عرض مشاركة واحدة
قديم 25-05-03, 12:30 PM   #4
 
الصورة الرمزية النسر المحلّق

النسر المحلّق
نسـر الشـرق

رقم العضوية : 176
تاريخ التسجيل : Jul 2002
عدد المشاركات : 456
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ النسر المحلّق
كوكب الجبابرة (2)


عالم الإعاقة ذو وجهين، وجه خارجي يصلنا عبر ما تُريد أن تُرينا إيّاه تلك النفس من قدرات، ووجه باطني كامن في صلب المعاناة، يقاسي بصمت وصبر، ولا يُمكن لأحد الولوج إليه. تعالوا ندخل معًا إلى كوكبه وننظر إليه ذهولاً دهشةً وعجبًا، ونكتشف جَبَروت هذه النفس المحصورة قصرًا داخل قمقم الجسد جرّاء حادثٍ حدث ولا مفرّ منه ومن هذا القدر! إنّه كوكب الجبابرة بحقّ، فلِما نُغشّي الأعين وراء ستارٍ من الجهل ونأبى، ويأبى مجتمعنا، إيفـاء هذا المرء حقّه ؟
وجدت طبيبًا إختصاصيًا وطالبًا جامعيًا وشاعرًا فطريًا، الأوّل "نبيل داود" يرزح على فراشه إثر مرض شلّ دماغه فجأة، فبات جسده بلا حراك بين ليلة وضحاها، ولم يترك له سوى حاسّتي السمع والبصر. حدث هذا منذ تسعة عشر عاما، وهو حتى الآن على إتّصال بالعالم الخارجي عبر رموش عينيه! لقد توصّل هذا الطبيب خلال كلّ هذه السنوات إلى دراسة برامج الجهاز الإلكتروني بمفرده، وعبر عينيه، وتعلّم كيفيّة برمجة الجهاز، وتوصّل إلى برنامج خاصّ به يسمح له من خلال حركة إبهام يده اليمنى، وهي الحركة الوحيدة المتبقّية لديه، أن يعمل عليه ويدوّن كل ما يريده ويفكر فيه. لقد قام حتى الآن بترجمة أربع كتب من لغات متعددة. مقدِرته الذهنية تَظهر جليّة في الكتابة، فلغته صادقة، جملته سهلة، أفكاره متناسقة متسلسلة وأسلوبه واضح ومباشر في إيصال الفكرة. وما كتبه من شهادات حيّة عن وضعه لا يزال موجودًا ضمن جهازه ولم يخرج بعد إلى العلن. ولو أنّ الترجمة لا تدخل فعليا ضمن نطاق الندوة، إنّما يجدر بنا أن نشير إليها نظرا لأهمية المجهود الجبّار والذكاء الخارق الذي يتمتّع به والذي برهن عن طاقة فكريّة ولا أروع. ويمكننا القول أنّ الترجمة هي جزء لا يتجزّأ من الأدب، إذ ليس من الممكن ترجمة أيّ كتاب دون التحلي بالقدرة الأدبيّة والتمكّن من اللغتين، سواء تلك التي يتَرجم منها أو تلك التي يتَرجَم إليها. أكبر دليل على ذلك هو ترجمة إلياذة هوميروس من الإغريقية إلى العربيّة وبطريقة شعريّة. ولديّ كامل الثقة بإمكانيّته الإبداعيّة، لذلك أردت التنويه عنه. إنّها قدرة هذا الإنسان على استغلال أدنى حركة أو حاسّة فيه إلى أقصى الحدود، والتأقلم وتقبل الواقع ومعايشته متخطّيًا كل العقبات.
الثاني "دوميط منعم" كان يدرُس ويعمل في آن، وفي سنته الجامعيّة الثالثة أصيب بشلل جسدي كامل إثر حادث عمل أودى بجسده إلى الشلل الكامل وأفقده أيضًا إمكانيّة التنفّس. إنّه موجود الآن في مستشفى مدينة البترون، هناك في قسم العناية الفائقة قابلته، حيث يتواجد منذ أكثر من أربعة عشر عاما. فَقَدَ في الحادث القدرة على التنفّس أيضا، لذلك هو تحت عناية ورحمة آلة تضخّ له الأوكسيجن في رئتيه، فإن توقّفت توقّف عن التنفّس وفقَدَ الحياة! حافظ مع قدرته الكلاميّة على حاسّتيه السمعيّة والبصريّة، مما سهّل عليه التعامل مع العالم الخارجي. هكذا تمكّن، وبمساعدة من هم بقربه، من نصّ أفكاره، وطبَعَ كتابين حتى الآن، ذات محتوى أدبي إنشائي متنوّع ووجداني راقٍ. والكتابان هما: "مخلّع على دروب الحرّية"، و"خبزًا للآخرين".
أمّا الثالث فهو الشابّ اليانع كريستوفر قصرجي والذي يعاني منذ ولادته من شلل دماغي أقعد جسده وأفقده السيطرة على حركته لتصبح لاإراديّة. ونكتشف فجأة أنّ هذا الشابّ هو ذي فطرة شاعريّة راقية، وقد كتب ديوانا شعريًا رائعًا يعنوان: " عزلةٌ ورُئى!"، وحصل على وسام تقدير من رئاسة الجمهوريّة.
هؤلاء هم أقطاب دراستي، وسأحاول، قدر الإمكان، التكلّم عن أدبهم ومفهومه ونقاط الالتقاء فيما بينهم.


توقيع : النسر المحلّق
ضوء فلك مسافر أنا...
إن تهتِ فضاءً أتيتك!
دمعة حلم رائعٍ أنا...
إن تخيّلتني فارسًا اختطفتك!
نظرة ودٍّ مشاكسةٍ أنا...
تنساب حنانًا وتأتيني بك!
زهرة وردٍ من بستانك أنا...
إن قطفتني احمرّت وريقاتها خجلاً
و...تناثرت تباعًا على نبض قلبك!
ومن أناملك الوجلى...
خرجت بالحلم ضوءً يحمرّ دمًا
وعلى الوجنتين يرسم الملامح
ويطوف أبراجك سعدًا ووجد...
وإلى كوكب الزهرة يرحل بك!!!

النسر المحلّق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس