الموضوع: اشهر قصص الحب
عرض مشاركة واحدة
قديم 29-05-08, 02:21 PM   #8
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: اشهر قصص الحب


ورحل بها زوجها إلى المدينة، وكأنما شاءت الأقدار أن تقرب لبنى من قيس لتزيد من ندمه وأسفه وحسراته.
واشتد جزع قيس، ولم يلبث أن استطار عقله ولحقه مثل الجنون ، وضاقت السبل فى وجهه، ثم خطر له أن يلجأ إلى يزيد بن معاوية ليتوسط له عند أبيه حتى يلغي أمره السابق بإهدار دمه. ونجحت وساطة يزيد، وعفا معاوية عن قيس، فعاود زيارة لبنى.
وانتشر أمر قيس في المدينة، وغنى في شعره مغنوها ومغنياتها، فلم يبق شريف ولا وضيع إلا سمع بذلك فأطربه وحزن لقيس مما ألم به.
وقد روى الأصفهاني في كتابه "الأغانى" أن أشعار قيس لحنها الملحنون وغناها المطربون فاشتهرت وذاع صيتها حتى سمع بها زوج لبنى وساءت العلاقات بينهما ، فثار عليها، لكنها لم تعبأ بثورته وطالبته أن يطلقها إن شاء .
ولكن الزوج أدرك ألا خطأ لها ولا ذنب، فهدأت ثائرته، ويقال أنه أراد أن يصلحها فأحضر الجواري من المدينة ليغنين لها أشعار قيس !
وعادت الأمور تتعقد في وجه قيس مرة أخرى، وازدادت همومه وأعباؤه، وأخذت صحته في الانهيار، والأسقام تلح عليه إلحاحاً عنيفاً.
يقول تارة :
إذا ذكرت لبنى تأوه واشتكى ** تأوه محمود عليه البلابل
يبيت ويضحي تحت ظل منية ** به رمق تبكي عليه القبائل
قتيل للبنى صدع الحب قلبه ** وفي الحب شغل للمحبين شاغل
ويقول تارة أخرى :
سلا كل ذى شجو علمت مكانه ** وقلبى للبنى ما حييت ودود
وقائلة قد مات أو هو ميت ** وللنفس مني أن تفيض رصيد
أعالج من نفسي بقايا حشاشة ** على رمق، والعائدات تعود
فإن ذكرت لبنى هششت لذكرها ** كما هش للثدي الدرور وليد
أجيب بلبنى من دعاني تجلدا ** وبي زفرات تنجلي وتعود
تعيد إلى روحي الحياة، وإنني ** بنفسي لو عاينتني لأجود

حكاية لبنى تختلف كثيراً عن صاحبتيها ليلى وبثينة، فالقدر هو الذي فرق بينها وبين قيس بن ذريح، ولم يكن بوسعها أن تفعل شيئا وليومنا هذا مازال الاتهام يحاصر الزوجة أولا إذا لم تنجب، فإذا ثبت أن الزوج هو السبب نصحت بأن تضحي من أجله وتبقى معه، أما إذا ثبت أن الزوجة هى العاقر فلا أحد يطالب الزوج بأي تضحية، ويصبح من حقه أن يتزوج عليها أو أن يطلقها .
وحكاية الأصفهاني تدل على أن لبنى لم تسلم قلبها للزوج الثاني الذي فرض عليها فرضاً، وظلت حزينة مجروحة الفؤاد تبكي بحرقة كلما تذكرت قيسا، أو كلما سمعت أشعاره الحزينة ترددها الجواري في مجالس الغناء .

ثم تكون النهاية التي اختلف الرواة حولها، فمن قائل إن زوجها طلقها فأعادها قيس إلى عصمته ولم تزل معه حتى ماتا، ومن قائل إنهما ماتا على افتراقهما، وعلى ذلك أكثر الرواة.
ثم يختلفون بعد ذلك، فمنهم من يقول إنه مات قبلها وبلغها نعيه فماتت أسفا عليه، ومنهم من يقول إنها ماتت قبله، فخرج ومعه جماعة من أهله، فوقف على قبرها،ثم أكب عليه وظل يبكي حتى أعمى عليه، فحملوه إلى بيته وهو لا يعي شيئاً، ولم يزل عليلا لا يفيق ولا يجيب حتى مات بعد ثلاثة أيام، ويقال أنه فقد عقله، وظل طريح الفراش حتى لحق بها، فدفن إلى جوارها .
وهي أكثر الروايات وأرجحها فقد بكاها قيس وأنشد على قبرها هاته الأبيات التي نسبت إليه :
ماتت لبنى فموتها موتي هل ** تنفعن حسرتي على الفوت
وسوف أبكي بكاء مكتئب ** قضى حياة وجدا على موت

وبهذه النهاية أسدل الستار على مأساة أخرى من مآسي الحب العذري.

وإذا كانت مأساة قيس بن ذريح ولبنى تمثل شيئاً من الخروج على هذا التشابه، فإن الإطار العام الذي دارت في داخله أحداثها يوشك أن يكون نفس الإطار الذي دارت فيه سائر المآسي الأخرى.
عاشقان يحب كل منهما صاحبه إلى درجة الجنون، ثم عقبات تعترض طريق سعادتهما فتفرض عليهما الشقاء والحرمان، ثم موت يطويهما، وستار حزين يسدل على المأساة، وذكريات تبقى، وشعر يخلد، ورمال البادية المتحركة تطوي في أعماقها أسرارا، وتكشف أسرارا أخرى.

وهكذا لم يستطع تحكم الأهل ولا سيطرة العرف والتقاليد، ولا احتجاب لبنى عن حبيبها، أو ابتعادها أو زواجها من رجل آخر أن يحملوا قيسا على نسيانها .
بل لعل هذه الأمور مجتمعة كانت وقودا أشعل نار الحب في قلب شاعرنا .
وجعلها تزداد اضطراما مع الأيام، كما كانت جذوة ألهبت موهبته فانطلق يقول أعذب الشعر .




جميل وبثينة

قريبا من الوقت الذى شهدت فيه نجد مأساة قيس وليلى، وشهد الحجاز مأساة قيس ولبنى، شهدت أرض بنى عذرة مأساة أخرى من مآسى الحب العذرى، هى مأساة جميل وبثينة.
إذا كانت مأساة قيس وليلى على شهرتها المستفيضة أشد هذه المآسي اختلاطاً واضطرابا لكثرة ما دخلها من وضع الرواة، وتزيد القصاص، وأوهام السمار، فإن مأساة جميل وبثينة أبعد هذه المآسي عن الاختلاط والاضطراب، وأقربها إلى الواقع الذي نجا من عبث أصحاب الرواية والقصص والسمر.
حدثت القصة في العصر الأموي وفي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان أو الخليفة الوليد بن عبد الملك.
كانت بثينة فتاة من بني الأحب، وهم من رهط بني عذرة، وكذلك جميل، كان من رهط آخر من بني عذرة هم رهط عامر، وبني عذرة كانت تنزل في البادية العربية شمال الحجاز، في وادي القرى الذي يقع على مقربة من الطريق التجاري بين مكة والشام ، وهو واد خصب، استقرت به تلك القبيلة، وكانت مشهورة منذ العصر الجاهلي بالقوة والمنعة والشرف.
وقد دخلت بنو عذرة الإسلام في السنة السابقة للهجرة، وشارك أبناؤها في غزوات الرسول وفي الفتوحات الإسلامية .
أحب جميل بن معمر العذري بثينة بنت الحباب وبدأت القصة كالتالي :
رأى بثينة وهو يرعى إبل أهله، وجاءت بثينة بإبل لها لترد بها الماء، فنفرت إبل جميل، فسبها، ولم تسكت بثينة وإنما ردت عليه، أي سبته هي أيضاً.. وبدلا من أن يغضب أعجب بها، واستملح سبابها فأحبها وأحبته، وبدأت السطور الأولى في قصة هذا الحب العذري الخالدة.
حيث تطور الإعجاب إلى حب، ووجد ذلك صدى لديها، فأحبته هي أيضاً، وراحا يتواعدان سرا.
يقول جميل :
وأول ما قاد المودة بيننا ** بوادي بغيض، يا بثين، سباب
فقلنا لها قولا فجاءت بمثله ** لكل كلام، يا بثين، جواب
وتمر الأيام، وسطور القصة تتوالى سطراً بعد سطر.
لقد اشتد هيام جميل ببثينة،واشتد هيامها به، وشهدت أرض عذرة العاشقين يلتقيان ولا يكاد أحدهما يصبر عن صاحبه.
وكلما التقيا زادت أشواقهما، فيكرران اللقاء حتى شاعت قصتهما، واشتهر أمرهما، ووصل الخبر إلى أهل بثينة ، فتوعده قومها، وبدلاً من أن يقبلوا يد جميل التي امتدت تطلب القرب منهم في ابنتهم رفضوها، وأبوا بثينة عليه وردوه دونها، وتوعدوه بالانتقام، ولكي يزيدوا النار اشتعالاً سارعوا بتزويج ابنتهم من فتى منهم، هو نبيه بن الأسود العذري.
وكان جميل من فتيان عذرة وفرسانها الأشداء، وكان قومه أعز من قوم بثينة، فوقف في وجههم فجميل لم يستسلم، بل راح يتحدى أهل بثينة، ويهزأ بهم، ويهددهم منشدا :
ولو أن ألفا دون بثينة كلهم ** غيارى، وكل حارب مزمع قتلي
لحاولتها إما نهارا مجاهرا ** وإما سرى ليل ولو قطعت رجلي
ويقول أخرى:
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي ** وهموا بقتلي، يا بثين، لقوني
إذا ما رأوني طالعاً من ثنية ** يقولون: من هذا ؟ وقد عرفوني
يقولون لي: أهلا وسهلا ومرحبا ** ولو ظفروا بي خاليا قتلوني


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس