العودة   منتديات زهرة الشرق > >{}{ منتديات الزهرة الثقافية }{}< > شخصيات وحكايات

شخصيات وحكايات حكايات عربية - قصص واقعية - قصص قصيرة - روايات - أعلام عبر التاريخ - شخصيات إسلامية - قراءات من التاريخ - اقتباسات كتب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 11-12-02, 10:42 PM   #1

الأطلال-جيت
يا هلا نورت المنتدى

رقم العضوية : 553
تاريخ التسجيل : Dec 2002
عدد المشاركات : 10
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ الأطلال-جيت
إبتسامة عريضة التحدي الكبير : جردوا أقلامكم (( قصة واقعية ))


[shdw]قصة واقعية حدثت في مدينة دير الزور عروس الفرات الخالد في سوريا أبطالها واقعيون معروفون لدى أبناء دير الزور [/shdw]

[shdw]تجري وقائعها في زمن الإحتلال الفرنسي لسوريا[/shdw]


[gl]جردوا أقلامك المثلمة و استعدوا لذبح القصة و استخراج ما تنطوي عليه من عناصر أدبية و فنية و فكرية[/gl]

[shdw]أتمنى أن تقطعوها جيدا و تعيدوا توصيلها كما يحلو لكم و أقسم أن صدري سيتسع بحب لكل انتقاداتكم البناءة و غير البناءة [/shdw]

و هذه القصة شاركت في مسابقة أدبية كبيرة في دولة عربية شقيقة

و قد حصلت على الإذن من صاحبها و هو أستاذي في سوريا و قد نقلت كلامه حرفياً و هو يقرؤكم التحية و سيسعد بانتقاداتكم مهما كانت جارحة و مستفزة و مقززة.



[shdw]الاطلال - جيت حاليا - الأطلال سابقا - الكاتب باسم الأطلال - أبو مزمار - الحاقد[/shdw]


توقيع : الأطلال-جيت

كُلُ الذي أدريهِ أنَّ تَجَرّعي ____ كأسَ المَذَلةِ ليسَ في إمكاني


الاطلال - جيت

لأي مساعدة في مجال الكمبيوتر لا تتردد و راسلني
Talal_malek@msn.com

الأطلال-جيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-02, 10:48 PM   #2

الأطلال-جيت
يا هلا نورت المنتدى

رقم العضوية : 553
تاريخ التسجيل : Dec 2002
عدد المشاركات : 10
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ الأطلال-جيت

[c]الخفاش [/c]



ملحمة وطنية أمها الحقيقة و أبناؤها أبطال حملوا لهيب الحق فاحترقوا و أحرقوا معهم همجية المستعمرين … أحداثها صور متقاطعة متدافعة من ملحمة تحرير (( وادي الفرات )) من أيدي المحتلين الفرنسيين و هي حكاية مسكينة ، نسيها التاريخ فحفظتها ذاكرة الناس التي لا تنسى الأبطال … أبداً …… أبدا.


المؤلف




كانوا ينادونه (( أبو الليل )) و كان كثيراً ما يبرم شاربيه الكبيرين و هو يستمع إلى شكاواهم التي لم تنته بعد !!؟
لم أكن أراه أكثر من طفل بملامح رجل … !!
ثلاثون ربيعاً ودعته أول البارحة غير أن مديتها الغادرة لم تستطع أن تحفر على وجهه الوضيء أخدوداً واحداً من أخاديدها الكريهة.
عشرات العائلات المستورة تنتظر أن ينقر أبوابها الهشة ذات المزاليج الخشبية الكبيرة ليلاً … ليحمل إليها الميرة و السكر في أطراف المدينة و لم يكن أحد يعرف من أين يجيء بكل هذه الميرة و السكر … !!؟
تستقبلك ابتسامته من بعيد بضواحك ألبسها الغجر غطاءا ذهباً لافتاً للانتباه و تكاد تذهلك علاقته الروحية بعصاه (( حسنة )) ذات الرأس الكبير المكور و الجسد الأملس الفارع فقد كان يصر على حملها على كتفيه و إسناد يديه على طرفيها بطريقة تبرز عضلاته المفتولة و صدره البارز.
كلما رأيته خيل إلى أنه بطلٌ أسطوريّ عائدٌ من أعماق التاريخ !!!
لم يكن يتكلم كثيراً حتى أن أقرب جيرانه إليه مازال يراهن أنه أخرس و لم تكن تسمع منه إلا حفيف (( شر واله )) الأسود الكالح و أصوات صغار الحصى و هي تئن تحت وطأة حذائه الثقيل المشابه لأحذية العسكر…
عينان حادتان كعيني صقر جريح لم تستطيعا بعد إخفاء أثار حزن موغلة في العمق.
يخيل إليك أنه أحد النساك و هو يستقبل شعاع الفجر الوليد على ضفاف الفرات الذي ابتلع زوجه و أبنائه الثلاثة في غير موعد.
كان ينظر إلى مياه الفرات بعتب … فإذا دبت الحركة في الشارع الحجري المحاذي للنهر ضم (( حسنة )) إلى صدره ثم أردفها على منكبيه العريضين و انطلق صاعدا الدرج الحجري الضيق باتجاه (( العلوة )) الصامتة
إذا مر أراقبه بإعجاب لا أعرف له سبباً … !! غير أني لم أستطع يوما النظر في عينيه أكثر من رفة جفن و رغم الغموض الذي يلف نظراتهما النافذة كانتا تشعراني بارتياح غريب.
ربما كنت اقرأ في بريقهما نوراً يطرد أشباح الخوف عن ليلنا المستديم.
ها هو يتجه إلي المقهى الشعبي في حي (( دير العتيق )) قبالة سوق (( الحدّادة )) في هدوء.
النادل يهرع بسرعة حاملاً كوبا من الشاي الثقيل مرحباً بضيفه الدائم بلهجته الشعبية الممطوطة.
- آهلين بالرجال … !!
- أهلا (( أبو جاسم )) … ما الأخبار ؟
يتلفت النادل بحذر فيطلق أبو الليل عينيه في اتجاه أخر مصغياً للنادل باهتمام.
-يكاد (( القومندان )) يصاب بالجنون … لقد أمر بمضاعفة الحراسة على الجسر العتيق و الجسر المعلّق … و سيشرف بنفسه على عمليات الحراسة.
-ستكون اللعبة أحلى.
يتبادل الاثنان ابتسامة ذات معنى ينصرف بعدها النادل مسرعاً غير أنه ما يلبث أن يلتفت باتجاه أبو الليل.
-نسيت أن أخبرك.
-ماذا ؟!!
-هذا الصباح طلب الكولونيل تعزيز قواته من (( قشلة حلب )).
-من بلغك ؟
-أبو النار.


توقيع : الأطلال-جيت

كُلُ الذي أدريهِ أنَّ تَجَرّعي ____ كأسَ المَذَلةِ ليسَ في إمكاني


الاطلال - جيت

لأي مساعدة في مجال الكمبيوتر لا تتردد و راسلني
Talal_malek@msn.com

الأطلال-جيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-02, 10:52 PM   #3

الأطلال-جيت
يا هلا نورت المنتدى

رقم العضوية : 553
تاريخ التسجيل : Dec 2002
عدد المشاركات : 10
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ الأطلال-جيت

رشف أبو الليل رشفةً طويلة من كوب الشاي الساخن ثم ابتسم و هو يرد تحية بائع (( السحلب )) الذي بدأ صوته يغزو المكان بأنغامه الشجية.
-سحلب … حليب … أخر كأس يا شباب … أحلى كأس سحلب لأحلى (( أبو الليل )).
مد أبو الليل يده في جيب شر واله ليدفع ثمن الكأس العابقة برائحة القرفة .
-لا ولله … هاي على حساب المحل.
تململ النادل من حديث البائع الذي لم يلبث أن ودع (( أبو الليل )) ملبياً طلبات الزبائن هنا و هناك … ثم أقفل راجعاً.
-كانت ضربة البارحة مؤلمة يا أبو الليل … ثلاثة جنود و مخزن قمح كامل … إننا مجرمون حقا … !!
-خلي الناس يشبعوا … حرام إذا أكلوا من تعب أيديهم !!؟
-الله يستر
همس النادل و هو يودع صاحبه ليلبي طلبات زبائن المقهى الكثيرين و لم يلبث أن دوى صوت أبو الليل.
-عطوان
-أمرك أبو الليل
-ليلاً في نفس الموعد
-أين؟
-في البستان الشرقي
-رأيي أن نرتاح اليوم … العيون مفتوحة علينا عشرة على عشرة.
يهز أبو الليل عصاه الحبيبة محتجاً.
-و حسنة … !!؟ هل تموت من الجوع ؟!!
-لن تموت حسنة إذا صامت هذا اليوم.
-ستموت حسنة إذا لم تأكل اليوم من رأس (( القومندان )).
-يدبر الله.
-على الغياب إن شاء الله … لا تنس.
-على الغياب … في البستان الشرقي.
هز أبو الليل رأسه بسعادة لحظة انصراف النادل بخفة و ازدادت ابتسامته إشراقا و هو يسمع صوت عطوان يدوي هنا و هناك.
-اثنان شاي … و واحد قهوة مرة … و لا تنس النار يا ولد.
بسرعة البرق أفرغ الشاي الثقيل في جوفه الملتهب و ما لبثت حسنة أن ارتفعت فوق منكبيه العريضين كراية انتصار.
لم يتأخر الليل بالمجيء ذلك اليوم الصمت يلف البستان الشرقي بغطاء من الرهبة و بقايا من شفقٍ ترحل تاركةً نسمات الظلمة تداعب وجه النهر العاشق.
أوراق البرديّ تقبل وجه النهر … تتشابك … تطلق وشوشةً و تخبئ بين جوارحها عقباناً ترصد درب الجسر بعيني ذئب.
لم يكن برج الحراسة الجاثم على صدر الرصيف الضيق يبعد أكثر من عشرين خطوة.
سيارة جيب مكشوفة تطلق زئير محركها مدججةً بوجوهٍ صارمةٍ و أيد باردةٍ تقترب من برج الحراسة بهدوء.
(( الدومري )) يبدأ رحلته المعتادة بإضاءة أول فانوس يعلوا ناصية المحرس.
سيارة الجيب الغاصةِ بالخفراء تطلق زئيرها من جديد بعد أن لفظت خفيراً من حمولتها أول الجسر المعلق.
-بون سوار ميشيل.
-بون سوار.
خيوط الشفق اللاز وردي تودع سماء المدينة الملتفة بوشاح الصمت.
أشباحٌ سودٌ تتسلل متخفيةً بجناح ظلام يمتد بطيئاً صوب الجسر و صوت غرابٍ يتعالى في الجهة اليسرى من سور البستان الشرقيّ.
لم ينتظر أبو الليل طويلا تحت التينة … ها هي حسنة تهتز طربا لمجيء عطوان و سوادي.
-أهلا شباب … ما الأخبار؟
لم تسعف سوادي أنفاسه المتقطعة … فما لبث أن ألقى بثقله على الأرض الهشة محاولاً التقاط ما أمكن من أنفاسه المتقطعة بينما ابتسم عطوان مطلقا عينيه صوب أبو الليل.
-الحراسة مشددة هذا المساء.
-أحسن … !!
-تركت الدورية تطارد سوادي و هربت باتجاه الجنوب.
-معقول !!؟
-أنسيت أن التجول ممنوع بعد المغرب.
-لا … و لكن لم نكن نواجه مصاعب كهذه.
-ألم أقل إن الحراسة مكثفة!؟
-غريب.
-اسأل سواديّ كيف تخلص منهم.
التفت الاثنان صوب سواديّ الذي استقبلهما بابتسامته المعهودة بعد أن جمع أنفاسه الهاربة.
-سلمنا و الحمد لله!!
-كنت أتوقع أن أصل قبلك!
-اضطررت للاحتماء ببيت القومندان.
-تقصد القصر!!
-أجل … القصر … كان غاصا بالضيوف.
-أتمزح يا أبا السوداء؟
-أقسم بالله أنني احتميت ببيت القومندان … و أقسم أنه كان غاصاً بالضيوف
-و لكن … أين تخبأت؟!
-أعلى النخلة المطلة على صالة الضيافة.
-ولكنّ أبراج الحراسة كثيرة!!؟
-صدقوني يا شباب لو نظر أحدهم إلى أعلى لما وصلت إلى هنا أبداً.
-حمداً لله على السلامة.
بريقٌ غريب كان يلتمع في عيني أبو الليل و هو يستمع إلى أجوبةِ سواديّ الواثقة.
لم يستطع عطوان أن يمسك لسانه عن السؤال.
-قل لي يا أبو الليل … ما خطتنا هذا المساء ؟
لم يفارق ذلك البريق الغريب عيني أبو الليل و هو ينقلهما بين عطوان و سواديّ.
-سنهاجم بيت القومندان.
-سامحني (( أبو الليل )) لقد نجوت في المرة الأولى … و لا أظن أنني سأنجو مرةً ثانيةً هذا المساء.
أطلق أبو الليل نظرة كالرصاص باتجاه سوادي الذي بدا مرتبكا مترددا.
-أنت حر … أنا وعطوان سنهاجم بيت القومندان
بحر من الخجل يبتلع سوادي وهو يرى رفيقي دربه يخططان لمهاجمة بيت القومندان وحيدين فيتمتم محاولا الاعتذار
-طول بالك أبو الليل …كنت امزح معك
-يا سوادي هده قضية حياة أو موت … ولا أريد أن تذهب إلى الموت خجلا مني
-لو بقيت دونكما … لمتّ خجلا من نفسي…صلّوا على النبي أنا أمزح فقط
-تعال إذا لتعرف دورك …
نصف ساعة انقضت كأنها دقيقة واحدة نهض الأصدقاء بعدها متوجهين إلى بيت القومندان.
نقيق الضفادع يعكر هدأة الليل وأصوات لغط وضحكات عالية تؤنس وحشة المكان …حركة خفيفة تجتذب اهتمام الخفير الجاثم أعلى البرج الأيمن للبوابة الحديديّة الثقيلة.
لم يكمل الجندي خطوته الثالثة حتى كانت حسنة تشرب من ماء رأسه …بصمت.
ولم يكن حظ الخفير الرابض في الجهة اليسرى خيرا من حظ صاحبه …لحظات.
راح الجنديان بعدها يغطان في نوم عميق…بينما ارتفعت حسنة بزهو لتمتطي كتفي أبو الليل العريضين …
سرعان ما اجتمع الأصدقاء الثلاثة من جديد …وللمرة الأولى تجيء زمجرة أبو الليل خافتة …
-قيدوهما بسرعة وكمموا فاهيهما…هيا
لم يستطع أبو الليل كبح جماح السؤال في فمه
-أ ين مخزن المؤونة يا سوادي ؟…أين…؟
-عشر خطوات يمين البرج الثاني…
-سأحاول فتحه ريثما تلحقان بي …لا تتأخرا
بدأ الصديقان يوثقان الجنديين الممدودين كقتيلين …بينما انسل أبو الليل قاصدا باب المخزن الشبيه بالزنزانة
لم يصمد قفل المخزن اكثر من دقيقتين أمام قوة أبو الليل وصلابة حسنة
السكون المطبق يلف قصر القومندان ونباح كلاب الحراسة يتعالى من هنا وهناك ممتزجا بضحكات الساهرين وكؤوس من كل الألوان تتناقلها الأيدي
الناعمة والبزات ذات الأزرار اللامعة…
عينان لامعتان فقط كانتا تجوسان أرجاء غرفة المؤونة المظلمة
عشرات الأكياس تصطف بانتظام في أرجاء الغرفة الفسيحة ومئات من الصناديق الكرتونية الأنيقة والدنان الخشبية الراشحة برائحة الكحول الواخزة تنام في أمان…
على ضوء ولاعة الجاز ذات القبعة الساخنة تحسس الصديقان طريقهما إلى غرفة المؤونة
-أبو الليل … يا أبو الليل
-هل جهزتما العربة ؟
إنها تبعد ثلاثين خطوة…تحت جدار السور النهري تماما
سيؤمن سوادي الطريق وسنبدأ النقل أنا وأنت …هيا بسرعة
-حاضر
الأكياس الراقدة حتى العفونة تنطلق مادة أجنحتها السوداء باتجاه العربة المختبئة تحت جدار السور النهري ذي الجدران الرطبة وعشرات الصناديق الأنيقة تنتقل رباع رباع …عبر طريق الحديقة المظلمة …
كشّاف خجول يطلق أشعته المتقطعة عبر أشجار الحديقة الراعشة الغارقة في الصمت و الترقّب.
رأس ملفّع بالسوار يتلّفت يمنة و يسرة مطلقاً نظرة حادة باتجاه سوادي…
-حصة … ما الأخبار ؟
-تمام يا (( أبو الليل )) … الحمولة جاهزة.
-أعطني زجاجة (( المولوتوف )) بسرعة.
-حاضر.
-و أنت يا عطوان … هات ولاعتك بسرعة … و حاولوا إن تنطلقوا عبر البساتين … البساتين فقط.
-و أنت …!!؟
-سأعود لأحضر حسنة و سأشاغلهم عنكم قدر ما أستطيع.
هامساً جاء صوت سوادي متخفياُ بحفيف الأشجار الهامس.
-المولوتوف.
-تأكدت من الفتيل؟
-كل شيء جاهز…
-أحسنت …
وضع أبو الليل زجاجة المولوتوف جانباً ليشد على يد عطوان الخشنة.
-لا تتأخر يا أبو الليل حتى لا نقلق عليك.
-إذا تأخرت أكثر من ساعتين.
-وزعوا الميرة في موعدها … لا تنتظروني … الناس جياع مفهوم ؟
-مفهوم !
-تجنبوا بساتين النخيل قدر المستطاع… سأحاول أن لا أتأخر.
-موعدنا في نفس المكان؟
-نفس المكان … هيا بسرعة.
-بأمان الله يا (( أبو الليل )).
-بأمان الله.
بنعومةٍ و حنان لامس (( أبو الليل )) خد زجاجة المولوتوف اللامع ثم ملئ صدره بعبق فتيلها المحبب و راح يرقب المكان بعيني ذئب متنقلاً حول القصر الغارق في الأضواء بخفة ثعلب … ها هو يعود إلى غرفة المعونة و في عينيه بريقٌ غريب … ! أمواج التوتر تنحسر عن نفسه بعد أن لامست يده خد حبيبته حسنة المشرب بالندى و الحمرة.
يطلق عينيه في أرجاء غرفة المؤونة الفسيحة … إنها تحتوي أطعمةً تكفي أهل الدير لعامٍ كامل… ها هو يبتسم لقد وجد أخيرا ما كان يبحث عنه.
قطع (( أبو الليل الكيس الورقي إلى أربع قطع ثم رفع قبعة ولاعة الجاز بهدوء فابتسم لهيبها ناشراً خيطاً من ضوء و ما لبثت أجزاء الكيس أن تحولت إلى طيورٍ ناريةٍ تنتقل هنا و هناك ناشرةً ألسنة الدفء في كل اتجاه … !
عشرات الفئران تتراكض هنا و هناك مطلقةً صيحات على الضوء الزائر.
بسرعة البرق ودع (( أبو الليل )) غرفة المؤونة الملتهبة غير أنه ما لبث أن كتم أنفاسه و هو يسمع وقع أقدام دوريةٍ ثنائيةٍ راجلة.
-من هناك … ؟ من هناك !!؟
-غرفة المؤونة مفتوحة !
-إنها تشتعل … أطلق صافرة الإنذار بسرعة.
كالقضاء العاجل حطة حسنة على رأس الجندي الخائف لتتركه غارقاً في بحرٍ من الصمت المضرج بالدماء.
-من هناك ؟ … جان ما الذي أصابك … لماذا لا تطلق الصافرة ؟
سيل من الرصاص يطلقه الجندي بعشوائية غريبة غير أن حسنة ما لبثت أن أغرقته مع زميله في بحر واحد.
بدأ اللهيب يمد ألسنته اللاسعة عبر باب و نوافذ غرفة المؤونة المشبكة بقضبان الحديد.
أحذية ثقيلة تجري هنا و هناك على غير هدى و زخات رصاص عشوائية تتهاطل في كل اتجاه قاطعةً صمت ليل القصر الدامس.
نظر (( أبو الليل )) إلى مجموعة الراقصين اللاهين و هز رأسه بحزنٍ بالغ ………
كان يبحث عن سببٍ واحد مقنع لمجيئهم … ! قبّل (( أبو الليل )) خد الزجاجة اللامع قبل أن يملئ أنفه مرةً أخرى بطيب رائحة البترول ثم رفع قبعة ولاعته بهدوء …
بسرعةٍ رهيبة التقم الفتيل لهب الولاعة فتحول إلى لهبةٍ شديدة التوهج و لم تلبث ذراع (( أبو الليل )) أن قذفت بالزجاجة الجهنمية عبر زجاج النافذةِ المضاءة.
لحظات من الصمت الرهيب تلف المكان للحظة يعقبها صوت صراخ و فوضى و رصاص يتطاير من كل اتجاه.
لم يجد (( أبو الليل )) صعوبة في الوصول للسور النهري للحديقة غير أن النيران المندلعة في القصر و في غرفة المؤونة كانت تكشف خطواته للمطاردين
الذين أمطروه بسيلٍ من الرصاص راح يطارده كأفعى مجنونة حتى ضفة النهر الذي اعتاد أن يبتلعه بهدوء و اشتياق.
لم يتأخر الليل بالانتصاف ذلك اليوم فقد أرخى عباءته الثقيلة على حينا سريعاً.
السكون يضفي مسحةً من الرهبة على العباءة السوداء المنسدلةِ على كتفي حينا الغارق في الخوف حتى أُذنيه.
فوانيس الحي تلفظ أنفاسها الأخيرة و صغار الحصى تأن تحت وقع خطا خفيفة سريعة.
صوت حسنة تنقر باب بيتنا مطالبةً برفع مزلاجه الخشبي الضخم.
حالةٌ من الصمت و الترقب تسود المنزل يقتحمها صوت خطوات الوالد المرتبكة.
أطلق المزلاج الخشبيُّ صرخته المعهودة قبل أن تمد حسنةُ رأسها من فتحة الباب الخشبيّ الثقيل ذي الأطراف المتآكلة و المسامير الغليظة بقبعاتها الصدئة.
-السلام عليكم.
_أهلا (( أبو الليل )) تفضل.
-هذا كيس من الحنطة و معه كيس من السكر و بعض الحلوى الفاخرة.
-حلوى !!؟ ما شاء الله !! ما الذي جد؟!!
-هاجمنا بيت القومندان.
-أيها المجانين … !!!!؟
بلجهةٍ جادةٍ انطلق صوت (( أبو الليل )) مؤنسا وحشةَ ساحة البيت.
-خذ أهلك و أولادك إلى البساتين قبل طلوع الصبح.
-لماذا؟! ما الأمر !!!؟


توقيع : الأطلال-جيت

كُلُ الذي أدريهِ أنَّ تَجَرّعي ____ كأسَ المَذَلةِ ليسَ في إمكاني


الاطلال - جيت

لأي مساعدة في مجال الكمبيوتر لا تتردد و راسلني
Talal_malek@msn.com

الأطلال-جيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-02, 10:53 PM   #4

الأطلال-جيت
يا هلا نورت المنتدى

رقم العضوية : 553
تاريخ التسجيل : Dec 2002
عدد المشاركات : 10
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ الأطلال-جيت

-سمعت القومندان يصدر أوامره بقصف المدينة في السادسة صباحاً.
لم يتمالك والدي أعصابه فتمتم :
-ملعون أبو الفرنساوي على أبو سنينه.
-لا تنس … في السادسة صباحاً.
-أأبلغ أحداً؟
-لا داعي … لقد تقاسمنا المهمة أنا و عطوان و … سوادي.
-سوادي !!؟ هل أطلقوا سراحه!!؟
-لا و لكنه هرب من السجن هذا المساء.
ضعيفاً خائفاً هرب صوت والدي من حنجرته.
-أرى أن تقضيَ الليلةَ معنا … و الصباح رباح.
-و من يبلغ أهل (( دير العتيق )) و (( الرشدية )) نبأ القصف !!؟
-إن التحرك خطر عليكم فالتجول ممنوع … و أنتم مطاردون … و جنود الفرنسيين ……………
-انه قدرنا … لقد الفناه … أين أهلي؟!
يجيل (( أبو الليل )) بصره سريعاً في ساحة الدار المظلمة ثم يتوجه ليلتقط حسنة المنتظرة وراء الباب…
-تصبحون على خير.
-انتبه لنفسك فالظلام حالك.
بابتسامةٍ عريضةٍ هز (( أبو الليل )) رأسه مداعباً.
-أنا (( أبو الليل )) … لا تنس إغلاق باب البيت جيداً قبل الرحيل صباحاً فقد كثر الحرامية من شدة الجوع.
رفعة حسنة رأسها تحيةً لوالدي ثم اختفت في الظلام الدامس.


توقيع : الأطلال-جيت

كُلُ الذي أدريهِ أنَّ تَجَرّعي ____ كأسَ المَذَلةِ ليسَ في إمكاني


الاطلال - جيت

لأي مساعدة في مجال الكمبيوتر لا تتردد و راسلني
Talal_malek@msn.com

الأطلال-جيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-02, 10:57 PM   #5

الأطلال-جيت
يا هلا نورت المنتدى

رقم العضوية : 553
تاريخ التسجيل : Dec 2002
عدد المشاركات : 10
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ الأطلال-جيت

لم أستطع الانتظار حتى يكمل والدي إجراءات إغلاق الباب المعقدة فما لبثت أن بادرته بالسؤال.
-أبي.
-نعم؟! خير ؟!! ماذا تريد ؟
-من هذا الزائر؟
-الفرنسيون يسمونه (( الخفاش )).
-و أهل الدير؟
-ينادونه (( أبو الليل )).
بفظاظةٍ رهيبة قطعت أصوات البنادق الخفيفة و الأقدام المتراكضة هنا و هناك حديثنا و فوجئت بوالدي يدفعني أرضاً و ينبطح إلى جانبي.
سيل من الرصاص يتساقط مطلقاً صوتاً غريباً يملئ ساحة بيتنا بالخوف محطماً زجاجة قنديل الجاز المرتعش بين يدي أبي… أشباحٌ تركض هنا و هناك مالئةً سكون الحي المظلم برطانةٍ غريبة و عصبيةٍ و فوضى.
-صموئيل … ساليم … أللون أفيك نو …
مأذنة القرميد القديمة الرابطة على صدر الرابية المكتظة بالبيوت الطينيةِ القديمة تسبح ببشائر ضوء القمر و بيوتنا البائسة أسفلها تغرق في ظلام و صمت رهيبين.
كلاب الحي تقفل أجفانها من شدة التعب رغم وجود حركةٍ غريبة في الأزقة الضيقة.
وحدها رائحة (( الجلة )) و حطب الشيح الرطب المشتعل كانت تزكم الأنوف و عجوز المرحوم الحاج (( صويلح )) تهدهد حفيدها بصوت يشبه همس نسائم الصباح مرنمةً.
-أنتم تنامون و عين الله ما نامت و لا شدة على المظلوم دامت
حركة غريبة و روائح غير عادية تقتحم أنوف كلاب الحي الممدةِ أسفل الجدران الطينية الأيلةِ للسقوط مطاردةً خفاشاً أسود بشاربين كجناحي صقر و ضاحكٍ ذهبي لامع صنعته كف غجرية يتنقل بين غابةٍ من أعواد السقوف المتداعيةِ.
خوذات حديدية لامعة تتدفق عبر أزقة دير العتيق الغارقة بالكلاب المذعورة و القاذورات كنهر من الضوء لم يلبث أن تحول إلى روافد ثلاثة.
أحذية عسكريةٌ ذات روائح كريهة تتزاحم في ردهات (( العلوة )) الصامتة منذرةً بحدوث مكروه.
يد حديديةٌ تطلق فكيها نحو لثام الخفاش المتنقل بين حيطان العلوةِ بخفة الفهد.
تصلبت يد (( أبو الليل )) و هي تنطلق بالمدية بسرعة البرق إلى البزة العسكرية ذات الأزرار اللامعة غير أن اليد الحديدية أمسكت بالمدية بقوة أذهلت (( أبو الليل )) … الدهشة تعقد لسانه و هو ينظر في العينين اللامعتين الناظرتين إليه بإعجاب.
-أنت (( أبو الليل )) …!!؟
-أجل.
-انطلق قبل أن يصل الجنود.
عاصفةٌ من الشك و الذهول تجتاح جوارح أبو الليل فتسمر قدميه أرضاً.
نبرة الجندي المطمئنةُ تخفف من إصرار (( أبو الليل )) على النيل من خصمه.
-أنا أخوك الناصر … من الجزائر … لا تخف … انطلق بسرقة قبل أن يأتي الجنود.
أنزل أبو الليل مديته متمتماً.
-الكلاب!! يقتلوننا بأيدي أبنائنا !!؟
-نحن لا نقتل عربياً أبداً اطمئن
مد (( أبو الليل )) يده الخشنة ليصافح الكف الحديديةَ الممدودةَ إليه.
-غدا صباحاً سيقصف الفرنسيون …………
-اطمئن لم يجدوا أحداً
رشاش من طراز (( سامو بال )) يعلن انتهاء الحديث ملقياً بقطةٍ كسولةٍ عن ظهر جدارٍ قريب.
قناديل البيوت الكئيبة تتوهج مستقبلةً أذان الفجر بنفاد صبر…
ها هو الصبح يرمي بأول نياشينه على الهلال المركوز أعلى المئذنة الشاحبة ذات القرميد المتآكل.
الملا على يجلجل بصوته الأجش من شرفةٍ أعلى المئذنة السابحةِ بالشعاع
-الله أكبر … الله أكبر … أشهد أن لا اله إلا الله …
حركة دائبة تجتاح البيوت و عيونٌ سوداء تتلامعُ محتقنة بالقهر و الجوع.
طابورٌ طويل يودع البيوت بصمت منسرباً بين الجسر العتيق و الجسر المعلق كأفعى عمياء جاوزت سن الشيخوخة.
البساتينُ تفتح جدرانها الطينية لتلقم الناس بصمت مطبق.
حتى (( أبو كحّول )) المعروف بعناده غادر منزله صاباً سيلاً من لعناته المعتادة على رؤوس الفرنسيين.
إنها السادسة تماماً !!
الهدير يقض مضاجع المدينة الحالمة النائمة على ضفاف الفرات الخالد.
طيورٌ معدنيةٌ متوحشة تطرد العصافير و البلابل عن سماء المدينة بزعيقها المشؤوم ، كبسولاتٌ مجنحة تنزلق من بطون الطائرات اللامعة لتستقبلها
السقوف الهشةُ بصدور مثقوبة و (( الدانات )) المتساقطة كالمطر تحول سماء المدينةِ جحيماً لا يطاق.
البساتينُ تحتضنُ الناس في هدوء و رهبة و شبابيكُ المنازلِ تودعُ أجفانها الزجاجيةَ إلى غير رجعة.
خوفٌ و ترقب يلفان البساتين الغارقـة في الصمت و العيون المتعبة.
-ما شاء الله … !! أهل الدير كلهم هنا !!!
أحد الرجال يضيق ذرعا بحالة القلق و الترقب فيحاول بمرح كسر حاجز الصمت الرهيب المخيم على المكان مشاركاً عشرات المتحدثين دون مناسبةٍ
-متى سيبدأُ الزفاف ؟؟! أين العروس ؟!!
لغطٌ غريب و ثرثرةٌ ترسم على الوجوه المتعبة ابتسامات صفراء.
-جمعةٌ على خير … !!
-انظر انظر !! أليس هذا مرزوق العجلان !! انظروا مع من يقف !!؟
-خلف الكريّم !!! إن بينهما ثأراً … انظر انظر انه يقبلُ كرّوم ولد مرزوق العجلان !!؟
-تحيا الصداقة!!
هتف أحد الواقفين محاولا جذب الانتباه إليه فنهره ذو اللحيةِ الكثة.
-ليس الأمر كما تظن يا أبا الزهرة.
-و كيف يكون يا أبا العُريف ؟
-إن الظروف الصعبة تنسى الإنسان أحقاده الصغيرة
أحد الواقفين يسخر من جدية الحديث بضيق
-لك يا آدم … هذا دم …… كيف يعني ينسى !!؟؟
بعد قليل ينتهي ضرب الدان … و يرجع كل واحد مثل ما كان
-فال الله و لا فألك.
خيولٌ مسرعةٌ تدفعها أشعةُ الشمس تحملُ رجالا ملثمين يسابقون الضوء إلى المدينة الصامتةِ كالمقبرة.
العيون تشخص باتجاه الفرسان المدججين بالأكياس الفارغة و بعض البنادق نصف الآلية القديمة قدم التاريخ.
فيضٌ من مشاعر الفخر و الاعتزاز يغمر مشاعر الرجال فينسونَ حذرهم ملوحين بكوفياتهم المزركشة للفرسان القادمين من المجهول و بعض النسوة المتحمسات يطلقن زغاريدهن الرنانة ابتهاجاً بكوكبة الفرسان المغيرة.
هرجٌ و مرج يسودان الهاربين من جحيم المدينة المشتعلة إلى ضفاف الفرات الخالد تختلط فيه زغاريد النساء بتهاليل الرجال.
-محوّطين بالله.
حناجر الرجال تزمجر بحماس أغرودةً معروفةً للمجاهدين.
-ربعي دوم مونسين البر مسقين العدوان من المر
ربعي دوم مونسين البر حدايـةٌ و شيالة موزر
ثرثرات و ترهات و حكايات بطولة وهمية تؤنس وحشة الصمت و الانتظار و الترقب.
هدير الطيور الحديدية يبتعد عن سماء المدينة الزاخرة بأعمدة الدخان و اللهب و أصوات عيارات نارية تمزق وحشة الصمت المطبق.
ساعتان و لم يعد صوت الهدير الكريه إلى السماء المثقلةِ بالسحب السوداء و ألسنةِ اللهيب المتصاعدةِ من هنا و هناك.
البريق يعود إلى العيون المتعبةِ من جديد حاملاً نوبةً من الفرح المشرب برائحة الخوف.
ها قد بدأت رائحة الحياة تتسلل إلى البساتين عبر السواقي المفلطحة معلنةً انتهاء فترة الضيافة.
إنها العاشرةُ صباحاً … الجموع الغفيرة الهاربة من مياه السقاية تتدافع عبر الطريق الممتدة بين الجسرين بعشوائيةٍ غريبة !!
كتلةٌ سوداء تقتحم العيون مترنحةً فوق الجسر البعيد كالأفق.
بجزع يصرخ أحد مستوري المدينة.
-أليس (( أبو الليل )) من يقف على أول الجسر ؟!!
-بلى إنه أبو الليل هذه عصاه حسنة تلوح من بعيد في يده … و لكن ما الذي دهاه ؟!! انه يتأرجح في مشيته.
القلوب تسابق الخطا نحو الجسر حيث يقف (( أبو الليل )) كالأسد الجريح واضعا يده اليمنى تحت ثديه الأيسر.
-أظن أنه جريح.
-اللعنةُ على الفرنسيين و على داناتهم الغادرة.
غشاوةٌ غريبةٌ تمنع ناظري (( أبو الليل )) من رؤية الجموع المتدافعة نحو منتصف الجسر بلهفة.
الأرض الاسمنتية الصلبة ترتطم برأس (( أبو الليل )) مباعدةً بينه و بين ((حسنة)) رفيقة العمر.
الصدور تعلو و تهبط و الأنفاس تتقطع متسابقةً نحو الفارس المتوشح بالسواد.
-أبو الليل … أبو الليل !!؟!!؟ ما الذي دهاك ؟! قف يا رجل.
احتضن والدي (( أبو الليل )) غير أن صرخةً مكتومةً أذهلت الحاضرين و هي تنطلق من حنجرة والدي الضعيفة.
يده المرتعشة تسبح في بحر من اللزوجة الدافئة فتبدو على وجه والدي الطيب أمارات جزع ممتزجٍ بالخوف و اللهفة.
-ما بالك يا رجل!! احمله … أراك تولول كالنساء ؟؟!
-انه ينزف بشدة !؟ … ظهره كالغربال.
-الفرنسيون الأوغاد … لقد قتلوه.
صرخ أحد الرجال معنفاً أرملةً عجوزاً أطلقت ولولتها و بدأت تلطم وجهها بهلع.
-وحدي الله يا بنت الحلال … إن شاء الله سلامة.
ثم أمسك بيد (( أبو الليل )) محاولاً رفعه
-شد حيلك يا سبع … سنسعفك في لحظة … كلنا نفداك.
لأول مرةٍ منذ عرفته ينطلق صوت (( أبو الليل )) ضعيفاً متعباً يثقله الحزن و الألم.
-ابتعدوا عني أريد أن أتنفس بعمق.
ثم أشاح بعينيه المطفئتين عن العيون اللاهفة الناظرةِ إليه بضراعةٍ و فزع كأنما يخبئ شيئاً خطيراً و سراً لا يريد لأحدٍ أن يعرفه غير أن وجهه الوضيء كان طافحاً بالألم هذه المرة.
-من فعل ذلك يا (( أبو الليل )) ؟!! قل لي أرجوك … أبوس إيدك.
نظر (( أبو الليل )) إلى الوجوه المحبةِ الملتفةِ من حوله ثم هز رأسه نافياً و هو يسمع صراخ أحدهم من غير الفرنسيين !؟ … الكلاب … أولاد الـ…
تأوه أبو الليل لأول مرةٍ في حياته ثم تلفت حواليه باحثاً عن حسنة رفيقة كفاحه بين غابة الأقدام المحيطةِ به ثم تمتم و هو ينظر في الوجوه ملياً.
-الفرنسيون قصفوا البيوت …… أما أنا …… آآه
كشف (( أبو الليل )) عن صدره المليء بالثقوب الغادرة المتفتحةِ كزهر الشقائق … كان المشهد مروعاً خبأ كثيرٌ من الحاضرين عيونهم بأيديهم بينما انطلقت من صدر (( أبو الليل )) آهةٌ خيل معها للجميع أن روحهُ قد فاضت معها غير أنه ما لبث أن ابتسم متمماً حديثهُ.
-الجبناء … الجبناء … خدعتني ألبستهم فخرجت من مكمني للترحيب بهم … لكنهم … آه.
-لا تقلق يا (( أبو الليل )) إن جيشاً من أبناء العمومة قد جاء للدفاع عن المدينة … ما زالت الدنيا بخير … الحمد الله!
-القتلة … الجبناء … لقد رموني بالرصاص و هم الآن يسرقون المؤونة من بيوتكم … آهٍ القوهم … القوهم و إلا فالموت بانتظاركم.
أدار (( أبو الليل )) عينيه متفرساً في وجوه الموجودين ثم بدأ صوته بالتلاشي و هو يوصي والدي.
-بلغوا سوادي و (( أبو النار )) أنني … أنهم …… الفرنسيون …
اتسعت عينا (( أبو الليل )) و بدت ابتسامته أكثر إشراقا و هو يجيل عينيه المطفأتين بين الوجوه المثقلة بالحزن من حوله و انتفض جسده من شدة الألم و هو يمد يده صوب (( حسنة )) حتى هدأت حركته تماما ثم تلاشت.
-(( أبو الليل )) يا سبع … يا سبع … (( أبو الليل )).
-الدوام لله.
انطلق الناس بالفؤوس و الحجارة و الهراوات يدافعون عن بيوتهم المهشمة المنهوبة.
بقية من نسائم الفرات تلقي بالندى على وجه (( أبو الليل )) الباسم فتكسوه بريقاً ملائكياً.


توقيع : الأطلال-جيت

كُلُ الذي أدريهِ أنَّ تَجَرّعي ____ كأسَ المَذَلةِ ليسَ في إمكاني


الاطلال - جيت

لأي مساعدة في مجال الكمبيوتر لا تتردد و راسلني
Talal_malek@msn.com

الأطلال-جيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-02, 10:58 PM   #6

الأطلال-جيت
يا هلا نورت المنتدى

رقم العضوية : 553
تاريخ التسجيل : Dec 2002
عدد المشاركات : 10
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ الأطلال-جيت

[c]الجزء الأخير من قصة الخفاش [/c]


عشرات الأيدي ترفع بطلها عالياً و هي تهدر مزمجرةً بغضبٍ تجاوز كل الحدود.
-لا الــه إلا الـلـه و الشـهيـد حبـيـب الله
الحناجر الهادرةُ و السواعد المفتولة تغلب ارتعاشة الخوف و نظرات التعب متحديةً شماتة الفرنسيين ذوي الوجوه الباردة المخبوءةِ في محارس سرايا الدير.
عينان لاهفتان كانتا تودعان (( أبو الليل )) بنحيب صامتٍ … إنها عينا ((حسنة)) التي نسي رفيق عمرها أن يحملها بين كتفيه لأول مرة.
ترددت كثيراً قبل أن أمد يدي لأمسح دمعتين باردتين عن خد (( حسنة )) المتوهج بالغضب و ما لبثت أن أردفتها على كتفي واضعاً يدي على طرفيها فبدا صدري أكثر بروزاً … ! و مشيتي أكثر اتزاناً … ! و بدت (( حسنة )) تهتز طرباً على كتفي بعد أن تأكدت أن (( أبو الليل )) لن يتأخر … و أنه
سيعود قريباً .


توقيع : الأطلال-جيت

كُلُ الذي أدريهِ أنَّ تَجَرّعي ____ كأسَ المَذَلةِ ليسَ في إمكاني


الاطلال - جيت

لأي مساعدة في مجال الكمبيوتر لا تتردد و راسلني
Talal_malek@msn.com

الأطلال-جيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-02, 11:07 PM   #7

الأطلال-جيت
يا هلا نورت المنتدى

رقم العضوية : 553
تاريخ التسجيل : Dec 2002
عدد المشاركات : 10
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ الأطلال-جيت

أرجو تناول القصة نقدا بالطريقة التي تريدون

1- النقد الانطباعي (( التعليق على المقروء ))

2- النقد الأدبي و الفني (( لا بأس من الاستئناس بالمحاور الفنية و الأدبية التي أوردتها في مقدمة دراستي لحكاية ذكريات من عمر الحياة ))

3- النقد الفكري (( المنهجي )) من خلال محوري أ- الالتزام ب - الفن للفن

بانتظار انتقاداتكم و تعليقاتكم و انطباعاتكم بكل الترحيب



الاطلال - جيت حاليا - الأطلال سابقا - الكاتب باسم الأطلال - أبو مزمار - الحاقد


توقيع : الأطلال-جيت

كُلُ الذي أدريهِ أنَّ تَجَرّعي ____ كأسَ المَذَلةِ ليسَ في إمكاني


الاطلال - جيت

لأي مساعدة في مجال الكمبيوتر لا تتردد و راسلني
Talal_malek@msn.com

الأطلال-جيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-12-02, 08:30 PM   #8
 
الصورة الرمزية ابويافا

ابويافا
سفيـر الشـرق

رقم العضوية : 47
تاريخ التسجيل : Jun 2002
عدد المشاركات : 1,031
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ ابويافا

.. تحية /







ان ما مجمل ما نسمعه ونتأثر به ويؤثر فينا من مجريات الاحداث هي عبارة عن اخبار .. .. والخبر لا يمكن ان يتحول الى حدث قصصي .( وانت تعلم بهذا الشيء / من خلال طلبك للنقد ) الا بتوافر ثلاث اشياء ..

ان يحدث هذا الخبر اثر كلي .

ان يحول الخبر الى حدث ( باحتواءه .. بداية .. وسط .. نهاية )

مجموع ما نسمعه يجب ان يعطي معنى محدد .


وهذا .. عند تحويلنا لما يمر بنا بالوعى ( ما نصادفه ) في الواقع من اشياء تصادفنا في الشارع وما سواه .
او ما يمر باللاوعى ( داخل العقل الباطن ) من اشياء تستفز او لا تعرف عنها شيء بانها تخرج من تلقاءها .. وقبيل ان تخرج .. تمارس فعلتها على واقعك . اللامعاش طبعا .

ولكن .. من خلال متابعة لسرد القصة . وان كنت من اللذين لا يحبون السردية في اي شيء ( رواية _ قصة قصيرة ) كبعيد عن هذه الانواع الادبية / ولكن ..

اقول لك اخي الكريم .. اذا كانت واقعية هذه القصة او غير ذلك .. استشف شيئين منها .


ان لك اسلوب جيد .. وجميل . واتمنى لك كل التوفيق . في مستقبلك ..

اما السبب الاخر فهو متابعتي لما يكتب في المنتدى وان كان بشكل موسمي جدا .. ( الا ان سبب طرح القصة .. هو .. ( الاستفزاز ) احترم وجه نظرك .. ولكن هذه وجه نظري )



هل تعرف الروائية ( احلام مستغانمي ) تقول : الاغبياء صنفان : احدهم يشك في كل شيء

والاخر : لا يشك في اي شيء .


طبعا هناك جزء ثالث ( ...... ) .



هناك نقطة .. مهمة .. في اقتناعي الثاني لطرحك نصك ( هو الاختباء وراء اسم استاذك )
القصة جميلة ولا تحتاج منا للهروب من واقع ميت في حنايا الورقة .


ويكفي بان ابوالليل سيعود ...





همسة / اعتذر لتطفلي على نرجسيتك في النقد ... وعدم الالمام بما يدور بالنص ..
وشكرا لتفهمك ..


همسة للكل / ليس ان ( الانا ) يكتب بصورته المعهودة الركيكة .. تعني بانه ركيك .. ولكن لانه يجاري بعض العقول الضيقة .. المختفية خلف ازار الخجل او اللافهم . المجبولة به عقيدته منذ الازل .. ومنذ الخطيئة الاولى )







وشكرا لك .








ابن المخيم / ابويافا


توقيع : ابويافا
.

ابويافا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-02, 08:58 PM   #9

الأطلال-جيت
يا هلا نورت المنتدى

رقم العضوية : 553
تاريخ التسجيل : Dec 2002
عدد المشاركات : 10
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ الأطلال-جيت

أخي الطيب أبو يافا

تحية اليك و الى فلسطين البطولة و الى خان يونس التصدي

تعهدت أن أتلقى النقد برحابة صدر و أرى ذلك موجبا للالتزام رغم العدائية التي تكشفها كلمات النقد الانطباعي الذي أسعدني فقد توقعت أن يتجنب الكثير الخوض في القصة لاعتبارات تدركها مثلي ... الواقعة هنا ليست خبرا صحفيا ... لكنها قصة ... تحتوي بداية و وسط و نهاية و هي تحدد معنى البطولة الحقيقية من خلال رصد جزء من حياة أبو الليل و تكشف ورقة منسية من تاريخ نضال الفراتيين ضد الفرنسيين و قد أحدث ذلك أثرا كليا عندك فانت معي تنتظر عودة أبو الليل ... و هذه كل رسالة القصة.

أما مسألة القعل الباطن و الظاهر و الوعي و اللا وعي و الانتماء و اللا انتماء أخشى أن أناقشك فيها فتتضايق ... و ذلك يخالف العهد الذي قطعته .

القصة ليست سردا و لم تك قط كذلك فنسبة الحوار فيها تقربها من المسرحية .

أشكر اطراءك و اعلانك أنها للاستفزاز.

أما عن تصنيف الأغبياء فقد أعجبني كثيرا و يبدوا انك استحييت أن تقول أن الثالث هو (( الإمعة )) لاعتبارات أتفهمها جيدا أبعدني الله و اياك و ليس بيننا من هو كذلك ان شاء الله.

و لو كنت أختبئ وراء أحد لنسبت القصة الى نفسي فهي منحة صاحبها الى المنتدى و هو يقرئك السلام.



الاطلال - جيت حاليا - الأطلال سابقا - الكاتب باسم الأطلال - أبو مزمار - الحاقد


توقيع : الأطلال-جيت

كُلُ الذي أدريهِ أنَّ تَجَرّعي ____ كأسَ المَذَلةِ ليسَ في إمكاني


الاطلال - جيت

لأي مساعدة في مجال الكمبيوتر لا تتردد و راسلني
Talal_malek@msn.com

الأطلال-جيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:55 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

زهرة الشرق   -   الحياة الزوجية   -   صور وغرائب   -   التغذية والصحة   -   ديكورات منزلية   -   العناية بالبشرة   -   أزياء نسائية   -   كمبيوتر   -   أطباق ومأكولات -   ريجيم ورشاقة -   أسرار الحياة الزوجية -   العناية بالبشرة

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك

(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)