عرض مشاركة واحدة
قديم 25-05-03, 11:02 PM   #14
 
الصورة الرمزية النسر المحلّق

النسر المحلّق
نسـر الشـرق

رقم العضوية : 176
تاريخ التسجيل : Jul 2002
عدد المشاركات : 456
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ النسر المحلّق

كوكب الجبابرة (7)


ويبرز في أدب المعوّق اللجوء إلى الإيمان، ليتمخض أدبه عن وجدانيات تأتي نتيجة نظرته الصوفيّة للحياة. فهو في وضعه يتحتم عليه التفكير باستمرار، ويتوصّل نتيجةً لذلك إلى تساؤلات عدّة تحتّمها إعاقته وتكون الوجدانيات ملاذ يلجأ إليه في ضياعه وبحثه عن الروح، وهي الإجابة الطبيعية عليها في خضمّ الأهواء الهوجاء والصراع النفسي الجبار الذي يعتريه وهو في عرض يمٍّ من التسؤلات يعارك أمواج الحيرة بلا طوّافة نجاة تنقذه. فيلجأ إلى الروح ويتمسّك بها ويستعين بخالقها ضمن كتابات وجدانيّة رائعة. وإذ نرى الوجدانيّات لدى دوميط واضحةً شفّافة نظرًا للاعتبارات التي تحدّثنا عنها (التسليم للموت) نراها بشكل مبطّن لدى كريستوفر نظرًا للاعتبارات المعاكساة (نظرته المراهقة الزاهية للحياة)
يقول دوميط في قصيدته "عمّدني بالألم": "عمّدني بالألم يا ربّ عمّدني... بماء الروح النقي إغسلني وجدّدني... عمّدني بدموع الندم، إلهي طهرني... بزخّات من غيث مراحمك يا ربّ أمطرني... أرسلني إلى دروب التوبة الصادقة، حرّرني"
وفي قصيدته "كلّ التساؤلات.... أمي" يقول: ما بال المرء يستفيق في بعض الأحيان فيرى نفسه متعطّشا إلى شيء ما! ما باله يتساءل وهو في خيرة من أمره قائلا: ماذا يجري لي؟ لماذا أحاسيسي؟ لماذا كياني؟ لماذا الحنين؟ ترى لماذا يحدث؟ وهل هناك أمر ما؟ فجأة وفي عزّ التساؤلات تخرس كل التساؤلات! فينتفض المرء مسابقا أحاسيسه ، باحثا بين أدراج الزمن لعلّه يجد المعنى من وراء كلّ هذا، وإذ به يعثر على وردة حمراء، على عبير آخر! " "وفي مكان آخر يقول: :ثلاث محطات لوّنت طريقي التي مشيت! ثلاث محطات يرمز إليها هذه الألوان الثلاثة: الأبيض والأخضر والأحمر. ثلاث محطّات سُمّيت: الإيمان، الرجاء والمحبّة" واضح مما سبق أنّ روحانيّة دوميط قد قطعت شوطًا بعيدا على دروب التأمّل بالذات والحياة والآخرة.
ويكتب كريستوفر في قصيدته "دربي" يقول: الدرب صعود وشكر وصلوات لله... طهارةٌ، ظواهر وجدانيّة وكفاح.... حلولٌ، هلعٌ، كوارثُ وكلامٌ سعيد... قروحٌ عصيبة زوّدتني ثراء النفس... إضطرابٌ عكّر فؤادي ورّثني الوجع... ثورةٌ وعقباتٌ ألهمت أقلامي... جلب سكوتي سؤالا وكدرًا... قلَق الحبّ وهبني الكبرياء... لجأت إلى الكتابة تعويضًا" وهنا نرى امتزاج المتناقضات الحسّية في مفرداته كقوله: هلعٌ، كوارثُ وكلامٌ سعيد... ، هكذا نرى النفس تتخبّط ما بين تناقضاتها من طرفٍ لآخر وتحملنا معها في كلّ مرّةٍ حيث تريد.
وتأتي المعاناة لتضع ثقلها وتبسط يدها على درب المعوّق الحسّي غير الملموس، وتُشعِره بمرارتها على الدوام، فتصقل نفسه وتجوهرها، ليرى الألم نعمة لا عذابا، والإعاقة ميزةً لا مصيبة. ميزةٌ يلج عبرها فاتحا أبواب الفرحة، مستلهما النعمة التي أعطيت له لكي يَغْـرُف من معينها، فيغتبط وينطق إبداع النفس الخلاّقة.
يكتب كريستوزفر في قصيدته "عذاب الهوى": فُؤادُه، على الكآبة، زهِدْ... تاه وأحبّ كوثَرهْ... هجر السعادة، وسلك جحيما...علت جوارحه وِحشةٌ... قُضِيَتْ الوعود، تعذّب الهوى.... شعلتُه انطفأتْ، وجلجلته حلِكتْ". ويبدو واضحًا هنا مدى معاناة الشاعر النفسيّة ورؤيته السوداويّة في ما يصبو إليه من حبّ
كما يستهلّ قصيدته "نفق الحبّ" بهذه الجملة التي يكدّس فيها كلّ مشاعره الوجدانيّة: نفقٌ طويلٌ ذَعَرَ عواطفي..." فيرينا مدى التأثير السلبي والتشاؤميّ في هذه الكلمات، ويصوّر لنا الحبّ كنفقٍ طويلٍ بلا نور لدرجة أنّ عواطفه باتت مذعورة بلا أمل!
ويعود فيعرّف الحبّ في قصيدته "الحبّ" بتناقضات لا يشعر بها إلاّ من عاشها من أمثاله، فيقول: "بهجةٌ وقهر... ضلالٌ ونور... الحبّ وجع!
وكذلك في قصيدته "الغانية" والتي تُبيِّن معاناةٍ واضحة: "هزم فكري توتّر قلمي... كلماتٌ هزّت ذاتي، ورهّقتني".
ويخصص للألم قصيدة بعنوان "شريد الألم" ويأتي فيها: هروبٌ طعن غدر أوجاعي... لوّع سرّه ألامي... غموضٌ طغى على أحلامي... لا بدّ من صبر جلجلتي عزّتها"... وهو يصوّر معاناته هنا لدرجة أنّه يقارنها بالجلجلة. وينهي قصيدته هذه بالأمل قائلا: سجدت حبورا شاكرا بؤسي... جثَوْتُ أهْوَس سعيد النذور..." وهو العبور من أبواب الفرح نحو النعمة.
وتَبين المعاناة عند دوميط بروعتها في قصيدته العامّية "دنية عذاب!!..." فيقول: "دنية عذاب يا زماني وليش خلقت فيها؟ كاسات علقم مرّ صرت إشربها وقفّيها... لا دموع تكفي .. لا آه تشفي... وإيّامي الحزينة، ما عدت أعرف كيف كفيها!"
وفي كتابه الثاني "خبز للآخرين" نجد خاطرة بعنوان: "بين آخ وآه!"، هذه كلماتها: "يصرخ الجسد آخٍ، وتصرخ الروح آهٍ، وأنتِ يا نفس إختاري! أنتِ يا نفس عليك أن تختاري! إلى الأبد يا نفس اصرخي واختاري. فحياتك صراخ، وصراخك حياة، ما بين الماء والنار... إختاري يا نفس إختاري... بين نور الليل وظلمة النهار... إختاري يا نفس ولا تنهاري... أمام لهيب الماء وجليد النار!


توقيع : النسر المحلّق
ضوء فلك مسافر أنا...
إن تهتِ فضاءً أتيتك!
دمعة حلم رائعٍ أنا...
إن تخيّلتني فارسًا اختطفتك!
نظرة ودٍّ مشاكسةٍ أنا...
تنساب حنانًا وتأتيني بك!
زهرة وردٍ من بستانك أنا...
إن قطفتني احمرّت وريقاتها خجلاً
و...تناثرت تباعًا على نبض قلبك!
ومن أناملك الوجلى...
خرجت بالحلم ضوءً يحمرّ دمًا
وعلى الوجنتين يرسم الملامح
ويطوف أبراجك سعدًا ووجد...
وإلى كوكب الزهرة يرحل بك!!!

النسر المحلّق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس