عرض مشاركة واحدة
قديم 29-04-03, 02:41 AM   #1

أحزان ليل
العضوية البرونزية

رقم العضوية : 629
تاريخ التسجيل : Jan 2003
عدد المشاركات : 451
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ أحزان ليل
من تراثنا العلمي العربي


تؤكد المخطوطات العربية القديمة أن علم الصيدلة هو علم قائم بذاته، ولكنه يأتي باستمرار مكملاً لمهنة الطب، وتدل الأبحاث على أن نشوء علم الصيدلة عند العرب يعود إلى تاريخ سابق للقرن التاسع· إذ تؤكد المصادر الببليوغرافية وجود مركّبي أدوية في القرن الثامن في مستشفى Jundîshâbûr في (إيران)، ونميز من بينهم "ماسويه" والد الطبيب "يوحنا بن ماسويه" (القرنين الثامن والتاسع).

ويعود تاريخ ظهور أول العقاقير العربية إلى بداية القرن التاسع· ومعروف أن علم الصيدلة والأدوية كان مطبقاً في المستشفيات وكذلك في الصيدليات )دكاكين الصيدلة). ويسجل علم الصيدلة عند العرب حدثاً هاماً، وهو انفصال شقي علم الطب (الطب والصيدلة(·
يشكل كتاب "الصيدلة في الطب" للبيروني (القرنين العاشر والحادي عشر) مصدراً غنياً بالمعلومات، فهو يعرض تاريخ علم الصيدلة عند العرب بالتفصيل· حيث نجد فيه تعريفات للمصطلحات الخاصة بعلم الصيدلة إضافة إلى تصنيف الأدوية على شكل غذاء ـ دواء ـ ودواء سم، مما يبين أن الدواء يحتل مكانة متوسطة بين الغذاء والسموم، ولقد أعطانا البيروني التعريف التالي لكلمة صيدنة ومرادفتها صيدلة أو مهنة الصيدلة فهي >ترتكز على معرفة العقاقير البسيطة بأصنافها وأنواعها ومميزاتها وعلى معرفة صنع الأدوية المركبة وفق وصفتها الثابتة (المداونة) أو وفق رغبة الشخص المكلف بالعلاج (المؤتمن المصلح)· أما الناحية الأهم فتكمن في معرفة قوة الأدوية البسيطة ومميزاتها ·

قام العرب بتطوير الكثير من الأدوية البسيطة والمركبة في علم المداواة التي اعتمد الطب اللاتيني بعضاً منها فيما بعد، إضافة إلى التطور الذي شهده تطبيق علم الصيدلة، إذ أدخل العرب أنواعاً صيدلية جديدة تلبية لحاجات المهنة، وعُدّت فتحاً جديداً في علم الصيدلة الذي اعتمد في قسم كبير منه على الترجمات العربية لبعض الأعمال المتعلقة بعلوم الطب عند الهنود والإغريق والتي أضيف إليها ماتداولته بعض الشعوب كالعرب والأكراد والخوز، وبرزت هنا ملاحظات وتجارب شخصية لأطباء وصيادلة عرب·
ساعدت ترجمة الأعمال الطبية إلى العربية في تطور علمي الطب والصيدلة عند العرب، إذ شهد عصر الخليفة هارون الرشيد (786 - 809) نشاطاً ملحوظاً على صعيد الترجمة، فقد تمت ترجمة الموسوعات الطبية الهندية التي كشفت عن وجود (علم الحياة المديدة)· كما قاد حنين بن إسحاق (القرن التاسع) فريقاً من المترجمين برعوا في تعريب أعمال كبار الأطباء الإغريق أمثال ديوسكوريد (القرن الأول) وغاليان (القرن الثاني).

وارتسمت في منتصف القرن التاسع تقريباً الخطط التي اتبعها الأطباء والصيادلة العرب في علم المداواة: فمن الناحية التطبيقية، لجؤوا إلى استخدام الأدوية البسيطة والمركبة المستخدمة من قبل الأطباء الهنود، وكذلك الإغريق، أو من قبل بعض الشعوب في العالم العربي، أما فيما يتعلق بالناحية النظرية، فقد طوّر الأطباء والصيادلة العرب طريقة غاليان بالمعالجة، وذلك باستخدام الأدوية البسيطة التي اطّلعوا عليها في كتابه الذي يحمل عنوان "كتاب الأدوية البسيطة" والتي وجدوها غير كافية، إذ أسقط معيار نوعية الأدوية المركبة، ولسد هذه الفجوة وضع الطبيب الفيلسوف الكندي (القرن التاسع) نظرية في مبحث مقادير الأدوية المركبة، حيث طبق نظرية الرياضيات المتعلقة بالتطورات· ووفق هذه النظرية التي شرحها الكندي في كتابه "في مفردات قوى الأدوية المركبة": إن أي زيادة في درجة النوعية حتى الدرجة القريبة تتطلب أن تتضاعف قوة هذه النوعية·

وبسبب تناوله المشكلة بطريقة رياضية، وهي طريقة غير عادية في عصره كانت هذه النظرية مثار جدل في العالمين العربي واللاتيني·
ودرس الصيادلة العرب كتاب الطبيب الإغريقي "ديوسكوريد" الذي يحمل عنوان: "المادة الطبية" والذي وصف فيه الفاعلية العلاجية للعقاقير النباتية والحيوانية والمعدنية وتُرجم هذا الكتاب في مناسبات عدة إلى اللغة العربية تحت عنوان كتاب الأعشاب في الطب" وتمت ترجمته كذلك إلى السريانية والفارسية·
وكرّس الأطباء والصيادلة العرب معظم أعمالهم الطبية للأدوية البسيطة، وبفضل المبادرة الشخصية لأكثر من 110 كتّاب مسلحين بالحاجة الاجتماعية الملحة والقيمة العلمية العالية، ظهرت وللمرة الأولى في تاريخ علم الصيدلة دراسة للمواد الطبية المحلية ذات طابع جغرافي، حيث بقيت فعّالة على مدى خمسة قرون·

ولم تكن معرفة العقاقير الطبية أمراً سهلاً، ففي السابق قام كل من اسطفان بن باسيل (القرن التاسع) الذي كان أول من ترجم كتاب "ديو سكوريد" إلى اللغة العربية، وحنين بن إسحاق الذي أعاد وراجع ترجمة اسطفان،بنقحرة (أي نقل حروف لغة إلى لغة أخرى) الأسماء الإغريقية لبعض العقاقير إلى اللغة العربية، وذلك لأنهم لم يجدوا لها مرادفات، وقد شرح ابن البيطار، إمام النباتيين (القرن الثالث عشر) كتاب ديوسكوريد "المادة الطبية" في كتابه "تفسير كتاب ديوسكوريد" مسلطاً الضوء على الكثير من العقاقير والمركبات والآراء الهامة التي وردت بين دفتي الكتاب وفي الوقت نفسه أهمل مارآه الإمام عديم النفع أو هامشياً··
ونذكر من بين الكتّاب الذين اهتموا بالأدوية البسيطة، ابن جلجل (القرن العاشر) من خلال عمله المتميز بمضمونه وعنوانه: والمقصود كتابه الذي يحمل عنوان (هذه مقالة ثامنة نذكر فيها ما قصّر "ديوسكوريد" عن ذكره في كتابه مما يستعمل في صناعة الطب وينتفع به ومما لا يُستعمل ولكن لانغفل ذكره)· في هذا العمل طبق ابن جلجل منهاج "ديوسكوريد" و "غاليان" في وصف 62 عقاراً لم يذكرها "ديوسكوريد"، غالبيتها من أصل هندي، وتقُسم إلى 55 من منشأ نباتي (إهليلج وأخشاب الصندل··) و 5 معدنية (الياقوت والماس··) وعقارين من منشأ حيواني (العنبر)·

ويعد هذا العدد 62 عقاراً قليلاً مقارنة بالعدد التقريبي بـ 400 عقار طبي غير معروف لدى الأطباء الإغريق (حوالي 200 من منشأ نباتي و200 أخرى من منشأ حيواني ومعدني)، نجدها مجتمعة في كتاب "ابن البيطار" الذي يحمل عنوان "جامع لمفردات الأدوية والأغذية"· من الطبيعي أن يتجاوز عدد العقاقير المستخدمة في المعالجة عند العرب الـ 400 عقار، وأن تدل الأبحاث يوماً ما على المشاركة الحقيقية للأطباء والصيادلة العرب فيما يتعلق بالمادة الطبية·
لدراسة هذه الأدوية البسيطة، اعتمد الأطباء والصيادلة العرب مختلف الأنواع الصيدلية وتناولوا الموضوع من جوانب متعددة· استخدم بعضهم أمثال "ابن جلجل" و"ابن البيطار" كتاب "ديوسكوريد" كمرجع أساسي لمعرفتهم، ولكنهم حذفوا منه الباب الخامس المتعلق بالخمور واهتموا بقائمة العقاقير بالتعليق عليها وتفسيرها وإعطاء مرادفاتها



- يتبع


توقيع : أحزان ليل





أحزان ليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس