عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-11, 11:45 AM   #1
 
الصورة الرمزية انسام

انسام
عضوية متميزة

رقم العضوية : 11310
تاريخ التسجيل : Aug 2008
عدد المشاركات : 223
عدد النقاط : 51

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ انسام
مشاركة موت عظماء الأمة..


لحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف النبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه اجمعين اما بعد :

في زمن تداعي الهمم والزهد في العمل للاخرة يحسن أن نسلط الضوء على حرص الصحابة على طاعة ربهم وتمسكهم حتى آخر رمق بدينهم لعل التذكرة تنفع من اخذته الغفلة وأغرته العاجلة .

ونبدأ بالخليفة الأول أبو بكر الصديق ، فقد كان رجلاً أبيض نحيفاً يسترخي إزاره عن حقويه ، معروق الوجه ليس فيه إلا قليل لحم ناتئ الجبهة في ظهره انحناء يسير . نشأ شاباً طاهراً عربياً في أخلاقه أصيلاً في شيمه ، لم يعرف رجس الجاهلية ، ذا خلق ومعروف محبباً سهلاً ، صادق الحديث طيب العشرة ، حسن المجالسة ، حرَّم على نفسه الخمرة قبل تحريمها ، ولما قيل له فيها قال : أعوذ بالله ، كنت أصون عرضي وأحفظ عرضي ومن شرب الخمر فقد ضيَّع عرضه ومروءته . أول الناس إسلاماً وأشدهم تصديقاً ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ": ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عتم عنه حين ذكرته وما تردد فيه ". لما قيل له في حادثة الإسراء والمعراج قال : إن كان قال فقد صدق، إني لأصدقه بأبعد من ذلك : بخبر السماء . اختاره الله ليكون النبي وصاحبه في الغار وخليفته من بعده . تعتبر خلافته السطور الأول في نعي امبراطورتي الفرس والروم . تجلت رصانته وثبات قلبه وحكمته في المواقف العصيبة التي تتردد فيها عقول الرجال . مواقفه مشهودة يوم بدر وأحد وحنين . ومن أشهر هذه المواقف وأصعبها : وفاة النبي ، فحينما علم بالوفاة وكان في أرض له خارج المدينة ، اختلطت دموعه بصوته وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وأقبل مكروباً حزيناً ، دخل أبو بكر وعليه السكينة والوقار واستأذن على عائشة ودخل والنبي مسجى فكشف الصديق عن وجهه وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أطيبك حياً وميتاً ثم قبل جبينه وخرج إلى المسجد وقد ازدحم بالمسلمين وفقد كثير منهم صوابهم حتى إن المحدث الملهم الفاروق شهر سيفه وقال : إن بعض المنافقين يزعمون أن محمداً قد مات ، فمن قال بذلك لأضربنه بسيفي فتخطى رقاب الناس مسرعاً فلما رآه عمر جلس ، فتشهد أبو بكر وقال : إن الله تعالى نعى نبيه إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم وهو الموت ، حتى لا يبقى أحد إلا الله عز وجل وتلا قوله تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين } وقوله تعالى { إنك ميت وإنهم ميتون } وقوله { كل شيء هالك إلا وجهه } وقال : أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، فاتقوا الله أيها الناس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم ، فإن دين الله قائم وكلمته تامة ، إن الله نار من نصره ومعز دينه ، وإن كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء وبه هدى محمداً عليه الصلاة والسلام وفيه الحلال والحرام ، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله إن سيوفنا لمسلولة ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خلفنا كما جاهدنا مع رسول الله فلا يبغين أحد إلا على نفسه . صبر عالٍ وثبات قوي ، كان الناس يتوقعون منه أن يعزيهم ويصبِّرهم وإذا به ينظر إلى الغد القريب متحفزاً حذِراً كأنه يرى جيوش الأعداء رافعة راياتها ، ولقد صدقت الأيام رأيه وتوقعاته . وما كاد نبأ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ينتشر في البلاد حتى ارتدت فئام من الناس عن الإسلام ومنع آخرون الزكاة ، فجمع المهاجرين والأنصار وقال : إن هذه العرب منعوا شاتهم وبعيرهم ورجعوا عن دينهم فأشيروا عليَّ فما أنا إلا رجل منكم وإني أثقلكم حملاً لهذه البلية ، فأطرقوا طويلاً ثم قال بعضهم رأيه ، فخطبهم أبو بكر فقال : أما بعد إن الله قد بعث محمداً والحق قِلٌ شريدٌ ، والإسلام غريب طريد ، ثم جعلهم الله الأمة الوسط الباقية ، والله لا أبرح أقوم بأمر الله وأجاهد في سبيل الله حتى ينجز الله لنا وعده ويوفينا عهده فيقتل من قتل منا شهيداً في الجنة ويبقى من بقي خليفة الله في أرضه ، فعزم على قتالهم ، وركب في الجيش شاهراً سيفه ، فقال له علي بن أبي طالب : أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد : شِم سيفك ولا تفجعنا بنفسك وارجع إلى المدينة ، فوالله لئن فجعنا بك يقوم للإسلام نظام أبداً ، فما زال الصحابة به حتى رجع وأمر خالداً على الجيش ، فطاردت جيوشه المرتدين ومانعي الزكاة وهزموهم وحطموا جيش مسيلمة وسجاع الكذابين فولوا الأدبار وفتحت جيوش الحق في عهد الصديق الأرض يميناً وشمالاً لتثبت قواعد الإسلام وتقتل الطغاة. استمر على هذه الحال مجاهداً صابراً وحاكماً عادلاً يسدي لأمته المحامد والمناقب . وافته المنية حيث أصيب بالحمى وصار الناس يعودونه ،وقالوا له يوماً ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك ، قال قد نظر إليَّ قالوا فما قال لك ، قال : قال لي إني فعال لما أريد ، دخلت عليه الصديقة عائشة وشاهدته يعالج سكرات الموت فأنشدت : لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فكشف عن وجهه فقال : ليس هذا ولكن قولي { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } . هذا هو الرجل العلم الشاهق : أسلم شاباً وجاهداً حتى الموت ، حرر الأرقاء ، أطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ، صاحب الغار ، المدافع عن المختار ، نبيد جموع المرتدين ومفرق شمل المخالفين
ـ وجاء عمر بن الخطاب وهو شاب شديد البأس قوي الشكيمة ، صارم الطبع لا يعرف الوهن ، حازم لا يعرف التردد . إذا جاء أفزع وإذا ضرب أوجع ، رابط الجأش ثابت الجنان . لما أراد الله به خيراً أخرجه من بيته متقلداً سيفه يريد قتل محمد ، لم يفكر بالإسلام يوماً . إسلامه عز للإسلام والمسلمين ، أصابته دعوة النبي ": اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين : عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام ". قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر فقد كنا لا نستطيع أن نصلي بالبيت حتى اسلم ، فلما اسلم قاتلناهم حتى تركونا نصلي . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ما علمت أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب ، فلما عزم على الهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وحمل في يده أسهماً ومضى قبل الكعبة وقريش في فنائها فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ثم صلى خلف المقام متمكناً ، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم : شاهت الوجوه ، أرغم الله هذه المعاطس ، من أراد أن تثكله أمه فيلقني إلى هذا الوادي ، قال علي : فما تبعه أحد . لم تفارقه هيبته في الجاهلية ولا بعد الإسلام ، حتى وهو في رعية أبي بكر وبعد أن تولى الخلافة ، بل إنها بقيت حتى بعد موته ، تقول عائشة : كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني واضعة ثوبي وأقول إنما هما زوجي وأبي ، فلما دفن عمر فوالله ما دخلته إلا وأنا مشدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر . أم المؤمنين تستحيي من عمر وهو ميت ، بينما كثير من بنات ونساء المسلمين خلعن جلباب الحياء والحشمة وخرجن من بيوتهن متعطرات متبرجات متكشفات . لما وافت الصديق الوفاة كتب كتاباً استخلف فيه عمر فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، من أبي بكر إلى عمر بن الخطاب وأنا في أول أيام الآخرة وآخر أيام الدنيا فقيراً لما قدمت غنياً عما تركت ، أما بعد يا عمر : فقد وليتك أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن أصلحت وعدلت فهذا ظني بك وإن اتبعت هواك فالله مطلع على السرائر وما أنا على صحبة الناس بحريص ، يا عمر اتق الله لا يصرعنكم الله مصرعاً كمصرعي ، والسلام . سار بالناس سيرةً ما سمع الناس بها . كان إذا هدأت العيون وتلألأت النجوم يأخذ درته ويمشي في سكك المدينة عله يجد ضعيفاً فيساعده أو فقيراً فيعطيه أو مجرماً فيؤدبه . شهد بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان وخيبر والطائف والفتح وحنين وتبوك وكان ممن ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد . كان أواهاً أواباً خاشعاً منيباً برغم شدته وصرامته ، شديد الخشية واسع التبتل إذا قرأ القرآن سمع الناس نشيجه من آخر الصفوف . لما اسودت الأرض عام الرمادة من القحط وعدم نزول المطر اغتم غماً شديداً ومنع نفسه من الأكل الطيب حتى يشبع الناس وكان يأكل الخبز والزيت ، وكان يجأر إلى الله بالدعاء آخر الليل حتى كشف الله البلاء فاستسقى عمر والمسلمون فما رجعوا إلى بيوتهم حتى خاضوا في الغدران وأمطرت السماء عليهم أياماً . كان من أشد الناس تواضعاً ، يأتي الهرمزان رسول كسرى وعليه تاج الذهب وثياب الحرير فيدخل المدينة ويسال أين قصر الخليفة ، قالوا ليس له قصر ، قال أين بيته ، فذهبوا فأروه بيتاً من طين ، قال أين حرسه ، قالوا ما له حرس فطرق الباب فخرج أحد أولاد عمر ، فقال له الهرمزان : أين الخليفة ، قال الولد : التمسه في المسجد ، فذهب فلم يجده ، فبحث عنه فوجده نائماً تحت شجرة وقد وضع درته بجانبه وعليه ثوبه المرقع وقد توسد ذراعه في أنعم نعومة عرفها زعيم . عندها نطق الهرمزان كلمته المشهورة : حكمت فعدلت فأمنت فنمت . قدَّم نفسه للمحاكمة في آخر ولايته وقدَّم جسمه للقصاص وماله للمصادرة ، حيث أعلن في الناس : إن كان خدع أحداً أو ظلم أحداً أو سفك دم أحد فهذا جسده فليقتص كل واحد منه فارتجَّ المسجد بالبكاء وأحس الناس أنه يودعهم ثم نزل عن المنبر واستودع الله الأمة. قال ابن المسيب : لما صدر عمر من منى أناخ بالأبطح ثم كوم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه واستلقى ثم مد يديه إلى السماء فقال : اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط . ثم رجع إلى المدينة وهو يسأل الله الشهادة فقال له حفصة : يا أبتاه موت في سبيل الله وقتل في مدينة رسول الله ، إن من أراد أن يقتل فليذهب إلى الثغور ، فيجيب عمر : سألت ربي وأرجو أن يلبي لي ربي ما سألت . يرى في المنام أن ديكاً نقره نقرتين أو ثلاثاً ، فعبروا له الرؤيا ، فقالوا يقتلك رجل من العجم ، فقام وخطب الناس وأخبرهم أنه رأى أن أجله قد اقترب وودع الدنيا وما نده إلا بيت من طين وبغلته وثوبه المرقع ودرته . صلى الفجر وقرأ الفاتحة وافتتح سورة يوسف فلما وصل إلى قوله تعالى { وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم } بكى وبكى الناس جميعاً حتى سمع النشيج من آخر الصفوف ثم كبر راكعاً فانبعث أشقى القوم ، أبو لؤلؤة المجوسي وطعن عمر بخنجر مسموم ستة طعنات ، فوقع وهو يقول : حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ، ولم يشعر الناس بما جرى إلا بعد أن سمعوا قراءة عبد الرحمن بن عوف يكمل بهم الصلاة ، وظل أبو لؤلؤة يطعن بخنجره كل من واجهه من المسلمين حتى قتل عدداً منهم ثم قتل نفسه . فزع الناس إلى عمر فسألهم : من قتلني ؟ قالوا : قتلك أبو لؤلؤة المجوسي ، قال الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجل لم يسجد لله سجدة . سألهم وهو في هذا الكرب والضيق : هل صليتُ ؟ هل أكملت الصلاة ؟ ، قالوا لا ، قال : الله المستعان . كل أمنيته أن يكمل صلاة الفجر ليلقى الله تعالى وقد صلاها . لم يسأل عن ولاية ولا عن بلد ولا عن ولد ولا عن زوجة ولا عن ميراث . حُمل إلى البيت ووضعوا له وسادة فنزعها وقال ضعوا رأسي على التراب لعل الله يرحمني ، ويل لك يا عمر إن لم يغفر الله لك . دعا أطفال المسلمين فدخلوا عليه يبكون فقبلهم واحداً واحداً ومسح على رؤوسهم وقدموا له لبناً فلما شربه خرج من عند كبده فقال : أظنني مضيت ، الله المستعان . دخل عليه الشباب فحياهم ورأى شاباً في ثوبه طولاً فقال له : يا ابن أخي تعال ، فدنا منه الشاب ، فقال له عمر : ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك ، فذهب الشاب وهو يبكي حزناً عليه ، ثم دخل عليه عليُّ بن أبي طالب ليلقي عليه كلمات الوداع الصادقة ، فاتكأ علي على ابن عباس والدموع تفيض من عينيه وأخذ يقول لعمر : يا أبا حفص ، والله لطالما سمعت رسول الله يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر وذهبت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ، فأسال الله أن يحشرك مع صاحبيك ، فقال عمر يا ليتني أنجو كفافاً لا لي ولا عليَّ ثم أخذ يقول : الله الله في الصلاة ، ثم سألهم أين أُدفن ؟ ، قالوا تدفن مع صاحبيك ، قال استأذنوا عائشة في ذلك ، فأذنت لهم ا .


توقيع : انسام
"Our Lord! Pour forth on us patience and make us victorious over the disbelieving people."

انسام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس