عرض مشاركة واحدة
قديم 27-07-09, 01:48 PM   #3
 
الصورة الرمزية هيام1

هيام1
مشرفة أقسام المرأة

رقم العضوية : 7290
تاريخ التسجيل : Apr 2007
عدد المشاركات : 15,155
عدد النقاط : 197

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ هيام1
رد: فلسطينيوعكا يقاومون التهجير ويطمحون للنصر



تنقّلات... وذكريات

بعد الإفراج عنه، روى البكري لنا مسيرة أعوام طويلة في الأسر.. "بدأت الرحلة من سجن رام الله، ثم إلى مجدو في الفترة الأولى" يقول البكري... ومن هناك تنقّل البكري في معظم المعتقلات السجون المركزية. ففي العام 2000 وبعد ثلاثة أعوام من الاحتجاز موقوفاً تلقّى البكري حكماً بالسجن لمدة ثمانية أعوام، بعد عدة صفقات عقدها المحامي بغية التخفيف من حكمٍ بدأ بـ25 عاماً وراح يتناقص تأجيلاً بعد آخر حتى وصل إلى ثمانية أعوام، "لقد كانت منّة من الله تعالى وأحمده الذي يسر لي هذا الأمر" يقول البكري...

قبل ذلك نُقِل البكري إلى سجن عسقلان، "كانت التجربة أشدّ سوءاً بحيث لا يمكن وصفها"، يروي البكري، ويتابع: "في تلك السنة أفرجت سلطات الاحتلال عن أعدادٍ كبيرة من الأسرى ولم يتبقَّ في السجون سوى 1300 أسير وصفتهم (إسرائيل) بالخطيرين".

بعد هذا الإفراج ساد عند البكري وزملائه في الأسر نوعٌ من الإحباط، "شعرنا أنّنا مغيّبون ومنسيّون، وكان الاهتمام بقضيتنا ضعيفاً من قِبَل السلطة ومن قِبَل الفصائل نفسها أيضاً". كان الأسرى هناك يعتقدون أنّ السلطة ستقوم من خلال المزيد من الجهود "بتبييض السجون" كما قال البكري، لكن ما حدث فيما بعد أنّ وضع الأسرى ازداد تفاقماً دون أنْ يسترعي ذلك اهتمام أحد.

وبعد مضيّ ثلاثة أعوام على نقله إلى عسقلان، حُمِل البكري إلى بئر السبع... "من عسقلان إلى بئر السبع ثم نيتسان والمعبار وهداريم والنقب ومجدو ثم أخيراً إلى العزل في أيلون"، هكذا روى البكري رحلة تنقلاته المستمرة، "لم يريدوا أنْ نشعر بعنصر الاستقرار، لذلك كانت التنقّلات مفاجأة وسريعة ودون مبرر"، وخلاله مروره بكلّ هذه "المسالخ والمقابر كما دأب الأسرى على تسميتها"، كان البكريّ شاهداً حيّاً على مآسي يعيشها الأسرى بعيداً عن الإعلام، وعن دعمٍ حقيقي "على الأقل لتحسين ظروفهم المعيشية وليس لإطلاق سراحهم".



مرضى.. ومقموعون.. في "عسقلان":


في "عسقلان" كما في معظم السجون "كنت أعيش مع شبانٍ يعانون من الأمراض المزمنة وبحاجة ماسّة للعلاج، ولا تقدّم لهم سوى (الحبة السحرية)، حبة الأكامول المسكّن" يقول البكري، ويضيف: "كنّا نظنّ أنّها بالفعل سحرية حتى وصلنا لقناعة أنها تشفي من كلّ الأمراض".

العشرات ممّن أصيبوا بأمراضٍ داخل السجون أو ممن تفاقمت أوضاعهم الصحية بعد الاعتقال، لم يجدوا استجابة، لا من إدارة السجون ولا من قِبَل المؤسسات الحقوقية التي لا تملك سوى المناشدات والات. "كنت قد أصِبْت عام 93 برصاصةٍ في قدمي أثناء مواجهاتٍ مع جنود الاحتلال في رام الله، وفي السجن كانت آلام الإصابة غير الشافية تعاودني من حينٍ لآخر، ولم أجد أيضاً سوى المسكن.. كنّا نقول الله هو الشافي يغنينا عن دوائهم بإذنه".



في "هداريم"...


"وأذكر أنّنا كنّا في هداريم عام 2002، شنّت إدارة السجن حملةً ضدّ الأسرى بعد أنْ رفض الأسرى قرار مديرة السجن بإضافة برش ثالث لكلّ زنزانة يقبع فيها أسيرن، حيث إنّ هذه الزنازين لا تتسع لأكثر من شخصين، كان ما يسمّى اليوم بوزير الأمن الداخلي جدعون عيزرا قد قام بزيارة للسجن، وبناءً على ذلك أوصى بنفسه بإضافة البرش الثالث.. (إنهم قتلة ومجرمون ويستحقون الموت) قال بالحرف الواحد يومها"..

وعلى إثر الأسرى استقدمت إدارة "هداريم" فرقاً من جنود وحدة " نحشون" المعروفة بشراستها، وبدأوا بحملةٍ من الضرب ورش الغاز، "لا زلت أذكر كيف هجموا علينا بوحشية، وفرضوا ما أسموه بالقرار الوزاري علينا إجبارياً".



في صحراء النقب
أمّا في النقب، فحدِّث ولا حرج، "هناك ستعيش مع المرضى بشكلٍ جماعي، الكلّ يعاني من مشاكل صحية، وظروف السجن بائسة جداً، في الصيف الحرارة لا تطاق، وفي الشتاء موعدٌ من بردٍ لا يحتمل، عدا عن عدم توفر الخدمات نهائياً".. وتذكّر البكري "كاسة الشاي" وضحك: "من أجل أنْ نُعِدّ كوباً من الشاي في النقب نحتاج لأكثر من ساعة من النفخ وتجميع الحطب، وإشعال النار الخفيفة التي لا تلفت نظر الجنود.. ما بالكم إذا أردنا الطبخ؟؟.. الأمر يحتاج إلى يومٍ بطوله!".



في عزل "أيلون"..في عامه الأخير في الأسر لم يكنْ عبد الله البكري ممّن يحتسبونه عاماً بعد آخر، "لم أعِ أنني عشت ثمانية أعوام في السجن، لأنّ حياة الأسير في سجون الاحتلال كلّها عمل ودأب ونشاط وتعلم، وقد استثمرت وقتي في القراءة والتعلم وأتقنت اللغة العبرية، وحفظت ما تيسر من القرآن الكريم"، وفي آذار من العام 2005 نقل البكري مع خمسين أسيراً من سجن "مجدو" إلى العزل في سجن "أيلون" بالرملة.. يقول: "أخبرتنا الإدارة في مجدو أننا سننقل إلى النقب تمهيداً للإفراج عنا، لذلك قمنا بتوزيع أغراضنا وملابسنا على الأسرى المحتاجين، وصعدنا للحافلات دون أمتعة"، ولكن بعد ساعاتٍ اكتشف الشباب أنّهم منقولون إلى العزل في "أيلون"، وبالذات في قسم 8 وهو السجن الذي أصدرت ما تسمى "بالمحكمة العليا الصهيونية" قراراً بهدمه لعدم صلاحيته للعيش الآدمي ولأنه يشكّل خطورة على المحتجزين فيه.

هناك، تفاجأ البكري ومن كان معهم، أنّ لا شيء بحوزتهم، سوى صراخ الجنود وتهديدات الإدارة بقمعهم، "وعندما اجتمعنا مع ضابط السجن أخبرنا أنهم سيمكثون هنا لشهرٍ واحدٍ فقط ومن ثم سيُفرَج عنهم"، بعد شهرٍ أطلقت مصلحة السجون سراح ستة أسرى انتهت محكوميتهم فعلياً من بين خمسين أسيراً، وتركت الباقي تحت أسقفٍ آلية للسقوط، "كانوا يضعون الدعمات الحديدية تحت السقف حتى لا يقع علينا" يقول البكري، ويضيف: "لم تتوفّر لدينا أيّ وسيلةٍ للطبخ، لذلك كنا نضطر للأكل مما يقوم السجناء الجنائيين بإعداده من طعام، على الرغم من سوئه وعدم صلاحيته، إلا أننا كنا مجبرين، إذْ لا يوجد حتى كانتينا كي نشتري منها طعامنا"..

أمّا المياه، "لقد رأيت بأم عيني الحشرات والديدان تتراقص فيها"، ولم يكنْ لدينا من خيارٍ سوى غليها قبل شربها.. هذه صورة مصغرة" يقول البكري، "وما خفي كان أعظم"..



محنة وابتلاء..

رغم ثباته وصفاء ذهنه طيلة أعوام الأسر، يقول البكري: "إنها محنة... وهي فضل من الله تعالى، فالإنسان بغير المحنة والابتلاء يظلّ فكره ناقصاً وشخصيته غير مكتملة... والابتلاء يعلمنا كيف نقوى على كلّ ما يستعصي علينا، ويقرّبنا أكثر من الله، ويجعلنا ندرك أنّنا على الطريق القويم"..

وينهي: "على الإنسان غير المبتلى أنْ يبحث في قلبه، وأنْ يسأل نفسه... فالأصل أنْ يبتلينا الله، كي يعرف مقدار إيماننا وثباتنا.. أسأل الله أنّني كنت من الصامدين الثابتين على الحق ودعوته".



هيام1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس