،، قصة امراة وزوجة وعبقرية الهندسة المدنية ،،

فاز جون روبلنغ المهندس البارع من ألمانيا بعقد بناء أكبر جسرٍ في العالم، جسر البروكلين في نيويورك الذي سيمتد لمسافة 1600 قدم وثبةً واحدةً عبر النهر الشرقي الواسع والمضطرب الذي فصل نيويورك عن بروكلين بهذا الحجم الهائل سيبدو كل شيءٍ في التصميم خارق.. كان يجب تهبيط الأساسات حتى عمق 70 قدماً تحت النهر. جسر بهذا التصميم البارز سيحتاج لأبراج تدعيم هائلة فهو بحق أعجوبة في زمانه. وكانت فيه قصّة لسيدة قويّة وعبقرية سنتعرف عليها هنا:


الجسر الذي يوصف بانه دمّر العائلة التي بنته بالكامل تقريبا ويقف الان ليذكر العالم بولائهم وتضحيتهم.
هذا الجسر الذي لم تكن له سابقة,اصر المهندس روبلنغ على بنائه متحديا جميع المهندسين المعارضين والمتخوفين معتبره الجسر الاعظم في الوجود وكان يسانده بشكل مبسط ابنه المهندس الشاب في العمل
قصة عمل مهندسين اسفل قاع النهر وعاليا في السماء
وقصة امراة انقذت هذا الجسر بذكائها وحفظت للعائلة مكانتها بعد ان كاد العمل ان ينهار!!!
بدء روبلنغ مشروعه وكانت زوجة ابنه ايميلي روبلنغ emily roebling هي المؤرخ الغير رسمي للجسر حيث جمعت القصاصات وحفظت كل ما كتب عن الجسر وكان هذا الدور في بادئ الامر ولكنه سيكون مختلفا فيما بعد.
في بداية العمل واثناء تخطيط الموقع تعرض الاب العبقري المهندس روبلنغ الى حادث تهشّم في القدم نتيجة اصطدام لاحدى السفن الصغيرة بالقرب من الموقع مما ادى الى بتر احدى اصابع قدمه ورفض في حينها التداوي معتمدا على الماء المعقم لكنه توفي نتيجة الاصابة بالكزاز,فكانت الصدمة الاولى رحيل الاب الملهم وصاحب الفكرة الاقوى لبناء الجسر
اصرت العائلة على اكمال مشوار الاب وعلى الرغم من الاعتراضات على تولي ابنه المهندس الشاب واشنطن روبلنغ المهمة ومسؤولية بناء الجسر الا انه نجح في اقناع المشرفين كونه اولا الوريث الوحيد لمصانع ابيه التي تنتج الكوابل اللازمة في تشييد الجسر وثانيا خبرته في بناء اسس الجسر ذات التقنية الخاصّة والسبب الثالث اعداد مخططات التصميم الخاصة بالجسر مع ابيه, وافقت الجهات المشرفة على تعيين واشنطن رئيسا للمهندسين بدلا من ابيه
واثبت واشنطن المهندس الشاب قدرته العالية على مواصلة العمل وتحدي الصعوبات ولكنه تعرض الى ازمتين صحيتين بسبب العمل المستمر في داخل الحجر الهوائية اسفل قاع النهر والتي كان فيها خليط من الحرارة والماء المتجمد والهواء المضغوط يجعل العاملون يضنّون انهم يعملون في جهنم نفسها
مثل هذه الظروف اقعدت المهندس واشنطن روبلنغ على الكرسي وجعلته متأزم صحيا وغير قادرا على مواصلة العمل في الموقع فما هو الحل؟وما هو البديل؟ومن سيقوم بتولّي قيادة المشروع بدلا عن واشنطن؟ اخر المهندسين "واشنطن" واكثرهم قدرة على اكمال المشروع كان بحالة صحية صعبة.
كان من الصعب بل من المستحيل اكمال عمل الجسر عن طريق واشنطن لذا قررت ايميلي روبلنغ المساعدة ولكن كيف؟
لقد قامت ايميلي بتعليم نفسها الرياضيات المتقدمة وتفاصيل علم الهندسة وفي حالة وفاته يود من يكمل المشروع بعده وتحولت يوم بعد يوم من غرفة رئيسة التمريض الى غرفة رئيس المهندسين لادارة هندسة الجسر شارحة النقاط الصعبة ومحللة النتائج لنفسها
ورسخت اسمى معاني التواصل بين البناء واحترامه
يقول عنها المهندسون العاملون في المشروع لقد فتحت عقلها اللامع لاستيعاب الرياضيات المتقدمة,لقد بهرتنا بكمالها واستيعابها لخطط المهندس واشنطن روبلنغ "زوجها" بالكامل
وتم اكمال البرجين الرئيسيين للجسر ومد اول كابل بينهما عام 1876في 14 اغسطس
ولكن لم يكن هذا اخر التحديات تجاه هذه المرأة بل كان هناك معوقا غير متوقع وهو اعتراض بعض الاطراف في المجلس المحلي على تجهيز شركة واشنطن للكوابل "بسبب مصالح مالية قريبة من هؤلاء المعترضين" على الرغم من كونها الشركة الاكفء في البلاد, وبالفعل تم تحويل العقد الى شركات اخرى ولكنها استطاعت وبحكمة زوجها كشف التلاعب بعد ان تقطعت الكثير منها اثناء العمل مودية بحياة اكثر من عامل واكتشف امر التلاعب بالمواصفات الفنية وعاد مرة اخرى تجهيز الكوابل على شركة واشنطن نفسها.

وكان التحدي الاخير لهذه العبقرية المتألقة هو اتهام بعض المعارضين لزوجها بانه غير صالح عقليا لاكمال مهمته كرئيس للمهندسين وانه رجل مصاب بمرض عصابي وما كان منها بعدما كتبت الصحف الكثير في هذا المجال
الا انها تدرك ان حياة واشنطن "زوجها" هي الجسر وهو قادر على اكماله حتى لو كانت تحيط به اصعب الظروف (هذا ما صرحت به في كتاباتها)
قامت بحشد الرأي تجاه زوجها وتوجهت نحو جمعية المهندسين المدنيين الامريكية خاطبة فيهم عن قدرة ادارة واشنطن للجسر
اول امرأة على الاطلاق تقوم بهذا

بعدها عرض الامر على مجلس الادارة الخاص بالجسر وقام بالتصويت لصالح واشنطن وحققت نصرا حاسما ببقائه رئيسا لمهندسي الجسر

في عام 1883 انهي جسر البروكلين في 24 مايو بعد ان بدء العمل به عام 1869في السادس من يوليو
وبقي اسم ايميلي روبلنغ واحد من اعظم الاسماء اللامعة والعبقرية في بناء هذا الجسر والتي قالت اخيرا "الجسر قد تم بنائه وما زال اسم روبلنغ مرتبطا به كما ينبغي ارى حياتنا هناك في هذه التحفة الفنية الجميلة,انها عائلتنا هناك,قد يذهب الناس فقط ويسيرون عبره,والبعض قد ينظر اليه,هل سيعلمون بقصتنا؟ لا ادري,لكني سأعلم كيف بني ومن بناه,وساعلم من مات لاجلة وهذا كاف, هذا كاف"
هذه هي قصة صفق لها كل من قرء روعت تفكيرها.