،، أما آن للسماء أن تكفَّ عنِ المطر _ بقلم _ أسامه الحسين ،،
- "كنت خير رفيقٍ فى دنيــاى" قالتها بصوتٍ يكــاد يتﻼشى .. مستلقيةً على فراشِ المشفى.. ممعنةً بنظرها فى عينيه .. كأنها تؤكد له صدق كلمــاتها بتلك النظرات الطويلة .. وهو يبادلها نظرة طفلٍ يتشبث بعينى أُمِّه فى آخر لقاءٍ بينهما .. إستمد منها كل معــانى اﻷمومة .. فلم تكن رفيقة عمرهِ فقط .. بل كان طفلها المدلل الذى يعود كل يومٍ من عناء العمل إلى كفها الحانى ، تزيح عنه بلطفٍ أعباء الحياةِ وثقلهـــا .. ليخلو الكون حولهما من كل شىءٍ إﻻ هما .. وتولد بينهما ليلة جديدة بعشقٍ ﻻ حدود ﻵخره .. شريطٌ من الوجع المرير .. يمرُّ أمام عينيه الراحلتين عن الواقع.. فرحته حين بشَّرته بإستقبال أول مولودٍ لهما .. دمعه الذى انهمر حين طمأنته بأنها ستكون عائلته _الساكنة فيه_ بعد رحيل آخر فردٍ من أقاربه .. كلمـات العتاب اﻷول بينهما واﻷخير .. إبتسامتها حين سألها يومــًا: -"تُرى مــاذا سيحدث لو رحلتُ عنكِ؟!" وكأنها بنورِ بسمتها تردد "وهل ترحل اﻷمطــار عن فصل الشتاء !!" -"وهل ترحل اﻷمطــار عن فصل الشتــاء؟!" سؤالٌ ظل صداه يتكرر بين حنــايا قلبه ، وﻻ مُجيب .. تجمد شريط ذكريــاته الثائرة؛ حين تحركت أصابعها من بين أصابعه .. رفعت يدها اليمنى برفقٍ تريد أن تتحس مﻼمح وجهه، تقاسيمه المخبأةُ بين تعاريج العمر .. ﻻمست أناملها دمعة خرجت غفوةً من عينيه الثائرتين الحائرتين .. حاولت بإبهامها الضعيف المرتعش أن تمحو عنه أثر الجُرح الذى أوشك أن يستقر على وجنتيه .. يقترب من أذنيها هامسًا إليهما بصوتٍ يتهدَّجُ باﻷلم: -"هل ترحل اﻷمطــار عن فصلِ الشتــاء؟!" ﻻ تفارقها تلك البسمة التى تسكن شفتيها دومــًا .. تُدنيــهِ إليها قليﻼً ، وتتمتم بأنفاسٍ معذَّبة : -"أما آن للسماء أن تكفَّ عنِ المطر!!" سكونٌ يسرى فى جدران الغرفة الباكية .. قاطعهُ صوتَ تَساقطِ بعض قطرات المطر على النافذة المجــاورة لهما .. حينهــا .. لم يشعر إﻻ ببرودةِ يديهــا، ورائحةِ المطر .
توقيع : هيام1
قطرة الماء تثقب الحجر ، لا بالعنف ولكن بدوام التنقيط.
زهرة الشرق
|