عرض مشاركة واحدة
قديم 08-12-11, 06:22 PM   #2
 
الصورة الرمزية رماح

رماح
العضوية الفضية

رقم العضوية : 7426
تاريخ التسجيل : May 2007
عدد المشاركات : 802
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ رماح
رد: سيف الدولة الحمداني في مواجهة صليبية القرن العاشر


--------------------------------------------------------------------------------




1-الميدان الأول : توحيد الجبهة الداخلية :
رأى سيف الدولة ان الدعامة الاساسية لاستقرار الحكم هي في : تأييد القاعدة الشعبية لاهدافه ( أي الحكم ) وتوحيد الجبهة الداخلية وتجنيد
كل الطاقات المادية والمعنوية لمواجهة الخطر الصليبي الداهم . فماذا عمل سيف الدولة من أجل تحقيق ذلك؟ بالرغم من كونه شيعي المذهب والانتماء ومع ان هذا الاتجاه قد انتشر في أوساط الناس بشكل واسع... فقد كرس سيف الدولة جهودا كبيرة من اجل توحيد الموقف الاسلامي العام فأشاع الحرية الدينية وعامل الجميع بالتساوي فلا فرق بين سني وشيعي لا في الحقوق ولا بالواجبات ... وبفعل هذه السياسة المرنة لم تشهد حلب في ايامه أية منازعات مذهبية كتلك التي كانت تجري آنذاك في شوارع بغداد وغيرها . ولقد تمثل تسامحه الديني هذا بأن عيّن الفقيه الحنفي أحمد بن اسحق ( الملقب بأبي الجود ) قاضيا على حلب .
ولم يقتصر اهتمام سيف الدولة على توحيد الموقف الاسلامي فقط بل انسحب ليشمل أتباع الديانات الاخرى من يهود ونصارى من أجل ان يكسب ولاءهم ويحول دون تعاونهم مع العدو البيزنطي المجاور .. فعاشوا في ظلال حكمه حياة آمنة مستقرة فأقاموا في مزارعهم ومنازلهم الريفية وتمسكوا بتقاليدهم الثقافية وحافظوا على لغاتهم الاصلية الآرامية والسريانية .

2-الميدان الثاني : مواجهة الخطر البيزنطي :
وحين اطمأن سيف الدولة الى قوة وصلابة الموقف الداخلي أخذ :
- من جهة يذكي روح الجهاد المقدس في نفوس المسلمين لهدف مواجهة الغزو الصليبي المتكرر على الحرمات والمقدسات الاسلامية .
- ومن جهة اخرى يعد العدة المادية والبشرية وينظم الحملات العسكرية إلى بلاد العدو البيزنطي المتربص على الثغور الحدودية .
ولكن مواجهة الروم لم تكن رحلة سهلة وممهدة في ذلك الوقت بالذات لأن الدولة البيزنطية كانت قد بلغت أوج قوتها على يد أباطرة قديرين كانت اهدافهم تتمثل بتعزيز مكانة امبراطوريتهم وتوسيع نفوذها على حساب الأراضي الاسلامية المترامية لينطلقوا بعد ذلك إلى انتزاع القدس الشريف من أيدي المسلمين وبذلك يؤكدون زعامتهم على الشرق والغرب معا . ولعل ما أغراهم وشجعهم هو الحالة السياسية المتردية التي ادت الى ضعف وتفكك الدولة الاسلامية , وانشغال الحكام بالنزاعات الجانبية التافهة .
قوة الاباطرة وعدم التكافؤ في ميزان القوى البشرية والمادية لم تثن عزيمة سيف الدولة عن مواجهة الخطر الكبير فكانت له جولات ومواقف شجاعة سجلها له التاريخ بأحرف من نور . ومع ان النصر لم يحالفه في كثير من معاركه نظرا لحشود الروم العظيمة فانه كان رائعا في تصديه ومقاومته .. وهنا يجدر بنا ان نذكر بعض هذه المواقف الجهادية البارزة:

الحملات العسكرية
سجل التاريخ حوالي اربعين غارة لسيف الدولة على بلاد الروم بدأت :
- سنة 337هـ حيث سار بنفسه لملاقاة الروم واشتبك معهم في معركة حامية لم يحالفه فيها النصر فتراجع ولحق به الروم واستولوا أثناءها على حصن " مرعش " .
- وفي سنة 338هـ أراد سيف الدولة أن يثأر لهزيمته , فجّرد حملة عسكرية دخل بها بلاد الروم وانتصر عليهم في مواقع مختلفة وغنم غنائم كبيرة .. ولكنه لم يحسب حسابا للعودة حيث سد عليه الروم الممرات وفاجأوه بكمائن حولت انتصاراته الى هزائم أوقعت بجنوده خسائر فادحة نجا خلالها سيف الدولة بعدد يسير من جيشه .
- وفي سنة343هـ كانت اضخم معركة انتصر فيها سيف الدولة فغزا "ثغر الحدث " واصطدم هناك بجيش الروم الذي كان يقوده "نقفور فوقاس" الذي كان من امهر وأقسى القواد البيزنطيين ودارت معركة تاريخية دامية استطاع بها المسلمون قتل "قسطنطين بن الدمستق" واسر صهره وابن بنته وكثير من بطارقته .
وقد سجل الشاعر المتنبي بطولات هذه المعركة في قصيدته :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
أفي كل يوم ذا الدمستق مقدم
قفاه على الاقدام للوجه لاثم
وقد فجعته بابنه وابن صهره
وبالصهر حملات الأمير الغواشم
ولست مليكا هازما لنظيره
ولكنك التوحيد للشرك هازم
ولعل انتصار سيف الدولة في هذه المعركة دفع القائد " نقفور فوقاس" إلى اعتماد استراتيجية عسكرية جديدة قضت بـ:
- وضع حاميات كبيرة في مراكز الحدود تحت قيادة ضباط كبار.
- تجديد وسائل الاتصال السريعة بين مراكز الحدود والقصر الامبراطوري في القسطنطينية عن طريق الاشارات النارية والمرايا العاكسة .
- حشد قوات عسكرية هائلة ومزودة باسلحة حربية متطورة .
هذا النظام العسكري الجديد أخل كثيرا بتوازن القوى وأوقع بجيش سيف الدولة هزائم متتالية كان ابرزها :
- في سنة 351هـ حيث أراد " نقفور فوقاس " ومساعده " حناتزيمسكس" أن يحسما الموقف مع سيف الدولة فدخلا حلب على حين غرة واشتبكا مع قوات المسلمين في مواضع متفرقة .. رأى خلالها سيف الدولة أن المقاومة تعني الانتحار فترك المدينة واقتحمت قوات الروم حلب وأعملت السيف في رقاب المسلمين وهدمت المساجد ونهبت خزائن الدولة وبيوت الناس وظلت تعيث فسادا مدة تسعة أيام اضطرت بعدها الى الانسحاب بعد ان تعرضت الى عمليات فدائية خاطفة .
- وعاد سيف الدولة إلى حلب ليعيد بناء ما عبثت به همجية الصليبيين وليواجه بعض الانتفاضات ضده نتيجة هزائمه المتتالية التي أثارت الناس ونتيجة سوء الحالة الاقتصادية التي افرزتها تكاليف الحروب الباهظة .
وحاول سيف الدولة ان يستعيد كرامة المسلمين من خلال غارات على بلاد الروم ولكن المرض فاجأه فأصيب بالشلل حتى وافته المنية سنة 356هـ.
والجدير بالذكر أن سيف الدولة كان يجمع الغبار الذي يلحق به في كل غارة يشنها على الروم حتى تجمع لديه كمية أوصى بأن توضع في كيس يدفن معه في قبره ليكون ذلك شاهدا على جهاده المتواصل ضد عدو الاسلام والمسلمين.

صليبية القادة البيزنطيين
ولا يكتمل الحديث عن جهاد سيف الدولة ضد الروم من دون التوقف عند الأهداف الخفية التي كانت تحرك القادة البيزنطيين أثناء عدوانهم المتواصل على الأراضي الاسلامية في ذلك الوقت .
فمن خلال بعض الاحداث , نلاحظ أن الفكرة الرئيسة التي كانوا يحلمون بتحقيقها هي احتلال بيت المقدس وأن أول من تبناها وعمل من أجلها هو " نقفور فوقاس " – العدو اللدود لسيف الدولة – ونشير إلى بعض ممارساته التي تؤكد هذه الحقيقة :
- انه كان يمهد لفكرته الصليبية في القسطنطينية نفسها حين كان يظهر في أعياد الفصح مرتديا ملابس دينية منتعلا نعلا تشبها بالسيد المسيح.
- انه كان إذا خرج لحرب سيف الدولة جعل البطاركة والقساوسة في مقدمة جيشه وحمل الجنود الصلبان الكبيرة ليعطي الحرب صبغة دينية مقدسة .
- إنه أفصح عن اهدافه الصليبية حين استولى على " طرطوس " فهدم المسجد وأرغم المسلمين على اعتناق النصرانية ثم صعد المنبر وقال لمن حوله : أين أنا؟..
قالوا: على منبر طرطوس .
قال : لا ولكن على منبر بيت المقدس, وهذه كانت تمنعكم من ذلك .
- إنه كشف نواياه أكثر حين رجع من حلب . حيث خاطب أهل القرى الاسلامية قائلا : ازرعوا فهذا بلدنا وبعد قليل نعود اليكم .
يظهر من كل ما سبق أن فكرة الحروب الصليبية كانت الرائد الجوهري " نقفور فوقاس " وهذه الفكرة فطن لها المسلمون آنذاك في بعض اقطار العالم الاسلامي.
فاندفعوا يرسلون الامدادات إلى سيف الدولة من أجل مواجهة الغزو الصليبي الجديد ومن أبرزها كانت النجدات التي قدمت من خراسان وشرق الدولة الاسلامية . وهكذا يمكن أن يقال : إن حروب البيزنطيين لسيف الدولة كانت حروبا صليبية صريحة مبكرة , وان جهاد سيف الدولة كان لمواجهة صليبية القرن العاشر الميلادي


رماح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس