العودة   منتديات زهرة الشرق > >{}{ منتديات الزهرة العامة }{}< > نفحات إيمانية

نفحات إيمانية أذكار المسلم - السيرة النبوية - علوم الأحاديث - فتاوي إسلامية - أدعية وأذكار الصباح والمساء - توعية وإرشادات - علـوم قرآنية - تفسير آيات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 06-09-09, 01:11 PM   #31
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


[align=center]

تابع الجزء السادس عشر (( طلحة بن عبيد الله ))




انسحب طلحة والزبير من القتال، ودفعا ثمن ذلك الانسحاب حياتهما، ولكنهما لقيا الله قريرة أعينهما بما منّ عليهما من بصيرة وهدى..

أما الزبير فقد تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غيلة وغدرا وهو يصلي..!!

وأما طلحة فقد رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته..


**




كان مقتل عثمان قد تشكّل في نفسية طلحة، حتى صار عقدة حياته..

كل هذا، مع أنه لم يشترك بالقتل، ولم يحرّض عليه، وانما ناصر المعارضة ضدّه، يوم لم يكن يبدو أن المعارضة ستتمادى وتتأزم حتى تتحول الى تلك الجريمة البشعة..



وحين أخذ مكانه يوم الجمل مع الجيش المعادي لعلي بن أبي طالب والمطالب بدم عثمان، كان يرجو أن يكون في موقفه هذا كفّارة تريحه من وطأة ضميره..

وكان قبل بدء المعركة يدعو ويضرع بصوت تخنقه الدموع، ويقول:

" اللهم خذ مني لعثمان اليوم حتى ترضى"..



فلما واجهه عليّ هو والزبير، أضاءت كلمات عليّ جوانب نفسيهما، فرأيا الصواب وتركا أرض القتال..

بيد أن الشهادة من حظ طلحة يدركها وتدركه أيّان يكون..

ألم يقل الرسول عنه:

" هذا ممن قضى نحبه، ومن سرّه أن يرى شهيدا يمشي على الأرض، فلينظر الى طلحة"..؟؟

لقي الشهيد اذن مصيره المقدور والكبير، وانتهت وقعة الجمل.

وأدركت أم المؤمنين أنها تعجلت الأمور فغادرت البصرة الى البيت الحرام فالمدينة، نافضة يديها من هذا الصراع، وزوّدها الامام علي في رحلتها بكل وسائل الراحة والتكريم..

وحين كان عليّ يستعرض شهداء المعركة راح يصلي عليهم جميعا، الذين كانوا معه، والذين كانوا ضدّه..

ولما فرغ من دفن طلحة، والزبير، وقف يودعهما بكلمات جليلة، اختتمها قائلا:

" اني لأرجو أن أكون أنا، وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: (ونزعنا ما صدورهم من غلّ اخوانا على سرر متقابلين)"..

ثم ضمّ قبريهما بنظراته الحانية الصافية الآسية وقال:

" سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" طلحة والزبير، جاراي في الجنّة"...
*****************************
***********************************
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-09, 01:29 PM   #32
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


ال[align=center]جزء السابع عشر [/align]


[frame="10 10"]الزبير ابن العوام وابنهُ عبدالله [/frame]

[align=center]
1- الزبير بن العوّام - حواريّ رسول الله


لا يجيء ذكر طلحة الا ويذكر الزبير معه..

ولا يجيء ذكر الزبير الا ويذكر طلحة معه..

فحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يؤاخي بين أصحابه في مكة قبل الهجرة، آخى بين طلحة والزبير.

وطالما كان عليه السلام يتحدث عنهما معا.. مثل قوله:

" طلحة والزبير جاراي في الجنة".
وكلاهما يجتمع مع الرسول في القرابة والنسب.

أما طلحة، فيجتمع في نسبه مع الرسول في مرة بن كعب.

وأما الزبير، فيلتقي في نسبه مع الرسول في قصّي بن كلاّب كما أن أمه صفية عمة الرسول صلى الله عليه وسلم..

وكل منهما طلحة والزبير كان أكثر الناس شبها بالآخر في مقادير الحياة..

فالتماثل بينهما كبير، في النشأة، في الثراء، في السخاء، في قوة الدين، في روعة الشجاعة، وكلاهما من المسلمين المبكرين باسلامهم...

ومن العشرة الذين بشّرهم الرسول بالجتة. ومن أصحاب الشورى الستة الذين وكّل اليهم عمر اختيار الخليفة من بعده.

وحتى مصيرهما كان كامل التماثل.. بل كان مصيرا واحدا.


**




ولقد أسلم الزبير، اسلاما مبكرا، اذ كان واحدا من السبعة الأوائل الذين سارعوا الى الاسلام، وأسهموا في طليعته المباركة في دار الأرقم..

وكان عمره يومئذ خمس عشر سنة.. وهكذا رزق الهدى والنور والخير صبيا..

ولقد كان فارسا ومقداما منذ صباه. حتى ان المؤرخين ليذكرون أن أول سيف شهر في الاسلام كان سيف الزبير.

ففي الأيام الأولى للاسلام، والمسلمون يومئذ قلة يستخفون في دار الأرقم.. سرت اشاعة ذات يوم أن الرسول قتل.. فما كان من الزبير الا أن استلّ سيفه وامتشقه، وسار في شوارع مكة، على حداثة سنه كالاعصار..!

ذهب أولا يتبيّن الخبر، معتزما ان ما ألفاه صحيحا أن يعمل سيفه في رقاب قريش كلها حتى يظفربهم أو يظفروا به..

وفي أعلى مكة لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله ماذا به....؟ فأنهى اليه الزبير النبأ.. فصلى عليه الرسول، ودعا له بالخير، ولسيفه بالغلب.

وعلى الرغم من شرف الزبير في قومه فقد حمل حظه من اضطهاد قريش وعذابها.

وكان الذي تولى تعذيبع عمه.. كان يلفه في حصير، ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه، ويناديه وهو تحت وطأة العذاب:" أكفر برب محمد، أدرأ عنك العذاب".

فيجيبه الزبير الذي لم يكن يوم ذاك أكثر من فتى ناشئ، غضّ العظام.. يجيب عمه في تحدّ رهب:

" لا..

والله لا أعود لكفر أبدا"...

ويهاجر الزبير الى الحبشة، الهجرتين الأولى والثانية، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع رسول الله. لا تفتقده غزوة ولا معركة.







888
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-09, 01:32 PM   #33
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


[align=center][b[mark=#FFCC66]or=3300FF]تابع الجزء السابع عشر [/bor][/mark]




وما أكثر الطعنات التي تلقاها جسده واحتفظ بها بعد اندمال جراحاتها، أوسمة تحكي بطولة الزبير وأمجاده..!!

ولنصغ لواحد من الصحابة رأى تلك الأوسمة التي تزدحم على جسده، يحدثنا عنها فيقول:

" صحبت الزبير بن العوّام في بعض أسفاره ورأيت جسده، فرأيته مجذّعا بالسيوف، وان في صدره لأمثال العيون الغائرة من الطعن والرمي.

فقلت له: والله لقد شهدت بجسمك ما لم أره بأحد قط.

فقال لي: أم والله ما منها جراحة الا مع رسول الله وفي سبيل الله"..

وفي غزوة أحد بعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكةو ندبه الرسول هو وأبو بكر لتعقب جيش قريش ومطاردته حتى يروا أن المسلمين قوة فلا يفكروا في الرجوع الى المدينة واستئناف القتال..



وقاد أبو بكر والزبير سبعين من المسلمين، وعلى الرغم من أنهم كانوا يتعقبون جيشا منتصرا فان اللباقة الحربية التي استخدمها الصديق والزبير، جعلت قريشا تظن أنها أساءت تقدير خسائر المسلمين، وجعلتها تحسب أن هذه الطليعة القوية التي أجاد الزبير مع الصديق ابراز قوتها، وما هي الا مقدمة لجيش الرسول الذي يبدو أنه قادم ليشن مطاردة رهيبة فأغذّت قريش سيرها، وأسرعت خطاها الى مكة..!!



ويوم اليرموك كان الزبير جيشا وحده.. فحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسهم يتقهقرون أمام جبال الروم الزاحفة، صاح هو" الله أكبر".. واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده، ضاربا بسيفه.. ثم قفل راجعا وسط الصفوف الرهيبة ذاتها، وسيف يتوهج في يمينه لا يكبو، ولا يحبو..!!

وكان رضي الله عنه شديد الولع بالشهادة، عظيم الغرام بالموت في سبيل الله.

وكان يقول:

" ان طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء، وقد علم ألا نبي بعد محمد...

واني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون".!

وهكذا سمى ولده، عبدالله بن الزبير تيمنا بالصحابي الشهيد عبدالله بن جحش.

وسمى ولده المنذر، تيمنا بالشهيد المنذر بن عمرو.

وسمى عروة تيمنا بالشهيد عروة بن عمرو.

وسمى حمزة تيمنا بالشهيد الجليل عم الرسول حمزة بن عبدالمطلب.

وسمّى جعفر، تيمنا بالشهيد الكبير جعفر بن أبي طالب.

وسمى مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عمير.

وسمى خالد تيمنا بالصحابي الشهيد خالد بن سعيد..

وهكذا راح يختار لأبنائه أسماء الشهداء. راجيا أن يكونوا يوم تأتيهم آجالهم شهداء.

ولقد قيل في تاريخه:

" انه ما ولي امارة فط، ولا جباية، ولا خراجا ولا شيئا الا الغزو في سبيل الله".

وكانت ميزته كمقاتل، تتمثل في في اعتماده التام على نفسه، وفي ثقته التامة بها.

فلو كان يشاركه في القتال مائة ألف، لرأيته يقاتل وحده في لمعركة.. وكأن مسؤولية القتال والنصر تقع على كاهله وحده.

وكان فضيلته كمقاتل، تتمثل في الثبات، وقوة الأعصاب..

رأى مشهد خاله حمزة يوم أحد وقد كثّل المشركون بجثمانه القتيل في قسوة، فوقف أمامه كالطود ضاغطا على أسنانه، وضاغطا على قبضة سيفه، لا يفكر الا في ثأر رهيب سرعان ما جاء الوحي ينهى الرسول والمسلمين عن مجرّد التفكير فيه..!!

وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مع علي ابن أبي طالب، فوقف أمام الحصن المنيع يردد مع علي قوله:

" والله لنذوقنّ ما ذاق حمزة، أو لنفتحنّ عليهم حصنهم"..

ثم ألقيا بنفسيهما وحيدين داخل الحصن..

وبقوة أعصاب مذهلة، أحكما انزال الرعب في أفئدة المتحصنين داخله وفتحا أبوابه للمسلمين..!!

ويوم حنين أبصر مالك بن عوف زعيم هوزان وقائد جيش الشرك في تلك الغزوة.. أبصره بعد هزيمتهم في حنين واقفا وسط فيلق من أصحابه، وبقايا جيشه المنهزم، فاقتحم حشدهم وحده، وشتت شملهم وحده، وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض زعماء المسلمين، العائدين من المعركة..!!


**




ولقد كان حظه من حب الرسول وتقديره عظيما..

وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يباهي به ويقول:

" ان لكل نبي حواريا وحواريي الزبير ن العوّام"..

ذلك أنه لم يكن ابن عمته وحسب، ولا زوج أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، بل كان ذلك الوفي القوي، والشجاع الأبيّ، والجوّاد السخيّ، والبائع نفسه وماله لله رب العالمين:

ولقد أجاد حسان بن ثابت وصفه حين قال:

أقام على عهد النبي وهديه

حواريّه والقول بالفعل يعدل

أقام على منهاجه وطريقه

يوالي وليّ الحق، والحق أعدل

هو الفارس المشهور والبطل الذي

يصول، اذا ما كان يوم محجّل

له من رسول الله قربى قريبة

ومن نصرة الاسلام مجد موثّل

فكم كربة ذبّ الزبير بسيفه

عن المصطفى، والله يعطي ويجزل


**




وكان رفيع الخصال، عظيم الشمائل.. وكانت شجاعته وسخاؤه كفرسي رهان..!!

فلقد كان يدير تجارة رابحة ناجحة، وكان ثراؤه عريضا، ولكنه أنفقه في الاسلام حتى مات مدينا..!!

وكان توكله على الله منطلق جوده، ومنطلق شجاعته وفدائيته..

حتى وهو يجود بروحه، ويوصي ولده عبدالله بقضاء ديونه قال له:

" اذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي"..

وسال عبدالله: أي مولى تعني..؟

فأجابه: الله، نعم المولى ونعم النصير"..

يتبع.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-09, 01:34 PM   #34
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


[align=center][gdwl]تابع الجزء السابع عشر [/gdwl]

يقول عبدالله بن الزبير فيما بعد:

" فوالله ما وقعت في كربة من دينه الا قلت: يا مولى الزبير اقضي دينه، فيقضيه".

وفي يوم الجمل، على النحو الذي ذكرنا في حديثنا السالف عن حياة سيدنا طلحة كانت نهاية سيدنا الزبير ومصيره..

فبعد أن رأى الحق نفض يديه من القتال، وتبعه نفر من الذين كانوا يريدون للفتنة دوام الاشتعال، وطعنه القاتل الغادر وهو بين يدي ربه يصلي..

وذهب القاتل الى الامام علي يظن أنه يحمل اليه بشرى حين يسمعه نبأ عدوانه على الزبير، وحين يضع بين يديه سيفه الذي استلبه منه، بعد اقتراف جريمته..

لكن عليّا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن، صاح آمرا بطرده قائلا:

" بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار"..

وحين أدخلوا عليه سيف الزبير، قبّله الامام وأمعن بالبكاء وهو يقول:

" سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله"..!!



أهناك تحيّة نوجهها للزبير في ختام حديثنا عنه، أجمل وأجزل من كلمات الامام..؟؟

سلام على الزبير في مماته بعد محياه..

سلام، ثم سلام، على حواري رسول الله...




[gdwl]2- عبد الله بن الزبير [/gdwl](620 - 692 م )
***************
هو عبد الله بن الزبير بن العوّام وأسماء بنت أبي بكر الصديق وهو اول طفل يولد للمسلمين فى المدينة المنورة وقد حنكه النبى ودعا له . اشترك في الفتوحات الإسلامية في بلاد فارس ومصر وشمال أفريقيا. وحارب في معركة الجمل إلى جانب أبيه وخالته عائشة، ضد الخليفة عليّ بن أبي طالب. وكان ضمن الطاقم الذي أشرف على جمع القرآن الكريم زمن عثمان بن عفان.
وكان عبد الله بن الزبير خامس خمسة من كبار صحابة رسول الله، من الذين امتنعوا عن البيعة بولاية العهد ليزيد بن معاوية. فلما مات معاوية، كتب يزيد لواليه في المدينة أن يأخذ البيعة من عبد الله بن الزبير، وأن يغلَّ عنقه ويديه ويرسله إليه. وكان ذلك لأنّ يزيد كان يخشى الزبير أكثر من الجميع، حتى من الحسين.
أعلن بن الزبير نفسه خليفة على الحجاز وولّى أخاه مصعباً على العراق سنة 687 م.
حاول يزيد قتل عبد الله بن الزبير إلا انه خلال حصار مكة بقيادة الحصين بن نمير، جاء خبر وفاة يزيد. وعندها عظم أمر ابن الزبير في الحجاز واليمن.
وكانت الكعبة قد احترقت عند حصار جند الشام لها، لأن الجند ضربوها بالمنجنيق. وقام ابن الزبير بترميمها.
يتبع[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-09, 01:38 PM   #35
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


[align=center]
[gdwl]تابع الجزء السابع عشر [/gdwl]


دخل العراق في بيعة الزبير، وفي معركة مسكن سنة 71 هجرية (691 ميلادية) هزم جيش مصعب على يد جيش عبد الملك بن مروان ، فأرسل عبد الملك إلى مصعب يقترح عليه الأمان. ولكنّ مصعباً أجابه "إنّ مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالباَ أو مغلوباً ". وهكذا تواصلت الحرب واشتدّ الحصار على مصعب وثقلت به الجراح. وعندها نزل إليه رجل فاحتزّ رأسه وجاء به فطرحه عند عبد الملك، الذي أنشد عندها:
نطيع ملوك الأرض ما قسطوا لنا
وليس علينا قتلهم بمحرّم
كان لمصعب من العمر لما قتل (36) عاماً . ولما علم عبد الله بن الزبير بمقتل أخيه ترحّم عليه ووصف أهل العراق بالنفاق، وقال إنهم باعوه بأقلّ الثمن، وقال: "ما نموت إلا قصفاً بالرماح وموتاً تحت ظلال السيوف".
توجّه الحجاج بعد مقتل مصعب على رأس جيش كبير من عشرين ألف من جند الشام إلى الحجاز وضرب حصاراً على مكة. فأصاب أهل مكة مجاعة كبيرة، فيما كانت بيوت ابن الزبير مليئة بالمؤونة، التي بخل أن يوزّعها على أصحابه المحاربين. وقد تسبب هذا الموقف منه إلى تخلّي أنصاره عنه واحداً بعد واحد، حتى إن ولديه حمزة وخبيب كانا من ضمن الذين تركوه وانضموا إلى الحجاج.
وراح عبد الله بن الزبير يسأل أمه أسماء بنت أبي بكر ماذا يفعل وقد تخلّى عنه الناس؟ فقالت له: "إن كنت على حق فامضِ لشأنك لا تمكّن غلمان بني أميّة. وإن كنتَ إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن معك.. القتل أحسن".
فقال: "يا أمتِ.. إني أخاف إن قتلوني أن يمثلوا بي". قالت: "إنّ الشاة لا يضرُّها سلخها بعد ذبحها".
أمضى عبد الله بن الزبير ليلته الأخيرة يصلّي، وقال لمن حوله "صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم". ثم قال: "احملوا على بركة الله". فحملوا وحمل معهم حتى بلغ معهم الحجون فرمى بآجرّة في وجهه فأرعش ودَمِيَ، فلما وجد سخونة الدم، قال:
لسنا على الأعقاب تدمي كُلومُنا
ولكن على أقدامنا نقطرُ الدما
فحملوا عليه حتى هوى ميتاً. ووصل الخبر إلى الحجاج فسجد شكراً !!! وأمر باجتزاز رأسه، وأرسله إلى عبد الملك.
وكان عمر بن الزبير يوم استشهاده 72 سنة، وقد دامت خلافته نحو تسع سنين.
عبد الله بن الزبير بين فكّي التاريخ
لما قتل ابن الزبير خطب الحجاج في الناس فقال: "كان ابن الزبير من خيار هذه الأمة حتى رغب في الخلافة ونازعها أهلها وأَلْحَدَ في الحرم فأذاقه الله من عذابه الأليم. وإن آدم كان أكرم على الله من ابن الزبير وكان في الجنة وهي أشرف من مكة، فلما خالف أمر الله وأكل من الشجرة التي نهي عنها أخرجه الله من الجنة".
ولسنا نقدر أن نهضم هذه المحاججة التي تدلّ على أخلاق الحجاج! فمن الملحد حقاً ؟! أهو الحجاج الذي قتل أكثر من (300,000) عراقي خلال مدة حكمه التي دامت 20 سنة من الظلام، والذي ضرب الكعبة بالمنجنيق، أم عبد الله بن الزبير، أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الذي خرج على طغاة بني أميّة الذين ابتعدوا عن الإسلام الصحيح؟! أم أنه، ولمجرّد قيام عبد الله بن الزبير بمحاولة تقويم المسيرة، لم يعد من خيار هذه الأمة؟!
حقد الحجاج
كان عبد الله بن الزبير يستعمل الصبر والمسك قبل قتله لئلا ينتن. فلمّا صلبه الحجاج فاحت من جثته رائحة المسك. وقيل إن الحجاج صلب معه كلباً أو سنُّوراً ميتاً حتى تغطّي الرائحة النتنة للسنور على رائحة المسك.
وقيل إن الجثة ظلّت مصلوبة حتى مرّ بها عبد الله بن عمر، فقال: رحمة الله عليك يا أبا خبيب. أما والله لقد كنت صوّاماً قوّاماً ". ثم قال: "أما آن لهذا الراكب أن ينزل"؟ فبعث الحجاج، فأنزلت الجثة ودفن.
وهنا نرى شدة حقد الحجاج وعبد الملك بن مروان على عبد الله بن الزبير، فقد قتلاه ثم صلباه ومثّلا به حتى بعد سقوطه، كما كان ابن الزبير قد توقّع. وقد فعلوا هذا لأنه خرج عليهم.
ولو توفّر لابن الزبير بعض ما توفّر لبني أميّة من مال، ولو أنه لم يكن قد تقشّف أكثر من اللازم، وقام بتوزيع المال والذهب والعطايا على جنده وعلى الناس، مثلما فعل الأمويون، لكانت الكفة رجحت لصالحه، ولما خرج عليه جنده
وهذا ماوجدته ايضا عن ثورة ابن الزبير

[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-09, 01:39 PM   #36
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


[align=center]تابع الجزء السابع عشر


ثورة عبد الله بن الزبير
هو أول مولود ولد للمهاجرين بالمدينة بعد الهجرة (79) أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق , ووالده عبد الله بن الزبير أحد المبشرين بالجنة , عرف عنه شدة الدهاء , والشجاعة والنزاهة.(80)
أسباب ثورته
1) بعد مقتل الحسين أخذ عبد الله بن الزبير يدعو لنفسه بمكة .(81)
2) اتهام يزيد بن معاوية بترك الصلاة , وشرب الخمر وملاعبة الكلاب(82)، من قبل وفد المدينة الذي زاره فأحسن وفادتهم وأكرمهم بوافر المال.
3) قيام يزيد بشنّ حملة عسكرية على أهل المدينة الذين خلعوه ، سُميت بالحرة 63 هجري وهي منطقة شرقي المدينة . وبلغ جيش الأمويين حوالي 12000 مقاتل بقيادة مسلم بن عقبة . وقتل من أهل المدينة 1000 رجل معظمهم من الأنصار والمهاجرين واتهم جيش يزيد(83) بـ :
أ‌. إرسال رؤوس القتلى إلى يزيد .
ب‌. استباحة المدينة بأمر من يزيد –" فإن ظهرتَ عليهم فأبحها ثلاثاً , فما فيها من مال أو سلاح أو طعام فهو للجند فإن مضت الثلاث فأكفف عن الناس".(84)
ج. عن الإمام مالك : قتل يوم الحرة (700) رجل من حملة القرآن (85)
وهذه خسارة فادحة للأمة .
د. انتهاك حرمة المدينة وهي مدينة مقدسة عند الله ورسوله والمسلمين
فلا يحل فيها القتال .(86)
4) رفض عبد الله بن الزبير مبايعة يزيد ، وشجعه كثير من الصحابة والزعماء وعامة الناس .
5) انحطاط مكانة الحجاز الاقتصادية والاجتماعية بسبب انفراد الشام بالخيرات , وقد صعب على أهل الحجاز زوال النعم عنهم .
نتائج الثورة
1) احتمى عبد الله بن الزبير بالبيت الحرام داخل مكة ففرض حصاراً على مكة وأهلها .
2) تَّم رمي مكة بالمنجنيق .(87)
3) توفي يزيد أثناء الحصار فتم وقف القتال سنة 63 هجري .
4) رفض عبد الله بن الزبير عرضاً مغرياً للحصين بن نمير قائد القوات الأموية بأن يصبح خليفة , قال له : " أنت أحق بهذا الأمر هلم فلنبايعك , ثم اخرج معنا إلى الشام فإن هذا الجند الذين معي هم وجوه الشام وفرسانه فوالله لا يختلف عليك اثنان على أن تؤمن الناس وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك " . (88) وعلى الأرجح فإن ابن الزبير ضيع فرصة ذهبية سانحة ليصبح خليفة المسلمين الأوحد , لكنه ربما خاف أن يغدر به أهل الشام , ورفض أن يتخلى عن الحجاز ومكانته الهامة .
5) نجح عبد الله بن الزبير أن ينتزع السلطة من الأمويين في معظم الأقطار الإسلامية , الحجاز , فلسطين , العراق , مصر , وحتى أجزاء كبيرة من سوريا . (89)
6) حتى زعماء البيت الأموي كادوا يتنازلون لابن الزبير عن الخلافة وعلى رأسهم مروان بن الحكم الذي وحد كلمة الأمويين بعد معركة مرج رهط 684 م .(90)
7) نجح مصعب بن الزبير اخو عبد الله في القضاء على ثورة التوابين وهم من الشيعة وزعيمهم المختار 67 هجري .(91)
8) بسحق مصعب للشيعة في العراق يكون أيضا قد خدم الأمويين والخليفة عبد الملك بن مروان .
9) أراد عبد الملك أن يهاجم مصعب في العراق قبل أن يهاجمه في عقر داره , وشجعه تشجيع أهل العراق له بالقدوم وفي معركة مسكن في العراق سنة 72 هجري قتل مصعب وقتل معه عدد من الصحابة وآلاف الموالين (92) ويعود سبب خسارته لغدر أهل العراق به .
10) بقتل مصعب وخسارة العراق خسر عبد الله ساعده الأيمن وانكشف ظهره للأمويين ونقم على أهل العراق .
11) عين عبد الملك الحجاج بن يوسف الثقفي ليقارع ابن الزبير المتحصن في مكة فجهز له جيشاً قوياً .
12) رمى الحجاج الكعبة بالمنجنيق وألحق بها خسائر فادحة .(93)
13) احتراق الكعبة بسبب القصف وهنالك من يرجح ذلك أن جماعة عبد الله بن الزبير سبب الحريق بسبب إشعال النار بالقرب من الكعبة.(94)
14) قاتل عبد الله بن الزبير قتالاً شديداً بطولياً.(95)
15) نقص في المؤن وارتفاع بالأسعار مما زاد من تضايق الناس في مكة .
16) تخلى أكثر من عشرة آلاف مقاتل عن عبد الله بن الزبير وبينهم ولداه حمزة وخبيب وانضموا إلى صفوف الحجاج .
17) امتاز عبد الله بن الزبير بالبخل الشديد وربما التقشف المبالغ به فكانت بيوته مملوءة بالتمر والمؤن ولم يوزع على جنده , فلو كان كريماً ما خسر وما انتشرت المجاعة وما تخلى عنه جنده .
18) استشارة أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق" وكان عمرها مائة سنة لم تقع لها سن , ولا ابيضَّ لها شعر ولم يُنْكِر لها عقل "(96) فقالت له :-" إن كنت تعلم انك على حق وإليه تدعو فامض له , فقد قتل عليه أصحابك , ولا تمكن رقبتك يلعب بها غلمان بني أمية , وان كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت , أهلكت نفسك ومن قتل معك , فقبل رأسها وقال هذا الرأي الذي قمت به , ما ركنت إلى الدنيا
وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله ,فانظري فاني مقتول فلا يشتد حزنك " .(97) لأن عبد الله بن الزبير خاف أن يمثلوا بجثته كما فعلوا مع الحسين بن علي يوم كربلاء فقال :-" يا أمه ، إني أخاف أن يمثل بي بعد القتل , فقالت : يا بني هل تتألم الشاة من ألم السلخ بعد الذبح " .(98)
19) قاتل عبد الله بن الزبير حتى استشهد , أصيب برأسه فقال :-
"ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
ولكن على أحد منا تقطر الدما"
ولم يهب تمزيق جسده فقال :-
" ولست أبالي حين أُقتل مسلماً
على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وان يشأ
يبارك على أوصال شلوٍ ممزع ِ".
- كان عمره 72 سنة , قتل سنة 73 هجري .
20) لم يكتفِ الحجاج بقتله بل قطع رأسه وصلب جثته المعطرة بالمسك ولكي يذهب الرائحة الزكية صلب إلى جانبه كلبا ميتا و نسورا ".(99)
21) بعد تدخل أخيه عروة الذي أتى إلى عبد الملك مبايعا وطلب إنزال الجثة , قال عروة : " ليس الذليل من قتلتموه لكن الذليل من ملكتموه".(100) إن صلب جثة صحابي والتمثيل بها ورفض تسليمها لأمه أسماء بنت أبي بكر لهو مس بمشاعر المسلمين والصحابة وإساءة للإسلام , ويدل على صلابة الرجل وشدة محاربته للأمويين .
22) لما قتل ابن الزبير كبَّر أهل الشام فرحا بقتله فقال ابن عمر :" أنظروا إلى هؤلاء لقد كبر المسلمون فرحا بولادته وهؤلاء يكبرون فرحا بقتله"(101) .
23) هنالك من يتهم ابن الزبير أنه استغل حرمة المدينة ومكة .(102)
24) بمقتل ابن الزبير استتب الحكم لبني أمية .
قيل عنه
1) قال عثمان بن طلحة : كان الزبير لا ينازع في ثلاثة لا شجاعة ولا عبادة ولا بلاغة وكان له مائة غلام يتكلم كل واحد منهم بلغة وكان ابن الزبير يكلم كل واحد منهم بلغته ".(103)
2) بينما عبد الله بن الزبير مع بعض الغلمان يذكرهم بالجهاد إذ شاهدوا الفاروق عمر ابن الخطاب يتجه إليهم وهو في طريقه, ففر الغلمان من حوله هيبة إلا هو فسأله الفاروق: لمَ لم تفر مثل إخوانك يا عبد الله؟ فقال له: ليست الطريق ضيقة فأوسع لك, ولست مذنبا فأخاف منك".(104)
3) مر ابن عمر على ابن الزبير وهو مصلوب فقال :-
"يرحمك الله فإنك كنت, ما علمتُ, صواما قواما وصولا للرحم ِ, فإني لأرجو ألا يعذبك الله عز وجل".(105)


________________________________________
(79) - ابن الجوزي , صفوة الصفوة , ص 293 .
(80) - سيد أمير علي , تاريخ العرب , ص 84 .
(81) - 77) محمد أبو الفضل ابراهيم , أيام العرب في الإسلام , ص 418 .
(82) - 78) حمدي شاهين , الدولة الأموية المفترى عليها , ص 340 .
(83) - سيد أمير علي , تاريخ العرب , ص 75 .
(84) - محمد أبو الفضل إبراهيم , أيام العرب في الإسلام , ص 423 .
(85) - ابن كثير , البداية والنهاية , ص 229 .
(86) - محمد الخضري , الدولة الأموية , ص 329 .
(87) - ن . م , ص 239 .
(88) - محمد أبو الفضل إبراهيم , أيام العرب في الإسلام , ص 432 .
(89) - حابا لتصروم - يافه ، فصول في تاريخ العرب والإسلام، ص 135.
(90) - ن . م , ص 135 .
(91) - سيد احمد علي , تاريخ العرب والتمدن الإسلامي ص 80 .
(92) - نبيه عاقل , خلافة بني أمية , ص 100 .
(93) - سيد أمير علي , مختصر تاريخ العرب , ص 81 .
(94) - حمدي شاهين , الدولة الأموية المفترى عليها , ص 349 .
(95) - نبيه عاقل , تاريخ بني أمية , ص 107 .
(96) - المسعودي , مروج الذهب , ج 3 , ص 123 .
(97) - فواز سراج عبد القفار , سيرة شهداء الصحابة , ص 57 .
(98) - المسعودي , مروج الذهب , ج3 , ص 123 .
(99) - ابن الأثير , الكامل في التاريخ , المجلد الرابع , ص 309 .
(100) - ن . م , ص 358 .
(101) - ن . م , ص 356 .
(102) - حمدي شاهين , الدولة الأموية المفترى عليها .
(103) - محمد العربي التباني , تحذير العبقري من محاضرات الخضري , ص301 .
(104) - فواز بن سراج عبد الغفار , سيرة شهداء الصحابة , ص 504 .
(105) - ابن الجوزي , صفوة الصفوة , ج1 ص 290 [/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-09, 01:38 PM   #37
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


[align=center]تابع ماقبلة
الحلقة الثامنة عشر



عروة بن الزبير ( رحمه الله تعالى )


أحدُ من هؤلاء الذين جمعوا تلك المحامد ، بحيث يحس المسلم وهو يقرأ سيرته كيف ينبغي أن تكون عليه حياة المؤمن ؟ ، وإنه بذلك لخير قدوة ونموذج لما ينبغي أن يكون عليه شباب اليوم ، ولذا رأيت أن أبحث سيرته وانقصى مواطن ذكره في بطون كتب التراجم والطبقات .
ولقد آثرت أن أقسم البحث إلى مباحث بلا أبواب ولا فصول ، لأني وجدت أن كثيراً من المباحث في سيرة الإمام غير مرتبطة ببعضها وأن ذلك أسلس للباحث والقارئ ، ولقد قسمته إلى مقدمة وخطة للبحث ثم الدخول والولوج إلى سيرته وهي متضمنه لخمسة عشر مبحثاً ثم الخاتمة وفهرس المصادر والمراجع ثم فهرس الموضوعات وكان تقسيمها كالتالي :
· المقدمة : وهي متضمنة لما يلي : الإستفتاح وبيان أهمية البحث والموضوعات ومن ثم بيان سبب اختيار البحث وبعد ذلك الإعلان عن عنوان البحث وموضوعه وبعده بيان خطة البحث كما اردفتها بـ منهجي في البحث وختمتها بـما وُجد من الدراسات في الموضوع والصعوبات التي واجهتها في البحث.
· المبحث الأول : اسمه ونسبه .
· المبحث الثاني : مولده .
· المبحث الثالث : في نشأته .
· المبحث الرابع : زوجاته وأبناؤه .
· المبحث الخامس : طلبه للعلم وحرصه عليه .
· المبحث السادس : شيوخه ، ومن روى عنهم .
· المبحث السابع : علمه وفقهه .
· المبحث الثامن : تلاميذه ، ومن روى عنه .
· المبحث التاسع : روايته للأحاديث .
· المبحث العاشر : أقواله .
· المبحث الحادي عشر : شعره .
· المبحث الثاني عشر : عبادته وقد قسمتها إلى مطلبين :
المطلب الأول : قيامه ، وقراءته .
المطلب الثاني : صيامه .
· المبحث الثالث عشر: اخلاقه : وقد قسمتها إلى أربعة مطالب وهي :
المطلب الأول : كرمه .
المطلب الثاني : ورعه .
المطلب الثالث : تواضعه .
المطلب الرابع : محنته وصبره .
· المبحث الرابع عشر : رحلاته ، وتنقلاته .
وأخيراً .
· المبحث الخامس عشر : وفاته .
ومن ثم
· الخاتمة : وهي متضمنة لما يلي :
- أبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث .
- أهم التوصيات التي توصلت إليها في مجال البحث وموضوعه .
وآخره .
· فهرس المصادر والمراجع : التي استفدت منها من خلال إعداد البحث . .
· فهرس الموضوعات : والمباحث التي يتكون منها البحث .
علماً بأن قد وثقت كل قول أو رأي أو موقف بمرجعه في هامش الصفحة ، وقد حرصت على حذف الأسانيد إختصاراً .
ولقد كان كل جهدي في هذا البحث متوجهاً إلى رسم صورة كاملة لحياة هذا الرجل العظيم العلمية والعملية . ولذلك لم أءلو جهداً في الرجوع إلى مصادر سيرته ، اتتبع أخباره في مطويِّ الكتب ومتفرق الأخبار ، وأحسب أن الطريق لم يكن معبداً سهلاً لإعطاء صورة صادقة شاملة عن حياته ، خاصة وأن بعض المصادر قد اقتصرت في ترجمته على سطور .
على كل حال أرجو أن أكون قد وفقت في دراسة حياة هذا الإمام القدوة وإبراز جوانب حياته المختلفة ونواحي العظمة فيه ، ثم تقديمه كنموذج عملي لما ينبغي أن يكون عليه المسلم في هذا العصر وكل عصر .
والله سبحانه ولي التوفيق ، وله الحمد ، وبه الاستعانة وهو المأمول ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

* المبحث الأول : اسمه ونسبه :
هو عروة بن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفيه ، الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب . الإمام ، عالم المدينة ، أبو عبدالله القرشي الأسدي المدني الفقيه الحافظ ، أحد الفقهاء السبعة ، تابعي جليل ، وهو أخو أبي خبيب عبدالله بن الزبير بخلاف أخيهما مصعب فإنه لم يكن من أمهما ، وأمهما هي ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق إحدى عجائز الجنة (1) .
كان من فقهاء أهل المدينة وأفاضل التابعين(2) .

* المبحث الثاني : مولده :
اختلف في سنة ولادته على أقوال عدة :
قيل : كانت ولادته سنة اثنتين وعشرين (3) .
وقيل : ولد في آخر خلافة عمر وكان أصغر من أخيه عبدالله بعشرين سنة (4) ، ولد عروة بن الزبير أي في سنة ثلاث وعشرين (5).
ورجح ابن كثير : أنه ولد في سنة ثلاث وعشرين بعد وفاة ومقتل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - (6) .

وقيل : ولد سنة ست وعشرين (7) .
وقيل : ولد سنة تسع وعشرين (8) ، وهو الراجح ويشهد لهذا ما رواه هشام بن عروة عن أبيه قال : اذكر أن أبي الزبير كان ينقزني ويقول :
مُباركَُ من ولد الصدِّيق *** أبيضُّ من آلِ أبي عتيق
ألذّه كما أَلذ ويقي(9)
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــع
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-09, 01:44 PM   #38
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


[align=center]

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــع
* المبحث الثالث : في نشأته :
ذكر بعض من ترجم له بعض المواقف التي حدثت لعروة في صباه وأيام نشأته :
فقد قال : رددت أنا وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام يوم الجمل ، استصغرنا (10) ، قال يحيى بن معين : كان عمره يومئذ ثلاث عشرة سنة ، لأنه ولد في سنة ثلاث وعشرين (11) .
ولا عجب في ذلك – أي رغبته في المشاركة ورغبته مع صغر سنه – فأبوه الزبير أول من سلّ سيفاً في الإسلام ومن الشجعان المعدودين وأخوه عبدالله الذي لم تسع كتب السير مواقف شجاعته وأحداث بطولته .
كذلك مما رُوي عنه في نشأته ، قوله : كنت أتعلق بشعر في ظهر أبي (12) .
ملاطفة الزبير لابنه عروة كان من أكبر الأسباب المؤثرة في نشأة عروة إلى أن ينشأ على تلك الصفات الحميدة من الصبر والعلم والعبادة كذلك الشجاعة.
ومما يروى عنه أنه قال : كنت غلاماً مالي ذواتبان ، فقمت أركع ركعتين بعد العصر ، فبصر بي عمر ومعه الدره ، فلما رأيته ، فررت منه ، فلحقني ، فأخذ بذؤابتي ، قال : فنهاني ، قلت : لا أعود .
قال الذهبي معلقاً : الأشبه أن هذا جرى لأخيه عبدالله ، أو جرى له مع عثمان (13) .
يلحظ أن هذا جرى له وهو غلام ، يعلم منه ماكان للتربية والبيت والبيئة التي خرج منها عروة من نشأته على العبادة من زمن الصغر والتربية عليها ، لهذا كان يعد عروة من العباد بعد كبره .

* المبحث الرابع : زوجاته وأبناؤه :
تزوج عروة رحمه الله أربع زوجات وأنجب منهن ، وكذلك أنجب من عدد من الإماء : وهن :
1. فاختة بنت الأسود بن أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبدالعزى : وأنجب منها : عبدالله وعمر والأسود وأم كلثوم وعائشة وأم عمر .
2. أم يحيى بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبدشمس : ومنها
أنجب : يحيى ومحمد وعثمان وأبي بكر وعائشة وخديجة .
3. أسماء بنت سلمة بنت عمر بن أبي سلمة بن عبدالأسد من بني مخزوم : ومنها عبيدالله بن عروة .
4. أم ولد اسمها واصلة : ومنها : مصعب بن عروة وأم يحيى .
5. أم ولد : ومنها هشام بن عروة وصفية (14) .
ومن أبنائه من روى عنه سأذكرهم – إنشالله – في المبحث الخاص بمن روى عنه وتتلمذ عليه .

* المبحث الخامس : طلبه للعلم وحرصه عليه :
سأبدأ من هذا المبحث في ذكر ماتميز به عروة رحمه الله من العلم والفقه ونبدأ في هذا في هذا المبحث بذكر طلبه للعلم دون من سمع عنهم – من مشائخه – لأني رأيت أفرادهم في مبحث مستقل :
فمن أكبر الأسباب التي يسرت له حمل العلم والفقه أنه حمل الهم وتطلع إلى العلم ومن ذلك ما يروى أن : المسجد الحرام جمع بين عبدالملك بن مروان وعبدالله بن الزبير وأخويه مصعب وعروة وعبدالله بن عمر أيام تآلفهم بعهد معاوية بن أبي سفيان ، فقال بعضهم : هلم فلنتمن ، ، فاجتمعوا في احجر . فقال عبدالله بن الزبير : امنيتي أن أملك الحرمين وأنال الخلاف ، وقال مصعب : امنيتي أن أملك العراق وأجمع بين عقليتي قريش سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة ، وقال عبدالملك بن مروان : منيتي أن أملك الأرض كلها وأخلف معاوية ، وقال عروة : لست في شيء مما أنتم فيه ، منيتي أن يؤخذ عني العلم (15) . وقيل : أنه قال : منيتي الزهد في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة ، وأن أكون ممن يروى عنهم هذا العلم (16) . وقال عبدالله بن عمر : أما أنا فأتمنى المغفرة .
فصرف الدهر من صرفه إلى أن بلغ كل واحد منهم أمله ، ولعل ابن عمر قف غفر له .
وكان عبدالملك بن مروان يقول : من سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير لأنهم لما اجتمعوا وتمنوا فلما نال كل امرئ منهم أمنيته كان في ذلك دليل على نيل عروة أمنيته (17) .
وأُردف الحرص الذي تبين لنا من خلال القصة السابقة بحرصه على العلم وطلبه فالعلم لا ينال إلا بالتعلم، والعلم لا ينال برامة الجسد كما علق ذلك الإمام مسم عن يحيى ابن كثير . يتبين لنا هذا الحرص من خلال هذه الأقوال والمواقف التالية :
فقد قال قبيصة بن ذؤيب : كنا في خلافة معاوية ، وإلى آخرها ، نجتمع في حلقةِّ بالمسجد بالليل ، أنا ومصعب ابنا وعروة ابن الزبير ، وأبو بكر بن عبدالرحمن ، وعبدالملك بن مروان ، وعبدالرحمن المسور ، وإبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وعبيد الله بن عبدالله بن عتبة ، وكنا نفترق بالنهار ، فكنت أنا اجالس زيد بن ثابت وهو مترئس بالمدينة في القضاء ، والفتوى ، والقراءة ، والفرائض ، في عهد عمر وعثمان وعلي ، ثم كنت أنا وأبو بكر بن عبدالرحمن نجالس أبا هريرة . وكان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة .
وكان يقول عن نفسه : ماماتت حتى تركتها قبل ذلك بثلاث سنين وقال : لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج ، وأنا أقول : لو ماتت اليوم ماندمت على حديثٍٍ عندها إلا وقد وعيته ، ولقد كان يبلغني عن الصحابي الحديث فآتيه ، فأجده قد قال – نام - ، فأجلس على بابه ، ثم أسأله عنه (18) .
وهكذا فلما حمل عروة همَّ العلم ثم حَرِصَ عليه وطلبه وهو صغير ، كان لنا ذلك الفقيه العالم وهو كبير ، من خلال المبحث السابق كان غرضنا إيراد بعض مواقف عروة بن الزبير في طلب العلم .

[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-09, 01:49 PM   #39
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــع

المبحث السادس : شيوخه ومن روى عنهم :
نأتي في هذا المبحث على من روى عنهم عروة وتفقه عليهم ، وليس مرادي من ذلك أن نأتي عليهم جميعاً ولكن بمن برز منهم فيكفي من القلادة ما أحاط بالعنق :
فقد كان من أبرز من سمع منهم وتفقه عنهم هي خالته عائشة أم المؤمنين فقد روى عنها (19) ، كما أنه حدّث عن أبيه بشيئ يسير لصغره (20) ، وعن أمه اسماء بنت أبي بكر الصديق ، وعن سعيد بن زيد ، وعلي بن أبي طالب وسهل بن أبي حثمة ، وعبدالله بن عمر ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وأبي حميد الساعدي والمغيرة بن شعبة وعن حكيم بن حزام ، وعن زيد بن ثابت وعبدالله بن عمر بن العاص ، وأخوه عبدالله بن الزبير ، وأبي أيوب الأنصاري ، وغيرهم كثير رضي الله عنهم أجمعين (21) .

المبحث السابع : علمه وفقهه :
مرّ بنا في طلبه للعلم بعض ماعانى في طلبه للعلم الذي كانت ثمرته أن كان عروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة الذين نظم منهم :
الا كل من لا يقتدي بأئمة . قسمته ضيزى عن الحق خارجه
خذهم عبيد الله عروة قاسم . سعيد سليمان أبو بكر خارجه(22) .
قال أبو الزناد : كان فقهاء أهل المدينة أربعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب وعبدالملك بن مروان(23) .
وقال ابن شهاب الزهري : كنت أطلب العلم من ثلاثة سعيد بن المسيب وكان افقه الناس وعروة بن الزبير وكان بحراً لا تكدره الدلاء ، وعبيدالله بن عبدالله وكنت لا أشأ أن أقع منه على علم ما أجد عند غيره إلا وقعت (24) .
وقال : أربعة وجدتهم بحوراً عروة وابن المسيب وأبو سلمة وعبيد الله(25) .
وقال عمر بن عبدالعزيز : ما أحد أعلم من عروة بن الزبير – رضي الله عنه – (26) .
وقال ابن عينية : إن أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة : القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعمرة بنت عبدالرحمن(27).
وقد كان – رحمه الله – من فقهاء المدينة وأفاضل التابعيين . قال ابنه هشام : والله ماتعلمنا جزءاً من ألفي جزء أو ألف جزءِ من حديث أبي(28) ، ومع ذلك فالزهري يقول : مارأيت أحداً أفقه منه لكنه قليل الحديث(29).
قال عبدالرحمن بن حميد بن عبدالرحمن : دخلت مع أبي المسجد ، فرأيت الناس قد اجتمعوا على رجل ، فقال أبي : انظر من هذا ؟ ، فنظرت فإذا هو عروة ، فأخبرتهُ وتعجبت ، فقال : يابني ، لا تتعجب لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه (30) .
وقال ابن سعد : وكان ثقة كثير الحديث فقيهاً عالماً مأموماً ثابتاً (31) .
وقال هشام عن أبيه أنه قال : يابني سلوني فلقد تركت حتى كدت أنسى ، وإلى لأُسأل عن الحديث فيفتح لي حديث يومي(32) .
وعن ابن شهاب ، قال : كان إذا حدثني عروة ثم حدثني عمرة صدق عندي سقْط ( حديث عمرة ) حديث عروة فملا استخبرتهما إذا عروة بحر لا ينزف(33).

* المبحث الثامن : تلاميذه ومن روى عنه :
بعد ذكر علمه وفقهه وبعض ماقيل فيه نتطرق الآن على تلاميذه اللذين كانوا سبباً في نقل فقهه إلى من بعدهم وإلى الأجيال القادمة ، ولا أستطيع في هذه العجالة أن آتي عليهم جميعاً ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق ، فسأتطرق بإذن الله إلى أبرزهم ومن تكرر ذكره في كتب التراجم والطبقات فإلى ذكرهم :
كان من أبرز من حدّث عنه : محمد بن شهاب الزهري وبنوه يحيى وعثمان وهشام ومحمد وعبدالله ، وحفيده عمر بن عبدالله بن عروة ، ويزيد بن رومان ، ومحمد بن المنكدر ، وأبو الزناد ، وصالح بن كيسان ، وأبو الأسود محمد بن عبدالرحمن وهويتهم عروة ، وأبو سلمة بن عبدالرحمن ، وعطاء بن أبي رباح ، وعمر بن عبدالعزيز ، ومحمد بن إبراهيم التيمي وغير هؤلاء كثير(34) .
وأختصر ابن كثير من روى عنه فقال : (( وعنه جماعة من التابعين وخلق ممن سواهم )) (35) .

* المبحث التاسع : روايته للأحاديث :
كان مما تميز به عروة من خلال مسيرته العلمية الحديث والفقه كما قال ابن سعد عنه في طبقاته : (( وكان ثقة كثير الحديث فقيهاً عالماً مأموناً ثبتاً))(36).
وقد مر بنا أن حديثه غلب فقهه ، كذا مر بنا قول ابنه هشام ، ما تعلمنا جزءًا من ألف جزء من أحاديثه .
وسؤرد في هذا المقام بعض ماقيل في توثيقه :
قال العجلي : (( مدني تابعي ثقة ))(37)
كما أوده ابن حبان في الثقات(38) .
وقال ابن خراش : ثقة(39).
وقد ذكر أبو نعيم في الحلية بعض مرويات عروة بن الزبير من المسانيد عن كبار الصحابة وجمهورهم رجالاً ونساءًا مالا يحصى فمن مسانيد حديثه عن ابيه :
قال هشام بن عروة حدثنا أبي عن الزبير بن العوام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( غير والشيب لا تشبهوا باليهود )) . غريب من حديث عروة تفرد به ابن كناسة .
وعن أبي الأسود عن عروة عن علي بن أبي طالبً كرم الله وجهه هذا نص عبارة الحديث كما ذكره أبو نعيمه مع التحفظ على العبارة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة)) . غريب من حديث عروة تفرد به عبدالله بن لهيفة (40) .
وعن يحيى بن كثير عن عروة بن الزبير عن عبدالله بن عمرو قال : اشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله عز وجل لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكنه يقبض العلماء بعلمهم ، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئوا فأفتوا بغير علم فضلو وأضلوا )) هذا حديث صحيح ثابت من حديث عروة بن الزبير رواه عنه ابنه هشام بن عروة والزهري وأبو الأسود (41) .
وعن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل الخلاء غطى رأسه(42).

*


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-09, 01:51 PM   #40
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


المبحث العاشر : أقواله :
كان من آثار العلم والفقه والحديث الذي حمله عروة أن أُوتي فصاحة في لسانه وبلاغة في منطقه وكذلك حكمة في رأيه وسداداً فيه ، فنقلت عنه كلمات سارت بها الركبان لما فيها من فصاحة وجمال وبلاغة ، وإني في هذا المبحث أحاول أن أجمع بعض مقولاته التي انتقيتها من بطون الكتب والمراجع ولا أدعي أني جمعتها فهذا مما يشق ويعسر ، فمن أقواله :
قال هشام بن عروة : قال أبي : رب كلمة ذُّل احتملتها أورثتني عزاً طويل(43).

وقال : ماحدثت أحداً بشيء من العلم قط لا يبلغه عقله إلا كان ضلالة عليه(44).
وقال : كان يقال : أزهد الناس في عالم أهله(45).
وقال هشام بن عروة عن أبيه قال : إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة ، فاعلم أن لها عنده أخوات فإذا رأيته يعمل السيئة فاعلم أن لها عنده أخوات ، فإن الحسنة تدل على أخواتها وإن السيئة تدل على أخواته(46).
وعن هشام بن عروة قال : قال عروة لبنيه : يابني لا يهدين أحدكم إلى ربه عز وجل ما يستحي أن يهديه إلى كريمه فإن الله عز وجل أكرم الكرماء وأحق من اختير إليه(47).
وعن هشام قال : قال عروة لبنيه : يابنِّي تعلموا فإنكم إن تكونوا صغار قوم عسى أن تكونوا كبارهم ، وسوأناه ! ماذا أقبح من شيخ جاهل(48)؟ .
وقال : إذا رأيتم خلة شر رائعة من رجل فاحذروه وإن كان عند الناس رجل صدق فإن لها عنده أخوات ، وإذا رأيتم خلة خير رائعة من رجل فلا تقطعوا عنه إياسكم ، وإن كان عند الناس رجل سوء فإن لها عنده أخوات ، قال الناس بأزمنتهم أشبه منهم بآبائهم وأمهاتهم ، لفظ الجوهري(49).
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال : مكتوب في الحكمة لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك بسطاً تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء(50).

قال معاوية بن إسحاق عن عروة ، قال : مابر والده من شد الطرف إليه(51).
وغيرها من الأقوال الحكم التي فاض بها فمه وتناقلها الرواة عنه مما أعجز ويشق عليِّ تتبعه واستقراؤه(52) .

* المبحث الحادي عشر : شِعْره :
كان عروة بالإضافة إلى فقهه وروايته للحديث راوياً للشعر وكان مكثراً منه حتى عُرِف به واشتُهر عنه ، حتى قال عنه ابن كثير : (( وكان أروى الناس للشعر )) (53) .
وعن ابن أبي الزناد ، قال : مارأيت أحداً أروى للشعر من عُروة .
فقيل له : ما أرواك للشعر ؟!
فقال : ماروايتي مافي رواية عائشة ، ماكان ينزل بها شيء إلا أنشدتْ فيه شعر(54).
فلقد كان من أكبر الأسباب التي أدت إلى روايته للشعر تأثره بخالته أم المؤمنين والتي تأثر بفقهها ولازمها وروى عنها الحديث عائشة بنت الصديق رضي الله عنها .

* المبحث الثاني عشر : عبادته :
بالإضافة إلى علمه كان عروة رحمه الله ممن عرف بالعبادة ، والإكثار منها وقد قسم هذا المبحث إلى مطلبين :
المطلب الأول : قيامه وقراءته القرآن :
كان عروة ممن عرف عنه الإكثار من قراءة القرآن حتى أن كان يقرأ كل يوم ربع القرآن ويقوم به الليل(55) ، وكانت قراءته للمصحف نظراً بالتدبر والتفكر حتى يذهب عامة يومه به ثم يقوم تلك الليلة بذلك الربع من القرآن على التدبر والتفكر حتى يذهب عامة ليله به وما ترك ورده من الليل إلا ليلة قطعت رجله(56) .
وروي أنه لم تيرك جزءه وورده حتى تلك الليلة(57) .
المطلب الثاني : صيامه :
أورد كثير ممن ترجم لعروة حاله مع الصيام ، فقد روي أنه كان يصوم الدهر ويسرده إلا يوم الفطر ويوم النحر ، حتى أنه رحمه الله صام يوم قطع رجله من المفصل فما تضور وجهه ، ومات رحمه الله تعالى وهو صائم وجعلوا يقولون له : افطر ولم يفطر(58)، وغيرها من العبادات التي سأنثرها في طيات هذا البحث إنشاءالله .

* المبحث الثالث عشر : أخلاقه :
كما تميز عروة رحمه الله بأخلاق حميدة وخصال جليلة جعلت منه ذلك الإمام المشار إليه بالبنان وذلك الإمام والعالم الذي ملأ به أهل السير سيرهم ، واقتدى به المقتدون ،
واخترت من أخلاقه ما أسعفني به أهل السير ومن ترجم له من المواقف ، وقد قسمتها على أربعة مطالب :
المطلب الأول : كرمه :
كانت هذه الخصلة الحميدة مما فاضت به كتب السير في سيرة عروة فلقد روي أنه إذا كان أيام الرطب ثلم حائطه فيدخل الناس فيأكلون ويحملون . وكان إذا دخله ردّدّ هذه الآية فيه حتى يخرج منه (( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاءالله لا قوة إلا بالله )) (59)، حتى يخرج(60) .
وقيل : كان ينزل حوله ناس من البدو فيدخلون ويأكلون ويحملون(61).
وما ذلك إلا لكرمه وحسانه إلى الناس مما جعل الناس يذكرونه بخير حتى قال ابنه هشام : ماسمعت أحداً من أهل الأهواء يذكر أبي بسوء(62).

المطلب الثاني : ورعه :
المواقف التي تدعم القول بأن هذه الصفة مما اتصف به عروة كثيرة نذكر منها :
ما قاله أحمد بن عبد الله العجلي : عروة بن الزبير تابعي ثقة ، رجل صالح ، لم يدخل في شيء من الفتن (63)، وذكر نحوها في غير موضع(64).
وذكر ابن سعد في طبقاته أنه كان علي بن حسين بن علي بن أبي طالب يجلس كل ليلة هو وعروة بن الزبير في مؤخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العشاء الآخرة ، فكنت أجلس معهما ، فتحدثنا ليلة فذكر جور من جار من بني أمية والمقام معهم وهو لا يستطيع تغيير ذلك ثم ذكرا ذلك وما يخافان من عقوبة الله لهم فقال عروة لعلي : ياعلي إن من اعتزل أهل الجور والله يعلم منه سخطه لأعمالهم فإن كان منهم على ميل ثم أصابتهم عقوبة الله رجي له أن يسلم مما عصا بهم ، فخرج عروة فسكن العقيق(65).
فلما اتخذ عروة قصره بالعقيق قال له الناس : جفوت مسجد رسول الله ! قال : رأيت مساجدهم لاهية ، وأسواقهم لاغية ، والفاحشة في فجاجهم عالية ، فكان فيما هنالك – عما هم فيه – عافية(66)، ولما فرغ من بنائه وبئاره ، دعا جماعةً ، فطعم الناس ، وجعلوا يبَّركون وينصرفون(67).
كذلك مما يروى من ورعه : أنه قال : كنا نقول : لا نتخذ كتاباً مع كتاب الله ، فمحوت كتبي ، فوالله لوددت أن كتبي عندي ، إن كتاب الله قد استمرت مريرته(68).
وروي أنه أحرق كتباً له فيها فقه ، يوم الحرة ، فكان يقول بعد ذلك : والله لوددت لو أني فديتها بأهلي ومالي(69)، فهو لم يحرق كتبه إلا خشية أن تختلط بكتاب الله تعالى وهذا من ورعه رحمه الله تعالى .
المطلب الثالث : تواضعه :
مع ما تميز به عروة كان يتحلى بتواضع جمِّ . فقد
قال هشام بن عروة : كان أبي يدعوني وعبد الله بن عروة وعثمان وإسماعيل إخوتي وآخر سماه هشام ، فيقول : لا تغشوني مع الناس لكن إذا خلوت فسلوني ، وكان يأخذ بأحاديث في الطلاق ثم الخلع ثم الحج ثم الهدي ثم كذا ثم كذا .... (70) .
فعروة يأمر أبنائه بألا يسألوه أمام الناس ، لئلا يكون ذلك سبباً لأن يسأله الناس ، وذلك مع علمه وفقهه الذي عُرِف ومُيِّر به . فكيف بحالنا ؟؟!! .
المطلب الرابع : محنته وصبره :-
إذا ذكر اسم عروة بن الزبير فإنه غالباً ما يذكر معهما قصة بلائه ومحنته وصبره بعد ذلك وهي قصة قطع رجله لما وقعت فيها الآكلة فنشرها فما زاد على أن قال الحمدلله . وبما أننا التزمنا بذكر سيرته كان لزاماً علينا أن نورد هذه القصة فإلى تفاصيلها :
روي أن عروة خرج إلى الوليد بن عبدالملك ، حتى إذا كان بوادي القرى ، فوجد في رجله شيئاً ، فظهرت به قرحة الآكلة (71) ، ثم ترقى به الوجع ، وقدم على الوليد وهو في محْمل ، فقيل : ألا ندعوا لك طبيباً ؟ قال : إن شئتم ، فبعث إليه الوليد بالأطباء فأجمع رأيهم على أن لم ينشروها قتلته ، فقال شأنكم فقالوا : اشرب المُرقد(72) ، فقال : امضوا لشأنكم ، ماكنت أظن أن خلقاً يشرب مايزيل عقله حتى لا يعرف ربه عز وجل ، ولكن هلموا فاقطعوها .
وقال ابن قتيبة وغيره : لما دعي الجزار ليقطعها قال له : نسقيك خمراً حتى لا تجد لها ألماً ، فقال : لا أستعين بحرام الله على ما أرجو من عافية ، قالوا : فنسقيك المرقد ، قال : ما أحب أن اسلب عضواً من أعضائي وأنا لا أجد ألم ذلك فأحتسبه ، قال : ودخل قوم أنكرهم ، فقال : ماهؤلاء ؟ قالوا : يمسكونك فإن الألم ربما عَزَبَ معه الصبر ، قال : أرجو أن أكفيكم ذلك من نفسي ...
فوضع المنشار على ركبته اليسرى فنشروها بالمنشار فما حرك عضواً عن عضو وصبر حتى فرغوا منها ثم حمسوها وهو يهلل ويكبر ، ثم إنه أغلي له الزيت في مغارف الحديد فحسم به ، ثم غشي عليه ، وهو في ذلك كله كبير السن وإنه لصائم فما تضور وجهه ، فأفاق وهو يمسح العرق عن وجهه .
وروي أنه لما أُمر بشرب شراب أو أكل شيء يذهب عقله قال : إن كنتم لا بد فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة فإن لا أحس بذلك ولا أشعر به ، قال : فنشروا رجله من فوق الآكله من المكان الحيَّ احتياطاً أنه لا يبقى منها شيء وهو قائم يصلي فما تصور ولا اختلج فلما انصرف من الصلاة عزّاه الوليد في رجله .
وقيل : إنه قطعت رجله في مجلس الوليد ، والوليد مشغول عنه بمن يحدثه ، فلم يتحرك ولم يشعر الوليد أنها قطعت حتى كويت فوجد رائحة الكي . وقال الوليد : مارأيت قط شيخاً أصبر من هذا .
ولما رأى رجله وقدمه في أيديهم أو في الطست دعا بها فتناولها فقلبها في يده ثم قال : أما والذي حملني عليك أنه ليعلم أن مامشيت بك إلى حرام ، أو قال : إلى معصية . ثم أمر بها فغسلت وحنطت وكفنت ولفت بقطيفه ثم أرسل بها إلى المقابر .
وكان معه في سفره ذلك ابنه محمد ، ودخل محمد اصطبل دواب الوليد ، فرفسته دابة فخر ميتاً . فأتى عروة رجل يعزيه ، فقال : إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها . قال : بل أعزيك بمحمد ابنك ، قال : وماله ؟ فأخبره ، فقال : اللهم أخذت عضواً وتركت أعضاء ، وأخذت ابناً وتركت أبناءًا . فما سمع منه شيء في ذلك حتى قدم المدينة فلما قدم المدينة . أتاه ابن المنكدر ، فقال ، كيف كنت ؟ قال (( لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً )) (73)وقال : اللهم إنه كان لي أطراف أربعة فأخذت واحداً وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد ، وكان لي بنون أربعة فأخذت واحداً وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد وأيم الله لئن أخذت لقد أبقيت ولئن ابتليت لطالما عافيت ، وروي : اللهم إن كان لي بنون سبعة ... (74) .
ولما دخل المدينة أتاه الناس يسلمون عليه ويعزونه في ابنه ورجله ، فبلغه أن بعض الناس ، قال : إنما اصابه هذا بذنب عظيم أحدثه ، فأنشد عروة في ذلك متمثلاً أبياتاً لمعن بن أوس :
لعمرك ما أهويت كفي لريبة *** ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها *** ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماشٍ ماحييت لمنكر *** من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة *** وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الدهر *** إلا قد أصابت فتى قبلي (75)

وكان أحسن من عزاه إبراهيم بن محمد بن طلحة ، فقال له : والله مابك حاجة إلى المشي ، ولا أربُ في السعي ، وقد تقدمك عضو من أعضائك وابن من أبنائك إلى الجنة ، والكل تبع لبعض - إنشاء الله تعالى - وقد أبقى الله لنا منك ماكنا إليه فقراء من علمك ورأيك نفعك الله وإيانا به ، والله ولي ثوابك ، والضمين بحسابك(76)، وعاش بعد قطع رجله ثماني سنوات(77). ولم يدع ورده من القرآن والقيام وحتى في هذه الليلة - كما مر بنا - .

* المبحث الرابع عشر : رحلاته وتنقلاته :
مما ذكر من ذلك أن عروة قدم البصرة على ابن عباس وهو عامل فيها ، فيقال أنشده :
أمُتُّ بأرحامٍ إليك قريبةٍ *** ولا قُربَ بالأرحام مالم تُقرٍّب

فقال لِعروة : من قال هذا ؟ قال : أبو أحمد بن جحش ، قال ابن عباس : فهل تدري ما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، قال : قال له : صدقت ، ثم قال : ما أقدمك البصرة ؟ قلت : اشتدت الحال ، وأبى عبدالله أن يقسم سبع حِجَجٍ تألى حتى يقضي دين الزبير ، قال : فأجازني وأعطاني ، ثم لحق
عصر ، فتزوج وأقام بها بعد سبع سنين ثم عاد إلى المدينة(78).
فهو انتقل إلى البصرة ثم إلى مصر فتزوج واقام بها سبع سنين ثم رجع الى المدينة .


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-09, 01:54 PM   #41
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى



* المبحث الخامس عشر : وفاته :
بعد هذه المسيرة الحافلة بالعلم والعبادة ، والحافلة بالدروس والعبر انطوت صفحة الإمام عروة بن الزبير وقد اختلف في سنة وفاته على أقوال عدة : فقد
وقيل : أنه توفي سنة إحدى وتسعين(79).
قيل : أنه توفي سنة اثنتين وتسعين(80).
قيل : انه توفي سنة ثلاثة وتسعين ، قاله : ابن المديني وأبو نعيم وشباب وابن خلكان(81).
كما قيل أنه توفي سنة أربع وتسعين ، قاله : الهيثم ، والواقدي ، وأبو عبيد ، ويحيى بن معين ، والفلاس(82)وأبن سعد .
وقيل سنة خمس وتسعين ، قاله : يحيى بن بكير(83).
وقيل أنه توفي سنة تسعة وتسعين(84)
وقيل أنه توفي سنة مائه (85).
وقيل : أنه توفي سنة إحدى ومائه (86) . وقال عنه الذهبي : وليس هذا بشيء(87).
والذي يظهر أنه الراجح : أن وفاته كانت سنة أربع وتسعين ، وهو اختيار شيخ الإسلام بن كثير(88) ورجحه ابن سعد في طبقاته ، وقال : قال محمد بن عمر : وكان يقال لهذه السنة : سنة الفقهاء لكثرة من مات منهم فيه(89).
وكانت وفاته ليلة الثلاثاء الرابع عشر من ربيع الأول قاله يحيى بن عبدالله بن حسن(90)، ومات – رحمه الله – وهو صائم ، وجعلوا يقولون له : أفطر ، فلم يفطر ، (91) . ودفن يوم الجمعة(92).
وتوفي عروة ودفن في قرية له بمجاج بقرب المدينة يقال لها : فرع – بضم الفاء وسكون الراء – وهي من ناحية الربذة ، و تبعد عن المدينة أربع ليال ، وهي ذات نخيل ومياه(93).
وقال هشام بن عروة : أوصاني أبي ألا تذروا علي حنوط(94) .
واختلف في السن التي توفي عنها الإمام تبعاً للاختلاف في سنة مولده ووفاته.
* وبهذا تنطوي صفحة الإمام عروة بن الزبير – رحمه الله تعالى – وجمعنا به في جنات النعيم .

الخاتمة

وفي الختام :
· كنا نسبح في سيرة عروة بن الزبير العالم العابد الفقيه ، صنع منه الإسلام إماماً مقدماً تعنو له الرقاب ، وجعل منه قدوة صالحة للأجيال ، ومن خلال البحث خرجت بعدد من النتائج ، أهمها :
1. أن التاريخ مليء وغني بسير الأفذاذ من رجال هذه الأمة ، الذين يمثلون أروع القدوات والنماذج لمن اقتدى بهم ، واحتذى سيرهم ، وسلك مسلكهم ، وقراءةً أولاً وتمثلاً وعملاً ثانياً . فعلى المسلم الحريص على ثباته واستقامته صاحب الهمة أن يرجع إلى سيرهم ليرى معالجتهم للأمور وتحليلهم للمواقف ، ومن ثم الإستفادة من ذلك فـ :
اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر *** ضل قوم ليس يدرون الخبر

ففي هؤلاء العظماء كفاية عما بدأ يظهر في الأونة الأخيرة ، من الدعوة إلى الإقتداء بعظماء الغرب ، والسير على منوالهم ، وتطير سيرهم ، فهم أولى من أولئك الغربيين .
2. في هؤلاء الرجال من سلف الأمة الصالح قدوة كافية وزيادة ، لمن أراد الإقتداء بهم . من أننا لا ندعي لهم العصمة بل هم كغيرهم يصيبون ويخطئون ، ولكن كانت تصرفاتهم ومناهجهم تبعاً لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومن معنيهما .
أن في طيَات سير هؤلاء العظماء ومنهم عروة بن الزبير – ما يعين على فهم مستجدات الواقع ، ومحدثات الحياة من المواقف ومن الأحداث ، كما أن فيها مايعين على فهم الحياة وذلك من خلال إنزال تلك المواقف من السير على الواقع وعلى الحياة المعاصرة .
أن في سير هؤلاء العظماء دليل واضح على عظمة هذا الإسلام الخالد ، ومدى تأثيره في النفوس ، وقدرته عل صنع الرجال . وهذه ميزة تميز بها ديننا الخالد من بين سائر الدعوات ، حيث قدم الفكرة وقدم معهما آلآف النماذج العملية ، على حين اختفت الدعوات الأخرى بالأفكار النظرية ، المهلهلة التي تبعث بها أعاصير النقص ، ورياح الأهواء .
أن في سيرة الإمام عروة بن الزبير – رحمه الله تعالى – وغيره من العظماء السابقين والعلماء الصالحين ، دليل واضح على أن الإسلام هو الحل الجذري الأصيل ، والدواء العملي المجرّب وهو وحده طريق الخلاص مما تعانيه أمتنا من الضعف والتخلف ، ومن الفوضى والإنحلال ، ومن العجز عن إيجاد القادة والمصلحين .

· كذلك بعد الإنتهاء من البحث خرجت بعدد من التوصيات التي من شأنها- بإذن الله- أن تعين على رقي الأمة وعلى نهضتها ،ومن أهم تلك التي استشفيتها من خلال البحث ومحاولة رسم صورة كاملة لحياة هذا الرجل العظيم العلمية والعملية ، والإطلاع على عدد من المؤلفات التي ترجمت له ، كذلك من خلال الإطلاع على تراجم غير ما واحد ممن سُطِّرت سيرهم في تلك الكتب ، انتهيت إلى توصيات يسعف المجال إلى ذكر مايلي منها :
1. على الباحثين والمؤرخين والمفكرين والمختصين بالتاريخ ، وكذلك دور النشر أن يهتموا بنشر سير العلماء وسلف الأمة وتصنيف المصنفات فيهم ، فهم أولى من ألفت فيهم المؤلفات ، لأني رأيت في ذلك إخلالاً كبيراً وتقصيراً عظيماً ، ومن الأدلة الدالة على ذلك أني لم أجد لعروة بن الزبير سيرة ذاتية وترجمة مستقلة وهو من أكابر سلف هذه الأمة ، سوى رسالة علمية في مكتبة جامعة الإمام منعت من الإستفادة منها ، لعلة السنة الدراسية !! ومن الإخلال في الموازنات أنا نجد اهتماماً بعظماء الغرب وروادهم ، وتصنيف المصنفات فيهم على إهمال لقادة الإسلام .
2. على المهتمين بالتريبة ومن هم في حقول وبيئات تربوية أن يعنوا بإيراد سير أولئك العظماء لمن تحت أيديهم من المتربين ، والعناية بتصويرهم كقدوات الأمة والمجتمع .
3. من الجيِّد الإستفادة من موروثات أولئك العظماء وأن يعتني العلماء وطلبة العلم والمحاضرين بعقد الندوات والمحاضرات والكلمات عن هؤلاء العظماء ، سيرهم ومواقفهم واجتهاداتهم وربطها بالواقع والحياة المعاصرة .
4. على مؤلفي المناهج والمختصين بتأليفها ، أن يسطروا سيرهم في طيِّات المناهج ومن ثم إردافهما – أي سيرهم ومواقفهم وأحداث حياتهم – بالحياة الواقعية والمعاصرة لكي تتم الإستفادة من حياتهم وسيرهم على أتم وجه وأكمله .
غير أني بعد هذا كله أنبه على ضرورة الاهتمام بتأليف سيرهم وتسطير تراجمهم ، فإني كما أوضحت وجدت في ذلك اختلالاً في العمل والموازنات فعروة لم أجد له سيرة فهل من مبادر لها ، كما بادر عروة إلى تصنيف مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم(95) فأين المبادرون ؟!! .
وغيرها من التوصيات التي لم أشأ أن أفردها بنقطة مستقلة ، وأردفتدها في ما سبق من النقاط .



okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-09, 01:56 PM   #42
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


[align=center]وختاماً:
رحم الله عروة بن الزبير ، ورضي الله عنه ، وأعلى في عليين مقامه ، ووفقنا للسير على نهجه وحشرنا في زمرته مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، فرحمه الله ما أصدق قول الشاعر فيه :
جمال ذي الأرض كانو في الحياة ، وهم *** بعد الممات جمالُ الكتْبِ والسِّيَرِ

وأسأل الله تعالى أن يتقبل هذا الجهد المتواضع ، وأن يسدد الخطأ ، ويصحح القصد ويصفي النية ، ويرزقنا الإقتداء بأولئك الذين قال فيهم : (( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
والحمد لله رب العالمين .

--------------------


كتبه : عبد الله بن فؤاد الجار الله

همسة
رغم ان عروة ابن الزبير ليس صحابى ولكنه من اكابر التابعين وابوه صحابى جليل

كما ان عروة احد القرأ السبعة , وبمناسبة ذكر ابوه واخيه عبد الله فقد ضممت لهم عروة [/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-09-09, 02:11 PM   #43
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


[align=center]
[gdwl][bor=6666FF]الجزء التاسع عشر[/bor][/gdwl]
- خبيب بن عديّ - بطل.. فوق الصليب..!!والآن..

افسحوا الطريق لهذا البطل يا رجال..

وتعالوا من كل صوب ومن كل مكان..

تعالوا، خفاقا وثقالا..

تعاولوا مسرعين، وخاشعين..

وأقبلوا، لتلقنوا في الفداء درسا ليس له نظير..!!
تقولون: أوكل هذا الذي قصصت علينا من قبل لم تكن دروسا في الفداء ليس لها نظير..؟؟



أجل كانت دروسا..

وكانت في روعتها تجلّ عن المثيل وعن النظير..

ولكنكم الآن أمام أستاذ جديد في فن التضحية..

أستاذ لوفاتكم مشهده، فقد فاتكم خير كثير، جدّ كثير..

الينا يا أصحاب العقائد في كل أمة وبلد..

الينا يا عشاق السموّ من كل عصر وأمد..

وأنتم أيضا يا من أثقلكم الغرور، وظننتم بالأديان والايمان ظنّ السّوء..

تعالوا بغروركم..!

تعالوا وانظروا أية عزة، وأية منعة، وأي ثبات، وأيّ مضاء.. وأي فداء، وأي ولاء..

وبكلمة واحدة، أية عظمة خارقة وباهرة يفيئها الايمان بالحق على ذويه المخلصين..!!

أترون هذا الجثمان المصلوب..؟؟

انه موضوع درسنا اليوم، يا كلّ بني الانسان...!

هذا الجثمان المصلوب أمامكم هو الموضوع، وهو الدرس، وهو الاستاذ..

اسمه خبيب بن عديّ.

احفظوا هذا الاسم الجليل جيّدا.

واحفظوه وانشدوه، فانه شرف لكل انسان.. من كل دين، ومن كل مذهب، ومن كل جنس، وفي كل زمان..!!


**




انه من أوس المدينة وأنصارها.

تردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ هاجر اليههم، وآمن بالله رب العالمين.

كان عذب الروح، شفاف النفس، وثيق الايمان، ريّان الضمير.

كان كما وصفه حسّان بن ثابت:

صقرا توسّط في الأنصار منصبه

سمح الشجيّة محضا غير مؤتشب

ولما رفعت غزوة بدر أعلامها، كان هناك جنديا باسلا، ومقاتلا مقداما.

وكان من بين المشركين الذين وقعوا في طريقه ابّان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل.

وبعد انتهاء المعركة، وعودة البقايا المهزومة من قريش الى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم، وحفظوا جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة: خبيب بن عديّ..!!


**




وعاد المسلمون من بدر الى المدينة، يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد..

وكان خبيب عابدا، وناسكا، يحمل بين جبينه طبيعة الناسكين، وشوق العابدين..

هناك أقبل على العبادة بروح عاشق.. يقوم الليل، ويصوم الناهر، ويقدّس لله رب العالمين..


**




وذات يوم أراد الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن يبلو سرائر قريش، ويتبيّن ما ترامى اليه من تحرّكاتها، واستعدادها لغزو جديد.. فاهتار من أصحابه عشرة رجال.. من بينهم خبيب وجعل أميرهم عاصم بن ثابت.

وانطلق الركب الى غايته حتى اذا بلغوا مكانا بين عسفان ومكة، نمي خبرهم الى حيّ من هذيل يقال لهم بنو حيّان فسارعوا اليهم بمائة رجل من أمهر رماتهم، وراحوا يتعقبونهم، ويقتفون آثارهم..

وكادوا يزيغون عنهم، لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال.. فتناول بعض هذا النوى وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة، ثم صاح في الذين معه:

" انه نوى يثرب، فلنتبعه حتى يدلنا عليهم"..

وساروا مع النوى المبثوث على الأرض، حتى أبصروا على البعد ضالتهم التي ينشدون..

وأحس عاصم أمير العشرة أنهم يطاردون، فدعا أصحابه الى صعود قمة عالية على رأس جبل..

واقترب الرماة المائة، وأحاطوا بهم عند سفح الجبلو وأحكموا حولهم الحصار..

ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا ألا ينالهم منهم سوء.

والتفت العشرة الى أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين.

وانتظروا بما يأمر..

فاذا هو يقول:" أما أنا، فوالله لا أنزل في ذمّة مشرك..

اللهم أخبر عنا نبيك"..



وشرع الرماة المائة يرمونهم بالنبال.. فأصيب أميرهم عاصم واستشهد، وأصيب معه سبعة واستشهدوا..

ونادوا الباقين، أنّ لهم العهد والميثاق اذا هم نزلوا.

فنزل الثلاثة: خباب بن عديّ وصاحباه..

واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة فأطلقوا قسيّهم، وبرطوهما بها..

ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر، فقرر أن يموت حيث مات عاصم واخوانه..

واستشهد حيث أراد..

وهكذا قضى ثمانية من أعظم المؤمنين ايمانا، وأبرّهم عهدا، وأوفاهم لله ولرسوله ذمّة..!!

وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما، ولكنه كان شديد الاحكام.

وقادهما الرماة البغاة الى مكة، حيث باعوهما لمشركيها..

ودوّى في الآذان اسم خبيب..

وتذكّر بنوالحارث بن عامر قتيل بدر، تذكّروا ذلك الاسم جيّدا، وحرّك في صدورهم الأحقاد.

وسارعوا الى شرائه. ونافسهم على ذلك بغية الانتقام منه أكثر أهل مكة ممن فقدوا في معركة بدر آباءهم وزعماءهم.

وأخيرا تواصوا عليه جميعا وأخذوا يعدّون لمصير يشفي أحقادهم، ليس منه وحده، بل ومن جميع المسلمين..!!

وضع قوم أخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر عذابا..


**




أسلم خبيب قلبه، وأمره،ومصيره لله رب العالمين.

وأقبل على نسكه ثابت النفس، رابط الجأش، معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما يذيب الصخر، ويلاشي الهول.

كان الله معه.. وكان هو مع الله..

كانت يد الله عليه، يكاد يجد برد أناملها في صدره..!

دخلت عليه يوما احدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره، فغادرت مكانه مسرعة الى الناس تناديهم لكييبصروا عجبا..

" والله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه..

وانه لموثق في الحديد.. وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة..

ما أظنه الا رزقا رزقه الله خبيبا"..!!



أجل آتاه الله عبده الصالح، كما آتى من قبل مريم بنت عمران، يوم كانت:

( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا..

قال يا مريم أنّى لك هذا

قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب)..


**




وحمل المشركون الى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي الله عنه.

ظانين أنهم بهذا يسحقون أعصابه، ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا يعلمون أن الله الرحيم قد استضافه، وأنزل عليه سكينته ورحمته.

وراحوا يساومونه على ايمانه، ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لمحمد، ومن قبل بربه الذي آمن به.. لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل..!!

أجل، كان ايما خبيب كالشمس قوة، وبعدا، ونارا ونورا..

كان يضيء كل من التمس منه الضوء، ويدفئ كل من التمس منه الدفء، أم الذي يقترب منه ويتحدّاه فانه يحرقه ويسحقه..

واذا يئسوا مما يرجون، قادوا البطل الى مصيره، وخرجوا به الى مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك مصرعه..

وما ان بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين، وأذنوا له ظانين أنه قد يجري مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه واعلان الكفران بالله وبرسوله وبدينه..

وصلى خبيب ركعتين في خشوع وسلام واخبات...



وتدفقت في روحه حلاوة الايمان، فودّ لو يظل يصلي، ويصلي ويصلي..

ولكنه التفت صوب قاتليه وقال لهم:

" والله لاتحسبوا أن بي جزعا من الموت، لازددت صلاة"..!!

ثم شهر ذراعه نحو السماء وقال:

" اللهم احصهم عددا.. واقتلهم بددا"..

ثم تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد:

ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على أوصال شلو ممزّع



ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلا ثم يقتلونه فوق الصليب..

ولقد أعدّوا من جذوع النخل صليبا كبيرا أثبتوافوقه خبيبا.. وشدّوا فوق أطرافه وثاقه.. واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة.. ووقف الرماة يشحذون رماحهم.

وجرت هذه الوحشية كلها في بطء مقصود امام البطل المصلوب..!!

لم يغمض عينيه، ولم تزايل السكينة العجيبة المضيئة وجهه.

وبدأت الرماح تنوشه، والسيوف تنهش لحمه.

وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له:

" أتحب أن محمدا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك"..؟؟

وهنا لا غير انتفض خبيب كالاعصار وصاح، في قاتليه:

" والله ما أحبّ أني في اهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة"..



نفس الكلمات العظيمة التي قالها صاحبه زيد وهم يهمّون بقتله..! نفس الكلمات الباهرة الصادعة التي قالها زيد بالأمس.. ويقولها خبيب اليوم.. مما جعل أبا سفيان، وكان لم يسلم بعد، يضرب كفا بكف ويقول مشدوها:" والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا"..!!



**




كانت كلمات خبيب هذه ايذانا للرماح وللسيوف بأن تبلغ من جسد البطل غايتها، فتناوشه في جنون ووحشية..

وقريبا من المشهد كانت تحومطيور وصقور. كأنها تنتظر فراغ الجزارين وانصرافهم حتى تقترب هي فتنال من الجثمان وجبة شهيّة..

ولكنها سرعان ما تنادت وتجمّعت، وتدانت مناقيرها كأنها تتهامس وتتبادل الحديث والنجوى.

وفجأة طارت تشق الفضاء، وتمضي بعيدا.. بعيدا..



لكأنها شمّت بحاستها وبغريزتها عبير رجل صالح أوّاب يفوح من الجثمان المصلوب، فخدلت أن تقترب منه أو تناله بسوء..!!

مضت جماعة الطير الى رحاب الفضاء متعففة منصفة.



وعادت جماعة المشركين الى أوكارها الحاقدة في مكة باغية عادية..

وبقي الجثمان الشهيد تحرسه فرقة من القرشيين حملة الرماح والسويف..!!



كان خبيب عندما رفعوه الى جذوع النخل التي صنعوا منها صليبا، قد يمّم وجهه شطر السماء وابتهل الى ربه العظيم قائلا:

" اللهم انا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا"..

واستجاب الله دعاءه..

فبينما الرسول في المدينة اذ غمره احساس وثيق بأن أصحابه في محنة..

وتراءى له جثمان أحدهم معلقا..

ومن فوره دعا المقداد بن عمرو، والزبير بن العوّام..

فركبا فرسيهما، ومضيا يقطعان الأرض وثبا.

وجمعهما الله بالمكان المنشود، وأنزلا جثمان صاحبهما خبيب، حيث كانت بقعة طاهرة من الأرض في انتظاره لتضمّه تحت ثراها الرطيب.



ولا يعرف أحد حتى اليوم أين قبر خبيب.

ولعل ذلك أحرى به وأجدر، حتى يظل مكانه في ذاكرة التاريخ، وفي ضمير الحياة، بطلا.. فوق الصليب..!!!
********************************
*************************************** [/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-09-09, 03:02 PM   #44
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


[align=center][gdwl]الجزء العشرون [/gdwl]


[frame="10 10"]- - أبو هريرة -
ذاكرة عصر الوحي[/frame]

صحيح أن ذكاء المرء محسوب عليه..

وأصحاب المواهب الخارقة كثيرا ما يدفعون الثمن في نفس الوقت الذي كان ينبغي أن يتلقوا فيه الجزاء والشكران..!!

والصحابي الجليل أبو هريرة واحد من هؤلاء..

فقد كان ذا موهبة خارقة في سعة الذاكرة وقوتها..

كان رضي الله عنه يجيد فنّ الاصغاء، وكانت ذاكرته تجيد فن الحفظ والاختزان..
يسمع فيعي، فيحفظ، ثم لا يكاد ينسى مما وعى كلمة ولا حرفا مهما تطاول العمر، وتعاقبت الأيام..!!

من أجل هذا هيأته موهبته ليكون أكثر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حفظا لأحاديثه، وبالتالي أكثرهم رواية لها.

فلما جاء عصر الوضّاعي
ن الذين تخصصوا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتخذوا أبا هريرة غرضا مستغلين أسوأ استغلال سمعته العريضة في الرواية عن رسول الله عليه السلام موضع الارتياب والتساؤول. لولا تلك الجهود البارة والخارقة التي بذلها أبرار كبار نذور حياتهم وكرّسوها لخدمة الحديث النبوي ونفي كل زيف ودخيل عنه.

هنالك نجا أبو هريرة رضي الله عنه من أخطبوط الأكاذيب والتلفيقات التي أراد المفسدون أن يتسللوا بها الى الاسلام عن طريقه، وأن يحمّلوه وزرها وأذاها..!!

**




والآن.. عندما نسمع واعظا، أو محاضرا، أو خطيب جمعة يقول تلك العبارة المأثورة:" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..".

أقول: عندما تسمع هذا الاسم على هذه الصورة، أ، عندما تلقاه كثيرا، وكثيرا جدّا في كتب الحديث، والسيرة والفقه والدين بصفة عامة، فاعلم أنك تلقى شخصية من أكثر شخصيات الصحابة اغراء بالصحبة والاصغاء..

ذلك أن ثروته من الأحاديث الرائعة، والتوجيهات الحكيمة التي حفظها عن النبي عليه السلام، قلّ أن يوجد لها نظير..

وانه رضي الله عنه بما يملك من هذه الموهبة، وهذه الثروة، لمن أكثر الأصحاب مقدرة على نقلك الى تلك الأيام التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، والى التحليق بك، اذا كنت وثيق الايمان مرهف النفس، في تاك الآفاق التي شهدت روائع محمد وأصحابه، تعطي الحياة معناها، وتهدي اليها رشدها ونهاها.

واذا كانت هذه السطور قد حرّكت أشواقك لأن تتعرّف لأبي هريرة وتسمع من أنبائه نبأ، فدونك الآن وما تريد..

انه واحد من الذين تنعكس عليهم ثروة الاسلام بكل ما أحدثته من تغيرات هائلة.

فمن أجير الى سيّد..

ومن تائه في الزحام، الى علم وامام..!!

ومن ساجد أمام حجارة مركومة، الى مؤمن بالله الواحد القهار..

وهاهو ذا يتحدّث ويقول:

" نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا.. وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني..!!

كنت أخدمهم اذا نزلوا، وأحدو لهم اذا ركبوا..

وهأنذا وقد زوّجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة اماما"..!

قدم على النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع وهو بخيبر، فأسلم راغبا مشتاقا..


ومنذ رأى النبي عليه الصلاة والسلام وبايعه لم يكد يفارقه قط الا في ساعات النوم..

وهكذا كانت السنوات الأربع التي عاشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم الى أن ذهب النبي الى الرفيق الأعلى.

نقول: كانت تلك السنوات الأربع عمرا وحدها.. كانت طويلة عريضة، ممتلئة بكل صالح من القول، والعمل، والاصغاء.


**



أدرك أبو هريرة بفطرته السديدة الدور الكبير الذي يستطيع أن يخدم به دين الله.

ان أبطال الحرب في الصحابة كثيرون..

والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون.

ولكن البيئة والجماعة تفتقد الكتابة والكتّاب.

ففي تلك العصور، وكانت الجماعة الانسانية كلها، لا العرب وحدهم، لا يهتمون بالكتابة، ولم تكن الكتابة من علامات التقدم في مجتمع ما..

بل انّ أوروبا نفسها كانت كذلك منذ عهد غير بعيد.

وكان أكثر ملوكها وعلى رأسهم شارلمان أميّين لا يقرءون ولا يكتبون، مع أنهم في نفس الوقت كانوا على حظ كبير من الذكاء والمقدرة..


**



.[/COLOR][/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-09-09, 03:03 PM   #45
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


[align=center]


تابع الجزء العشرون


**(( ابو هريرة ))**


نعود الى حديثنا لنرى أبا هريرة يدرك بفطرته حاجة المجتمع الجديد الذي يبنيه الاسلام الى من يحفظن تراثه وتعاليمه، كان هناك يومئذ من الصحابة كتّاب يكتبون ولكنهم قليلون، ثم ان بعضهم لا يملك من الفراغ ما يمكّنه من تسجيل كل ما ينطق به الرسول من حديث.

لم يكن أبا هريرة كاتبا، ولكنه كان حافظا، وكان يملك هذا الفراغ، أو هذا الفراغ المنشود، فليس له أرض يزرعها ولا تجارة يتبعها!!

وهو اذا رأى نفسه وقد أسلم متأخرا، عزم على أن يعوّض ما فاته، وذلك بأن يواظب على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى مجالسته..

ثم انه يعرف من نفسه هذه الموهبة التي أنعم الله بها عليه، وهي ذاكرته الرحبة القوية، والتي زادت مضاء ورحابة وقوة، بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبها أن يبارك الله له فيها..

فلماذا اذن لا يكون واحدا من الذين يأخذون على عاتقهم حفظ هذا التراث ونقله لللأجيال..؟؟

أجل.. هذا دوره الذي تهيئه للقيام به مواهبه، وعليه أن يقوم به في غير توان..
**




ولم يكن أبو هريرة ممن يكتبون، ولكنه كان كما ذكرنا سريع الحفظ قوي الذاكرة..

ولم تكن له أرض يزرعها، ولا تجارة تشغله، ومن ثمّ لم يكن يفارق الرسول في سفر ولا في حضر..

وهكذا راح يكرّس نفسه ودقة ذاكرته لحفظ أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته..

فلما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى، راح أبو هريرة يحدث، مما جعل بعض أصحابه يعجبون: أنّى له كل هذه الحاديث، ومتى سمعها ووعاها..

ولقد ألقى أبوهريرة رضي الله عنه الضوء على هذه الظاهرة، وكانه يدفع عن نفسه مغبة تلك الشكوك التي ساورت بعض أصحابه فقال:

" انكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم..

وتقولون: ان المهاجرين الذين سبقوه الى الاسلام لا يحدثون هذه الأحاديث..؟؟



ألا ان أصحابي من المهاجرين، كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق، وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم..

واني كنت أميرا مسكينا، أكثر مجالسة رسول الله، فأحضر اذا غابوا، وأحفظ اذا نسوا..

وان النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يوما فقال: من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه اليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني..! فبسطت ثزبي فحدثني ثم ضممته اليّ فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه..

وأيم والله، لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا، وهي:

( ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)..".




هكذا يفسر أبو هريرة سر تفرّده بكثرة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهو أولا كان متفرغا لصحبة النبي أكثر من غيره..

وهو ثانيا كان يحمل ذاكرة قوية، باركها الرسول فزادت قوة..

وهو ثالثا لا يحدّث رغبة في أن يحدّث، بل لأن افشاء هذه الأحاديث مسؤولية دينه وحياته، والا كان كاتما للخير والحق، وكان مفرطا ينتظره جزاء المفرّطين..

من أجل هذا راح يحدّث ويحدّث، لا يصدّه عن الحديث صادّ، ولا يعتاقه عائق.. حتى قال له عمر يوما وهو أمير المؤمنين:

" لتتركنّ الحديث عن رسول الله،أو لألحقنك بأرض دوس"..

أي أرض قومه وأهله..

على أن هذا النهي من أمير المؤمنين لا يشكل اتهاما لأبي هريرة، بل هو دعم لنظرية كان عمر يتبنّاها ويؤكدها، تلك هي: أن على المسلمين في تلك الفترة بالذات ألا يقرؤوا، وألا يحفظوا شيئا سوى القرآن حتى يقرّ وثبت في الأفئدة والعقول..

فالقرآن كتاب الله، ودستور الاسلام، وقاموس الدين، وكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما في تلك التي أعقبت وفاته عليه الصلاة والسلام، والتي يجمع القرآن خلالها قد تسبب بلبلة لا داعي لها ولا جدوى منها..

من أجل هذا كان عمر يقول:

" اشتغلوا بالقرآن، فان القرآن كلام الله"..

ويقول:

" أقلوا الرواية عن رسول الله الا فيما يعمل به"..

وحين أرسل أبو موسى الأشعري الى العراق قال له:

" انك تأتي قوما لهم في مساجدهم دويّ القرآن كدويّ النحل، فدعهم على ما هم عليه، ولا تشغلهم بالحديث، وأنا شريكك في ذلك"..

كان القرآن قد جمع بطريقة مضمونة دون أن يتسرب اليه ما ليس منه..

اما الأحاديث فليس يضمن عمر أن تحرّف أو تزوّر، أو تخذ سبيل للكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنيل من الاسلام..

وكان أبو هريرة يقدّر وجهة نظر عمر، ولكنه أيضا كان واثقا من نفسه ومن أمانته، وكان لا يريد أن يكتم من الحديث والعلم ما يعتقد أن كتمانه اثم وبوار.

وهكذا.. لم يكن يجد فرصة لافراغ ما في صدره من حديث سنعه ووعاه الا حدّث وقال..


**



على أن هناك سببا هامّا، كان له دور في اثارة المتاعب حول أبي هريرة لكثرة تحدثه وحديثه.

ذلك أنه كان هناك يومئذ محدّث آخر يحدّث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويكثر ويسرف، ولم يكن المسلمون الأصحاب يطمئنون كثيرا لأحاديثه ذلكم هو كعب الأحبار الذي كان يهوديا وأسلم.


**




أراد مروان بن الحكم يوما أن يبلو مقدرة أبي هريرة على الحفظ، فدعاه اليه وأجلسه معه، وطلب منه أن يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حين أجلس كاتبه وراء حجاب، وأمره أن يكتب كل ما يقول أبو هريرة..

وبعد مرور عام، دعاه مروان بن الحكم مرة أخرى، أخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كان كاتبه قد سطرها، فما نسي أبو هريرة كلمة منها!!

وكان يقول عن نفسه:

" ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني، الا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص، فانه كان يكتب، ولا أكتب"..

وقال عنه الامام الشافعي أيضا:

" أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره".

وقال البخاري رضي الله عنه:

" روي عن أبو هريرة مدرسة كبيرة يكتب لها البقاء والخلود..

وكان أبو هريرة رضي الله عنه من العابدين الأوّابين، يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله.. فيقوم هو ثلثه، وتقوم زوجته ثلثه، وتقوم ابنته ثلثله. وهكذا لا تمر من الليل ساعة الا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة!!

وفي سبيل أن يتفرّغ لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عانى من قسوة الجوع ما لم يعاني مثله أحد..

وانه ليحدثنا: كيف كان الجوع يعض أمعاءه فيشدّ على بطمه حجرا ويعتصر كبده بيديه، ويسقط في المسجد وهو يتلوى حتى يظن بعض أصحابه أن به صرعا وما هو بمصروع..!

ولما أسلم لم يكن يئوده ويضنيه من مشاكل حياته سوى مشكلة واحدة لم يكن رقأ له بسببها جفن..

كانت هذه المشكلة أمه: فانها يومئذ رفضت أن تسلم..

ليس ذلك وحسب، بل كلنت تؤذي ابنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكره بسوء..

وذات يوم أسمعت أبا هريرة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكره، فانفضّ عنها باكيا محزونا، وذهب الى مسجد الرسول..



ولنصغ اليه وهو يروي لنا بقيّة النبأ:

".. فجئت الى رسول الله وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله، كنت أدعو أم أبي هريرة الى الاسلام فتأبى علي، واني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبا هريرةالى الاسلام..

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة..

فخرجت أعدو أبشرها بدعاء رسول الله، فلما أتيت الباب اذا هو مجاف، أي مغلق، وسمعت خضخضة ماء، ونادتني يا أبا هريرة مكانك..

ثم لبست درعها، وعجلت عن خمارها وخرجت وهي تقول: أشهد أن لا اله الا الله، وأِهد أن محمدا عبده ورسوله..

فجئت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح، كما بكيت من الحزن، وقلت: أبشر يا رسول الله، فقد أجاب الله دعوتك..

قد هدى أم أبي هريرة الى الاسلام..

ثم قلت يا رسول الله: ادع الله أن يحبّبني وأمي الى المؤمنين والمؤمنات..

فقال: اللهم حبّب عبيدك هذا وأمه الى كل مؤمن ومؤمنة"..


**



[COLOR="DarkRed"]وعاش أبو هريرة عابدا، ومجاهدا.. لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة.

وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه امارة البحرين.

وعمر كما نعلم شديد المحاسبة لولاته.

اذا ولّى أحدهم وهو يملك ثوبين، فيجب أن يترك الولاية وهو لا يملك من دنياه سوى ثوبيه.. ويكون من الأفضل أن يتركها وله ثوب واحد..!!!

أما اذا خرج من الولاية وقد ظهرت عليه أعراض الثراء، فآنئذ لا يفلت من حساب عمر، مهما يكن مصدر ثرائه حلالا مشروعا!



دنيا أخرى.. ملاءها همر روعة واعجازا..!!

وحين وليّ أبو هريرة البحرين ادّخر مالا، من مصادره الحلال، وعلم عمر فدعاه الى المدينة..



ولندع أبو هريرة يروي لنا ما حدث بينهما من حوار سريع:

" قال لي عمر:

يا عدو الله وعدو كتابه، أسرقت مال الله..؟؟

قلت:

ما أنا بعدو لله ولا عدو لكتابه،.. لكني عدو من عاداهما..

ولا أنا من يسرق مال الله..!

قال:

فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف..؟؟

قلت:

خيل لي تناسلت، وعطايا تلاحقت..

قال عمر: فادفعها الى بيت مال المسلمين"..!!

ودفع أبو هريرة المال الى عمر ثم رفع يديه الى السماء وقال:

اللهم اغفر لأمير المؤمنين"..



وبعد حين دعا عمر أبا هريرة، وعرض عليه الولاية من حديد، فأباها واعتذر عنها..

قال له عمر: ولماذا؟

قال أبو هريرة:

حتى لا يشتم عرضي، ويؤخذ مالي، ويضرب ظهري..

ثم قال:

وأخاف أن أقضي بغير علم

وأقول بغير حلم..


**




وذات يوم اشتد شوقه الى لقاء الله..

وبينما كان عوّاده يدعون له بالشفاء من مرضه، كان هو يلحّ على الله قائلا:

" اللهم اني أحب لقاءك، فأحب لقائي"..

وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة.

ولبن ساكني البقيع الأبرار ب\تبوأ جثمانه الوديع مكانا مباركا..

وبينما كان مشيعوه عائدين من جنازته، كانت ألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسولهم الكريم.

ولعل واحدا من المسلمين الجدد كان يميل على صاحبه ويسأله:

لماذا كنّى شيخنا الراحل بأبي هريرة..؟؟



فيجيبه صاحبه وهو الخبير بالأمر:

لقد كان اسمه في الجاهلية عبد شمس، ولما أسلك سمّاه الرسول عبدالرحمن.. ولقد كان عطوفا على الحيوان، واكنت له هرة، يطعمها، ويحملها، وينظفها، ويؤويها.. وكانت تلازمه كظله..

وهكذا دعي: أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مصابيح , الهدي


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ولد الهدي محمد عطيه نفحات إيمانية 5 15-02-11 01:23 AM
نور الهدى نورالهدى التعارف والترحيب 12 05-08-07 11:38 AM


الساعة الآن 02:19 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

زهرة الشرق   -   الحياة الزوجية   -   صور وغرائب   -   التغذية والصحة   -   ديكورات منزلية   -   العناية بالبشرة   -   أزياء نسائية   -   كمبيوتر   -   أطباق ومأكولات -   ريجيم ورشاقة -   أسرار الحياة الزوجية -   العناية بالبشرة

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك

(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)