلَيْهِ وَيُدْمِج
فِيهِ لَوْلَا أَنَّهُ لَازَمَهُ طُول إِمْلَائِهِ لِلرِّسَالَةِ , حَتَّى صَارَ مِنْ حَقّه أَنْ يُفْرِد بِالنَّظَرِ
وَيَخُصّ بِالذِّكْرِ .
وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ قَبْل - أَثْنَاء اَلْحَدِيث عَنْ تَأْثِير اَلْغُفْرَان بِسُوء اَلْحَيَاة اَلْأَدَبِيَّة
فِي عَصْرهَا , كَيْفَ كَانَ هَذَا اَلشَّرْح يُؤْذِي اَلْجَمَال اَلْفَنِّيّ , فِي قِصَّته , وَيُشَوِّه صُوَره
وَمَشَاهِده , وأحسبنا نَذْكُر مَشْهَد أوس بْن حَجَر فِي اَلنَّار , وَكَيْفَ أُفْسِدهُ اَلشَّيْخ
بِذِكْر " درم " اَلَّذِي - هُوَ مِنْ بَنِي دُبّ بْن مَرَّة , بْن ذُهِلَ بْن شيبان - وَكَانَ فِعْل
فِي مَشْهَد اَلْحَشْر , وَحَيْثُ كَانَ يَعْتَرِض بِالشَّرْحِ فِي مَوْقِف , كَانَ جَدِيرًا بِأَنْ يُذْهِلهُ
عَنْ كُلّ شَرْح وَاسْتِطْرَاد .
قَالَ : ‎ " ‎ لِمَا نَهَضَتْ أَنْتَفِض مِنْ اَلرِّيم , وَحَضَرَتْ حرصات اَلْقِيَامَة , - الحرصات
أَبْدَلَتْ اَلْحَاء مِنْ اَلْعَيْن - ذَكَرَتْ اَلْآيَة " تُعَرِّج اَلْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ فِي يَوْم
كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة , فَأَصْبِر صَبْرًا جَمِيلًا " , فَطَالَ عَلَيَّ اَلْأَمَد ,
و اِشْتَدَّ اَلظَّمَأ , والومد - و الومد , شِدَّة اَلْحَرّ وَسُكُون اَلرِّيح , كَمَا قَالَ ,
أَخُوكُمْ اَلنُّمَيْرِيّ .
كَأَنَّ بَيْض نَعَام فِي ملاحفها جَلَاهُ طَلّ وَقَيْظ لَيْله وَمَدّ
وَأَنَا رَجُل مهياف - أَيّ سَرِيع اَلْعَطَش - فافتكرت أَمْرًا , لَا قِوَام لِمَثَلِي بِهِ و
لَقِيَنِي اَلْمَلِك اَلْحَفِيظ بِمَا زُبُر لِي مِنْ فِعْل اَلْخَيْر , فَوَجَدَتْ حَسَنَاتِي قَلِيلَة كالنفأ
فِي اَلْعَام , اَلْأَرْمَل , بِالْإِغْوَاءِ , اَلرِّيَاض , وَالْأَرْمَل قَلِيل اَلْمَطَر . . " .
هَذَا هُوَ رَأْي اَلدُّكْتُورَة عَائِشَة عَبْد اَلرَّحْمَن , فِي شُرُوح وَتَفْسِيرَات أَبِي اَلْعَلَاء
وَالْمُحَقِّقَة اَلْفَاضِلَة لَا تَحِيد عَنْ هَذَا اَلرَّأْي قَيْد أُنْمُلَة , وَتُصِرّ - بِعِنَاد , عَلَى
إِثْبَاته .
وَقَدْ رَدَّتْ " اِحْتِمَال أَنْ تَكُون هَذِهِ اَلشُّرُوح لَيْسَتْ مِنْ صُلْب اَلْمَتْن , وَأَنَّ أَبَا
اَلْعَلَاء لَمْ يَمَلّهَا لِتَكْتُب فِي رِسَالَته , إِلَى اِبْن القارح , وَإِنَّمَا كَانَ يُفَسِّر بِهَا
لِتَلَامِيذِهِ - اَلَّذِينَ كَانُوا يُحِيطُونَ بِهِ وَيَكْتُبُونَ عَنْهُ - مَا يَعْرِض لَهُ مِنْ مَسَائِل ,
لُغَوِيَّة , أَوْ يَشْرَح لَهُمْ مَا يَظُنّهُ غَامِضًا عَلَى بَعْضهمْ فَكَتَبَهَا اَلتَّلَامِيذ فِي اَلْمَتْن ,
وَلَمْ يَكُنْ مَقْصِد أَبِي اَلْعَلَاء , أَنْ تَكُون فِيهِ " .
وَقَالَتْ اَلْمُحَقِّقَة اَلْفَاضِلَة أَنَّ اَلشَّيْخ كَانَ يَقْصِد . , حِين أَمَّلَاهَا شَارِحًا , مُعْتَرِضًا
, أَنَّ تَسْجِيل فِي رِسَالَته , إِلَى أَبَّنَ القارح , وَالْتَمَسَتْ لِإِثْبَات صِحَّة رَأْيهَا هَذَا
بَعْض اَلْأَمْثِلَة " اَلْغُفْرَان " .
يَقُول مَثَلًا : ‎ فَقَدْ غَرَسَ لِمَوْلَايَ اَلشَّيْخ اَلْجَلِيل , شَجَر فِي اَلْجَنَّة , لَذِيذ ,
اجتناء , كُلّ شَجَرَة مِنْهُ تَأْخُذ مَا بَيْن اَلْمَشْرِق إِلَى اَلْمَغْرِب بِظِلّ غاط , لَيْسَتْ فِي
اَلْأَعْيُن كَذَات أَنْوَاط , وَذَات أَنْوَاط , - كَمَا يَعْلَم - شَجَرَة كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا فِي
اَلْجَاهِلِيَّة " ‎ .
قَوْله " يُعْلَم " هُنَا - يَعْنِي أَبَّنَ القارح , دَلِيل , عَلَى وُجُود اَلشَّرْح فِي أَصْل "
اَلرِّسَالَة " اَلْمُوَجَّهَة إِلَيْهِ .
وَأَقْرَأ مِثْل قَوْله فِي " اَلْغُفْرَان ‎ " عِنْدَمَا أَرَادَ أَنْ يُفَسِّر بَيْت اَلْأَعْشَى :
نَبِيّ يَرَى مَا لَا يَرَوْنَ وَذَكَرَهُ أَغَار لِعُمْرِي فِي اَلْبِلَاد وانجدا
وَهُوَ ( رَأْي اِبْن القارح ) أَكْمَلَ اَللَّه زَيَّنَهُ اَلْمَحَافِل , بِحُضُورِهِ - يَعْرِف اَلْأَقْوَال
فِي هَذَا اَلْبَيْت , وَإِنَّمَا أُذَكِّرهَا , لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوز أَنْ يَقْرَأ هَذَا اَلْهَذَيَان نَاشِئ
لَمْ يَبْلُغهُ ذَاكَ , حَكَى اَلْفِرَاء , وَحْده , أَغَار فِي مَعْنَى غَار إِذَا أَتَى اَلْغَوْر ,
وَإِذَا صَحَّ هَذَا اَلْبَيْت لِلْأَعْشَى فَلَمْ يُرَدْ بِالْإِغَارَةِ إِلَّا ضِدّ الأنجاد . . . " .
فَهَذَا اَلشَّرْح اَلْمُقْحِم فِي مَتْن اَلنَّصّ , لَمْ يَمَلّهُ أَبُو اَلْعَلَاء حَاشِيَة , وَلَا كَانَ
يُوَجِّههُ إِلَى تَلَامِيذه وَحْدهمْ , وَأَنَّمَا خَاطَبَ بِهِ بْن القارح مُحْتَاطًا عَنْ اِتِّهَامه
بِالْجَهْلِ بِقَوْلِهِ " وَهُوَ يُعْرَف اَلْأَقْوَال فِي هَذَا اَلْبَيْت " وَمُعْتَذِرًا عَنْ إِرْسَالهَا إِلَيْهِ
بِأَنَّهُ " قَدْ يَجُوز أَنْ يَقْرَأ هَذَا اَلْهَذَيَان , نَاشِئ لَمْ يَبْلُغهُ " , مَا يَعْرِف اَلشَّيْخ
مِنْ أَقْوَال اَللُّغَوِيِّينَ فِيهِ و ثُمَّ تَنْتَهِي اَلدِّرَاسَة , اَلْجَلِيلَة , إِلَى قَوْل هِيَ إِذَنْ
ظَاهِرَة مِنْ اَلظَّوَاهِر اَلْأُسْلُوبِيَّة لِلْغُفْرَانِ , لَا تَكَاد تُخْطِئهَا فِي صَفَحَاتهَا إِلَّا
قَلِيلًا , وَقَدْ بَلَّغَ مِنْ وَلَع أَبِي اَلْعَلَاء بِهَا أَنَّ ضُحَى فِي سَبِيلهَا - كَمَا فَعَلَ فِي
اَلِاسْتِطْرَاد - بِوَحْدَة اَلسِّيَاق وَنَسَق اَلْجُمَل , وَتَرْتِيب اَلْمَعَانِي , لِيَرْضَى رَغْبَته فِي
اِسْتِيفَاء تِلْكَ اَلشُّرُوح , اَلْمُقْحِمَة " .
وَإِنِّي أُوَافِق اَلدِّرَاسَة الجيلة عَلَى أَنَّ اَلْمُعَرِّي , كَانَ يَقْصِد حِين أَمَلِي تَفْسِيرَاته
وَشُرُوحه أَنْ تُسَجِّل فِي رِسَالَته , إِلَى اِبْن القارح , وَإِنِّي أَرْفُض , تَبَعًا لِذَلِكَ
اَلِاحْتِمَال , اَلْقَائِل بِأَنَّ : اَلتَّلَامِيذ : كَتَبُوهَا فِي اَلْمَتْن وَلَكِنِّي أَرْفُض أَنْ يَكُون
اَلْمُعَرِّي قَدْ أَوْرَدَ هَذِهِ اَلِاسْتِطْرَادَات وَتِلْكَ اَلْمُعْتَرِضَات فِي ثَنَايَا اَلْمَتْن , وَبِذَلِكَ
يُفْسِد اَلْمَشَاهِد اَلْجَمِيلَة , اَلَّتِي تَحَدَّثَتْ عَنْهَا اَلدِّرَاسَة , فَأَبُو اَلْعَلَاء لَا يَرْتَكِب
مِثْل هَذَا اَلْغَلَط اَلشَّنِيع , وَمَا هَذَا اَلَّذِي ظَنَّتْهُ , صَاحِبَتنَا اَلْفَاضِلَة اِسْتِطْرَاد
وَشُرُوحًا مُعْتَرِضَة إِلَّا شُرُوح أَبِي اَلْعَلَاء اَلْخَاصَّة , اَلَّتِي يَجِب أَنْ تُوضَع فِي اَلْهَامِش
,


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-09, 02:00 AM   #14
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


وَحَسَب طَرِيقَتنَا اَلْحَدِيثَة .
وَلَا يَفُوتنِي أَنْ أُذَكِّر اَلْمُحَقِّقَة اَلْجَلِيلَة أَنَّ مِنْ عَادَة اَلنُّسَّاخ اَلْقُدَامَى كِتَابَة
اَلشُّرُوح وَالتَّفْسِيرَات , وَالتَّعْلِيقَات بِمِدَاد لَوْنه يُغَايِر لَوْن اَلْمِدَاد اَلْمَكْتُوب بِهِ
اَلْمَتْن , أَوْ وَضْع عَلَامَة خَاصَّة , فِي بِدَايَة اَلشَّرْح أَوْ اَلتَّفْسِير , وَوَضَعَ عَلَامَة
مُمَاثِلَة فِي نِهَايَته وَأَغْلَب اَلظَّنّ أَنَّ اَلدُّكْتُورَة عَائِشَة عَبْد اَلرَّحْمَن , قَدْ غَابَ عَنْهَا
هَذَا اَلْأَثَر أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَنْتَبِه إِلَيْهِ , فَنَقَلَتْ نَصّ رِسَالَة اَلْغُفْرَان مَعَ اَلشُّرُوح
اَلْهَامِشِيَّة اَلدَّاخِلِيَّة , فِيهِ فى طَرِيقَة اَلنُّسَّاخ اَلْقُدَامَى دُون أَنْ تَضَع هَذِهِ اَلشُّرُوخ
فِي أَسْفَل اَلصَّفَحَات , عَلَى عَادَتنَا فِي هَذِهِ اَلْأَيَّام , فَوَقَعَتْ بِذَلِكَ فِي خَطَأ كَبِيرًا
مَا كُنْت أَحْسَب أَنَّهَا تَقَع فِيهِ .
أَمَّا مَا ظَنَنْته اِسْتِطْرَادًا يَسْتَغْرِق أَكْثَر مِنْ نِصْف اَلرِّسَالَة , ( أَيّ اَلرِّحْلَة إِلَى
اَلْعَالَم اَلْآخَر ) سَاقَ إِلَيْهِ تَقْدِير أَبِي اَلْعَلَاء , لِمَا أَفْتَتِح بِهِ أَبِنْ القارح
رِسَالَته مِنْ تَمْجِيد اَللَّه , فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ اَلِاسْتِطْرَاد فِي شَيْء , وَكُلّ مَا فِي اَلْأَمْر
أَنَّ اَلْمُعَرِّي كَانَ يَلْهُو بِابْن القارح فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلهُ هَذَا اَلْعَالَم , اَلَّذِي يُؤْمِن
بِهِ فَرَسْمه لَهُ سَاخِرًا , هَازِلًا . وَلَقَدْ سَبَقَ لَنَا اَلْقَوْل أَنَّ اَلْمُعَرِّي , لَا يُؤْمِن
بِالْجَنَّةِ وَالنَّار , وَلَا شَكّ أَنَّ اَلصُّورَة اَلَّتِي رَسَمَهَا اَلْمُعَرِّي لِلْعَالَمِ اَلْآخَر , مَا
هِيَ إِلَّا تصويراته اَلْخَاصَّة , مُطَعَّمَة بِآيَات اَلْقُرْآن وَمَا جَاءَ فِي اَلْأَخْبَار , عَنْ
اَلْيَوْم اَلْآخِر , وَأَحْوَاله وَقَدْ بَلَغَ اَلْمُعَرِّي ذُرْوَة اَلسُّخْرِيَة وَالْهَزْل , عِنْدَمَا مَزَجَ
تصويراته اَلْخَيَالِيَّة وَمَا قَالَتْهُ اَلْأَسَاطِير وَالْخُرَافَات عَنْ اَلْيَوْم اَلْآخِر بِالْآيَاتِ
اَلْقُرْآنِيَّة , وَمَا ثَبَتَ مِنْ اَلْأَحَادِيث اَلنَّبَوِيَّة اَلشَّرِيفَة , لَقَدْ خَلَطَ مَا هُوَ بِحُكْم
اَلْخَيَال وَالْخُرَافَة مَعَ مَا هُوَ بِحُكْم الحيقة حَوْل اَلنَّار و اَلْجَنَّة , أَوْ لَيْسَ هُوَ
اَلْقَائِل فِي اللزوميات :
أَفِيقُوا أَفِيقُوا يَا غُوَاة فَإِنَّمَا دِيَانَاتكُمْ مَكْر مِنْ اَلْقُدَمَاء ? !
تَقُول اَلدِّرَاسَة وَأَنَّك لِتَكَادَ تَنْسَى اَلْمَوْضُوع اَلْأَوَّل , اَلَّذِي كَانَ يُحَدِّثك فِيهِ مِنْ قَبْل
إِلَى أَنْ يُذَكِّرك بِهِ رَجَعَ أَبِي اَلْعَلَاء إِلَيْهِ , وَهُوَ لَا يَنْسَى مَا كَانَ فِيهِ قَبْل أَنْ
يَمْضِي مُسْتَطْرِدًا " .
فَإِذَا كُنَّا نَحْنُ نَنْسَى , بَعْد أَنْ خَلَطْنَا اَلشُّرُوح بِالْمَتْنِ فَأَنْ اَلْمُعَرِّي لَا يَنْسَى
بِالتَّأْكِيدِ لِأَنَّهُ يَعْلَم تَمَام اَلْعِلْم , أَنَّهُ يَضَع تَفْسِيرًا أَوْ شَرْحًا هَامِشِيًّا , لَا
اِسْتِطْرَادًا كَمَا زَعَمَتْ اَلدُّكْتُورَة عَائِشَة عَبْد اَلرَّحْمَن فَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَكُون كَالْمُعَرِّي
, لَا نَنْسَى فَمَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَضَع شُرُوح أَبِي اَلْعَلَاء فِي مَكَانهَا اَلطَّبِيعِيّ , أَيْ
فِي اَلْهَامِش اَلَّذِي تُغِير وَضْعه اَلْآن عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي اَلْمَاضِي , وَإِنِّي أُوَافِق
اَلسَّيِّدَة اَلْفَاضِلَة أَنَّ هَذِهِ اَلتَّفْسِيرَات , لَمْ تَكُنْ سِوَى مَظْهَر لِعَرْض ثَرْوَته اَللُّغَوِيَّة
وَوَسِيلَة إِلَى كَشْف اَلْمَكْنُون , مِنْ ذَخِيرَته فِيهَا .
وَيَبْدُو أَنَّ اَلْمُحَقِّقَة اَلْفَاضِلَة , قَدْ اِلْتَبَسَ عَلَيْهَا اَلْأَمْر فَظَنَّتْ أَنَّ اَلْمُؤَلِّف لَا
يَحِقّ لَهُ أَنْ يَشْرَح أَوْ يُفَسِّر , بَعْض كَلِمَاته , أَوْ فِقْرَاته , أَوْ أَنْ أَفْعَل ذَلِكَ - فَإِنَّ
عَلَيْهِ أَنْ يَضَعهَا فِي ثَنَايَا , اَلْمَتْن لَا فِي اَلْهَامِش عَلَى اِعْتِبَار أَنَّ " ‎ اَلْهَامِش "
هُوَ مِنْ حَقّ مَنْ يَتَقَدَّم , لِيَشْرَح اَلْمَتْن , أَوْ يُعَلِّق عَلَيْهِ , ثُمَّ تَأْتِي وَتَأْخُذ عَلَى
اَلْمُؤَلِّف شُرُوحه وَتَفْسِيرَاته وَتَعْتَبِرهَا اِسْتِطْرَادَات مُمِلَّة سَمِجَة .
إِنَّ كُلّ مَا أَسْتَطِيع قَوْله بفي هَذَا اَلْمَقَام , أَنَّ اَلدُّكْتُورَة عَائِشَة عَبْد اَلرَّحْمَن قَدْ
أَخْطَأَتْ فِي تَحْقِيق نَصّ رِسَالَة اَلْغُفْرَان , تَحْقِيقًا عِلْمِيًّا كَامِلًا لِأَنَّهَا شُرُوح
أَبِي اَلْعَلَاء دَاخِلَة فِي ثَنَايَا اَلْمَتْن , وَلَمْ تُحَاوِل وَضْع هَذِهِ اَلشُّرُوح اَلْهَامِشِيَّة ,
فِي مَوْضِعهَا اَلْمُنَاسِب عَلَى طَرِيقَتنَا اَلْحَدِيثَة أَيْ فِي أَسْفَل اَلصَّفَحَات , مَعَ إِعْطَاء
كُلّ تَفْسِير أَوْ شَرْح عَلَامَة خَاصَّة تَبَنِّي وَضْعه اَلْمُنَاسِب فِي اَلْمَتْن وَعَلَى اَلْهَامِش .
وَلَا رَيْب أَنَّ يُوسُف اَلْبَدِيعِيّ ( وَهُوَ مِنْ أُدَبَاء اَلْقَرْن اَلْحَادِي عَشَر ) قَدْ فَطِنَ إِلَى
هَذِهِ اَلْحَقِيقَة فَأَوْرَدَ فِي كِتَابه " أَوْج اَلتَّحَرِّي عَنْ حيثية أَبِي اَلْعَلَاء اَلْمُعَرِّي " ,
قِطْعَة طَوِيلَة مِنْ " اَلْغُفْرَان " وَجَعَلَ شُرُوح أَبِي اَلْعَلَاء فِي هَامِش اَلْكِتَاب , كَمَا
نَفْعَل نَحْنُ فِي عَصْرنَا هَذَا , فَالشُّرُوح اَلْهَامِشِيَّة اَلَّتِي كَانَ مِنْ عَادَة نُسَّاخ اَلْقَرْن
اَلرَّابِع , إِثْبَاتهَا فِي ثَنَايَا , اَلْمَتْن , ضِمْن عَلَامَات فَارِقَة , مُصْطَلَح عَلَيْهَا


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-09, 02:01 AM   #15
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني


وَلَا يَفُوتنِي أَنْ أُذَكِّر اَلْمُحَقِّقَة اَلْجَلِيلَة أَنَّ مِنْ عَادَة اَلنُّسَّاخ اَلْقُدَامَى كِتَابَة
اَلشُّرُوح وَالتَّفْسِيرَات , وَالتَّعْلِيقَات بِمِدَاد لَوْنه يُغَايِر لَوْن اَلْمِدَاد اَلْمَكْتُوب بِهِ
اَلْمَتْن , أَوْ وَضْع عَلَامَة خَاصَّة , فِي بِدَايَة اَلشَّرْح أَوْ اَلتَّفْسِير , وَوَضَعَ عَلَامَة
مُمَاثِلَة فِي نِهَايَته وَأَغْلَب اَلظَّنّ أَنَّ اَلدُّكْتُورَة عَائِشَة عَبْد اَلرَّحْمَن , قَدْ غَابَ عَنْهَا
هَذَا اَلْأَثَر أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَنْتَبِه إِلَيْهِ , فَنَقَلَتْ نَصّ رِسَالَة اَلْغُفْرَان مَعَ اَلشُّرُوح
اَلْهَامِشِيَّة اَلدَّاخِلِيَّة , فِيهِ فى طَرِيقَة اَلنُّسَّاخ اَلْقُدَامَى دُون أَنْ تَضَع هَذِهِ اَلشُّرُوخ
فِي أَسْفَل اَلصَّفَحَات , عَلَى عَادَتنَا فِي هَذِهِ اَلْأَيَّام , فَوَقَعَتْ بِذَلِكَ فِي خَطَأ كَبِيرًا
مَا كُنْت أَحْسَب أَنَّهَا تَقَع فِيهِ .
أَمَّا مَا ظَنَنْته اِسْتِطْرَادًا يَسْتَغْرِق أَكْثَر مِنْ نِصْف اَلرِّسَالَة , ( أَيّ اَلرِّحْلَة إِلَى
اَلْعَالَم اَلْآخَر ) سَاقَ إِلَيْهِ تَقْدِير أَبِي اَلْعَلَاء , لِمَا أَفْتَتِح بِهِ أَبِنْ القارح
رِسَالَته مِنْ تَمْجِيد اَللَّه , فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ اَلِاسْتِطْرَاد فِي شَيْء , وَكُلّ مَا فِي اَلْأَمْر
أَنَّ اَلْمُعَرِّي كَانَ يَلْهُو بِابْن القارح فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلهُ هَذَا اَلْعَالَم , اَلَّذِي يُؤْمِن
بِهِ فَرَسْمه لَهُ سَاخِرًا , هَازِلًا . وَلَقَدْ سَبَقَ لَنَا اَلْقَوْل أَنَّ اَلْمُعَرِّي , لَا يُؤْمِن
بِالْجَنَّةِ وَالنَّار , وَلَا شَكّ أَنَّ اَلصُّورَة اَلَّتِي رَسَمَهَا اَلْمُعَرِّي لِلْعَالَمِ اَلْآخَر , مَا
هِيَ إِلَّا تصويراته اَلْخَاصَّة , مُطَعَّمَة بِآيَات اَلْقُرْآن وَمَا جَاءَ فِي اَلْأَخْبَار , عَنْ
اَلْيَوْم اَلْآخِر , وَأَحْوَاله وَقَدْ بَلَغَ اَلْمُعَرِّي ذُرْوَة اَلسُّخْرِيَة وَالْهَزْل , عِنْدَمَا مَزَجَ
تصويراته اَلْخَيَالِيَّة وَمَا قَالَتْهُ اَلْأَسَاطِير وَالْخُرَافَات عَنْ اَلْيَوْم اَلْآخِر بِالْآيَاتِ
اَلْقُرْآنِيَّة , وَمَا ثَبَتَ مِنْ اَلْأَحَادِيث اَلنَّبَوِيَّة اَلشَّرِيفَة , لَقَدْ خَلَطَ مَا هُوَ بِحُكْم
اَلْخَيَال وَالْخُرَافَة مَعَ مَا هُوَ بِحُكْم الحيقة حَوْل اَلنَّار و اَلْجَنَّة , أَوْ لَيْسَ هُوَ
اَلْقَائِل فِي اللزوميات :
أَفِيقُوا أَفِيقُوا يَا غُوَاة فَإِنَّمَا دِيَانَاتكُمْ مَكْر مِنْ اَلْقُدَمَاء ? !
تَقُول اَلدِّرَاسَة وَأَنَّك لِتَكَادَ تَنْسَى اَلْمَوْضُوع اَلْأَوَّل , اَلَّذِي كَانَ يُحَدِّثك فِيهِ مِنْ قَبْل
إِلَى أَنْ يُذَكِّرك بِهِ رَجَعَ أَبِي اَلْعَلَاء إِلَيْهِ , وَهُوَ لَا يَنْسَى مَا كَانَ فِيهِ قَبْل أَنْ
يَمْضِي مُسْتَطْرِدًا " .
فَإِذَا كُنَّا نَحْنُ نَنْسَى , بَعْد أَنْ خَلَطْنَا اَلشُّرُوح بِالْمَتْنِ فَأَنْ اَلْمُعَرِّي لَا يَنْسَى
بِالتَّأْكِيدِ لِأَنَّهُ يَعْلَم تَمَام اَلْعِلْم , أَنَّهُ يَضَع تَفْسِيرًا أَوْ شَرْحًا هَامِشِيًّا , لَا
اِسْتِطْرَادًا كَمَا زَعَمَتْ اَلدُّكْتُورَة عَائِشَة عَبْد اَلرَّحْمَن فَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَكُون كَالْمُعَرِّي
, لَا نَنْسَى فَمَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَضَع شُرُوح أَبِي اَلْعَلَاء فِي مَكَانهَا اَلطَّبِيعِيّ , أَيْ
فِي اَلْهَامِش اَلَّذِي تُغِير وَضْعه اَلْآن عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي اَلْمَاضِي , وَإِنِّي أُوَافِق
اَلسَّيِّدَة اَلْفَاضِلَة أَنَّ هَذِهِ اَلتَّفْسِيرَات , لَمْ تَكُنْ سِوَى مَظْهَر لِعَرْض ثَرْوَته اَللُّغَوِيَّة
وَوَسِيلَة إِلَى كَشْف اَلْمَكْنُون , مِنْ ذَخِيرَته فِيهَا .
وَيَبْدُو أَنَّ اَلْمُحَقِّقَة اَلْفَاضِلَة , قَدْ اِلْتَبَسَ عَلَيْهَا اَلْأَمْر فَظَنَّتْ أَنَّ اَلْمُؤَلِّف لَا
يَحِقّ لَهُ أَنْ يَشْرَح أَوْ يُفَسِّر , بَعْض كَلِمَاته , أَوْ فِقْرَاته , أَوْ أَنْ أَفْعَل ذَلِكَ - فَإِنَّ
عَلَيْهِ أَنْ يَضَعهَا فِي ثَنَايَا , اَلْمَتْن لَا فِي اَلْهَامِش عَلَى اِعْتِبَار أَنَّ " ‎ اَلْهَامِش "
هُوَ مِنْ حَقّ مَنْ يَتَقَدَّم , لِيَشْرَح اَلْمَتْن , أَوْ يُعَلِّق عَلَيْهِ , ثُمَّ تَأْتِي وَتَأْخُذ عَلَى
اَلْمُؤَلِّف شُرُوحه وَتَفْسِيرَاته وَتَعْتَبِرهَا اِسْتِطْرَادَات مُمِلَّة سَمِجَة .
إِنَّ كُلّ مَا أَسْتَطِيع قَوْله بفي هَذَا اَلْمَقَام , أَنَّ اَلدُّكْتُورَة عَائِشَة عَبْد اَلرَّحْمَن قَدْ
أَخْطَأَتْ فِي تَحْقِيق نَصّ رِسَالَة اَلْغُفْرَان , تَحْقِيقًا عِلْمِيًّا كَامِلًا لِأَنَّهَا شُرُوح
أَبِي اَلْعَلَاء دَاخِلَة فِي ثَنَايَا اَلْمَتْن , وَلَمْ تُحَاوِل وَضْع هَذِهِ اَلشُّرُوح اَلْهَامِشِيَّة ,
فِي مَوْضِعهَا اَلْمُنَاسِب عَلَى طَرِيقَتنَا اَلْحَدِيثَة أَيْ فِي أَسْفَل اَلصَّفَحَات , مَعَ إِعْطَاء
كُلّ تَفْسِير أَوْ شَرْح عَلَامَة خَاصَّة تَبَنِّي وَضْعه اَلْمُنَاسِب فِي اَلْمَتْن وَعَلَى اَلْهَامِش .
وَلَا رَيْب أَنَّ يُوسُف اَلْبَدِيعِيّ ( وَهُوَ مِنْ أُدَبَاء اَلْقَرْن اَلْحَادِي عَشَر ) قَدْ فَطِنَ إِلَى
هَذِهِ اَلْحَقِيقَة فَأَوْرَدَ فِي كِتَابه " أَوْج اَلتَّحَرِّي عَنْ حيثية أَبِي اَلْعَلَاء اَلْمُعَرِّي " ,
قِطْعَة طَوِيلَة مِنْ " اَلْغُفْرَان " وَجَعَلَ شُرُوح أَبِي اَلْعَلَاء فِي هَامِش اَلْكِتَاب , كَمَا
نَفْعَل نَحْنُ فِي عَصْرنَا هَذَا , فَالشُّرُوح اَلْهَامِشِيَّة اَلَّتِي كَانَ مِنْ عَادَة نُسَّاخ اَلْقَرْن
اَلرَّابِع , إِثْبَاتهَا فِي ثَنَايَا , اَلْمَتْن , ضِمْن عَلَامَات فَارِقَة , مُصْطَلَح عَلَيْهَا
عِنْدهمْ , وَقَدْ تُغَيِّر وَضْعهَا فِي اَلْقَرْن اَلْحَادِي عَشَر , وَأَصْبَحَ مَوْضِعهَا اَلْمُنَاسِب فِي
اَلْهَامِش و لَا شَكّ أَنَّ طَرِيقَة اَلنَّسْخ قَدْ تَطَوَّرَتْ فِي خِلَال هَذِهِ اَلْمُدَّة اَلطَّوِيلَة اَلَّتِي
تُفَضِّل بَيْن عَصْر اَلْمُعَرِّي وَعَصْر يُوسُف اَلْبَدِيعِيّ .
وَلَكِنَّ اَلدِّرَاسَة اَلْفَاضِلَة تَرْفُض هَذِهِ اَلطَّرِيقَة أَيْضًا فتوقل " وَلَسْنَا نَدْرِي أكانت
هَذِهِ اَلشُّرُوخ هَوَامِش فِي اَلْمَخْطُوطَة أَمْ هِيَ استخراجات مِنْ اَلنَّاشِر نَقَلَهَا مِنْ اَلْغُفْرَان
وَجَعَلَهَا هَوَامِش فَيَكُون ذَلِكَ قَوْلًا مِنْهُ بِهَذِهِ اَلْمَسْأَلَة , وَهِيَ ‎ أَنَّ هَذِهِ اَلشُّرُوخ
اَلْمُعْتَرِضَة لَيْسَتْ أَصْلًا مِنْ مَتْن اَلْغُفْرَان , بَلْ هِيَ حَوَاشٍ أَمَلَاهَا , أَبُو اَلْعَلَاء ,
عَلَى تَلَامِيذه وَلَمْ يَقْصِد أَنْ يَضَعهَا فِي رِسَالَته , إِلَى أَبَّنَ القارح ?
وَالْحَقِيقَة اَلَّتِي أَثْبَتْنَاهَا عَنْ اَلطَّرِيقَة اَلْقَدِيمَة , لِوَضْع اَلْهَوَامِش تَدُلّ بِوُضُوح
عَلَى أَنَّ شُرُوح أَبِي اَلْعَلَاء , هِيَ مِنْ مَتْن اَلْغُفْرَان , وَلَا شَكّ , وَلَكِنْ عَلَى اِعْتِبَار
أَنَّهَا هَوَامِش , بِالْإِغْوَاءِ أَوْ شُرُوح مُعْتَرِضَة كَمَا تَزْعُم اَلدُّكْتُورَة عَائِشَة عَبْد
اَلرَّحْمَن .
وَإِنَّنِي أُؤَكِّد هُنَا أَنَّ اَلْمُعَرِّي , قَدْ أُمْلِي رِسَالَته , إِلَى اِبْن القارح , بِمَا
فِيهَا مِنْ شُرُوح , و " حَوَاشٍ أَمْلَاهَا أَبُو اَلْعَلَاء عَلَى تَلَامِيذه لِيَنْتَفِعُوا بِهَا
اَلثَّابِت عِنْدِي أَيْضًا أَنَّ تَلَامِيذ اَلْمُعَرِّي , قَدْ اخذوا عَنْهُ اَلْعِلْم مُبَاشَرَة , دُون
اَللُّجُوء إِلَى كِتَاب مَخْطُوط لَهُ لِقِرَاءَتِهِ , فِي حَضْرَته فَإِذَا حَضَرَ اَلْمَاء فَلَا لُزُوم
مُطْلَقًا لِلتَّيَمُّمِ .
وَإِنِّي فِي هَذِهِ اَلطَّبْعَة اَلْجَدِيدَة , لِرِسَالَة اَلْغُفْرَان , قَدْ وَضَعَتْ شُرُوخ أَبِي اَلْعَلَاء
اَلْهَامِشِيَّة ضِمْن هَذِهِ اَلْإِشَارَة [ . . . . . ] أَيّ حَسَب بِطَرِيقَة اَلنَّسْخ اَلْقَدِيمَة فِي عَصْر
أَبِي اَلْعَلَاء وَإِنِّي اِلْفِتْ نَظَر اَلدُّكْتُورَة عَائِشَة عَبْد اَلرَّحْمَن , إِلَى أَنَّهُ حَتَّى وَلَوْ
لَمْ تَجِد , فِي اَلْمَخْطُوطَات اَلَّتِي لَدَيْهَا , اَلْمُصْطَلَح اَلْمَفْرُوض وَضَعَهُ لِلتَّفْرِيقِ بَيْن
اَلْمَتْن وَالشَّرْح فِي رِسَالَة اَلْغُفْرَان , فَأَنَّ اَلْخَطَأ فِي ذَلِكَ يَعْدُو إِلَى أَنَّ اَلنُّسَّاخ لَمْ
ينتهبوا إِلَى هَذِهِ اَلنَّاحِيَة فَأَهْمَلُوهَا , وَإِنِّي لَا أَسْتَبْعِد أَنْ يَرْتَكِب هَذَا اَلْخَطَأ
اَلنَّاسِخ اَلَّذِي أَمْلَى عَلَيْهِ اَلْمُعَرِّي اَلرِّسَالَة , وَأَنَّهُ مِنْ اَلْقَسْوَة عَلَى أَبِي اَلْعَلَاء
أَنْ نَحْمِلهُ مُضَاعَفَات هَذَا اَلْخَطَأ , فَالرَّجُل أَعْمَى , وَهُوَ لَا يَدْرِي مَاذَا يَفْعَل كَاتِبه
هَلْ تَقَيَّدَ بِأُصُول اَلنُّسَخ اَلْمُتَّبَعَة فِي ذَلِكَ اَلْعَصْر أَمْ لَا وَلَيْسَ مِنْ اَلْمَعْقُول أَنْ
يَرْتَكِب اَلْمُعَرِّي خَطَأ كَهَذَا وَهُوَ اَلَّذِي إِنَّمَا أَمْلَى رِسَالَته , إِلَى أَبِنْ القارح لِيُثْبِت
لَهُ وَلِأُدَبَاء اَلْعَصْر أَنَّهُ يُمَاثِلهُمْ أَوْ يَفُوقهُمْ فِي اَلْعِلْم وَالْأَدَب , فَهَدَف رِسَالَة
اَلْأَوَّل هُوَ اَلتَّبَاهِي بِالثَّرْوَةِ اَللُّغَوِيَّة وَالْأَدَبِيَّة اَلَّتِي يَمْلِكهَا اَلْمُعَرِّي ثُمَّ يَأْتِي
اَلْهَدَف اَلثَّانِي وَهُوَ اَلسُّخْرِيَة والهزؤ بِمُعْتَقَدَات اِبْن القارح , وَمُحَاوِلَة اَللَّهْو بِهِ
فِي جَنَّة مِنْ تَصَوُّر أَبَّنَ اَلْعَلَاء وَجَحِيم تَخَيُّلَاته فَإِنَّنَا لَا نَسْتَطِيع أَبَدًا اَلزَّعْم بِأَنْ
" جَنَّة اَلْغُفْرَان " هِيَ جَنَّة اَلْآخِرَة أَوْ أَنَّ حَجْم اَلْغُفْرَان هُوَ نَار اَللَّه اَلْمُوقَدَة



تقبلوا خالص تقديري هنا نهاية الرساله
أتمنى أسعد وافضل الفائدة من الرساله وهي تستحق التقدير والتثبيت


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المعري-فيلسوف , الحمداني , الشعراء-حسين

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لوحة -حسين يعقوب الحمداني حسين الحمداني أشعار وقصائد 12 25-01-23 02:35 PM
نصوص شعرية * حسين يعقوب الحمداني حسين الحمداني أشعار وقصائد 18 22-11-22 12:38 AM
مِنأ -حسين يعقوب الحمداني حسين الحمداني أشعار وقصائد 9 22-11-22 12:37 AM
ال-دي-أن-أي -حسين يعقوب الحمداني حسين الحمداني أشعار وقصائد 18 17-01-22 07:03 PM
كتب ليث الحمداني -هكذا كان العراق حسين الحمداني حدائق بابل 16 02-03-16 02:22 AM


الساعة الآن 06:29 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

زهرة الشرق   -   الحياة الزوجية   -   صور وغرائب   -   التغذية والصحة   -   ديكورات منزلية   -   العناية بالبشرة   -   أزياء نسائية   -   كمبيوتر   -   أطباق ومأكولات -   ريجيم ورشاقة -   أسرار الحياة الزوجية -   العناية بالبشرة

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك

(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)