منتديات زهرة الشرق - عرض مشاركة واحدة - أبـو الـطـيـب الـمـتـنـبي//الأستاذ جواد دوش

حسين الحمداني · 22-11-13, 01:28 AM

أبـو الـطـيـب الـمـتـنـبي//الأستاذ جواد دوش

--------------------------------------------------------------------------------

أبـو الـطـيـب الـمـتـنـبي//الأستاذ جواد دوش

أبـو الـطـيـب الـمـتـنـبي

November 15, 2013 at 12:56pm
عـصـره :
عـاش الـمـتـنـبـي فـي الـرابـع الـهـجـري { الـعـاشـر الـمـيـلادي } ، وفـي هـذا الـعصـر تـحـوّلت الـدولـة الـعـبـاسـيـة إلـى عـدة دول يـنـافـس بـعضـهـا بـعـضـاً فـي الـعـلـوم والأدب ، وفـي الـسـيـاسـة والـسـلـطـان . وأشـهـر هـذه الـدول : الـدولـة الـحـمـدانـيـة فـي حـلـب ، والـدولـة الـمـروانـيـة فـي الأنـدلـس ، والـفـاطـمـيـة فـي مـصـر ، والـبـويـهـيـة فـي بـلاد فـارس والـعـراق ، والـغـزنـويـة فـي الـهـنـد وأفـغـانـسـتـان ، و الـزيـاريـة فـي جـرجـان ، والـسـامـانـيـة فـيـمـا وراء الـنـهـر . هـذه الـدول وغـيـرهـا اسـتـقلـت عـن الـدولـة الـعـبـاسـيـة ثـم أخـذت كـل واحـدة مـنـهـا تـبـحـث عـن الـقـوة والـظـهـور فـوحـدتـهـمـا فـي الـنـتـاج الـعـلـمـي والـفـلـسـفـي والأدبـي ، وعـصـفـت الأطـمـاع بـبـعـض هـذه الـدول فـلـجـأت إلـى الـدهـاء والـمـكـر مـرّةً ، والـحـرب والـضرب مـرّة أخـرى . ولا شـك أن الـتـنـافس الـعـلـمـي والأدبـي قـد أحـسـن إلـى هـذه الـدول كـلـهـا ، ووجَّـه حـيـاتـهـا الـعـقـلـيـة نـحـو الـطريـق الـمـتـطـورة تـوجـيـهـاً مـنـتـجـاً مـثـمـراً ، أعـان عـلـى ظـهـور شـخـصـيـة هـذه الأمـة فـي جـمـيـع أنـواع الـعـلـوم ظـهـوراً بـارزاً ممـتـازاً .
أمـا الـحـيـاة الـعـقـلـيـة فـقـد كـان لـهـا أثـر كـبـيـر فـي تـلـك الـفـتـرة الـتـي إنـتـاجـاً سـخـيّـاً كـريـمـاً قـد رجـع بـسـخـائه كـرمـه عـلـى مـا كـان عـلـيـه فـي الـعصـور الـسـابـقـة . إن هـذه الـوفـرة فـي الإنـتـاج تـرجـع إلـى تـنـافـس تـلـك الـدول فـي الإنـتـاج قـي شـتـى الـمـجـالات ، حـتـى جـعـلـوا مـن كـل قـاعـدة مـن قـواعـد الـبـلاد بـغـداداً ثـانـيـةً فـي الـعـلـم والـعـلـمـاء والـفـلاسـفـة والـمـكـتـبـات . فـهـذا سـيـف الـدولـة لـم يـكـد يـسـتـقـر بـه الأمـر فـي حـلـب حـتـى اجـتـمـع لـديـه عـلـمـاء وفـلاسـفـة وأدبـاء كـثـر ، حـتـى قـصـد إلـيـه الـمـتـنـبـي وطـالـت إقـامـتـه عـنـده فـي حـلـب تـسـع سـنـوات . وكـانـت مـعـظـم تـلـك الـدول تـولّـي الـعـلـمـاء والـفـلاسـفـة والأدبـاء الأفـذاذ أعـمـالـهـا وولايـاتـهـا ، فـإن الـعـمـيـد والـصـاحـب بـن عـبـاد وسـابـور بـن أزد شـيـر كـل مـنـهـم كـان دائـرة مـعـارف وكـانـوا جـمـيـعـاً عـمـالاً للبـويـهـيـيـن . وهـذا الأهـتـمـام بـالـعـلـم والـفـلـسـفـة والأدب قـد أنـتـج الـنـتـاج الـوافـر فـي هـذه الـمـيـاديـن ، وهيّـأ مـا يـحـتـاج إلـيـه مـن مـكـتـبـات وغـيـرهـا . فـفـي بـغـداد أسـِّسَـتْ مـكـتـبـة ضـخـمـة فـي هـذه الـفـتـرة أسَّـسـهـا سـابـور بـن أزد شـيـر ، وقـد أشـتـمـلـت عـلـى أصـح الـكـتـب وأوثـقـهـا فـي كـل فـنّ ، وقـلّـمـا خـلا كـتـاب مـن كـتـبـهـا مـن إمـام مـعـروف . يـضـاف إلـى ذلـك مـكـتـبـة { بـيـت الـحـكـمـة } الـتـي أسّـسـهـا هـارون الـرشـيـد ، وكـانـت تـحـوي جـمـيـع مـا أُلِّـف أو تُـرجـم مـن كـتـب عـلـى مّـر الـعـصـور ، ثـم ازدادت الـعـنـايـة بـهـا أيـام ابـنـه الـمـأمـون . هـذا فضـلاً عـن الـمـكـتــبـات الـمـوزعـة فـي مـخـتـلـف الـبـلاد الإسـلاميـة كـأنـطاكـيـة والـلاذقـيـة وطـرابـلـس وغـيـرهـا ، وكـل ذلـك جـعـل الـعـمـل لـلـعـلـم فـي هـذا الـعصـر واحـداً فـي جـمـيـع الـبـلاد ، قـاصـيـهـا ودانـيـهـا ، وكـادت تـكـون كـل قـاعـدة مـن قـواعـد الـبـلاد تـمـاثـل بـغـداد بـعـلـمـائـهـا وفـلاسـفـتـهـا وأدبـائـهـا ومـكـتـبـاتـهـا ..
أمـا الـحـيـاة الـسـيـاسـيـة :
فـي هـذا الـعصـر فـقـد كـانت عـلـى خـلاف الـحيـاة الـعـقـلـيـة الـقـويـة الـمـثـمـرة ، إذ كـانـت الـحـيـاة الـسـيـاسـيـة مـضـطـربـة تـوحـي بـضـعـف كـيـان هـذه الأمـة ، فـكـل دولـة تـتـربـص بـغـيّـرهـا الـدوائـر ، وتـريـد أن تـتـوسـع عـلـى حـسـاب جـارتـهـا ، فالـمـرداسـيـون ظـفـروا بـالـحـمـدانييـن مـرّةً ، وطـفـر بـهـم الـحـمـدانـيـون مـرةً أيـضـاً ، والـفـاطـميـون لـم يـُبـقـوا عـلـى الـحـمـدانـيـيـن ، والـبـويـهـيـون تـوسـعـوا عـلـى حـسـاب الـحـمـدانـيـيـن .. وهـكـذا كـان الـحـال مـزريـاً ..
وقـد نـتـج عـن هـذه الـحـروب والـمـؤامـرات خـرابٌ ودمـار رافـقـهـمـا ضـعـف وفـقـر يـقـاسـيـهـمـا الـشـعـب الـذي يـحـمـل الـعـبء فـي الـفـقـر والـظـلـم . ويـتـزعـزع الـكـيـان الإقـتـصـادي ، وتـتـعـطـل الـتـجـارة حـيـنـاً ، وتـتـأثـر الـصـنـاعـة والـزراعـة أيـضـاً ، وتُـضـحـي الـبـلاد عـلـى حـال أقـتـصـاديـة سـيئة . وتـتـعـقـد الـحـيـاة الإجـتـمـاعـيـة ، ويـنـقـطـع مـا اتـصـل بـيـن الـحـاكـم والـمـحـكـوم ، ويـتـمـلـمـل الـشـعـب فـي ضـعـف واسـتـكـانـة تـرافـق الـنـاس أيـنـمـا سـكـنـوا وأيـنـمـا حـلّـوا . وخـلاصـة الـقـول فـي هـذا الـعـصـر هـي أن الـحـيـاة الـعـقـلـيـة قـد سـارت فـي طـريـق الـتـطـور وجـرت فـيـه جـريـاً سـخـيـاً كريـمـاً ، واظـهـرت شـخـصـيـة هـذه الأمـة فـي جـمـيـع الـعـلـوم . وفـي هـذا الـجـو عـاش أبـو الـطـيـب الـمـتـنـبـي حـيـاتـه الـتـي امـتـدت نـصـف قـرن مـن الـزمـان ..
حـيـاة الـمـتـنـبـي :
هـو أحـمـد بـن الـحـسـيـن الـجـحـفِيّ مـن الـعـرب الـقـحـطـانيين ، ويـقـال لـه أيضـاً الـكـنـدي نـسـبـة إلـى كـنـدة وهـي مـحـلّـة فـي الـكـوفـه ، وكـان أبـوه سـقّـاءً فـي تـلك الـمـديـنـة ، ولـم يـرد لـه ذكـر فـي شـعـر الـمـتـنـبـي ، وكـان الـنـاس يسـمـونـه عـَبْـدان الـسقّـاء . تـعـلّـم الـمـتـنـبـي فـي الـكـوفـة ، وكـانـت ولادتـه فـيـهـا سـنـة 303 هـ . أمـا أمـه فـالـمـرجح أنـهـا مـاتـت وهـو طـفـل ، فـقـامـت لـه جـدتـه مـقـام الأم وعُـنـيـت بـه وعـوضـتـه عـن الأم الـمـفـقـودة حـتـى صـار رجـلاً مـشهـوراً . وكـان للقـرامـطـة نـفـوذ فـي مـديـنـة الـكـوفـة الـتـي اسـتـولـوا عـلـيـهـا سـنـة 312 هـ فـفـرّ الـمـتـنـبـي مـع ذويـه إلـى بـاديـة السـمـاوة بـحـيـال الـكـوفـة مـمّـا يـلـي الـشـام ، ومـكـث فـيـهـا سـنـتـيـن ، ثـم عـاد مـنـهـا وقـد نـمـا جـسـمـه وعـقـلـه وفـصـح لـسـانـه ، وتـمـكـن مـن مـلـكـة اللغـة الـعـربـيـة الأصـيـلـة . كـانـت عـودة الـمـتـنـبـي إلـى الـكـوفـة سـنـة 315 هـ ، واتـصـل بـأحـد أعـيـانـهـا أبـي الـفـضـل الـكـوفـي ، الـذي اعـتـنـق مـذهـب الـقـرامـطـة ، فسـرى إلـى الـشـاعـر الـمـذهـب الـقـرمـطـي وصـادف من نـفـسه قـبـولاً ورضـاً . ثـم قـدم بـغـداد مـع أبـيـه فـي أواخـر سـنـة 316 هـ إلا أنـه مـا كـاد يـنـزل فـيـهـا حـتـى غـادرهـا مـتـجـهـاً نـحـو الـشـام مـتـنـقـلاً بـيـن بـاديـة الـشـام وحـاضـرتـهـا ، ويـرسـل شـعـراً يـتسـم بطابـع الـنـقـمـة عـلـى الـحـظّ والنـاس والـحـيـاة مـعـتـقـداً بالـثورة ومـؤمـنـاً بالـقـوة . وهـذه الـمـرحـلـة تـعـد الـمـرحـلـة الأولـى فـي حـيـاتـه ، وتـتـصـف بـالـطـمـوح الـثـائـر والـجـهـاد الـشـاق ، وفـيـهـا اسـتـطـاع أن يـقـود ثـورة عـنيـفـة عـلـى أهـل الـسـلـطـان فـي الـبـاديـة فـتـبـعـه قـوم مـن الأعـراب مـن بـنـي كـلـب ، وادَّعـى فيـهـم الـنـبـوّة عـلـى الأرجـح . ويـبـدوا أن هـذه الـثـورة أقـلـقـت الإخشـيـديـيـن الـذيـن اسـتـقـر حـكـمـهـم زمـنـاً فـي سـوريـة فـتصـدى لـه { لـؤلـؤ } أمـيـر حـمـص مـن قـبـل الإخـشـيـد ، فـقـاتـلـه وشـتـت أعـوانـه ، وسـجـنـه سـنـتـيـن فـي حـمـص ، ثـم اسـتـتـابـه وأطلـق سـبـيـلـه ، وخـرج مـن هـذه الـتـجـربـة الـقـاسـيـة بـلـقـب الـمـتـنـبـي الـذي غـلـب عـلـيـه وعُـرِف بـه ..
وراح الـمـتـنبـي يـطـوف في ربـوع الشـام ويـمـدح بـشـعره الأمـراء مـتـكـسـبـاً ، ومـمّـن إتصـل بـهـم فـي هـذه الـمـرحـلـة بـدر بـن عـمّـار سـنـة 328 هـ أمـيـر طـبـريـة ، فـزرع الـثـقـة فـي نـفـسـه والإدلال بـعـروبـتـه ، فـمـدحـه الـمـتـنـبـي وأشـاد بـكـرمـه ورجـولـتـه وإبـائـه . وتـنـقّـل الـمـتـنـبـي بـعـده فـي عـدة بـلاد سـاكنـاً حـيـنـاً وثـائـراً حـيـنـاً ، مـضـطـربـاً مـرةً وهـادئـاً مـرةً حـتـى عـوّل أخـيـراً عـلـى الـعـودة إلـى وطـنـه الـكـوفـة فـكـتـب رسـالـة إلـى جـدتـه الـتـي كـانت لا تـزال تـنـتـظـره يـنـبـئـهـا بـأنـه راجـع إلـيـهـا ، فـقـتـلـهـا الـفـرح لـسـاعـتـهـا ، ووصـل نـعـيـهـا إلـيـه وهـو بـبـغـداد فـلـم يـكـمـل سـفـره إلـى الـكـوفـة وأنـهـى هـذه الـرحـلـة بـرثـاءٍ حـارّ بـاكٍ لـجـدتـه ..
وهـنـا تـبـدأ الـمـرحـلـة الـثـانيـة مـن حـيـاة الـشـاعـر ، وهـي أزهـى مـراحـلـه كـلـهـا لأنـهـا مـرحـلـة الشـبـاب ومـرحـلـة الـعـزة الـتي يسـعـى إلـيـهـا الـمـتـنـبـي فـي حـيـاتـه وحـيـاة أمـتـه . تـبـدأ هـذه الـمـرحـلـة حـيـن قـدم سـيـف الـدولـة إلـى أنـطـاكـيـة سـنـة 337 وبـهـا قـائـده أبـو الـعشـائـر الـحـمـدانـي ، وعـنـده الـمـتـنـبـي ، فـمـا كـاد الإثـنـان يـتـقـابـلان حـتـى عُـقِـدَت بـيـنـهـمـا أواصـر الـتـعـارف والـصـداقـة والـتـآلـف . وكـان سـيـف الـدولـة رجـلاً عـربـيـاً تـولـى إمـارة حـلـب قـبـل ذلك بـعـدة أعـوام ، وكـان رجـل أدب وعـلـم يـكـرم الأدبـاء والـشّـعـراء ، وقـد أمـضـى حـيـاتـه فـي جـهـاد الـروم فـلا يـبـيـت يـومـه إلاّ ونـضـجـه ..مـصـادر ومـراجـع للتـوسّـع فـي الـبـحـث
1 ــ ديـوان الـمـتـنـبـي .
2 ــ أبـو الـطـيـب الـمـتـنـبي : مـحـمـود فـاخـوري .
3 ــ ديـوان المـتـنـبي " الـعـَرْف الـطـيّب فـي شـرح ديـوان أبـي الـطيّـب " لليـازجـي .
4 ــ الـفنّ ومـذاهـبـه فـي الـشّـعـر الـعـربـي : شـوقـي ضـيـف .
5 ــ ذكـرى أبـي الـطـيـب بـعـد ألـف عـام : عـبـد الـوهـاب عـزام .يتبع