عرض مشاركة واحدة
قديم 29-04-03, 02:43 AM   #2

أحزان ليل
العضوية البرونزية

رقم العضوية : 629
تاريخ التسجيل : Jan 2003
عدد المشاركات : 451
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ أحزان ليل

أما فيما يتعلق بالتقديم الألفبائي (البسيط أو وفق الجمل) للعقاقير، فكانت الطريقة الأمثل والأكثر تطبيقاً: بالنسبة لأي عقار، يتم إلحاق الوصف بمرادفات في لغات مثل السريانية والفارسية واللاتينية وفي بعض الأحيان إعطاء مرادفات باللهجات العربية المحلية·
من ناحية أخرى اعتمد هذا المنهاج كل من الطبيب الرازي (القرنين التاسع والعاشر) في كتابه /الحاوي/ الذي يضم 829 عقاراً والبيروني في كتابه كتاب الصيدنة في الطب" الذي يصف 850 عقاراً·

لأهداف تعليمية، استخدم بعض الكتّاب أساليب تقديم خاصة بهم، في حين استخدم "حنين بن إسحاق" منهاج السؤال والجواب وأرفق "رشيد الدين بن الصوري" (القرن الثامن) وصف النباتات الطبية برسم للنبات في حالتيه الأخضر واليابس· ولكن لسوء الحظ لم تتم المحافظة على هذه الكتب في حين أن ابن الجزّار (القرن العاشر)، اعتمد تصنيف الأدوية وفقاً لدرجة فاعليتها· اعتمد كل من الطبيب ابن سينا (القرنين العاشر والحادي عشر) والعلائي (القرن الثاني عشر) منهاج تقديم بجداول شاملة· واستخدم العلائي جدول من 16 عموداً بإعطاء كل عقار طبي التعليمات التالية: 1) الاسم 2) الطبيعة 3) النوع 4) الاختيار 5) التركيب 6) القوة 7) تأثيره على أمراض الرأس 8) تأثيره على أمراض الجهاز التنفسي 9) تأثيره على أمراض جهاز الهضم 10) تأثيره على كامل الجسم 11) طريقة الاستعمال 12) الكمية المستخدمة 13) تأثيراته الجانبية 14) ميزاته 15) الدواء البديل 16) رقمه·

يبين لنا هذا المثال أنه قد تمت دراسة تأثير الأدوية البسيطة من قبل بعض الأطباء والصيادلة العرب وفق معايير معقدة شيئاً فشيئاً، في الحقيقة لم ينوه غاليان إلا لثلاثة أنواع من الفاعلية لكل عقار: الخاصيات البدائية (الأولية) الفعّالة (برودة أو سخونة) والسلبية (جفاف أو رطوبة)، والخاصيات الثانوية التي تتضمن الرائحة والطعم والخاصيات الثالثة، والتي تتضمن تأثير الدواء على الجسم· ويحتل مؤلّف ابن البيطار الذي يحمل عنوان (جامع لمفردات الأدوية والأغذية) الذي أشرنا إليه مسبقاً مكانة هامة في تاريخ الصيدلة عند العرب· ورد في هذا الكتاب ذكر حوالي 260 مصدراً وحوالي 2400 اسم لعقاقير طبية، ثلثها تقريباً هي مرادفات بسيطة أما عدد العقاقير المذكورة فيبلغ حوالي 1400 عقار طبي، منها حوالي 400 عقار لم تكن معروفة عند الأطباء الإغريق· تم في تلك الفترة تأليف الكثير من كتب المرادفات والمعاجم وذلك من أجل تسهيل المهمة الموكلة للأطباء والصيادلة· ولم ينس أكثر من هؤلاء الكّتاب أن يشيروا في هذه الكتب إلى تسميات العقاقير وفق اللهجات العربية المتنوعة، على سبيل المثال أشار الطبيب أبو عمران موسى بن ميمون بن عبد الله /Maimonide/ القرن الثاني عشر في كتابه "كتاب شرح أسماء العقار" أن التمر هندي tamarin هو اسم شجرة الـ humar·

ومما تركه الببليوغرافيون القدامى والجدد، نعرف أنه قد تم تأليف عدد قليل من الأعمال في العالم العربي بلغة أخرى غير العربية: منها كتاب من تأليف إسحاق بن مراد (القرن الرابع عشر) مكتوب باللغة التركية·
نشطت في القرن الحادي عشر في الشرق كما في الغرب حركات ترجمة الأعمال الطبية المكتوبة باللغة العربية إلى اللغات الفارسية والكتالونية وبشكل خاص إلى اللاتينية، وشملت كذلك الكتب الطبية في الأدوية البسيطة، ومن الجدير بالذكر وعلى سبيل المثال تمت ترجمة كتب الأدوية البسيطة لـ ابن سينا وابن الوافد (القرن الحادي عشر) وابن الجّزار إلى اللغة اللاتينية، حيث كان لها الأثر الحاسم على علم الصيدلة عند الصيادلة اللاتين·

واستخدم الأطباء العرب كغيرهم من الأطباء الإغريق والهنود الأدوية المركبة في المعالجة، لكن الأمر الذي شغل الأطباء العرب عن سواهم هو البحث عن أسباب منطقية تسوغ تحضير واستخدام الأدوية المركبة، بأن يقيموا وزناً لمدى صعوبة المرض ومدى تأثير الأدوية ومناهج تحضير هذه الأدوية، نذكر من هؤلاء ابن سينا والسمرقندي (القرن الثاني عشر) إذ أشار ابن سينا في "القانون في الطب" أنه من بين الأسباب الكثيرة التي تدفع إلى تحضير دواء مركب أن هناك حالات يمكن أن يؤثر الدواء فيها في مكان بعيد عن الجسم، وفي هذه الحالة نخشى من ألا تضعف قوته بعد عمليتي الهضم الأولى والثانية· إذاً نضع الدواء ضمن غلاف يحميه من عمليتي الهضم ويصل سليماً حيث نريد" وتشبه هذه التقنية التلبيسة المعوية المستخدمة في علم الصيدلة الحديثة لتضمن أن يكون الدواء فعالاً في المعي وليس في المعدة· أما السمرقندي، فقد أشار في "كتابه أصول تركيب الأدوية" إلى أربعة عشر سبباً تدفع الطبيب إلى تحضير الأدوية المركبة: بعض هذه الأسباب يعود إلى طبيعة المرض أو لطبيعة العضو المريض، وأسباب أخرى تعود إلى طبيعة الأدوية البسيطة، وفي الكتاب نفسه ذكر أربعة عشر سبباً تدفع الأطباء إلى تنويع كميات الأدوية البسيطة عند تحضيرهم للأدوية المركبة·

ساهم هذا الأسلوب الذي اتبعه الأطباء والصيادلة العرب الذي يعتمد الأسباب المنطقية في تركيب الأدوية قبل إخضاعها للتجربة في تطور علمي المعالجة والصيدلة· منذ البدايات الأولى لعلم الطب عند العرب، والأدوية المركبة تشغل فصولاً خاصة في الأعمال الطبية أو بالأحرى نجدها في مؤلفات مستقلة متعلقة بالعلوم الصيدلية "الأقرباذين" التي اعتمدها الأطباء والصيادلة العرب· لبى هذا النوع الجديد متطلبات الصيدلة من حيث إنها مهنة مستقلة بذاتها، تؤكد المصادر على أن أول دستور تم اعتماده في المستشفيات والصيدليات هو دستور الصيدلة لـ صابر بن سهل (القرن التاسع) والذي بقي ساري المفعول حتى القرن الثالث عشر عندما حل محله دستور ابن التلمذ (القرن الثالث عشر)· بعد مقدمة ذكر فيها أساليب تحضير الأدوية المركبة، خصص صابر بن سهل فصلاً من كتابه لكل شكل من الأشكال الصيدلية التالية: الترياق، الاستخلاص بالغلي، الأقراص الطبية، اللعوق (كل مايلعق كالدواء والعسل) المساعدات على الهضم، اللاصق الزيوت، الدواء، الحقنة الشرجية والمراهم· أما الرازي فقد اعتمد في دستور الصيدلة تصنيف الأدوية تبعاً للعضو المريض· واهتم الغرب بالمؤلفات العقاقيرية وقوانين الصيدلة التي وضعها كل من بزودو ميزويه والرازي وابن سينا والمترجمة إلى اللاتينية· حيث كان للعرب الأثر الحاسم في علم الصيدلة عند الغرب، ودليل ذلك أن ترياق نيكولاس الذي تم تركيبه في /سالرن/ يجمع إلى جانب المعارف الإغريقية ـ اللاتينية· الكثير من المعلومات ذات المنشأ المعتمد على الترجمات الأولى من اللغة العربية· وتشكل أعمال بزودو ميزويه الملقب برائد علم الصيدلة، والذي رفض إلغاء دور النصوص العربية في القرن السادس عشر، مرجعاً أساسياً للصيادلة الغربيين حتى نهاية العصور الوسطى·
وقد تطورت قوانين الصيدلة على مر القرون لا سيما بعد دراسة دستور الصيدلة الذي وضعه القلانيسي Qalânîsî (القرن الثالث عشر) والمتضمن 49 فصلاً يفسر كيفية حفظ الأدوية البسيطة ومرادفاتها، وكذلك وصفات الأدوية المركبة ونجد فيها أيضاً تفسير أسماء الأدوية ذات المنشأ الإغريقي الهندي ومساواة الأوزان الطبية وكذلك فصولاً أخرى جعلت من هذه الكتب مراجع أساسية للصيدلي·

تتنوع هذه الوصفات وفقاً لعدد العناصر المركبة لها، غير أن المخطط الكلاسيكي الذي يتبعه الأطباء والصيادلة العرب يرتكز على البدء بذكر استعمال الوصفة، وبعد ذلك تعداد المركبات وطريقة تحضير الدواء المركب، ومن ثم ينتهون بشرح طريقة الاستعمال، اخترنا على سبيل المثال وصفة للطبيب الكندي المتعلق بعقار يدعى مفرح /mufarrih/ (الأدوية المنشطة) والتي جاء على ذكرها في جميع الموسوعات الطبية وفي قوانين الصيدلة حتى القرن الرابع عشر· "دواء مؤلف من العسل يدعى راسايانا Rasâyanâ وهو عبارة عن دواء ينعش ويبدد الحزن ويفرح القلب والروح ويقويها ويقوي الجسم ويقضي على الشحوب ويحسّن لون الوجه ويقوي المعدة ويعطي رائحة طيبة لعرق الجسم وللنفس، وهو مفيد للكبد ولايسبب الغثيان لأي شخص· ويتم تناوله قبل أو بعد الطعام "إذا أراد الله"·


من موقع تاريخي

أتمنى أن يعجبكم الموضوع


توقيع : أحزان ليل





أحزان ليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس