عرض مشاركة واحدة
قديم 27-05-03, 01:53 AM   #15
 
الصورة الرمزية النسر المحلّق

النسر المحلّق
نسـر الشـرق

رقم العضوية : 176
تاريخ التسجيل : Jul 2002
عدد المشاركات : 456
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ النسر المحلّق

كوكب الجبابرة (المقطع الأخير)


ما تبقّى من كلامٍ بعد جولة الأفق هذه، هو عن اللغة ومقوّماتها في شعر كريستوفر وأدب دوميط، كالتشبيه واستعمال التناقضات، وقوّة المبنى والتعبير والمفردات والوصف والإنشاء وغيرها. ما تبقى من كلامٍ إذًا نتركه لمراحل قادمة وظروفٍ أخرى وأناسٍ يفقهون اللغة وقادرون على تبيان ما خفي عن أعيننا في هذا المجال. لقد لجأت إلى بعض الكتب واستعنت بها محاولاً الولوج إلى كلّ هذه المكوّنات، ولكنني وجدت نفسي أبحر وسط محيط لغوي لا شكّ أنّه يتطلّب وقتا أطول وحظًّا أوفر في معالجة هذه الناحية المهمّة من أدب المعوّقين. سوف أكتفي بسرد إنشائي عند دوميط يبيّن مدى قدرته على الغوص في معجم اللغة والنهل من مفرداتها واستعمال التشبيه لا سيّما في خاطرته: "وردة في العيد" يقول: "ها هو ساعي الحياة يمتطي الزمن، حاملا على كاهله جعبة بأيّامٍ وسنين وقد امتلأت بالرسائل، وكلّ رسالة تحمل عيدا في داخلها.
ها إني أسمع خطواته على صدر الأبديّة وقد ارتجّت لها الجبال، ورددت أصداءها الأودية..
وكان لي نصيب مع ساعي الحياة، رسالة معطّرة بأنفاس الربيع، وضععا تحت وسادتي وأيقظني ثمّ رحل..."
أمّا قصرجي فيقول: نزف وتر قلبي... بتر ضلوعي غيابها... نظرةٌ لعوبٌ جلبتْ سهوتي... مزّق الهوى صبر الليالي... همت كمتسوّلٍ أسألك الرضى... زرعتِ لذّةً رَوَتْ عطشي..." مفردات تدلّ كلّها على قوّة الوصف والتشبيه لديه، رغم سهولة الجملة وإيجازها.
وتبقى الثقافة!
تبقى الثقافة الزورق الأوّل والأخير الذي يبحر فيه المعوّق ساعة يريد أن يُنَمّي ملكته الإبداعية. إنّ مخزون المعوّق من الثقافة مهم، مهم لمحيطه كي يتمكن من تحمّل المشقّات، مهمّ لهذا المجتمع لكي يتقبّل ويتفهّم بأنّ الإعاقة هي إعاقة جسد وليست إعاقة الروح. إنّه مخزونٌ مهمّ نظرًا لما سيقضوته من أوقات عصيبة تطول لسنوات، كي يتمكّنوا من تفهّم ما يحصل لهم ويدور من حولهم، لا سيّم في الفترة الأولى والتي قد تمتد أسبع أشهر وأحيانا سنين بأكملها قبل أن يتقبّل المعوّق وضعه نهائيا ويعقد صلحًا مع ذاته. إنّه مهمّ بالدرجة الأولى لكي ينطلقوا بأدبهم بثقة غـارفـين من معين إنسانهم المبدع كلّ ما أمكن وما تمكّنهم منه هذه المعلومات التي حصروها في الذهن لوقت طويل.
أعتقد أنّ ما قيل، وما قمنا به، بالنسبة لموضوع: "الإعاقة والأدب"، وإن كان غيضٌ من فيض، يعطينا فكرةً واضحة ومتكاملة عن إبداع المعوّق الأدبي، وقدرته الذهنيّة على تعدي حدود واقعه، ليرينا عالمنا الذي نعيش فيه أفضل ممّا يمكن أن نراه أو نلمسه أو نحسّ به! لقد أصبح لديّ قناعة أن هناك الكثير من المعوّقين لديهم قدرة هائلة في مجالات شتى تُصنّف معظمها في خانة الكتابة الإبداعية ولكن وللأسف لا أحد يعلم بهم أو يهتم لحالهم. وكلّما غصنا في البحث كلّما اكتشفنا أشياء تذهلنا. لذا فأنا واثق أن موضوع الندوة هذا وإن ينقصه الكثير فهو قد وفّى حقه، والرهان الذي غامرنا به ووضعناه نصب أعيننا بدأ يتجلّى في الأفق، ولكن لا بدّ من أن نضاعف الجهود ونعرّف مجتمعاتنا بطريقة أفضل عن هؤلاء القابعين في أسرّتهم يصارعون الموت والحياة ويكتُبُون من عمق معاناتهم أروع الكلمات.
دعونا ننهي هنا بما كتبه دوميط منعم لما فيه من مغزىً كبير وأملاً وقوّة رجاء، يقول: نعم لن تتخلّع روحي رغم مرور كلّ هذه السنوات على تخلّع الجسد، ورغم حالات السقوط المتكرّرة والضعف الذي كان وسيبقى السبيل الوحيد للتجدّد الدائم والسلام الروحي. لأنّ الريح لا تستطيع شيئا مع الأرز، لا بل تزيد جذوره تعلّقًا في أرض وتراب الإيمان...
نصل هنا إلى نهاية مطافنا مع المعوّقين المبدعين فيما نشروه من أحاسيس تعبّر عن وضعهم الاجتماعي والنفسي والجسدي. وإنّما، ومن المؤكّد أنّ هناك أمورًا كثيرة لم يتسنّى لنا الغوص فيها وتحليلها. ولكنّه مدماكٌ نضعه على طريق من يهتمّون بروائع إنسانيّة تبقى أحيانًا مطمورة. ونلقي الصوت عاليا أمام كلّ مؤسّسةٍ حتى تساهم في نشر أدب المعوّق والتعريف به وإيصاله إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
وإن كان حلم كريستوفر الحصول على جهاز إلكتروني يُصمّم خصّيصًا له ويلبّـي حاجاته ويزيل قسما من إعاقته ويمنحه القدرة على إيصال موهبته إلى الآخرين وتدوينها بطريقة أسهل، إن كان هذا حلمه، واضح أن مَنْ مِثـله لا يزال يحلم في شرقنا هذا! ونحلم نحن معه وتحلم كلّ مؤسّساتنا، بينما حكوماتنا لا تزال تنظر إلى المعوّق كعبء عليها وجُب اختزال مصاريفه إلى الحدّ الأدنى. عندما تتغيّر النظرة الاجتماعبّة ويصبح هناك دفعًا ثقافيًا هائلاً كما يحصل في بعض الدول، حينها سينظر إلى صاحب الاحتياجات الخاصّة كأنسانٍ مقتدر نفسيا سليم العقل والإرادة. إنّها إرادة تحديد مصيره، لا الحركيّة ببهلوانيّتها والتي نقوم بها لمئات المرات في يومنا دون أن ندرك حتى أهمّيتها، وإنّما تمكّنه من بلوغ عطاءات تكمن في النفس ولا مجال لإيصالها إلى الآخرين. لقد قام كريستوفر، ومن هم مثله، بإيفاء حقّه على مجتمعه الذي أنجبه، فهل بإمكاننا نحن في هذا المجتمع الحضاري الشرقي، الخصب بكلّ الإمكانات والقدرات الطيّبة، أن نوَفّيه حقّه ونحقق حلمه وحلم الكثيرين ممن ينتظرون على قارعة الإعاقة ويتسوّلون بعضًا من حقّ ونتفًا من اهتمام!


توقيع : النسر المحلّق
ضوء فلك مسافر أنا...
إن تهتِ فضاءً أتيتك!
دمعة حلم رائعٍ أنا...
إن تخيّلتني فارسًا اختطفتك!
نظرة ودٍّ مشاكسةٍ أنا...
تنساب حنانًا وتأتيني بك!
زهرة وردٍ من بستانك أنا...
إن قطفتني احمرّت وريقاتها خجلاً
و...تناثرت تباعًا على نبض قلبك!
ومن أناملك الوجلى...
خرجت بالحلم ضوءً يحمرّ دمًا
وعلى الوجنتين يرسم الملامح
ويطوف أبراجك سعدًا ووجد...
وإلى كوكب الزهرة يرحل بك!!!

النسر المحلّق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس