عرض مشاركة واحدة
قديم 21-01-09, 02:34 AM   #15
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: السيدة خديجة بنت خويلد



خديجة (رض) في شِعب الحصار

انطلق محمد (ص) يصدع بدعوته ، ويدعو إلى رسالته ، وخديجة تشدّ من أزره وتقف خلفه ، وتمدّه بمالها وإسنادها الاُسري الفريد .. لقد انطلق محمد (ص) متحدِّياً طواغيت قريش ، وكبرياء الوثنية ، وغرور السلطة والمال .. يدعـو إلى الايمان بالله وتحرير الانسـان من الظلم والطاغوت ، فاستجابت له القلوب المتفتحة ، والعقول الباحثة عن الحقيقة ، والانسان المضطهد الذي ينشد الحرية والعيش في ظل قيم الحق والعدل والكرامة .. لقد أحدثت الدعوة إلى الاسلام هزّة عنيفة في المجتمع المكِّي ، بل أحدثت زلزالاً في بناء المجتمع الجاهلي هذا ، فقد أسقطت عقائده الخرافية ، وقيمه البالية ، وأعرافه ونظمه التالفة ، وها هم الناس يقبلون على هذه الدعوة ، ويتزايد عدد المؤمنـين بها ، فاستخدمت قريش كل الوسائل التي كانت تفكِّر بها لإعاقة مسيرة الدعوة ، وإيقاف مشروع التغيير والاصلاح الفكري والاجتماعي العظيم الذي حمله القرآن إلى البشرية كافّة ..
لقد استعملت وسائل الاشاعة والدعاية المضادّة ، وتشويه شخصية الرسول (ص) ودعوته ، فلم تُفلِح ، واستخدمت وسائل التعذيب والقتل ، فلم توقِف زحف الدعوة .. وخطّطوا لقتل النبيّ محمد (ص) ، فبلغ خبر المؤامرة عمّه أبا طالب (رض) ، فانتفض أبو طالب ضدّ المؤامرة ، وأعلن موقفه الصارم إلى جنب محمد (ص) ، واستعداده غير المحدود للدفاع عنه ، فتراجعت قريش ، لتتخذ قراراً آخر ضدّ محـمد (ص) وأعمامه بني هاشم ، وفي مقدّمتهم أبو طالب .. لقد اتُّخِذَ قرار الحصار لتطويق الدعوة ، والحدِّ من حركة النبيّ محمد (ص) ، فتعاهدوا على ذلك ، ودوّنوا قرار الحصار والعهد في صحيفة ، وعلّقوها في جوف الكعبة .. وبدأ الحصار في شهر محرّم الحرام في سنة سبع من البعثة النبوية .
وتحدّث المؤرِّخ الاسلامي الشهير اليعقـوبي عن حادثة الحصـار ، وما أصاب محمداً (ص) وخديجة ، وأبا طالب ، ومعهم بنو هاشم ، وبنو المطّلب ، تحدّث عنها بقوله : (فلمّا علمت قريش أ نّهم لا يقدرون على قتل رسول الله (ص) ، وأنّ أبا طالب لا يُسلمه ، وسمعت بهذا من قول أبي طالب ، كتبت الصحيفة القاطعة الظالمة ، ألاّ يُبايعوا أحداً من بني هاشم ، ولا يُناكحوهم ، ولا يُعاملوهم حتى يدفعوا إليهم محمداً ، فيقتلوه . وتعاقدوا على ذلك ، وتعاهدوا ، وختموا على الصحيفة بثمانين خاتماً ، وكان الذي كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار ، فشُلّت يده . ثمّ حصرت قريش رسول الله وأهل بيته من بني هاشم ، وبني المطّلب بن عبد مناف في الشِّـعب ، الذي يُقال له شِـعب بني هاشم ، بعد ست سـنين من مبعثه . فأقام ومعه جميع بني هاشم وبني المطّلب في الشِّعب ، ثلاث سنين ، حتى أنفق رسول الله ماله ، وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها ، وصاروا إلى حدِّ الضرّ والفاقة . ثمّ نزل جبرئيل على رسول الله ، فقال : انّ الله بعث الأرضة على صحيفة قريش، فأكلت كل ما فيها من قطيعة وظلم إلاّ المواضع التي فيها ذكر الله . فخبر رسول الله أبا طالب بذلك ...) (59) .
وهكذا دخلت خديجة الشِّعب مع زوجها النبيّ ، لتعيش محنة الحصار وتشاطر المؤمنين قساوة العيش ، والضغوط النفسية ، والمقاطعة الاقتصادية والاجتماعية، فتنفق كل ما لديها من مال وثروة كبيرة قدّر المؤرِّخون تجارتها في بعض الأعوام بأنّها تعادل تجارة قريش كلّها .
أنفقت خديجة كل ذلك المال حتى أصبحت تعيش تحت وطأة الجوع والضرّ والفاقة ، كما يقول اليعقوبي في نصِّه الآنف الذِّكر . بل وذكرت بعض المصادر التاريخية أنّ المسـلمين المحصورين في الشِّـعب قد أكلوا الخبط وأوراق الشجر، وكانت خديجة المرأة الثريّة المرفّهة ، تُشاطرهم هذا العيش ، وتعيش ذلك الجوع .
ويشعر ذوو خديجة بمحنتها وآلامها ، فيتعاطفون معها وينقلون لها الطعام سرّاً ، وتحت جنح الظلام .. فيتصدّى عُتاة قريش لهذه المساعدات ، ويحاولون منعها ..
وصف ابن الأثـير الحصار الآثم بقوله : (فأقاموا على ذلك سنتين ، أو ثلاثاً ، حتى جهـدوا ألاّ يصل إلى أحد منهم شيء إلاّ سـرّاً ، وذكروا أنّ أبا جهل لقي حكيم بن حزام بن خويلد ، ومعهُ قمح يريد به عمّته خديجة ، وهي عند رسول الله (ص) في الشِّعب ، فتعلّق به ، وقال : والله لا تبرح حتى أفضحك ، فجاء أبو البختري بن هشام ، فقال : ما لكَ وله عنده طعام لعمّته ، أفتمنعه أن يحمله إليها ؟ خلِّ سبيله ، فأبى أبو جهل ، فنال منه ، فضربه أبو البختري بلحى جمل ، فشجّه ووطئه وطأً شديداً ، وحمزة ينظر إليهم ، وهم يكرهون أن يبلغ النبيّ (ص) ذلك ، فيشمت بهم هو والمسلمون .
ورسول الله (ص)يدعو الناس سرّاً وجهراً،والوحي متتابع إليه.فبقوا كذلك ثلاث سنين)(60).
وهكذا تعيش خديجة ثلاث سنوات في شِعب الحصار إلى جنب رسول الله (ص) ، تواسيه بمالها ونفسها ، زوجة وفيّة مُخلصة .. لقد أحبّت رسول الله (ص) صادقة وفيّة ، وآمنت به ، وبذلت مالها في سبيل الدعوة من قبل ..
لقد كان أنصار الدعوة ثلاثة : أبا طالب الذي وفّر الحماية الاجتماعية للدعوة ، وخديجة التي وفّرت المال لنصرة محمد (ص) ، ثمّ سبق عليّ الذي خاض الحروب كلّها .. فانتصر الاسلام بسبق عليّ ومال خديجة وحماية أبي طالب .. واُولئك أنصار النبيّ محمد (ص) في المحنة ، وعونه في ساعات العسرة الرهيبة .
إنّ جهاد خديجة ووفاءها وتحمّلها ، لهو درس للمرأة التي تعي قيمتها ودورها في الحياة ، لقد عاشـت خديجة من أجل المبادئ ، وماتت من أجلها .. فكانت مثال المرأة المسـلمة ، وقدوتها في الحياة .. وموقع خديجة في الدعوة وتاريخ الاسلام وحياة النبيّ محمد (ص) توضِّح لنا بجلاء قيمة المرأة في الاسلام ، ودورها في بناء المجتمع ، ومشاركتها الرجل في تحمّل المسؤوليات الكُبرى في الحياة .


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس