عرض مشاركة واحدة
قديم 25-05-03, 03:59 PM   #8
 
الصورة الرمزية النسر المحلّق

النسر المحلّق
نسـر الشـرق

رقم العضوية : 176
تاريخ التسجيل : Jul 2002
عدد المشاركات : 456
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ النسر المحلّق

كوكب الجبابرة (4)


وبغض النظر عن الأسباب المعوِّقة لنشرَ أدب أصحاب الاحتياجات الخاصّة والتعريف به، فأنّنا نجد في هذا الكوكب المذهل قضايا إنسانية رائعة تأخذ مداها إلى أقصى حدّ ولا ينتبه لها أحد في كوكب المقتدرين.
هنا نجد المشاعر تتخطى حدود الانفعالات لتعبّر عن مضمونها بكل صدق، وهنا تصبح الأحاسيس، بعمقها، أداة وصل وتواصل ما بين النفس والبيئة وما بين النفس والجسد، لا مجرّد أهواء ونزوات كما تعوّدنا عليها دائما. هنا يصبح لكلّ كلمة معناها ولكلّ علاقة قَدْرها ولكلّ حركة قُدرتَها الفعلية وليس كما نراه نحن في عالمنا أمرا عاديا وبسيطًا لا يتخطّى حدود الحركة الطبيعيّة التي تتحكم في عمليّة تواصلنا الروتينيّة اليومية. هنا تنتصر الروح على الجسد فيبرز هاجس البحث عن منابع الله الواسعة. إنّه أمر مشترك بين مجمل الأدباء والمبدعين من ذوي الاحتياجات الخاصّة. أذكر هنا ما كتبه الطبيب نبيل داود: "من غير المقبول والمسموح، أن نرتقي إلى أعلى درجات العلوم الدنيويّة ونحن لم نتعدّ بعد الدرجات البدائيّة في العلوم الروحيّة..." وفي مكانٍ آخر يقول: "ما أعظم حكمتك يا ربّ!... فمن هو الحقيقة عاش الحقيقة على أرض البشر!" وكتب أيضًا: "بعد اجتهاداتي الواسعة والعميقة طوال سنوات قضيتها في التأمّل في الخيرات الأبديّة، أبقى في عطشٍ دائم إلى روح الحياة الحقّة ونور الله..." وأيضًا: "إزرع فينا يا ربّ محبّة الإنسانيّة في عصرٍ سيطرت فيه الأنانية، التي هي مصدر كلّ الحروب والكوارث الاجتماعيّة" نرى هنا بوضوح مناجاة عميقة وبحث واضح في أصول الذات ولوجًا إلى أعماقها بحثًا عن المعرفة أو الحقيقة الكبرى... الله!
ويكتب دوميط في نفس الموضوع: "أيّها الغائب الحاضر... غائبٌ أنت عن ناظريَّ، ولكنك حقًا الحاضر أبدًا. حاضر فيّ يا ربّ، حاضر في قلبي وفي كلّ كياني... ولهذا صرتُ غنيًا..." وهنا تأتي مناجاة الله ممزوج بالأمل وبالفرح ليعيش المعوّق ألمه بفرح اعتقادا منه بأن ما يقوم به يرضي حتما خالقه!
وفي قصيدةٍ لكريستوفر قصرجي يقول فيها: "ضوءٌ توهّج بريقه ذهبًا... غَوْثٌ عبر إلى أحزاننا... هبَةٌ من السماء حبّكِ... جوقةٌ سماويّة رفرفت..."
ومن الأمور المشتركة أيضًا دور الأم في حياتهم لا سيّما تضحيتها وتفانيها وتكريس نفسها في خدمتهم. ملاذهم الأوّل هو الأم. يبدو ذلك واضحا من خلال إهداءاتهم التي خصّصوها لها.
ويأتي إهداء كريستوفر قصرجي لوالدته في سطرين لا ثالث لهما حيث يقول: " إلى أمّي التي آمنت بإعاقتي ، وهَدَتني بصبرها لهناء العيش. سقَتني سعادةً وحبًّا، فنبتا شعرًا وقدرًا. نلاحظ تكديس المعاني هنا: تضحية الوالدة وإيمانها بقدرات إبنها الإبداعيّة والذي يعيه الشاعر تماما لتُحوّل بصبرها حياته من مأساة واقعة وملازمة إلى فرح عميق. والمعنى الأخير الذي أراد الوصول من خلاله هو تلازم مسار ملكته الإبداعيّة الشعريّة بهذا القدر الذي جعله كسيح الجسد وإنما عجز عن التأثير على قدرته العقليّة الهائلة. كلّ هذه المعاني كدّسها الشاعر في سطرين فقط، في جملتين يسهل قراءتهما وتعطينا من معانيها العبر والمغازي. كما خصّص لها قصيدة بعنوان: إلى أمي... يأتي فيها: "أعبد الله الذي وهبني أمّي... بلسمٌ للحبّ.. عيناها هيكلٌ لقلبها... أسمع همساته... تهيم عفّةً وحبًّا... صادقةٌ، لا ريب فيها... غدت كشجرةٍ مثمرةٍ، غرّدت فيها الطيور... لبوَةٌ سترَت أشبالها... بدرعٍ من عاطفةٍ مُبهِجة... هنيئًا لكِ، والله يحميكِ يا أمي!"
ويكتب دوميط منعم في مقالات عدّة عن تأثير الوالدة ودورها الأساسي في تربية الأجيال الصاعدة، لتكون أمّا لكلّ فرد قبل أن تكون والدته الفعليّة. فيقول في إحداها: "أمي... لا تظني أني قد سليتْ... أيّامًا في ظلال ذلك البيت... أيّام على ظهر المحبّة تربّيت... لن أنسى أمي مهما حييت... لا، لن أنسى!"
ويكتب الطبيب نبيل داود في إهدائه وباختصار: "الإهداء إلى أمي... المتفانية دومًا لأجلي" وهو إن اختصر الكلام في إهدائه فلأنّه يريد أن يبرز دورها الأوّل والأخير تجاهه وفي حالته البدائيّة هذه، أي الوفاء.
هكذا تتواجد الأم في أدب المعوّق، كعربون شكر ووفاء، ويظهر واضحًا تأثيرها على نفسيّته في مسيرته الإنسانيّة، فهو يراها متفانية، ملتزمة، مضحّية، وهي دومًا رهن إشارته لتلبي كلّ طلباته. وبرأيي إن أمّ كلّ واحدٍ منهم تتمنى الصحّة والعافية لمعوّقِها، وليتناساها!


توقيع : النسر المحلّق
ضوء فلك مسافر أنا...
إن تهتِ فضاءً أتيتك!
دمعة حلم رائعٍ أنا...
إن تخيّلتني فارسًا اختطفتك!
نظرة ودٍّ مشاكسةٍ أنا...
تنساب حنانًا وتأتيني بك!
زهرة وردٍ من بستانك أنا...
إن قطفتني احمرّت وريقاتها خجلاً
و...تناثرت تباعًا على نبض قلبك!
ومن أناملك الوجلى...
خرجت بالحلم ضوءً يحمرّ دمًا
وعلى الوجنتين يرسم الملامح
ويطوف أبراجك سعدًا ووجد...
وإلى كوكب الزهرة يرحل بك!!!

النسر المحلّق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس