عرض مشاركة واحدة
قديم 21-01-09, 02:29 AM   #12
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: السيدة خديجة بنت خويلد



بيت خديجة (رض)

وخديجة المرأة الثريّة ، وسيِّدة المجتمع ، كان لها بيتها المرموق في مكّة ، فهي أثرى تجّار قريش ، بل قُدِّرت تجارتها التي كانت تُسيِّرها إلى خارج مكّة في بعض السنين بما يُعادل تجارة قريش كلّها . وخديجة التي أراد الله لها شرف الاقتران بمحـمد (ص) ومنحه حبّها وإخلاصها ومالها . ومحمّد (ص) الذي عاشَ فقيراً في بيت عمِّه أبي طالب ، وها هو في الخامسة والعشرين من عمره المـبارك ، لا يملك ثروة ولا داراً . وقد تمّت الخطوبة ، وتمّ عقد الزواج في محضر من وجوه قريش ، وسادة بني هاشم . والمألوف في تقاليد الزواج أن تنتقل الزوجة إلى بيت زوجها ، غير أنّ خديجة دعتهُ إلى الإقامة معها في بيتها .. ذلك البيت الخالد الذي أصبح معلماً ومسجداً .. وجزءاً من تاريخ الاُمّة وتراثها النيِّر المجيد .
عاش محمد (ص) في أجواء هذا البيت سعيداً بخديجة ، وعاشت خديجة سـعيدة بزوجها العظيم محمد (ص) . لقد كان هذا البيـت واحة الأمل في صحراء التأريخ، وبعث النور في ظلال مكّة، وسارت الأيام وانقضت السنون وسجّل التأريخ خمسة عشر عاماً من عمر هذا البيت الفريد على سطح هذا الكوكب ، وهو يشرق بالأمل،ويترقّب إشراقة الوحي حتّى خوطِبَ محمد(ص)بالرسالة،وانطلقت الدعوة من هذا البيت،فحامت حوله أحداث ومعاناة آلام،حتّى عانى رسول الله(ص)وخديجة(رض)الكثير من أذى الجيران والرحم،فكان عمّه أبو لهب جاراً له،وكان يرصده ويرميه بالحجارة هو وعدي بن أبي الحمراء الثقفي وهو في داره تلك.فيخرج عليهم،ويُناديهم محتجّاً ومثيراً فيهم ما تبقّى من مشاعر وجدانية وأخلاقية اجتماعية يحترمها المجتمع،ويعترف بها الجميع،يناديهم بقوله:(أيّ جوار هذا يا بني عبد المطّلب).فتلك المعاملة السيِّئة،لم تألفها العرب بتقاليدها المعروفة بحماية الجوار واحترام الجار.
تحدّث ابن الأثير عن منزل خديجة (رض) الخالد ، فقال : (وكان منزل خديجة يومئذ المنزل الذي يُعرَف بها اليوم ، فيُقال : إنّ معاوية اشتراه ، وجعلهُ مسجداً يُصلّى فيه) (26) .
وقال الطبري متحدِّثاً عن هذا المنزل العتيد والمعالم القائمة فيه : ( وكان منزل خديجة يومئذ المنزل الذي يُعرف بها اليـوم ، فيُقال منزل خديجة ، فاشتراه معاوية فيما ذكر ، فجعله مسجداً يصلِّي فيه الناس ، وبناهُ على الذي هو عليه اليوم ، لم يُغيّر ، وأمّا الحجر الذي على باب البيت عن يسار مَن يدخل البيت ، فانّ رسول الله (ص) كان يجلس تحته ، ويستتر به من الرّمي إذا جاءه من دار أبي لهب ، ودار عدي بن أبي حمراء الثقـفي ، خلف دار ابن علقمة . والحجر ذراع وشبر في ذراع) (27) .
وجاء في موسوعة العتبات المقدّسة : (فمن مشاهدها ((28)) التي عاينّاها فيه الوحي ، وهي في دار خديجة أمّ المؤمنين (رض) ، وبها كان ابتناء النبيّ (ص) بها ، وقبّة صغيرة أيضاً في الدار المذكورة ، فيها كان مولد فاطمة الزهراء (ع) ، وفيها أيضاً ولدت سيِّدي شباب أهل الجنّة : الحسن والحسين((29)) .
وهذه المواضع المقدّسة المذكورة مُغلقة ، مصونة ، قد بُنيَت بناء يليق بمثلها ) (30) .
وتحدّث أبو الوليد الأزرقي في كتابه (أخبار مكّة) عن بيت خديجة (رض)، فقال : ( ... ومنزل خديجة ابنة خويلد زوج النبيّ (ص) وهو البيت الذي كان يسكنهُ رسول الله (ص) وخديجة ، وفيه ابتنى خديجة ، وولدت فيه خديجة أولادها جميعاً (31) ، وفيه توفِّيت خديجة ، فلم يزل النبيّ (ص) ساكناً فيه حتّى خرج إلى المدينة مهاجراً ، فأخذهُ عقيل بن أبي طالب ، ثمّ اشتراه منه معاوية، وهو خليفة، فجعلهُ مسجداً يُصلّى فيه، وبناهُ بناءه هذا وحدّد(32)الحدود التي كانت لبيت خديجـة لم تُغـيّر ، فيما ذكر عن مَن يوثـق به من المكِّـيين(33) ، وفتح معاوية فيه باباً من دار أبي سفيان بن حرب هو قائم إلى اليوم ، وهي الدار التي قال رسول الله (ص) يوم الفتح : مَن دخلَ دار أبي سفيان فهو آمِن (34) .
وهي الدار التي يُقال لها اليوم دار ريطة بنت أبي العباس أمير المؤمنين ، وفي بيت خديجة هذا صفيحة من حجارة مبنيّ عليها في الجدر ، جدر البيت الذي كان يسـكنه النبيّ (ص) ، قد اتّخذ قدام الصفيحة مسجداً ، وهذه الصفيحة مسـتقبلة في الجدر من الأرض ، قدر ما يجلس تحتها الرجل ، وذرعها ذراع في ذراع في ذراع وشبر .
قال أبو الوليد : سألتُ جدِّي أحمد بن محمد ويوسف بن محمد بن ابراهيم وغيرهما من أهل العلم من أهل مكّة عن هذه الصفيحة ، ولِمَ جعلت هنالك ؟ وقلت لهم أو لبعضهم : انِّي أسمع الناس يقولون : انّ رسول الله (ص) كان يجلس تحت تلك الصفيحة فيستدرئ بها من الرمي بالحجارة إذا جاءتهُ من دار أبي لهب ، ودار عدي ابن أبي الحمراء الثقفي(35) ، فأنكروا ذلك وقالوا : لم نسمع بهذا من ثبت ، ولقد سمعنا مَن يذكرها من أهل العلم ، فأصحّ ما انتهى إليها من خبر ذلك أنّ أهل مكّة كانوا يتخذون في بيوتهم صفائح من حجارة تكون شبه الرفاف يوضع عليها المتاع ، والشيء من الصبني(36) والداجن يكون في البيت ، فَقَلَّ بيتٌ يخلو من تلك الرفاف(37) ، قال جدِّي : وأنا أدركتُ بعض بيوت المكِّيين القديمة ، فيها رفاف من حجارة ، يكون عليها بعض متاع البيت ، قال : فيقولون : إنّ تلك الصفيحة التي في بيت خديجة من ذلك) (38) .
وهكذا تبقى هذه الدار الخالدة معلماً يحكي قصّة البيت النبوي الأوّل ، وسجلاًّ تأريخياً خالداً يحتفظ بأروع ما في تاريخ الاسلام على صغره . فهو يحتفظ بمعالم الأذى والاضطهاد ، الذي لاقاه رسول الله ، ليكون عبرةً للدّعاة وحملة الأصلاح على مرّ العصور ، كما يحتفظ بمعالم الوحي ، ومهبط جبرئيل الذي يمنح هذا البيت قدسيّة خاصّة ، وتأ لّقاً فريداً .
وممّا حوى هذا السجلّ التأريخي الخالد، الموضع الذي ولدت فيه فاطمة ، أمّ الأئمة الهُـداة من آل الرسول (ص) ، موضع ولادتها المباركة تدلّ عليه قبّة ، إلى جنب القـبّة التي تدلّ على موضع نزول الوحي على رسول الله (ص) ، ففي بيت خديجـة كان يهبط جبرئيل ، ويأتي بالوحي والرسالة ، وخديجة تشهد مُلتقى عالم الغيب والشهادة ..
إنّها بقعة مقدّسة مباركة ، إقترن فيها محمد (ص) بخديجة ، وهبط فيها جبرئيل (ع) ، خاطب فيها محمداً (ص) ، وولدت فيها بضعة الرسول (ص) فاطمة (ع) . فكم في هذه الدار من تأريخ وخير وذكريات .. لقد كان مرفأ النور ، ومنطلق الدعوة ، ومأوى الحبّ ، وموضع السّكن والرّاحة لرسول الله (ص) ، وبيت الأبنـاء ، ومجمع الاُسرة المسلمة الاُولى على وجه الأرض ، محمّد (ص) وخديجة (رض) ، وعليّ وفاطمة (ع) .


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس