العودة   منتديات زهرة الشرق > >{}{ منتديات الزهرة الثقافية }{}< > شخصيات وحكايات

شخصيات وحكايات حكايات عربية - قصص واقعية - قصص قصيرة - روايات - أعلام عبر التاريخ - شخصيات إسلامية - قراءات من التاريخ - اقتباسات كتب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 17-02-09, 02:42 AM   #1
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث


محمد مهدي الجواهري

محمد مهدي الجواهريمحمد مهدي الجواهري (1899 -1997) شاعر العرب الأكبر، وهو من العراق ولد في النجف ، كان أبوه عبد الحسين عالماً من علماء النجف ، أراد لابنه أن يكون عالماً دينيا، لذلك ألبسه عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العاشرة. يرجع اصول الجواهري إلى عائلة تُعرف بآل الجواهر ، نسبة إلى أحد أجداد الأسرة والذي يدعى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، والذي ألّف كتاباً في الفقه واسم الكتاب "جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام " ومنه جاء لقب الجواهري. قرأ القرآن وهو في سن مبكرة ثم أرسله والده إلى مُدرّسين كبار ليعلموه الكتابة والقراءة و النحو والصرف و البلاغة و الفقه. وخطط له والده وآخرون أن يحفظ في كل يوم خطبة من نهج البلاغة وقصيدة من ديوان أبو الطيب المتنبي .

نظم الشعر في سن مبكرة‏ وأظهر ميلاً منذ الطفولة إلى الأدب فأخذ يقرأ في كتاب البيان والتبيين ومقدمة ابن خلدون ودواوين الشعر ،‏ كان في أول حياته يرتدي لباس رجال الدين ، واشترك في ثورة العشرين عام 1920 ضد السلطات البريطانية.

صدر له ديوان "بين الشعور والعاطفة" عام (1928). وكانت مجموعته الشعرية الأولى قد أعدت منذ عام (1924) لتُنشر تحت عنوان "خواطر الشعر في الحب والوطن والمديح". ثم اشتغل مدة قصيرة في بلاط الملك فيصل الأول عندما تُوج ملكاً على العراق وكان لا يزال يرتدي العمامة ، ثم ترك العمامة كما ترك الاشتغال في البلاط الفيصلي وراح يعمل بالصحافة بعد أن غادر النجف إلى بغداد ، فأصدر مجموعة من الصحف منها جريدة ( الفرات ) وجريدة ( الانقلاب ) ثم جريدة ( الرأي العام ) وانتخب عدة مرات رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين .

استقال من البلاط سنة 1930 ، ليصدر جريدته (الفرات) ثم ألغت الحكومة امتيازها وحاول أن يعيد إصدارها ولكن بدون جدوى ، فبقي بدون عمل إلى أن عُيِّنَ معلماً في أواخر سنة 1931 في مدرسة المأمونية ، ثم نقل لإلى ديوان الوزارة رئيساً لديوان التحرير . في أواخر عام 1936 أصدر جريدة (الانقلاب) إثر الانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي لكنه سرعان مابدأ برفض التوجهات الياسية للإنقلاب فحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر وبإيقاف الجريدة عن الصدور شهراً .

بعد سقوط حكومة الانقلاب غير اسم الجريدة إلى (الرأي العام) ، ولم يتح لها مواصلة الصدور ، فعطلت أكثر من مرة بسبب ما كان يكتب فيها من مقالات ناقدة للسياسات المتعاقبة . لما قامت حركة مارس 1941 أيّدها وبعد فشلها غادر العراق مع من غادر إلى إيران ، ثم عاد إلى العراق في العام نفسه ليستأنف إصدار جريدته (الرأي العام) . انتخب رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين ونقيباً للصحفيين, واجه مضايقات مختلفة فغادر العراق عام 1961 إلى لبنان ومن هناك استقر في براغ سبع سنوات ، وصدر له فيها في عام 1965ديوان جديد سمّاه " بريد الغربة " .

عاد إلى العراق في عام 1968 وخصصت له حكومة الثورة راتباً تقاعدياً قدره 150 ديناراً في الشهر ، في عام 1973 رأس الوفد العراقي إلى مؤتمر الأدباء التاسع الذي عقد في تونس . تنقل بين سوريا ،مصر، المغرب، والأردن ، ولكنه استقر في دمشق ب سوريا ونزل في ضيافة الرئيس الراحل حافظ الأسد. كرمه الرئيس الراحل «حافظ الأسد» بمنحه أعلى وسام في البلاد ، وقصيدة الشاعر الجواهري (دمشق جبهة المجد» يعتبر ذروة من ذرا شعره ومن أفضل قصائده ‏تجول في عدة دول ولكن كانت اقامته الدائمة في دمشق التي امضى فيها بقية حياته حتى توفى عن عمر قارب المئة سنه ، في سوريا وجد الاستقرار والتكريم ، ومن قصائده الرائعة قصيدة عن دمشق وامتدح فيها الرئس حافظ الاسد ، (سلاما ايها الاسد..سلمت وتسلم البلد) .

(شاعر العرب الاكير ) ، اللقب الذي استحقه بجدارة في وقت مبكر في حياته الشعرية ، وارتضاه له العرب اينما كان واينما كان شعره ، رغم ان الساحة العربية كانت مليئة بالشعراء الكبار في عصره . فقد حصل على هذا اللقب عن جدارة تامة واجماع مطلق .

ان أهم ميزة في شعر الجواهري انه استمرار لتراث الشعر العربي العظيم ، ولعلنا لانجافي الحقيقة اذا قلنا انه لم يظهر بعد المتنبي شاعر مثل الجواهري ، وهذه قناعة العرب جميعا . قارئين ونقادا وباحثين . في الوقت ذاته واكب الحركة الوطنية العربية ، وعبر في شعره عنها ، وقدم لها قصائد ستظل خالدة . بالرغم من قصائده المطولة التي وصلت إلى أكثر من 100 بيت ،لاتجد فيها غير الجيد من الشعر ، فكله على وجه التقريب من اسمى الشعر العربي واقومه مادة ولغة واسلوبا ، وهي كذلك في اعلى مدارج الابداع ، وارقى مراقي الفن .

لهذا طبع شعر الجواهري في ذهن الناشئة من كل جيل مفاهيم وقيما شعرية انسانية لا تزول . اما التجديد في شعره فجاء مكللا بكل قيود الفن الرفيع من وزن و قافية ولغة واسلوب وموسيقى وجمال واداء .

توفي الجواهري في احدى مشافي العاصمة السورية دمشق سنة 1997 عن عمر يناهز الثامنة و التسعين.


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-02-09, 02:43 AM   #2
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث


الراعي - لمحمد مهدي الجواهري



--------------------------------------------------------------------------------

لَفَّ العَباءَةَ واستقَـلاَّ *** بقطيعِهِ عَجَلاً .. ومَهْلا

وانصاعَ يَسْحَبُ خَلْفَهُ *** رَكْبَاً يُعَرِّس حيثُ حَلاَّ (1)

أوْفَى بها.. صِلاًّ يُزاحِمُ *** في الرمالِ السُّمْـرِ صِلاَّ

يَرْمِي بها جبلاً فَتَتْبَعُ *** خَطْوَهُ .. ويَحُـطُّ سَهْلاَّ

أبداً يقاسِمُها نَصِيباً *** من شَظيف العَيْشِ عَدْلاََ

يَصْلَى كما تَصْلَى الهجيرَ *** ويستقي ثَمَدَاً وضَحْلاَ (2)

يُومِي فَتَفْهَمُ ما يُرِيدُ *** ويَرْتَمِي فَتَهُـبُّ عَجْلَى

وتكادُ تُعْرِبُ "بالثُغَاءِ" *** " هَلاَ " وَ"حَيِّهَلاَ " وَ"هَلاَّ"

يَقْفُو بِعَيْنِ النَّسْرِ تَرْقُبُ *** أَجْـدَلاً - ذئباً أَزَلاَّ (3)

وَيَحُوطُ كالأَسَدِ ٱجْتبى *** أشبالَهُ .. جَدْيَاً وَسَخْلاَ

أَوْفَى على رَوْضِ الحياةِ *** يَجُوبُهُ حَقْلاً فَحَقْـلاَ

وٱرْتَدَّ يَحْمِلُ ما يَصُونُ*** ذَمَاً .. وما أَغْنَى وقَلاَّ (4)

نَايَاً يَذُودُ بهِ الوَنَى *** وَيُلَوّنُ النَّسَـقَ المُمِلاَّ

وعَصَاً يَهُشُّ بها .. ويَرْقَى*** ذروةً .. ويُقِيـمُ ظِلاَّ

* * * * *

يا رَاعِيَ الأغْنَامِ : أَنْتَ *** أَعَزُّ مملكـةً وأَعْلَى

للهِ مُلْكُكَ مَا أَدَقَّ *** وَمَا أَرَقَّ . . وَمَا أَجَلاَّ

يرْوِيكَ مِنْ رَشَفَاتِهِ *** قَمَرُ السَّمَاءِ إذا أَطَلاَّ

ويَقِيكَ في وَعْثِ السُّرَى *** وَهَجُ المَجَرَّةِ أَنْ تَضِلاَّ

وتَلُمُّ في الأَسْحَارِ عنقودَ *** النُّجُـومِ إذا تَـدَلَّى

أبداً تَشِيمُ الجَوَّ تَعْرِفُ*** عندَهُ خِصْبَاً ومَحْـلاَ

وتكادُ تَغْرِفُ وابِلاً *** حذقَاً وَتَرْشِفُ منهُ طَلاَّ

تُزْهَى ، بأنَّ الأرضَ خضراءٌ*** زَهَتْ نَبْتَاً وبَقْـلاَ

وَتَوَدُّ لَوْ حَنَتِ الفُصُولُ *** على الرَّبِيعِ فَكُنَّ فَصْلاَ

وَلَوَ أَنَّ كُلَّ الناسِ مِثْلُكَ *** من غَضَارَتِـها تَمَلَّى

أُعْطِيتَ نَفْسَاً لَمَّتِ الأجزاءَ *** حتّى صِرْنَ " كُلاَّ "

وأَسَلْتَ " بَعْدَاً " في غِمَارِ*** الذكرياتِ فعادَ " قَبْلاَ "

عُرْيَانُ من " عُقَدِ " النفوسِ*** عَصِلْنَ .. فٱستعصينَ حَلاَّ (5)

لم تَرْعَ من شجرِ التَّكَالُبِ *** وارفاً حقـداً وَغلاّ

وجهلْتَ مُتْرَفَةَ الحياةِ *** تَذَوَّبَـتْ كَسَـلاً وذُلاَّ

لم تَخْشَ بُؤْسَ غَدٍ يُشَوِّهُ *** من جمالِ " اليومِ " شَكْلاَ

لا تعرف " الأشباحَ " رَعْنَاءَ*** الخُطَى ، شَوْهَاءَ ، خَجْلَى

أَطْيَافُكَ الزَّهْرُ النَّدِيُّ*** شَـذَاً ، وألوانَـاً وظِلاَّ

وَمَطَارِحُ "المِعْزَى" تُعَاوِدُ *** عندَها وَطَنَـاً وأَهْلاَ

وَكَسَرْحِكَ الرَّاعِي تَعِنُّ*** رُؤَاكَ مُعْلَمَـةً وَغُفْـلاَ

تَرْتَادُ "مُعْجَمَةَ" الدُّنَى*** وَتَجُوسُهَا فَصْـلاً فَفَصْلاَ

وَتُسَامِرُ النَّجْوَى تَعُبُّ *** بِكَأْسِهَا نَهَـلاً وَعَلاَّ

وَتَرَى مُلَوَّنَةَ الطبيعـةِ *** إِذْ تَغُـمُّ .. وإذْ تَحَـلَّى

غُولَ الظَّلامِ إذَا تَعَلَّى *** وَسَنَا الصَّبَـاحِ إذَا تَجَلَّى

* * * * *

حُيِّيتَ رَاعِي الضَّأْنِ *** يَرْعَى ذِمَّـةً كَبُرَتْ و"إِلاَّ "

تلكَ الأمانةُ أَوْدَعَتْ *** أثقالَهَا كُفُـوَاً وَأَهْـلاَ

كانتْ لهُ غَـلاًّ وَآخَرُ*** شَاءَهَا للناسِ غُـلاَّ (6)

ما أقبحَ الدُّنيا إذا*** ضَلَّ الرُّعَـاةُ وما أَضَـلاَّ

* * * * *

-----------------

* نظمت والشاعر في طريقه إلى مدينة "علي الغربي"، حيث كان يعمل بالزراعة ، إذ استوقفه مشهد الرعيان في المروج الخضر .

(1) التعريس : نزول القوم من السفر في آخر الليل .

(2) الثمد : الماء القليل .

(3) الأجدل : الصقر . الأزَلّ : السريع .

الذما : بقية الروح .

(5) عصل : أعوج في صلابة خلقة .

(6) يريد بغل الأولى : المغنم ، وبالغل بالضم : القيد



حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-02-09, 02:47 AM   #3
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
مشاركة رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث


فداء لمثواك - لمحمد مهدي الجواهري



--------------------------------------------------------------------------------



فِدَاءً لمثواكَ من مَضْــجَعِ *** تَنَـوَّرَ بالأبلَـجِ الأروَعِ

بأعبقَ من نَفحاتِ الجِنـانِ *** رُوْحَاً ومن مِسْكِها أَضْـوَعِ

وَرَعْيَاً ليومِكَ يومِ "الطُّفوف" *** وسَقْيَاً لأرضِكَ مِن مَصْـرَعِ

وحُزْناً عليكَ بِحَبْسِ النفوس *** على نَهْجِكَ النَّيِّـرِ المَهْيَـعِ

وصَوْنَاً لمجدِكَ مِنْ أَنْ يُذَال *** بما أنتَ تأبـاهُ مِنْ مُبْـدَعِ

فيا أيُّها الوِتْرُ في الخالدِينَ *** فَـذَّاً ، إلى الآنَ لم يُشْفَـعِ

ويا عِظَةَ الطامحينَ العِظامِ *** للاهينَ عن غَـدِهِمْ قُنَّـعِ

تعاليتَ من مُفْزِعٍ للحُتوفِ *** وبُـورِكَ قبـرُكَ من مَفْـزَعِ

تلوذُ الدُّهورُ فَمِنْ سُجَّدٍ *** على جانبيـه ومـن رُكَّـعِ

شَمَمْتُ ثَرَاكَ فَهَبَّ النَّسِيمُ *** نَسِيـمُ الكَرَامَـةِ مِنْ بَلْقَـعِ

وعَفَّرْتُ خَدِّي بحيثُ استراحَ *** خَـدٌّ تَفَرَّى ولم يَضْـرَعِ

وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغَاةِ *** جالتْ عليـهِ ولم يَخْشَـعِ

وَخِلْتُ وقد طارتِ الذكرياتُ *** بِروحي إلى عَالَـمٍ أرْفَـعِ

وطُفْتُ بقبرِكَ طَوْفَ الخَيَالِ *** بصومعـةِ المُلْهَـمِ المُبْـدِعِ

كأنَّ يَدَاً مِنْ وَرَاءِ الضَّرِيحِ *** حمراءَ " مَبْتُـورَةَ الإصْبَـعِ"

تَمُدُّ إلى عَالَـمٍ بالخُنُـوعِ *** وَالضَّيْـمِ ذي شَرَقٍ مُتْـرَعِ

تَخَبَّطَ في غابـةٍ أطْبَقَـتْ *** على مُذْئِبٍ منـه أو مُسْبِـعِ

لِتُبْدِلَ منهُ جَدِيـبَ الضَّمِيرِ *** بآخَـرَ مُعْشَوْشِـبٍ مُمْـرِعِ

وتدفعَ هذي النفوسَ الصغارَ *** خوفـاً إلى حَـرَمٍ أَمْنَـعِ



تعاليتَ من صاعِقٍ يلتظي *** فَإنْ تَـدْجُ داجِيَـةٌ يَلْمَـعِ

تأرّمُ حِقداً على الصاعقاتِ *** لم تُنْءِ ضَيْـراً ولم تَنْفَـعِ

ولم تَبْذُرِ الحَبَّ إثرَ الهشيمِ *** وقـد حَرَّقَتْـهُ ولم تَـزْرَعِ

ولم تُخْلِ أبراجَها في السماء *** ولم تأتِ أرضـاً ولم تُدْقِـعِ

ولم تَقْطَعِ الشَّرَّ من جِذْمِـهِ *** وغِـلَّ الضمائـرِ لم تَنْـزعِ

ولم تَصْدِمِ الناسَ فيما هُـمُ *** عليهِ مِنَ الخُلُـقِ الأوْضَـعِ

تعاليتَ من "فَلَـكٍ" قُطْـرُهُ *** يَدُورُ على المِحْـوَرِ الأوْسَـعِ

فيابنَ البتـولِ وحَسْبِي بِهَا *** ضَمَاناً على كُلِّ ما أَدَّعِـي

ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثْلُها *** كمِثْلِكِ حَمْـلاً ولم تُرْضِـعِ

ويابنَ البَطِيـنِ بلا بِطْنَـةٍ *** ويابنَ الفتى الحاسـرِ الأنْـزَعِ

ويا غُصْنَ "هاشِـمَ" لم يَنْفَتِحْ *** بأزْهَـرَ منـكَ ولم يُفْـرِعِ

ويا واصِلاً من نشيدِ الخُلود *** خِتَـامَ القصيـدةِ بالمَطْلَـعِ

يَسِيرُ الوَرَى بركابِ الزمانِ *** مِنْ مُسْتَقِيـمٍ ومن أظْلَـعِ

وأنتَ تُسَيِّرُ رَكْبَ الخلـودِ *** مـا تَسْتَجِـدُّ لـهُ يَتْبَـعِ



تَمَثَّلْتُ يومَكَ في خاطـرِي *** ورَدَّدْتُ صوتَكَ في مَسْمَعِـي

وَمَحَّصْتُ أمْرَكَ لم أرْتَهِـبْ *** بِنَقْلِ " الرُّوَاةِ " ولم أُُخْـدَعِ

وقُلْتُ: لعـلَّ دَوِيَّ السنين *** بأصـداءِ حادثِـكَ المُفْجِـعِ

وَمَا رَتَّلَ المُخْلِصُونَ الدُّعَاةُ *** من " مُرْسِلِينَ " ومنْ "سُجَّـعِ"

ومِنْ "ناثراتٍ" عليكَ المساءَ *** والصُّبْحَ بالشَّعْـرِ والأدْمُـعِ

لعلَّ السياسةَ فيما جَنَـتْ *** على لاصِـقٍ بِكَ أو مُدَّعِـي

وتشريدَهَا كُلَّ مَنْ يَدَّلِي *** بِحَبْلٍ لأهْلِيـكَ أو مَقْطَـعِ

لعلَّ لِذاكَ و"كَوْنِ" الشَّجِيّ *** وَلُوعَاً بكُـلِّ شَـجٍ مُوْلـعِ

يداً في اصطباغِ حديثِ الحُسَيْن *** بلونٍ أُُرِيـدَ لَـهُ مُمْتِـعِ

وكانتْ وَلَمّا تَزَلْ بَـــرْزَةً *** يدُ الواثِـقِ المُلْجَأ الألمعـي

صَناعَاً متى ما تُرِدْ خُطَّةً *** وكيفَ ومهما تُـرِدْ تَصْنَـعِ

ولما أَزَحْتُ طِلاءَ القُرُونِ *** وسِتْرَ الخِدَاعِ عَنِ المخْـدَعِ

أريدُ "الحقيقةَ" في ذاتِهَـا *** بغيرِ الطبيعـةِ لم تُطْبَـعِ

وجَدْتُكَ في صورةٍ لـم أُرَعْ *** بِأَعْظَـمَ منهـا ولا أرْوَعِ

وماذا! أأرْوَعُ مِنْ أنْ يَكُون *** لَحْمُكَ وَقْفَاً على المِبْضَـعِ

وأنْ تَتَّقِي - دونَ ما تَرْتَئـِي- *** ضميرَكَ بالأُسَّـلِ الشُّـرَّعِ

وأن تُطْعِمَ الموتَ خيرَ البنينَ *** مِنَ "الأَكْهَلِيـنَ" إلى الرُّضَّـعِ

وخيرَ بني "الأمِّ" مِن هاشِمٍ *** وخيرَ بني " الأب " مِنْ تُبَّـعِ

وخيرَ الصِّحابِ بخيرِ الصُّدُورِ *** كَانُـوا وِقَـاءَكُ ، والأذْرَعِ

وقَدَّسْتُ ذِكراكَ لم انتحِـلْ *** ثِيَـابَ التُّقَـاةِ ولم أَدَّعِ

تَقَحَّمْتَ صَدْرِي ورَيْبُ الشُّكُوكِ *** يِضِـجُّ بِجُدْرَانِـهِ الأَرْبَـعِ

وَرَانَ سَحَابٌ صَفِيقُ الحِجَاب *** عَلَيَّ مِنَ القَلَـقِ المُفْـزِعِ

وَهَبَّتْ رِياحٌ من الطَّيِّبَـاتِ *** و" الطَّيِّبِيـنَ " ولم يُقْشَـعِ

إذا ما تَزَحْزَحَ عَنْ مَوْضِعٍ *** تَأَبَّى وعـادَ إلى مَوْضِـعِ

وجَازَ بِيَ الشَّـكُّ فيما مَعَ *** " الجدودِ " إلى الشَّكِّ فيما معي

إلى أن أَقَمْتُ عَلَيْهِ الدَّلِيـلَ *** مِنْ " مبدأٍ " بِدَمٍ مُشْبَـعِ

فأسْلَمَ طَوْعَا ً إليكَ القِيَـادَ *** وَأَعْطَاكَ إذْعَانَـةَ المُهْطِـعِ

فَنَوَّرْتَ ما اظْلَمَّ مِنْ فِكْرَتِي *** وقَوَّمْتَ ما اعْوَجَّ من أضْلُعِـي

وآمَنْتُ إيمانَ مَنْ لا يَـرَى *** سِوَى العَقْل في الشَّكِّ مِنْ مَرْجَعِ

بأنَّ (الإباءَ) ووحيَ السَّمَاءِ *** وفَيْضَ النُّبُوَّةِ ، مِـنْ مَنْبَـعِ

تَجَمَّعُ في (جوهرٍ) خالِصٍ *** تَنَزَّهَ عن ( عَرَضِ ) المَطْمَـعِ

* * * * *

-----------------

* ألقاها الشاعر في الحفل الذي أقيم في كربلاء يوم 26 تشرين الثاني 1947، لذكرى استشهاد الحسين .

* نُشرت في جريدة " الرأي العام " العدد 229 في 30 تشرين الثاني 1947 .

* كُتب خمسة عشر بيتاً منها بالذهب على الباب الرئيسي الذي يؤدي إلى الرواق الحسيني



حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-02-09, 02:53 AM   #4
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث




بيت الجواهري



د. حسن علي محفوظ *

خرّجت النجف الأشرف – وهي مدينة العلم ومدرسة الفقه الكبرى في العالم الاسلامي – عشرات البيوت العلمية الفاضلة. تُربي صفوتها على (100) أسرة ممن عرّفت بهم المصادر والمراجع المتيسرة الموجودة.
وقد أنجبت هذه الأسر بمئات الأفاضل من المعارف، ربما زاد مشاهير أعلامهم على (1000) من فحولة الفقهاء والعلماء والأدباء والمؤلفين والمتفقهين.
ومن البيوتات النجفية القديمة المعرقة أسرة صاحب الجواهر الذي اشتهر بكتابه الكبير (جواهر الكلام) في الفقه. وانتسبت الأسرة الى الكتاب وعرفوا بآل صاحب الجواهر، وآل الجواهري، والجواهري من بعد. وهم من البيوت والأسر التي خرّجت العديد من العلماء والفضلاء ممن تعتز المكتبة العربية والتراث العربي والاسلامي بنتاجهم البارع في الدين والفقه والعلم والأدب والشعر.
سكن جدهم الأقدم الشيخ عبد الرحيم الملقب بـ (الشريف) بلدة النجف الأشرف في القرن الحادي عشر قبل ثلاثة قرون ونصف تقريباً. وردها من ناحية (الجبال) في المصطلح القديم.
وانما لقب الشيخ عبد الرحيم بالشريف لأنه سِبْط السيد محمد باقر الكبير بن الأمير السيد اسماعيل بن الأمير عماد الدين الخاتون آبادي الأفطسي من السادة الأفطسيّة.
والأفطسيّة هم ذرية الحسن الأفطس بن علي الأصغر بن الامام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).
خرج الأفطس مع محمد النفس الزكيّة بن عبد الله بن الحسن وبيده راية بيضاء وأبلى ولم يخرج معه أشجع منه ولا أصبر. وكان يقال له (رُمْح آل أبي طالب) لطُوله وطَوْله وكان صاحب راية محمد بن عبد الله الصفراء. وكان بينه وبين الصادق (ع) كلام. وأمر أن يكتبوا له بمائة دينار. أوصى الصادق (ع) لجماعة من عشيرته عند موته. فأوصى للأفطس بثمانين ديناراً، ووصل الصادق (ع) رَحٍِمه وإنْ قطع.
والمعروف أن شيخ الشرف العبيدلي النسّابة (437 هـ) عمل كتاباً وسمه بـ (الانتصار لبني فاطمة الأبرار) ذكر الأفطس وولده بصحّة النسب.
أعقب الشيخ عبد الرحيم الشريف – نزيل النجف جدّ الأسرة – ولدين هما: محمد الكبير صِهْر أبي الحسن الشريف العاملي الفُتوني النجفي، ومحمد الصغير – المتوفى سنة 1149 هـ - وهو جدّ الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر (جدّ الأسرة الجواهرية) ابن الشيخ باقر بن محمد الصغير هذا.
وأم الشيخ محمد حسن من السادة (آل صعبر) الحسنيّين، في العذار بالحلة. والفُتوني جَدّ بعض قدامى هذا البيت من طرف الأمّهات. وأمّ والد الشيخ صاحب الجواهر هي آمنة بنت محمد الكبير. وأمّ جدّه عبد الرحيم بنت السيد عبد الله، من خدم الروضة الحيدرية في عصره.
والشريف أبو الحسن الفتوني النباطي العاملي الجندبي المتوفى سنة (1138 هـ) هو من أكابر علماء عصره. ولهم نسبة الى السيد عبد الواسع بن الأمير محمد مهدي الخاتون آبادي الأفطسي الحسيني المتوفى سنة (1151 هـ).
صاحب الجواهر – اذن – يجمع في شخصيته النسبة الى البطنين من جهة السادة الأفطسيّة الحسينيين والسادة آل صعبر الحسنيين، والنسبة الى بني غفار عشيرة أبي ذر الغفاري الصحابي المشهور، من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان.
وتلتقي فيه من جهة عمود غفار بَليّ من قضاعة، وبجيلة من بني أنمار من كهلان وسعد العشيرة من كهلان كذلك، وقيس القحطانية من طرف الأمهات.
كان الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر واسطة العلماء في القرن الثالث عشر. وهو أحد الفحول الخمسة من تلاميذ الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء – المتوفى سنة 1228 هـ وكان من أركان العلم وأكابر الفقهاء وأساطين علماء الدين في هذا القرن.
وهو من رؤساء فحولة أئمة الدين في عصره بلغ تلاميذه أعلى مراتب الاجتهاد وأعلى رتب العلم وتلاميذه من أساتذة الفقهاء من بعد، وأفاضلهم الكبار هم أئمة الدين. وأتى من بعده الشيخ الأنصاري – المتوفى سنة 1281 هـ - الذي جاوز تلاميذه الأفاضل الألف من الرجال.
عرف الشيخ محمد حسن النجفي (جدّ آل الجواهري) بكتابه المشهور (جواهر الكلام في شرح شرائح الاسلام) ودعي (صاحب الجواهر) ولقّبت أسرته (آل الجواهري) به انتساباً الى الكتاب. والنسبة الى الكتب معروفة ,امثلتها كثيرة.
و (جواهر الكلام) من كتب الفقه الكبار، وهو في (44) مجلداً بخطّه.
ابتدأ الشيخ بتأليفه وهو ابن خمس وعشرين سنة. وقد استغرق تأليفه مدة تزيد على ثلاثين عاماً. وتأريخ الفرع سنة (1257 هـ).
يعد كتاب (الجواهر) الذي عرف الشيخ به، وانتسبت الأسرة الجواهرية إليه من شروح كتاب (الشرائح) المهمة التي ربما بلغت المائة. وقد عدّد شيخنا صاحب الذريعة منها (84) شرحاً ألفها أبطال العلم وصناديد الفقه. وأحصى (13) من حواشيه لأئمة الفقه والدين.
وكتاب (شرائح الاسلام في مسائل الحلال والحرام) المعروف بـ (الشرائع) من كتب الفقه التي مازالت تُدرّس في مدارس الدين منذ زمان المؤلف نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي المعروف بالمحقق الحلي و (المحقق) على الاطلاق المتوفى سنة (676 هـ) وهو خال العلامة الحلي المشهور المتوفى سنة (726 هـ).
يعدّ كتاب الشرائع من أحسن المتون الفقهية وأجملها تبويباً وترتيباً. ويعتبر من أجمعها للفروع والأحكام. وقد اعتمده الفقهاء واعتمدوا عليه وعوّلوا على آرائه.
اختصر المحقق كتابه الشرائع وسماه (المختصر النافع) أو (النافع في مختصر الشرائع) وهو أيضاً من متون الفقه المهمة المعوّل عليها.
اهتم العلماء بالمختصر اهتمامهم بالشرائع. ودار عليه التدريس والتعليق والشرح.
وقد أحصى شيخنا صاحب الذريعة (33) من شروحه و(9) من حواشيه لكبار العلماء والفقهاء.
نال كتاب (الجواهر) في شرح (الشرائع) من الاهتمام ما جعله من أصول الفقه وكتب الدرس في مدرسة النجف وفروعها في العالم الاسلامي، وهو أحد مصادر الاستنباط والبحث والتعليق وأحد مدارك الفتيا والحكم.
ولد صاحب الجواهر في مدينة النجف الأشرف – منزل آبائه وآباء آبائه من قبل – في حدود سنة (1200 هـ). وتوفي ظهر يوم الأربعاء غرّة شعبان سنة 1266 هـ. وهو جدّ الأسرة وربّ البيت.
تتلمذ الشيخ على علماء النجف وفقهائها، ومنهم الشيخ قاسم محيي الدين (1237 هـ) والسيد جواد العاملي صـــاحب مفتاح الكرامة (1226 هـ) جَدّ الســـادة بيت العاملي، والشيخ جعفر الكبير الجنابي النجفي، صاحب كتاب (كشف الغطاء) جَدّ آل كاشف الغطاء، والشيخ موسى الكبير ابن الشيخ كاشف الغطاء (1241 هـ)، والسيد الأمير علي الطباطبـــائي، صاحب (الرياض) من مشـــاهير كتب الفقه (1231 هـ). ويروى عن الشيخ أحمد الأحسائي (1241 هـ) وتتلمذ عليه جمهرة من أفاضل المجتهدين والفقهاء والعلماء الكبار، لا يحيط بهم الإحصاء توشك عدة المراجع منهم أن تبلغ الخمسين. وقد أحصى مؤلف (ماضي النجف وحاضرها) منهم (44) من الكبار.
ترك الشيخ آثاراً منها: (النهر) المعروف بـ (كري الشيخ)، ومنها كتاب (الجواهر) الذي اهتم به في زمانه عشرون من فطاحل العلماء لم تبلغ كتبهم ما بلغه كتاب الجواهر للشيخ الكبير. ألّف الشيخ كتاب (الجواهر) لمّا كان يخرج الى قرى (العذارات) على الفرات. وكان تأريخ كتاب الخُمْس، وهو أول ما ألّف منه سنة (1231 هـ). وآخر ما أكمل منه كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وترك الشيخ أيضاً رسالة الخمس، ورسالة الزكاة، ورسالة في الأحكام، وهداية الناسكين وهي رسالة الحج، ورسالة في الدماء الثلاثة (أي الحيض والاستحاضة والنفاس). وله – أيضاً – (نجاة العباد في يوم المعاد) في الفقه. وقد شرحها وعلّق عليها كثير من الفضلاء، عدّد صاحب الذريعة منها (10) شروح. وحواشيه كثيرة، فقد حشاه عامة العلماء المتأخرين من المجتهدين. واختصر (نجاة العباد) غير واحد. وبلغت ترجماته خمساً. وآخر ما ألف رسالة المواريث. كتبها في سنة الطاعون عام (1264 هـ).
خلّف الشيخ ثمانية. مات أحدهم في حياته. وإليه تنتهي أنساب آل الجواهري الذين بلغت عدّة مشاهيرهم في العلم والأدب (28) شخصاً حتى بدايات الثلث الثالث من القرن الرابع عشر الهجري.
يُعدّ صاحب الجواهر من رؤساء العلماء وأعمدة المراجع في العراق والآفاق. خرّج مئات المجتهدين واهتم بألوف العلماء. وقد كان ابنه الشيخ حسن المعروف بالصغير شارح الشرائع المتوفى سنة (1345 هـ) من أعلام الأسرة، ومن علماء النجف الفقهاء البررة الأخيار. وكانت حلقته مجمع ذوي الفضل من العلماء. تتلمذ عليه جدّي المرحوم الشيخ محمد جواد محفوظ المتوفى سنة (1358 هـ).
وآل الجواهري من بيوتات النجف الأشرف القديمة المُعْرِقة التي واصلت واستمرت وبقيت تعتز مدينة النجف الأشرف بما خرّج هذا البيت من أعلام ورجال وما ألفوا من كتب ورسائل. وهي من الأسر المائة التي زيّنت تأريخ العلم والأدب في النجف منذ أسّسها الشيخ الطوسي الذي يعود اليه بناء مدرستها وقيام بنيانها العلمي في سنة (448 هـ). وهي مدرسة تجمع المساجد الأربعة، والحرمين والمصرين وتلتقي فيها الحيرة وبابل ومدينة السلام بغداد. تعلم فيها الناس من مختلف الأمم والشعوب والبلاد والأمكنة في مختلف العصور والأزمنة. والشيخ صاحب الجواهر من حلقات سلسلتها الطويلة في العلم والدين.
وفي هذه الخلاصة السريعة ما أدعو أن يتاح لي توسيعه وتكميله وإتمامه متمنياً أن تضيف الى تاريخ التراث والعلم والأدب بنفحة من أبهى صفحاته ...

* وثيقة بخط اليد ضمن ارشيف

مركز الجواهري ببراغ

مؤرخة في 2/11/1992


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-02-09, 02:54 AM   #5
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث



الجواهري في المؤتمر الأول لأنصار السلام في العراق



د. صفاء الحافظ *

مع إطلالة الربيع وصل باريس الشاب "خالد السلام" للمشاركة في الاجتماع التأسيسي لحركة السلم العالمية. كان مع الدكتور "يوسف اسماعيل" يمثلان العراق في هذا اللقاء التاريخي الذي تم في باريس وبراغ معاً عام 1949.
رفضت الحكومة الفرنسية ووزير داخليتها الاشتراكي "غي موله" منح سمات الدخول لأكثر من نصف المندوبين القادمين من أنحاء العالم، فاتفقوا على اللقاء في براغ عاصمة الجمهورية التشيكوسلوفاكية... وهكذا تنادى المؤتمرون ان تستمر الجهود وترتفع الأصوات ضد مشاريع الحرب والإبادة، وضد الامبريالية والكولونيالية وكل أشكال التمييز والقهر.
بعد انتهاء المؤتمر وصل باريس أيضاً، قادماً من براغ شاعرنا الكبير "محمد مهدي الجواهري". أول عضو عراقي في رئاسة مجلس السلم العالمي. وفي العاصمة الفرنسية التقى بالعديد من الشخصيات البارزة مثل جوليو كوري، الرئيس الأقدم لمجلس السلم العالمي، وأراغون الشاعر الفرنسي الشهير، وبيكاسو الرسام البارز، وكوزما الموسيقار الهنغاري المعروف، وبول ايلوار شاعر الحب والحرية الفرنسي، ومدام كوتون رئيسة اتحاد النساء العالمي وغيرهم ... عرض أراغون على الجواهري ترجمة قسم من أشعاره الى الفرنسية بمساعدة الدكتور يوسف اسماعيل على أن يقوم هو بنظمها شعراً بالفرنسية. إلا أن ظروفاً معينة لم تسمح مع الأسف الشديد بانجاز ذلك المشروع المهم.



* صحيفة "الفكر الجديد"


بغداد 17/7/1978



حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-02-09, 03:01 AM   #6
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث






من دفتر الذكريات

قصة

قصيدة التتويج التي نغّصت حياة الجواهري

· الأستاذ مراد العماري



قصيدة التتويج ، هي القصيدة التي ألقاها الشاعر محمد مهدي الجواهري في حفل أقيم في " قصر الرحاب " غربي بغداد بمناسبة تتويج فيصل الثاني رسمياً ملكاً على العراق بعد بلوغه سن الرشد ، وقد كنت أنا بالذات سبباً في نشر هذه القصيدة .

فعندما كان الجواهري يلقي قصيدته وراديو بغداد يذيعها مباشرة ، كنت في منزلي ببغداد أكتب أبيات القصيدة ، بيتاً بعد بيت ، لأنه لم يكن لديّ آنذاك جهاز تسجيل .

وفي اليوم التالي ـ السبت ، الثاني من شهر مايو 1953 ـ دفعت بالقصيدة إلى المطبعة لنشرها في جريدة " لواء الجهاد " ، التي كنت سكرتير تحريرها ، وكان صاحبها المحامي فائق توفيق .

وقبل أن يتم تنضيد القصيدة ، إتصلت هاتفياً بالشاعر الجواهري لأبلغه بالأمر لعله لا يريد نشر القصيدة أصلاً أو لعله يريد أن يدخل عليها ـ كعادته ـ بعض التعديلات والتصحيحات ، فقال لي أرسل إليّ القصيدة ، وسأعيدها إليك فيما بعد مع ولدي فرات .

وفعلاً تم ذلك ، وأعاد الجواهري إليّ مسودة القصيدة بعد أن أجرى عليها بعض التعديلات والتصحيحات ، ونشرت القصيدة في صباح اليوم التالي في جريدة " لواء الجهاد " فقط ، لأن أيـّاً من صحف بغداد الصباحية الأخرى لم تنشر هذه القصيدة ، وأذكر هنا بعض أبيات هذه القصيدة :

تِهْ يا ربيعُ بزهرِك العطرِ النّدي



وبضوئك الزاهي ربيع المولدِ



باهِ السما ونجومَها بمشعشع



عريانَ من نجم الرّبى المتوقَّدِ



وإذا رمتك بفرقد فتحدّها



من طلعة الملك الأغرّ بفرقدِ



يا نبتةَ الوادي ونغمةَ عطره



يا نبعه الثجّاج في اليوم الصدي



يا خطوةَ الأمس المعاود طيفه



يا صفوة الأملِ المرجّى في غدِ



أشرقْ على الجيل الجديد وجدّد



وتوّل عرشَ الرافدين وأصعدِ



وقُدِ الجموعَ إلى الخلاص تفز به



وبهم وخلّدْ أمةَ وتخلَّدِ



يا أيها الملك الأغرُّ تحيةَ



من شاعر باللطف منك مُؤَيّدِ



أنا غرسُكُم أعلى أبوك محلّتي



نبلاً وشرّفَ فضلُ جدّك مقعدي




هذه هي أهم أبيات " قصيدة التتويج " التي أبى الجواهري أن ينشرها في أيّ من دواوينه ، فما الذي جاء فيها ليحمل شاعراً عملاقاً عظيماً كالجواهري على الإنقلاب عليها ؟ لقد سمعنا أن كل شاعر، حتى إذا لم يكن بمنزلة الجواهري ، يعتبر قصائده فلذات من كبده ولم نسمع أن شاعراً ما يعلن على رؤوس الاشهاد تنصله مما جاء في قصيدته ، وينوح سنين عديدة ، بل عقوداً عديدة من السنين على ما ألحقته به هذه القصيدة .

لو كان الجواهري شاعراً ملتزماً بمبدأ عدم التعامل مع العائلة المالكة في العراق ، لكان الأمر مفهوماً، لكنه لم يكن كذلك فقد مدح فيصل الأول ، ومدح الأمير عبد الإله ومدح نوري السعيد ، كما مدح الملك حسين ، وقد نشر قصائده في هؤلاء الممدوحين ، فلماذا إذن يتخذ الجواهري هذا الموقف من قصيدته في فيصل الثاني ؟ علم ذلك عند الله وهو أعرفُ العارفين .

وصف الجواهري ، قصيدة التتويج .. بأنها زلة إلا أنه لم يكتف بهذا الوصف ، بل ذهب إلى أكثر من ذلك بكثير ، إذ قال في الجزء الثاني من ذكرياته الصادر في دمشق عام 1991 ، ص 121 ما يلي: ((… إنها زلة العمر في مديح فيصل الثاني ، أقولها زلة ، وأكثر من زلّة ، ولا أتراجع أو أحاول أن أخفف من وطأة الموقف ، وأن أستعمل التبرير الذي اعتاده رهط كبير من الكتاب ممن يخطئون ويزلون في المجتمع العربي … ذلك لأنني ، بمحض أرادتي هرولت مسرعاً إلى تلك الهاوية ، ولأنني كنت أول العارفين إن هذا الممدوح ربيب مدرسة الاستعمار الإنكليزي بُعَيْد الرضاعة والطفولة بقليل ، وأنه الوريث الوحيد لأبيه .. غباوة ورعونة … وقد أضاف إليهما قماره وسكره ، كما كان أمره قبيل عيد تتويجه بقليل وهو يزور كركوك حيث حمل مخموراً من أحضان أرباب شركة النفط الإنكليزية ..

((وما أصعب أيضاً أن يجد المرء ذاته على نقيض قيّمِهِ ومبادئه ، ما أصعب لحظات تأنيب الضمير ، وهو ينقضّ بلا رحمة على نومي وصحوي ، ويعذبني بأشد العذاب الذي لايمكن لي أن أسرد تفاصيله .

((وكي أطرد بعضاً من تلك الكوابيس التي لاحقتني ، ولكي أعطي القاريء درساً في كيفية الاستفادة من أخطاء الآخرين وتجنّبها أقول : المهم أنني نظمت " قصيدة التتويج " الزلّة ، وقررت أن ألقيها رغم تحذير بعض الأصدقاء والذين لم يكن تحذيرهم بمستوى الردع المنشود ... وإنني لا زلت أتساءل لماذا لم أتهرب من إلقاء القصيدة ؟ ولماذا تملّقت من كان يتملّقُني ، ولماذا لم أستطع أن أنهض ـ ضميرياً ـ من تلك الزلّة ، النكسة ، النكبة ، الهاوية .

وفي مكان آخر من ذكرياته وصف هذه القصيدة بأنها المعركة الخاسرة مع الحياة …

ويبدو أن الجواهري أدرك أنه لم يعط هذه القصيدة ما تستحقه من أوصاف ، فمن زلّة إلى نكسه ، إلى نكبة إلى هاوية ، فما كان منه إلا وتوجه إلى القاريء ليقول له : سمّها ما شئت .

ثم أشار الجواهري في ذكرياته إلى أن بعض أصدقائه حاولوا منعه من إلقاء القصيدة ونسيانها فيقول ...

((... ومع ذلك ، ولكي أكون أميناً من التاريخ ، فقد كان من بين تلك الحشود البغيضة رجل قريب مني ، صديق لي ، إلا وهو السيد ناظم الزهاوي الذي قال وهو يستمع إليّ ـ لا يا جواهري … وكانت تلك " اللا " وأنا في ذروة الصراع مع الذات ، قد أشعلت الفتيل المزروع في جسدي والذي أحاول عبثاً أن أغطيه بحفنة من رماد المغالطة ، وتراب التبرير .. ودارت الأرض بي .. وفقدت المقدرة على الموازنة بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون …

ولقد دارت بي الأرض من جديد ، وأنا أسمع صديقي الزهاوي وهو يردعني لا بمجرد سمعي بل بدمي وضميري ، وهممت بمغادرة هذا الحفل بحجة أنني نسيت القصيدة في بيتي .. ((ولكنني استدركت وقلت أن مجرد خروجي وأنا محط الأبصار الشاخصة ، أمر غريب وحجة النسيان أمرها أغرب ..)) .

لقد بالغ الجواهري كثيراً في كراهته لقصيدته هذه قصيدة التتويج حتى أنه منح الأمير عبد الإله القدرة على التفريق بين كيفية إلقاء هذه القصيدة أو تلك ، وهذا أمر عجيب و الحق يقال كما ألصق بنفسه صفة التلعثم والتعثر عندما ألقى قصيدة التتويج ، ولو وجه أحد مثل هذا الاتهام للجواهري لألقاه في الجحيم ، إذ كيف يتعثر الجواهري ويتلعثم ؟ ومن هو الجواهري بين شعراء العربية بعد أن قرر الشاعر الرصافي أنه رب الشعر وهل يجوز أن ويتلعثم أو يتعثر شاعر فحل هو في الطليعة بل هو في القمة بين شعراء العربية .. كالجواهري ؟ هذا سؤال يستطيع أن يفهمه فقط من فهم اندفاعات الجواهري وانفعالاته الغريبة .

وأوضح الجواهري في ذكرياته أنه بعد إلقاء القصيدة بأيام ، قصد الأمير عبد الإله الرجل الذي كانت القصيدة في حقيقتها من أجله وقد ابتدرني قائلاً :

((إنك يا جواهري كنت على غير المعهود منك في إلقائك ، وطبيعي ، وهو الداهية اللعين ، إنه كان يتذكر ، وعلى سبيل المقارنة ، بين ما كان مني في إلقائي أثناء تكريم ضيفه الرئيس بشارة الخوري، وبين تلعثمي وتعثري في قصيدتي هذه ..))

ظل الجواهري فترة طويلة ينوء ((بأوزار)) قصيدة التتويج إلا أنه ولو كان يشعر بثقلها ، كان يأمل في أن يجد العون والعطف من الآخرين وخاصة الأصدقاء ليغفروا له زلّته هذه .

وقد ضاق ذرعاً بقصيدة نشرها الشاعر المرحوم إبراهيم الخال هجا فيها الجواهري ، وقد نسبت هذه القصيدة في حينه خطاً إلى الشاعر المرحوم محمد صالح بحر العلوم .

وقال الشاعر الخال في مطلع قصيدته :

صَهْ يا رقيع فمن شفيعُك في غدِ



فلقد خسئتَ وبانَ معدنك الرديّ




فاهتز الجواهري لذلك وأطلق ما كان يغلي في ذاته من ألم وندم فنشر قصيدة رد فيها على قصيدة "الخال" قال فيها :

عدا عليّ كما يستكلبُ الذّيبُ



خلقٌ ببغداد أنماط أعاجيبُ



خلقٌ ببغداد ممسوخ يفيض به



تاريخ بغداد لا عُرْبٌ ولا نوبُ



مشت إليّ بعوضات تلدَغني



وهل يحسُ دبيب النّخْلِ يعسوبُ



تسعون كلباً عوى خلفي وفوقهم



دمي ، فعندهُمُ من فيضهِ كوبُ



مِمّن غَذَتْهم قوافيّ التي رضعت



دمي ، فعندهُمُ من فيضه كوبُ



وقبل ألف عوى ألفٌ فما انتقصت



أبا محسّدَ بالشتم والأعاريبُ




وأبو محسّد هو المتنبي .

غير أن الشاعر الخال ، لم يسكت على قصيدة الجواهري ، فنشر قصيدة أخرى في هجائه قال فيها:

أغراك بالكأس قول فيك مكذوبُ



فاشرب وحقك إن الحر مرهوبُ



((عدا عليّ كما يستكلب الذيبُ))



مصدّع الورك في بغداد مكلوبُ



مصدّع الركن مقتول بقولته



مشيّعٌ بقبيح القول مسبوبُ




والحق أن الجواهري لم يسكت على نفسه ، التي أمرته بالسوء ، كما رأى ، بل نفث همومه في قصائد عدة بعد فترة وجيزة من نشر قصيدة التتويج ففي عام 1954 ، نشر قصيدة كفارة وندم يكفر فيها عن جريمة هذه القصيدة ويعلن عن ندمه ...

وجاء في هذه القصيدة الأبيات التالية :

حنانيكِ نفسي لا يَضِقْ منك جانب



إذا ضاق من رحب النفوس جنابُ



ولا يتهضّمْكِ انخفاض فطالما



تخفّض نسرٌ صاعدٌ وعُقابُ



وشامخة الأدواح يلوي عنانها



مع الريح والمحض الصريح يُرابُ



وما لك من عتبٍ على الدهر إنما



عليك لما هوّنت منه عتابُ



تَقحّمتِهِ حتى كأنك فوقه



وإنك إذ طمّ العُباب عبابُ




وفي نفس العام نشر الجواهري قصيدة أخرى لنفس الغرض بعنوان خَبَتْ للشعر أنفاس قال فيها :

خبتْ للشعر أنفاسُ



أم اشتطّ بك الياسُ ؟



أم الحيُّ وقد أغْفيتَ ،



إبلاسٌ وإخراسُ ؟



ويا ربّ المقاييس



تُرى أعياك مقياسُ ؟



أكفراً بالقياساتِ



وما قِيسَ وما قاسوا



أم الخير شكا الندوة



حيث الشرُّ أكداسُ



أم الثروة للقبح



وعند الحسن إفلاسُ



أم العبدُ على الأحرار



قوّامُ ونخّاسُ



أم الفكر بأظلاف



الوحوش الغُبر ينداسُ



أم الموت غشا الحيّ



فما في الدار أحلاسُ



سلاماً أيها الناسُ



فإن العرقَ دسّاسُ



وأيماناً ولن تنهارَ



للإيمان أساسُ




منيماً .. لا الاسى .. لا الشكُّ .. لا الحرمانُ .. لا الياسُ

ولابد من القول أن الجواهري لم يكتف بل كان يشير ، ولو من طرف خفي إلى "كبوته" هذه حتى في القصائد التي نظمها بعد قصيدة التتويج بسنين .

ويقول بعض المسؤولين سابقاً في وزارة الإعلام العراقية أنهم استخدموا في محاولات سحبه للاشتراك في التتويج أساليب النخوة والاستفزاز وتحريك مشاعر التحدي ، فقد قيل له أن شاعر العراق يجب ألا يغيب عن مناسبة عراقية أمام شعراء عرب بارزين مثل بدوي الجبل ، أي أنهم استخدموا معه (النخوة الشعرية) والجواهري كتب عدداً من القصائد الجميلة بطريقة النخوة)) .

قال العلوي في كتابه الجواهري شاعر العصر : ((... لقد تحاشيت خلال صلتي الطويلة بالجواهري توجيه سؤال مباشر عن قصيدة التتويج ، لكنه هو الذي لم يحاول أن يتحاشى الإشارة إليها ... أن اسم الملك فيصل الثاني يرتبط في ذهنه بتلك الكبوة وقد قال لي أكثر من مرة (إنني أكره فيصل الثاني لكونه مدللاً..) وقد كرر الجواهري موقفه هذا في حديث مسجل ومطول أجراه مع الدكتور عبد الحسين شعبان .



حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-02-09, 03:04 AM   #7
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
مشاركة رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث


قصة الملك المدلل :

ومما يثير الاستغراب أن يلجأ الجواهري إلى جرح الملك فيصل الثاني بعد وفاته فيقول أنه يكرهه وأنه مدلّل وأنه ترعرع في لندن .. ألخ

ولا أدري في الحقيقة ما أقول في هذا هل كان الجواهري حقاً يكره فيصل الثاني لأنه مدلل أم لأنه ترعرع في لندن ؟ وماذا في أن يترعرع طفل في لندن إذا كان كبار القوم لم يتورعوا عن الحج إلى لندن ، ولم يتذرعوا بأي حجة لرفض دعوات وجهتها إليهم لندن هذه ؟ والغريب في الأمر أن الجواهري قال ما قال بعد أن أصبحت لندن محج العراقيين فهي تحتضن الآن مئات الألوف من العراقيين الذي هربوا من جحيم صدام وبينهم من كانوا ينعتون لندن بعاصمة الاستعمار البريطاني .

وقصة التدليل هذه أمرها عجيب غريب ، فكل من له أدنى علاقة بالبلاط الملكي كان يعرف أن الأمير عبد الإله كان يعامل ابن اخته فيصل معاملة شرسة مهينة ، معاملة لم يكن أحد يتوقعها من خال تجاه ابن اخته الذي أصبح يتيماً قبل أن يتم الرابعة من عمره ... لقد كان فيصل حقاً أهلاً للعطف والرحمة والدلال ولكن قلب خاله المتحجر منع عنه هذا الدلال الذي رآه الجواهري فقط بام عينيه كما يبدو .

لقد مدح الجواهري الأمير عبد الإله بقصيدة في عام 1948 ، قال فيها :

حضن التاج بنيه فتعالى



وتعالى حارسُ التاج جلالا



وتعالت أمةٌ لم تنحرف



عن مدى الحق ولا زاغت ضلالا



يا حفيظ العهد للوادي ويا



أمل الوادي فتوّاً واقتبالا



وصليب العود يأبى غمزةً



ورفيع الرأس يأبى أن يطالا



هرع الشعب إلى (منقذه)



ملقياً في الساحة الكبرى الرحالا




لم يمنح الجواهري الملك فيصل مثل هذه الأوصاف التي انطوت عليها قصيدته في الأمير عبد الإله فلماذا هذا الإمعان في إذلال الملك الذي لا يمكن أن يكون قد ألحق أي ضرر بالجواهري . فهل مدح الأمير حلال ومدح فيصل حرام ؟

أنا لا أريد أن أتحدث بإسهاب عن هذا الدلال وأترك الأمر لأحد أبناء هاشم وهو الملك حسين ملك الأردن .

فقد نشر الملك حسين في عام 1962 ، كتاباً باللغة الإنكليزية (1) تحدث فيه عن الظروف الصعبة التي تعرض لها في حياته وتناول وضع الملك فيصل ضمن الفصل الخاص بالاتحاد العربي الذي أقيم بين العراق والأردن في 14 شباط 1958 .

ذكر الملك حسين في كتابه هذا أن الأمير عبد الإله ، زار لندن مرة للإطلاع على أحوال فيصل الذي كان يدرس في كلية "هارو" وأن عبد الإله وفيصل زاراه في كلية "ساند هرست" العسكرية ، وإن الثلاثة خرجوا في جولة بسيارة كان يقودها الامير عبد الإله وإلى جانبه أحد المرافقين في حين جلس فيصل والحسين في المقعد الخلفي ... وأضاف أن الملك فيصل رجا خاله أن يقوم بجولة في إحدى مناطق لندن ، غير أن الأمير عبد الإله لم يكلف نفسه عناء الرد على هذا الرجاء .. وأضاف أن هذا الأمر أذهلني تماماً وإن الأمير عبد الإله بدأ يلقي خطاباً في تقريع ابن اخته وتعنيفه أمام مرافقه العسكري ، كما لو كان فيصل ولداً شريراً (هذا هو تعبير الملك حسين) وقال أنه عندما استمر عبد الإله في خطابه هذا انفجرت وقلت له تمهل رجاء ، يؤسفني أن أكون في وضع أجد نفسي فيه شاهداً على هذا الشجار العائلي ، لا سيما في هذا الموقف (إشارة إلى وجود شخص غريب) ، لقد تحملت أكثر مما أطيق ، فأرجو أن تتوقف لأنزل من السيارة ، ونزلت لأدخل سيارتي التي كانت تسير وراء سيارة الأمير .

وأوضح الملك حسين في كتابه أن تصرفه هذا كان نتيجة تفاعل حوادث مماثلة تراكمت آثارها في نفسه خلال فترة طويلة ((وأنا أرى فيه ابن عمي الذي أحبه ونفسه تتحطم.))

وأشار الملك حسين في نفس الفصل إلى "المدلل" على حد تعبير الجواهري ، كان يحصل على المواد القديمة والعتيقة أمعاناً في تذليله وقال :

((زرت بغداد مرة وقمنا فيصل وأنا بزيارة لموقع بناء البلاط الملكي الجديد في جانب الكرخ من بغداد ، وكنت مع الملك في سيارته التي كانت شبه بالية بينما الأمير يمتطي مع مرافقيه سيارة ضخمة فخمة من طراز رواز رويس ، فسألت الملك فيصل ألا يجدر بك أن تبدل سيارتك ؟ فلم يرد بل اكتفى بالصمت . وقد اتصلت في نفس اليوم بعمان لترتيب الأمر وفعلاً وصلت إلى بغداد في اليوم الثاني سيارة جديدة قدمتها هدية إلى ابن عمي فيصل .

وأكد الملك حسين في كتابه أنه شعر بأن دمه يغلي في عروقه بسبب هذه المعاملة المذلة التي يلقاها فيصل الثاني من خاله .

ويقول الملك حسين إن مأساة الملك فيصل تتركز في حقيقة واحدة وهي أنه لم يسمح له أبداً بتحقيق أي من آماله ، كما لم يسمح له بتصريف مسؤولياته الملكية كما يجب .. أن الملك فيصل كان في الحقيقة أسير الوضع بسبب ما أشبعه خاله من ذل وهوان غير أن اللوم لا يوجه كلياً إلى الساسة العراقيين القدماء ، لأن اللوم في الحقيقة على العلاقة القائمة بينه وبين خاله .

وقال الملك حسين : ((لقد نشأنا على أساس أن يحترم صغيرنا الكبير ، ولكن كانت هناك أوقات لم يكن من السهل عليّ فيها أن أسير على هذا الأساس.))

هذه هي قصة الملك المدلل الذي شبع الهوان والتحقير والأذلال ، وممّن ؟ من خاله الأمير عبد الإله، فأين هذا الواقع مما قاله الجواهري عن التدليل الذي لم يكن في الحقيقة إلا عنوان المهانة والتذليل ، أما لماذا كل هذا ؟ فالرد على هذا السؤال يكمن في شخصية الجواهري وانفعالاته واندفاعاته وشطحاته .

وقد تحدث عن هذه الشخصية السيد سليم طه التكريتي ، في كتاب نشره عام 1989 فقال : ((أن الجواهري كان قطعة من إحساس متوقد ، وثورة على كل شيء ، على الحكم ، على المجتمع وعلى نفسه هو ، ولا يمكن أن يرضيه شيء ، ولا أن يشبعه مال ، ولا أن يهدأه جاه . ولم يعرف عنه طيلة حياته أنه استقرّ على وتيرة واحدة ، أو رضي بالنعمة المتوفرة ، أو ألف العيش الرتيب لفترة ما . فهو جذوة من أعصاب متوترة ، وفكر جوّاب ، وروح هائم وراء المكانة الأعلى ، وقلق متواصل ، وانتهازيه دائمة .))

وقد اقتبس أقوال التكريتي هذه الدكتور سليمان جبران ونشرها في كتابه صل الفلا ـ دراسة في سيرة الجواهري وشعره ، ص 62 ، وقد نشر هذا الكتاب في حيفا عام 1994 .

وأقول هنا أن السيد سليم التكريتي كاتب ومترجم إضافة إلى كونه صحافياً عمل في الكثير من الصحف التي أصدرها الجواهري ، ولذلك فإن رأيه في الجواهري له وزن وقيمة .

وفي ص 485 من الجزء الأول من ذكرياتي أشار الجواهري إلى السيد التكريتي فوصفه بأنه من الأسماء الشاخصة والوجوه البارزة في جريدته (الرأي العام) وسائر الصحف الأخرى التي كان يصدرها عند تعطيل (الرأي العام) ، ومن الأسماء التي ذكرها بهذا الصدد إضافة إلى التكريتي ، بدر شاكر السياب، إلياس وزير ، والشهيد حسين مروّة ، وعبد القادر البراك ، فهؤلاء هم الذين كانوا الصفوة المختارة في كل الصحف التي أصدرتها)) .

والحقيقة أن ذكر اسم إلياس وزير الذي سبق اسم ((الشهيد مروة)) قد هزني هزاً ، فالسيد إلياس الوزير لم يعمل في الصحافة العراقية بانتظام أبداً لأنه كان موظفاً دائماً في دائرة العلاقات العامة التابعة للسفارة البريطانية ببغداد ، وكان يزور الصحف وليس (الرأي العام) فقط انسجاماً مع وظيفته هذه وعمله بعض الوقت في محطة إذاعة الشرق الأدنى ! فكيف بالله يذكر الجواهري اسم هذا الشخص وينسى اسم السيد سليم البصون الذي رافقه في معظم الصحف التي أصدرها ؟ كان الجواهري قد خص السيد البصون بمعلومات قيمة ثمينة لم يتمكن البصون من نشرها بعد أن أقعده المرض منذ عام 1981 وحتى شهر آب من عام 1995 فرحل إلى رحمة الله ، ولعل عائلته الكريمة تتمكن من نشر هذه المعلومات الثمينة لتضع اسم المرحوم ((البصون)) في مكانه اللائق في حياة الجواهري .

واسم آخر فات الجواهري أن يذكره مع هذه الأسماء ، ذلك هو اسم المرحوم عبد الرزاق الناصري صاحب جريدة الأنباء الأسبوعية ، فقد كان السيد الناصري صديقاً للجواهري وتولى إصدار صحف الجواهري كلما عنّ للجواهري أن يغادر الوطن زائراً أو مصطافاً .

وعودة إلى الأمير عبد الإله بعد خمسين عاما :

أشرت في بداية هذا المقال إلى أن الجواهري الغاضب على قصة التتويج قال أنّ الأمير عبد الإله تحدث عن طريقة إلقائه قصيدة التتويج متذكراً على سبيل المثال ما كان منه عند إلقائه قصيدة أثناء تكريم الرئيس بشارة الخوري ضيف الأمير عبد الإله .

ففي 2 كانون الأول عام 1947 زار الرئيس اللبناني بشارة الخوري بغداد ضيفاً على الأمير والوصي على العرش عبد الإله فأقيم في بهو أمانة العاصمة حفل لتكريم الضيف الخوري فألقى الجواهري قصيدة تقع في 99 بيتاً أشبع فيها الخوري وعبد الإله ما شاء له من مديح ، دون أن يشعر بعد ذلك بسنين بأي هم أو غم أو ندم ، كما فعل مع قصيدة التتويج ، وقد كرس الجواهري أربعة وعشرين من أبيات هذه القصيدة لمدح الأمير عبد الإله ومنها :

يرجو العراق بظل راية فيصل



أن يرتقي بكم الذُّرى ويطولا



لا شك أن وديعة مرموقة



عزّ الكفيل لها فكنت كفيلا



قدت السفينة حين شقّ مقادها



وتطلبت ربانها المسؤولا



أعطتك دفّتها فلم ترجع بها



خوف الرياح ولا اندفعت عجولا



ومنحتها والعاصفات تؤودها



متناً أزلّ وساعداً مفتولا



أعطيت ما لم يعط قبلك مثله



شعباً على عرفانكم مجبولا



إن العراق يجلّ بيعة هاشم



من عهد جدّك بالقرون الأولى




وفي الثاني من كانون الأول 1992 أي بعد مرور خمسين عاماً على إلقاء الجواهري قصيدته ((ناغيت لبناناً)) في تكريم الرئيس بشارة الخوري ، أقامت وزارة الثقافة الأردنية حفلاً في عمان لتوزيع جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية ، ألقى خلالها الجواهري قصيدة بنفس الوزن والقافية بين يدي الملك حسين تقع في أربعة وثلاثين بيتاً ضمنها عشرة أبيات قصيدته ((ناغيت لبناناً)) مع تغييرات طفيفة جداً في بعض الأبيات .

وفيما يلي الأبيات العشرة التي وردت في القصيدتين كما ألقاها الجواهري في حفل وزارة الثقافة الأردنية :

يا ابن الذين تنزّلت ببيوتهم



سور الكتاب ، ورتّلت ترتيلا



الحاملين من الأمانة ثقلها



لا مُصعرين ، ولا أصاغرَ ميلا



والطامسين من الجهالة غيهباً



والمطلعين من النهى قنديلا



والجاعلين بيوتهم وقبورهم



للسائلين عن الكرام دليلا



شدّت عروقك من كرائم هاشم



بيض نُمين ، خديجة وبتولا



وحنت عليك من الجدود ذؤابة



رعت الحسين وجعفراً وعقيلا



هذي قبور بني أبيك ودورهم



يملأن عرضاً في الحجاز وطولا



ما كان حج الشافعين إليهم



في المشرقين طفالة وفضولا



حب الألى سكنوا الديار يشفّهم



فيعاودون طلولها تقبيلا



يا ابن النبي وللملوك رسالة



من حقها بالعدل كان رسولا






حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-02-09, 03:05 AM   #8
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث


والحقيقة أن موقف الجواهري من الأمير عبد الإله والملك فيصل الثاني في قصيدتيه ته يا ربيع وناغيت لبناناً ، تصور بجلاء منقطع النظير التناقضات الكثيرة التي لوّنت حياة هذا الشاعر العظيم .

تكهن أن يموت غريبا :

إنتقل الجواهري إلى جوار ربه في دمشق في السابع والعشرين من شهر تموز من عام 1997 ، وكان قبل أكثر من سبعين عاماً قد تكهن بأن يموت خارج العراق ، وذلك في قصيدته الشاعر التي نشرتها له عام 1924 مجلة العرب للمرحوم اللغوي الأب انستاس ماري الكرملي ، قال فيها :

حمل الناس سكوناً



وجلالاً في الحنايا



شاعراً أدركه الموت



غريباً في الزوايا



سبر الأفق بعين



أدركت منه الخبايا




أجل ! إنتقل الجواهري إلى جوار ربه خارج بغداد التي أحبها وغناها ، ولذلك فإنه لم يشيع التشييع الذي كان يتوقعه ليسير في بغداد عشرات الألوف في موكب حزين مهيب قبل أن يوارى جثمان الجواهري الثرى ، غير أن مواكب عديدة سارت في مختلف أنحاء العالم من أستراليا في الشرق وحتى أمريكا في الغرب مروراً بآسيا وأوربا وأفريقيا لإحياء ذكرى الجواهري ، وكلها تضم عشرات الألوف من العراقيين الذين فروا من العراق هرباً من بطش صدام حسين ، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن صدام حسين كان قد أسقط الجنسية العراقية عن العراقي الأصيل العريق محمد مهدي الجواهري ، فتأمّل!!

هل من خلف للجواهري ؟

وبعد كل هذا الحديث الذي انحصر أكثره في سيرة الجواهري ، لا بد من الحديث قليلاً عن شاعريته الهادرة النادرة ، ولا بد من طرح هذا السؤال ، هل من خلف للجواهري ؟

الحقيقة هي أنه لا يمكن الرد على هذا السؤال في هذه الحقبة من الزمن ، لا سيما وأن الجواهري انتقل إلى جوار ربه بعد أن خلف للعربية والإنسانية دواوين شتى تضم ما يقارب من خمسة وعشرين ألف بيت ، الأمر الذي لم يتيسر لأي من شعراء العربية في مختلف العصور ، فهو فذ في هذه الناحية ، أضافة إلى أنه أبرز الشعراء طراً وأغزرهم مادة ، وأكثرهم أغراضاً ، وأنبتُهم قافية ، وأطولُهم نفساً ، وأعمقهم أدباً ، وأشرقُهم بياناً وألصقُهم بالتراث ، وهذه أمور لا تتوفر في أي شاعر معاصر من شعراء العربية ، لا سيما وأن معظم الشعراء المعاصرين يركضون وراء الخفيف السهل من الإنتاج الشعري .

كنا مرة في مقهى حسن عجمي في محلة الحيدر خانة من بغداد ، ودار الحديث مع الجواهري ، فيما دار ، عن الخلف ، فما كان من الجواهري إلا ورد رداً قاطعاً فاصلاً بقوله ((لو كان لبان)) وفعلاً مر على هذه المقولة الجواهرية أكثر من أربعين عاماً ، ولم يبرز هذا الخلف ، وسيمر أكثر من أربعين عاماً وربما أكثر من مئة عام قبل أن يبرز شاعر قد يقترب من مكانة الجواهري الشعرية ، فالعمالقة من أمثال الجواهري لا يظهرون كل قرن .



عندما دخل الجواهري السجن

بسبب الكاشير والطاريف عند يهود العراق

بعد مرور بضعة أشهر على وقوع حركة الإنقلاب التي قام بها اللواء الركن بكر صدقي في 29/10/1936 ، دخل الشاعر محمد مهدي الجواهري السجن لأول مرة في حياته ، لا بسبب دعوة وطنية أو موقف وطني وإنما بسبب ((الكاشير والطاريف)) ، على الرغم من أنه كان من المناصرين لهذا الإنقلاب .

وقد حار الجواهري كثيراً في استيعاب هذه الحالة ، وحاول مراراً أن يصور سجنه وكأنه جاء لأسباب لحوم الكاشير والطاريف ، إلا أنه لم يفلح أبداً في محاولاته هذه .

ولحوم الكاشير هي لحوم من ذبح اليهود بموجب الشريعة اليهودية وأكلها حلال بعكس لحوم الطاريف التي هي من ذبح غير اليهود وأكلُها حرام يهودياً .

وكان الجواهري قد أصدر بعد وقوع حركة الإنقلاب جريدة اتخذ لها اسم ((الإنقلاب)) تيمُّنا بالحركة الإنقلابية ، وقد شاركت في الوزارة التي شكل بعد يوم من وقوع الحركة برئاسة حكمت سليمان ، عناصر وطنية معروفة وفي مقدمتها كامل الجادرجي أن حكمت سليمان يتردد في تنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي أعلنه على الشعب ، ثم كان ما كان من اغتيال بكر صدقي في مدينة الموصل، واستقالة حكمت سليمان في شهر آب 1937 .

وبعد أن لاحظ الجواهري أن حكومة الإنقلاب أخذت تبتعد عن أهدافها المرسومة ناصبها العداء ، ونشر مقالات نقداً لاذعاً لسياستها ، وفي هذه الأثناء حدثت انتفاضة الشباب اليهودي في بغداد ضد أسعار لحوم الكاشير الباهظة .

يقول الكاتب حسن العلوي في كتابه ((الجواهري ديوان العصر)) ص 266 ما يلي :

((... لكنه سرعان ما أخذ يهاجمهم حين أداروا ظهرهم لقوى الحركة الوطنية ، ولم يكن بمقدور سلطة الانقلاب أن تفعل شيئاً ضده ، فاستثمرت ((قضية الكاشير)) في انتفاضة قام بها الشباب من فقراء اليهود في العراق اً على الحاخام ساسون خضوري (رئيس الطائفة) الموكولة إليه مهمة تسعير اللحوم التي هي من ذبح اليهود ، وكانت الأسعار لا تتناسب مع المستوى المعاشي لفقراء اليهود ، فيما كانت اللحوم هي من ذبح المسلمين تباع بأسعار زهيدة . وقد هدد أصحاب الانتفاضة بأنهم سيأكلون من هذه اللحوم المحرمة يهودياً ، فساند الجواهري مطاليب الانتفاضة وتبنّاها في جريدته ((الإنقلاب)) مما أدى إلى إضراب اليهود عن تناول الكاشير فأقام الحاخام ساسون خضوري بتحريض من رجال السلطة، الدعوى على الجواهري وحكم عليه فيما بعد بالسجن)) .

وقد تناول الدكتور سليمان جبران هذا الموضوع في كتابه صل الفلا دراسة في سيرة الجواهري وشعره ، إذ قال في ص 45 :

((لم تدم العلاقة الحسنة بين الجواهري والإنقلابيين طويلاً ، إذ سرعان ما أخذ الشاعر يوجه النقد لوزارة الإنقلاب بسبب تخليها عن الوعود التي قطعتها على نفسها ، فاستغلت الحكومة قضية ((الكاشير والطاريف)) ضد الجواهري لتكون النتيجة دخول الشاعر السجن ، وإغلاق جريدة الإنقلاب أيضاً .

واقتبس الدكتور جبران في كتابه ص 45 فقرة من كتاب نشره الكتاب العراقي سليم طه التكريتي الذي عمل طويلاً مع الجواهري جاء فيها :

((.. إن الشاعر أيد في جريدته فقراء اليهود في نضالهم ضد الأسعار العالية للحوم التي كانوا يشترونها من الجزارين اليهود ، مما دفع رئيس الطائفة اليهودية إلى إقامة دعوى على الجواهري بتهمة التحريض وإثارة الرأي العام ، فحكمت عليه المحكمة بالحبس مدة شهر بهذه التهمة )) .

ويذكر أن الجواهري قال في ذكرياته ((الجزء الأول)) أنه سخر من الحاكم ومن الحكم ومن المحكمة ثم حكم عليه بالسجن شهراً آخر لتحقيره المحكمة .

والفائدة الوحيدة التي جناها الجواهري في قضية الكاشير والطاريف كانت قصيدته في السجن والتي نظمها وهو يمضي فترة محكوميته ، وتقع هذه القصيدة في 31 بيتاً ليس بينها بيت واحد يشير إلى أنه قد سجن بسبب قضية وطنية أو دفاعاً عن قوى وطنية ، كما حاول أن يثبت عبثاً ، وقد مضت على هذه القضية فترة نصف قرن ، وأصدر الجواهري الجزء الأول من ذكرياته بدمشق عام 1988 ، وتناول هذا الموضوع في صفحات عديدة إلا أنه لم ينجح في إثبات أن سجنه كان لأسباب وطنية خارجة عن الكاشير والطاريف ، وقد دافع عن الجواهري في محاكمته عدة محامين بارزين بينهم المحامي حسين جميل ولو كان أحد هؤلاء المحامين قد أشار في دفاعه إلى قضية وطنية لأورد الجواهري ذلك في ذكرياته ، وعندما نشر الجواهري ذكرياته نشر فيها نص القصيدة التي نظمها داخل السجن ، ولم يضف إليها أي بيت جديد ينسجم مع محاولاته الرامية إلى إضفاء صبغة الوطنية على سجنه لكنه لم يشر بكلمة واحدة إلى الكاشير والطاريف في كل الصفحات التي تناول فيها هذا الموضوع في ذكرياته ، فقد قال في ص33 عن إتهامه :

((..إنه مجرد تهمة هي أقرب إلى السخرية منها إلى الواقع بل وإلى التخيّل ، أي أنها كانت مجرد أن باعة عدد ما من جريدتي كانوا ينادون بأهم عناوينها المثيرة ، وذلك ما لا يجيزه قانون الصحافة المشرع في عهد الاحتلال ...)) والعناوين المثيرة المقصودة هنا هي المتعلقة بالكاشير والطاريف والحقيقة أن الجواهري أدرك أن سبب التهمة تافه وتافه جداً فأثارت هذه الحالة شاعريته وأوحت له قضية سجنه بقصيدة الكاشير والطاريف التي يقول فيها :

يا عابثا بسلامة الوطن العزيز وبالأمان



ومفرقاً زمر اليهود طوائفاً كلاً لشأنِ



ما أنت و ((الكاشير)) و ((الطاريف)) من بقر وضانِ



إن لم تفدك عقوبة فعسى تفيد عقوبتانِ




والقصيدة بحد ذاتها تعبر بوضوح عن خيبة أمل الجواهري من اندفاعه في قضية الكاشير والطاريف التي لم تك ـ في الحقيقة تستدعي الإثارة ولا العناوين المثيرة التي إختارها باعة الجريدة لترويج بيعها .

مراد العماري



ويا ساكني أرض العراقين إنني



أحبكم إني أحنّ إليكُم



أسامركم رغم الفراقِ وحكمِه



لأني بحبيكُم عشيقٌ مُتيّمُ



نأيتُ عن الأحبابِ رغم إرادتي



ورغم إرادات لكم قد نأيتُم



أناجيكم والقلب عندي ممزّقٌ



وأوجاعكم في أضلعي تتحكّمُ



أناغيكُم والظلم يطحنُ جمعكُم



فأحبِس آهي والمدامع تسجمُ



أرى الشعب منساقاً إلى السلخ عنوة



يحار لمن يشكو لمن يتظلّمُ



ويا سامعي في الرافديْن بلّيلة



يؤرقني فيها يتيّم وأيّمُ



وليس لديّ اليوم إلا مقالةً



وهل تنفع الأقوال والموت يحكمُ



وكل الذي عندي فدى لأحبتي



وليس الذي عندي سوى ما بنيتُمُ


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-02-09, 08:44 PM   #9
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
مشاركة رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث


نشر أول مجموعة له باسم " حلبة الأدب " عارض فيها عدداً من الشعراء القدامى والمعاصرين .

- سافر إلى إيران مرتين : المرة الأولى في عام 1924 ، والثانية في عام 1926 ، وكان قد أُخِذ بطبيعتها ، فنظم في ذلك عدة مقطوعات .

- ترك النجف عام 1927 ليُعَيَّن مدرّساً في المدارس الثانوية ، ولكنه فوجيء بتعيينه معلماً على الملاك الابتدائي في الكاظمية .

- أصدر في عام 1928 ديواناً أسماه " بين الشعور والعاطفة " نشر فيه ما استجد من شعره .

- استقال من البلاط سنة 1930 ، ليصدر جريدته (الفرات) ، وقد صدر منها عشرون عدداً ، ثم ألغت الحكومة امتيازها فآلمه ذلك كثيراً ، وحاول أن يعيد إصدارها ولكن بدون جدوى ، فبقي بدون عمل إلى أن عُيِّنَ معلماً في أواخر سنة 1931 في مدرسة المأمونية ، ثم نقل لإلى ديوان الوزارة رئيساً لديوان التحرير .

- في عام 1935 أصدر ديوانه الثاني بإسم " ديوان الجواهري " .

- في أواخر عام 1936 أصدر جريدة (الانقلاب) إثر الانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي .وإذ أحس بانحراف الانقلاب عن أهدافه التي أعلن عنها بدأ يعارض سياسة الحكم فيما ينشر في هذه الجريدة ، فحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر وبإيقاف الجريدة عن الصدور شهراً .

- بعد سقوط حكومة الانقلاب غير اسم الجريدة إلى (الرأي العام) ، ولم يتح لها مواصلة الصدور ، فعطلت أكثر من مرة بسبب ما كان يكتب فيها من مقالات ناقدة للسياسات المتعاقبة .

- لما قامت حركة مارس 1941 أيّدها وبعد فشلها غادر العراق مع من غادر إلى إيران ، ثم عاد إلى العراق في العام نفسه ليستأنف إصدار جريدته (الرأي العام) .

- في عام 1944 شارك في مهرجان أبي العلاء المعري في دمشق .

- أصدر في عامي 1949 و 1950 الجزء الأول والثاني من ديوانه في طبعة جديدة ضم فيها قصائده التي نظمها في الأربعينيات والتي برز فيها شاعراً كبيراً .

- شارك في عام 1950 في المؤتمر الثقافي للجامعة العربية الذي عُقد في الاسكندرية .

- انتخب رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين ونقيباً للصحفيين .

- واجه مضايقات مختلفة فغادر العراق عام 1961 إلى لبنان ومن هناك استقر في براغ ضيفاً على اتحاد الأدباء التشيكوسلوفاكيين .

- أقام في براغ سبع سنوات ، وصدر له فيها في عام 1965 ديوان جديد سمّاه " بريد الغربة " .

- عاد إلى العراق في عام 1968 وخصصت له حكومة الثورة راتباً تقاعدياً قدره 150 ديناراً في الشهر .

- في عام 1969 صدر له في بغداد ديوان "بريد العودة" .

- في عام 1971 أصدرت له وزارة الإعلام ديوان " أيها الأرق" .وفي العام نفسه رأس الوفد العراقي الذي مثّل العراق في مؤتمر الأدباء العرب الثامن المنعقد في دمشق . وفي العام نفسه أصدرت له وزارة الإعلام ديوان " خلجات " .

- في عام 1973 رأس الوفد العراقي إلى مؤتمر الأدباء التاسع الذي عقد في تونس .

- بلدان عديدة فتحت أبوابها للجواهري مثل مصر، المغرب، والأردن ، وهذا دليل على مدى الاحترام الذي حظي به ولكنه اختار دمشق واستقر فيها واطمأن إليها واستراح ونزل في ضيافة الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي بسط رعايته لكل الشعراء والأدباء والكتّاب.

- كرمه الرئيس الراحل «حافظ الأسد» بمنحه أعلى وسام في البلاد ، وقصيدة الشاعر الجواهري (دمشق جبهة المجد» ذروة من الذرا الشعرية العالية .

- يتصف أسلوب الجواهري بالصدق في التعبير والقوة في البيان والحرارة في الإحساس الملتحم بالصور الهادرة كالتيار في النفس ، ولكنه يبدو من خلال أفكاره متشائماً حزيناً من الحياة تغلف شعره مسحة من الكآبة والإحساس القاتم الحزين مع نفسية معقدة تنظر إلى كل أمر نظر الفيلسوف الناقد الذي لايرضيه شيء.

- وتوفي الجواهري في السابع والعشرين من تموز 1997 ، ورحل بعد أن تمرد وتحدى ودخل معارك كبرى وخاض غمرتها واكتوى بنيرانها فكان بحق شاهد العصر الذي لم يجامل ولم يحاب أحداً .‏

- وقد ولد الجواهري وتوفي في نفس الشهر، وكان الفارق يوماً واحداً مابين عيد ميلاده ووفاته. فقد ولد في السادس والعشرين من تموز عام 1899 وتوفي في السابع والعشرين من تموز 1997 .‏


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-09, 03:22 PM   #10
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث




--------------------------------------------------------------------------------

إذا خــــــانـــتــك مـــوهــــبـــةٌ فـحــــــقُ

ســـــــبـــيــــل الــعــيــشِ وَعْرٌ لا يُشَقُ

وما ســـهــــلٌ حـــــياةُ أخـــي شــعـــورٍ

مــــن الــوجـــــدان ينبضُ فـــيه عـــرقُ

أحــــلـــَّــــتْـــــهُ وداعـــــــتــــه مــحــيطاً

حـــــمـــتـــه جــــوارحٌ لــلــصـــيــــد زُرقُ

تــفــيــض وضـــــاحــــةً والعـيـش غِشٌ

ســــلاحــــك فــيـــه أن يـــعـــلوك رَنقُ

وتــــحــمــــلُ ما يــجـــلُّ مــن الـــرزايا

قُـــــواك وقـــــد تــــخــــورُ لما يَـــــــدِقُ

وقــد تـــقــســــو ظــــروفٌ مُحوِجاتٌ

عـلــيــك وأنت وَهـم بما ظنوا مُحِقُ

قــــلــيـــلٌ عــــاذروك عـــلى انقـباضِ

أحـــــب الــنــــاس عــــنــد الناس طَلْقُ

ووجـــــهٌ تـــقــطـــرُ الأحــزان مـــنه

عـلــى الــخـلـطــاء مَــحـمِــلــهُ يـشِـقٌ

شــــريــكُــكَ في مــزاجك من تُصافي

له شِـــقٌ وطـــــــوعُ يـــديـــــك شِـــقُ

وقــــبــــلاً قــــال ذو أدبٍ ظـــريـــــفٍ

قِـــــرى الأضــــيـــاف قـــبــل الزاد خُلقُ

وعـــــــذرُك أنــــــت آلام ثِـــقــــــــالٌ

لــهـــنَّ بــعـــيــشـــــةِ الأدبـــاء لَــصْـقُ

أحـــقُ الــنـــاس بــالـتــلـطــيفِ يغدو

وكـــــــل حـــــــيــاتـــه عَــنَـــتٌ وزَهْـــقُ

تـــســـيــر بــك العــواطـــفُ لـلـمنايا

وعـــاطـــفـــةٌ تـســــوءُ الظُـــفـــرَ حُـمْـقُّ

وحـتـى في السـكـوتِ يُــرادُ حزمٌ

وحــتـــى فـــي الــســـلام يُـــراد حــذقُ

يـــريــد الــنــاسُ أوضــاعـــاً كــــثاراً

وفـــيـــك لـمــا يُـــريـــد الــنـاس خَرقُ

خــضــوع الفــرد للطــبــقـات فـرضٌ

وقـــاســـيــةٌ عــقــــوبــةُ مـــن يَـــعِــقُ

نسـيـــجٌ مـــن روابـــطَ مــحـكـمــاتٍ

شـــذوذُ العــــبــقـــرية فــيـــه فَــتْقُ

وعـــنـــدكَ قـــوةُ الــتــعــبــيــــر عما

تُـــحـــسُّ ومــيــــزةُ الشُـــعـــــراء نُطقُ

حــــيــاتــك أن تــقـــول ولــو لــهـــاثاً

وحُـــكـــمٌ بــالســـــكـوتِ عليك شَنقُ

فـــمـــا تـــدري أتُـــطـــلق من عنان الـ

قـــريـحـــةِ أم تُــسِــفُ فــتُــســـتَــــرق

غــــريبٌ عــــالم الشـــعــــراءِ تقســـو

ظــــــروفـــهــــم وألــســـنـــهــــم تَـرِقُّ

كبعـض الناس هم فإذا استُثِروا

فـــبــيــنـهـم وبـيـن الــنـاس فـــــرقُ

شـذوذ الـنـاس مُــخـتـلـق ولكنْ

شـــذوذ الشاعــر الفـنـــان خَــلْـقُ

وإن تــعـجــب فــمــن لَــبِــقٍ أريـــبٍ

عــلــيه تـــساويـــا سَــطْـــحٌ وعُمق



تـــضــيق بـه المــسـالــك وهــو حُــرٌّ

ويُـــــعــــــوِزُهُ التــــقـــلــب وهــــو ذَلْقُ

وســر الــشـاعــريــــة فــي دمـــاغٍ

ذكــــيٍ وهـــو فـــي الـتــدبــيــر خَــرْقُ

تــخــبــط في بــسـائـطــهِ وحَـــلَّت

عـلى يـــده مــــــن الأفــــكــــار غُلقُ

مـــشاهــيرٌ ومـا طَلَبوا اشـــتهاراً

مـــشـــتْ بُــــردٌ بــــهـــم وأُثِــيـرَ برقُ

ومــرمــوقــون مـن بُـعــدٍ وقُــربٍ

لــهـــم أُفــقٌ وللـقــمـريــن أُفْــقُ





حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-09, 03:24 PM   #11
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث


أخي جعفر - لمحمد مهدي الجواهري

أخي جعفراً يا رواءَ الربيـعِ إلى عَفِنٍ بـاردٍ يُسْلَـمُ

ويا زهرةً من رياضِ الخلـودِ تَغَوَّلها عاصـفٌ مُـرْزِمُ

ويا قَبَساً من لهيبِ الحيـاةِ خَبَا حينَ شَـبَّ له مَصْرَمُ

ويا طلعةَ البِشْرِ إذ ينجلـي ويا ضِحكةَ الفجرِ إذ يَبْسِمُ

لثمتُ جراحَـكَ في "فتحـةٍ" هي المصحفُ الطهرُ إذ يُلْثَمُ

وقبّلتُ صدرَكَ حيث الصميمُ مِنَ القلبِ مُنْخَرِقَاً يُخْرَمُ

وحيث تلوذُ طيـورُ المُنـى بهِ فهي مُفزعةٌ حُوَّمُ

وحيث استقرّت صفات الرجال وضَمَّ معادنَها مَنْجَمُ

ورَبَّتُ خـدَّاً بماء الشبـابِ يرفُّ كما نَوَّرَ البُرْعُمُ

ومَسَّحْتُ مـن خِصَـلٍ تَدَّلي عليهِ كما يفعل المُغْرَمُ

وعلّلتُ نفسي بذوبِ الصديـدِ كما عَلَّلَتْ وارداً زمزمُ

ولَقَّطتُ مـن زبَدٍ طافـحٍ بثغرِكَ شهداً هو العَلْقَمُ

وعَوَّضتَ عـن قُبلتي قُبلـةً عَصَرْتَ بها كلَّ ما يُؤْلِمُ

عَصَرْتَ بها الذكرياتِ التي تَقَضَّتْ كما يَحْلُمُ النُّوَّمُ

أخي جعفراً إنَّ رَجْعَ السنينِ بَعْدَكَ عندي صدىً مُبْهَمُ

ثلاثـونَ رُحْنَا عليها معـاً نُعَذَّبُ حيناً ونستنعِمُ

نُكافِـحُ دهـراً ويَسْتَسْلِمُ ونُغْلَبُ طَوراً ونَستَسْلِمُ



* * *

أخي جعفراً إنَّ عِلْـمَ اليقيـنِ أُنَبِّيكَ إنْ كُنْتَ تَسْتَعْلِمُ

صُرِعْتَ فحامَتْ عليكَ القلوبُ وخَفَّ لكَ الملأُ الأعظمُ

وسُدَّ الرُّواقُ فـلا مَخْـرجٌ وضاقَ الطريقُ فلا مخْرمُ

وأَبْلَغَ عنكَ الجنـوبُ الشَّمالَ وعَزَّى بكَ المُعْرِقَ المٌشْئِمُ

وشَقَّ على "الهاتفِ" الهاتفونَ وضَجَّ من الأسْطُرِ المِرْقَمُ

تعلَّمْتَ كيفَ تموتُ الرجالُ وكيف يُقَامُ لهم مَأتَمُ

وكيفَ تَجُرُّ إليكَ الجمـوعُ كما انْجَرَّ للحَرَمِ المُحْرِمُ

* * *

ضَحِكْتُ وقد هَمْهَمَ السائلونَ وشَقَّ على السَّمْعِ ما هَمْهَمُوا

يقولونَ مُتَّ وعندَ الأُسَاةِ غيرَ الذي زَعمُوا مَزْعَمُ

وأنتَ مُعَافىً كما نرتجي وأنتَ عزيزٌ كما تَعْلَمُ

ضَحِكْتُ وقلتُ هنيئاً لهـم وما لَفَّقُوا عنكَ أو رَجَّمُوا

فَهُمْ يبتغونَ دَمَاً يشتفـي به الأرْمَدُ والأجْذَمُ

دَمَاً يُكْذِبُ المخلصونَ الأُبَاةُ بهِ المارقينَ وما قَسَّمُوا

وَهُمْ يبتغـونَ دَمَاً تلتقـي عليهِ القلوبُ وتَسْتَلْئِمُ

إلى أنْ صَدَقْتَ لهمْ ظَنَّهُمْ فيا لكَ من عارِمٍ يَغْنَمُ

فَهُمْ بكَ أولى فلمَّا نَـزَلْ كجَذْرٍ على عَدَدٍ يُقْسَمُ

وَهُمْ بكَ أولى وإِنْ رُوِّعَتْ عجوزٌ على فِلْذَةٍ تَلْطِمُ

وتكفُرُ أنَّ السمـا لم تَعُدْ تُغِيثُ حَرِيباً ولا تَرْحَمُ

وأُخْتٌ تَشُقُّ عليكَ الجيوبَ فيُغْرزُ في صدرِها مِعْصَمُ

تُناشِدُ عنكَ بريقَ النجومِ لَعَلَّكَ من بينها تَنْجُمُ

وتَزْعَمُ أنَّكَ تأتي الصباحَ وقد كَذَّبَ القبرُ ما تَزْعَمُ

لِيَشْمَخْ بفَقْدِكَ أَنْفُ البلادِ وأنفي وأنْفُهُمُ مُرْغَمُ

* * *

أخي جعفراً بعهودِ الإخاءِ خالِصَةً بيننا أُقْسِمُ

وبالدمعِ بعدكَ لا ينثني وبالحُزْنِ بَعْدَكَ لا يُهْزَمُ

وبالبيتِ تَغْمُرُهُ وحشـةٌ كقبرِكَ يسألُ هل تقدُمُ

وبالصَّحْبِ والأهلِ يستغربونَ لأنَّكَ منحرفٌ عَنْهُمُ

يميناً لتَنْهَشُني الذكريـاتُ عليكَ كما ينهُشُ الأرقَمُ

إذا عادني شَبَحٌ مُفْـرِحٌ تَصَدّى له شَبَحٌ مُؤْلِمُ

وأنِّيَ عودٌ بكَفِّ الريـاحِ يَسْألُ منها متى يُقْصَمُ

* * *

أخي جعفراً وشجونُ الأسى ستَصْرِمُ حَبْلِي ولا تُصْرَمُ

أزِحْ عن حشاكَ غُثَاءَ الضميرِ ولا تَكْتُمنّي فلا أكْتُمُ

فإنْ كانَ عندَكَ من مَعْتَـبٍ فعندي أضعافَهُ مَنْدَمُ

وإِنْ كُنْتَ فيما أمْتُحِنَّا بهِ وما مَسَّنا قَدَرٌ مُحْكَمُ

تُخَرِّجُ عُذْرَاً يُسَلِّي أخَـاً فأنتَ المُدِلُّ بهِ والمُنْعِمُ

عُصَارَةُ عُمْرٍ بشَتَّى الصنُوفِ مَلِيءٌ كما شُحِنَ المُعْجَمُ

بهِ ما أُطيقُ دفاعاً بهِ وما هو لي مُخْرِسٌ مُلْجِمُ

أَسَالَتْ ثراكَ دموعُ الشبابِ ونَوَّرَ منكَ الضَّرِيحَ ال



حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-10, 02:00 AM   #12
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي جعفراً وشجونُ الأسى ستَصْرِمُ حَبْلِي ولا تُصْرَمُ

أزِحْ عن حشاكَ غُثَاءَ الضميرِ ولا تَكْتُمنّي فلا أكْتُمُ

فإنْ كانَ عندَكَ من مَعْتَـبٍ فعندي أضعافَهُ مَنْدَمُ

وإِنْ كُنْتَ فيما أمْتُحِنَّا بهِ وما مَسَّنا قَدَرٌ مُحْكَمُ

تُخَرِّجُ عُذْرَاً يُسَلِّي أخَـاً فأنتَ المُدِلُّ بهِ والمُنْعِمُ

عُصَارَةُ عُمْرٍ بشَتَّى الصنُوفِ مَلِيءٌ كما شُحِنَ المُعْجَمُ

بهِ ما أُطيقُ دفاعاً بهِ وما هو لي مُخْرِسٌ مُلْجِمُ

أَسَالَتْ ثراكَ دموعُ الشبابِ ونَوَّرَ منكَ الضَّرِيحَ ال


توقيع : حسين الحمداني


زهرة الشرق

zahrah.com

حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مهدي , الجواهري-متنبي , الشاعرمحمد , العصرالحديث


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:00 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

زهرة الشرق   -   الحياة الزوجية   -   صور وغرائب   -   التغذية والصحة   -   ديكورات منزلية   -   العناية بالبشرة   -   أزياء نسائية   -   كمبيوتر   -   أطباق ومأكولات -   ريجيم ورشاقة -   أسرار الحياة الزوجية -   العناية بالبشرة

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك

(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)