عرض مشاركة واحدة
قديم 16-02-12, 04:10 AM   #23
 
الصورة الرمزية رماح

رماح
العضوية الفضية

رقم العضوية : 7426
تاريخ التسجيل : May 2007
عدد المشاركات : 802
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ رماح
رد: وصايا مهمه للحياة


تابع


الحزن الجماعي على (دموزي)



ويبلغ خبر (دموزي) إلى أخته (كشتن آنا) فتشق ثيابها وتلطم خدَّيها وتذرف الدموع وتنوح عليه بحرقة ومرارة. وتصبح مأساة (دموزي) مادة خصبة لشعراء بلاد ما بين النهرين فينظمون المراثي، يصورون فيها أحداث المصاب ودلالاته العميقة. ولنستمع لأحد الشعراء السومريين في إحدى قصائده:

((كان قلبه يفيض أسى، فهام على وجهه في المروج

الراعي (دموزي) ـ كان قلبه يفيض أسى

ومزماره يتدلى من رقبته وهو يبكي ويقول:

النواح النواح أيتها المروج، النواح …

ولتردِّد أُمّي الصراخ والعويل،

لأنني عندما أموت لن تجد مَن يرعاها

ولتذرف عيناي الدموع مثل أمي

ولتذرف عيناي الدموع على المروج مثل أختي الصغرى)).

ولنستمع إلى مناحة أخرى نظمها شاعر سومريّ آخر على لسان (عينانا) التي أصابها الندم على ما فعلته ب(دموزي) فراحت تبكي وتنوح عليه عاماً بعد عام:

(( راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً

راح قلبي إلى مكان الفتى

راح قلبي إلى مكان (دموزي)

إلى العالم السفلي، مرقد الراعي

راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً…))..

وإذا كان سكان بلاد ما بين النهرين يحتفلون في شهر نيسان من كل عام. (وهو نفس تاريخ 21 آذار حسب التاريخ العراقي القديم، أي يوم المنقلب الربيعي، وقد اقتبسه الايرانيون باسم يوم نيروز). حين تزدهي الأرض خضرة وربيعاً، بانبعاث إله الرعي وربّ الماشية والنبات (دموزي) وزواجه من إلهة الخصب (عينانا)، فإنهم في الصيف، أوائل شهر (تموز)/يوليو، ووجه الأرض مجدب كالح تلفحه ريح السموم وتصليه الشمس المحرقة، يقيمون مجالس التذكّر والبكاء، ويسيّرون مواكب العزاء، ويتلون المناحات في حزن جماعيّ على وفاة (دموزي).



· · هذا الموضوع هو في الاصل قراءة في كتاب ((عشتار) ومأساة (تموز)) للدكتور فاضل عبد الواحد علي (دمشق: الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، 1999) 184 صفحة. إن هذا الكتاب مصنف رائع قيّم حقاً، يجمع فيه مؤلفه بين الأساطير الشعبية والحقائق التاريخية الموضوعية والأساليب الأدبيّة الرفيعة. وتتضافر مهارة الناشر مع جهود المؤلف في وضع المادة العلميّة على ورق صقيل، بطباعة متقنة، وإخراج رائق، وشكل جميل جذّاب. وإذا ما علمنا أن المؤلِّف أستاذ جامعي عراقي ما يزال يواصل رسالته التربوية في بغداد، أدركنا ما للفكر الأصيل من قدرة على اختراق الحدود وبلوغ الغاية والمراد، مثلما يلج اللحن العذب والنغم الساحر شغاف القلب دون إذن مرور، فيخفق بأسمى المشاعر وينفعل بأرق العواطف


رماح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس