عرض مشاركة واحدة
قديم 16-01-11, 11:14 AM   #6
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: تونس الخضراء أصبحت حمراء


التجربة التونسية

بقلم ياسر عبدالعزيز ١٦/ ١/ ٢٠١١
رئيس متقدم فى السن، ليس له خليفة معروف، رغم سعيه إلى توريث الحكم لأحد أفراد عائلته، يقود نظاماً شائخاً متصلباً، لا يقبل النقد ولا النصح، وعادة ما تسعى حكومته لفرض رقابة شديدة، مستخدمة القوة الضاربة للأمن، وقد تحول محيطه العائلى إلى «مافيا»، تقوم بعمليات نهب وابتزاز واسعة، ورغم السخط الشعبى الواسع المتزايد إزاءه، فإن دولاً كبرى فى العالم لم تفضل الضغط عليه لإجراء إصلاحات.

حكم الرئيس بلاده عشرات السنين، وأجرى انتخابات رئاسية تعددية، لكنها كانت «أكثر إخلاصاً للانتخابات الأحادية من أى استفتاء»، وبالطبع فقد تمكن دائماً من حصد الأغلبية العظمى من الأصوات، التى أبقته على رأس نظام شمولى يتمتع بسلطات غير محدودة.

قمع الرئيس معارضيه بمنتهى القسوة والعنف، فأجبر بعضهم على اللجوء إلى المنافى، وسجن آخرين، وحظر التظاهرات والتجمعات، وفرغ الأحزاب المعارضة من مضامينها، وفرض قيوداً شديدة على الإعلام ووسائل الاتصال.

حقق نظام الرئيس تقدماً اقتصادياً قابلاً للقياس، لكنه لم يكن محسوساً سوى لدى شريحة محددة ومحدودة، لا تمثل أغلبية أطياف البلد، التى تعانى الفقر والغلاء والبطالة وافتقاد الرجاء.

لم تكتف السيدة الأولى بأدوارها الاجتماعية والتنموية الضرورية، ولم ترض بالبقاء فى إطار البعد الاجتماعى للبيت الرئاسى، فأصبحت تتدخل فى شؤون الحكم، وتعين مسؤولين وتقيل آخرين، وتهيئ لبناتها وأزواجهن فرص الثراء الواسع من مصادر ليست فوق مستوى الشبهات.

زوج إحدى بنات الرئيس، شاب فى الثلاثين من عمره، يمتلك إمبراطورية اقتصادية واسعة، تستثمر فى قطاعات تبدأ من الاتصالات، وتمر بالنقل، ولا تنتهى عند الإعلام، ويحتل منصباً قيادياً فى الحزب الحاكم، ويحظى بعضوية البرلمان، ويتمتع بتسهيلات كبيرة فى شتى المجالات، جعلته أغنى رجل فى البلاد، ورشحته لخلافة الرئيس فى أعلى مناصب الدولة.

ليس هناك ما هو أسهل من تحقيق الثروات الهائلة للفاسدين فى دولة مستبدة، يحكمها نظام متصلب، يُنفّع الأبناء والأصهار والأعوان، فيمنحهم الأراضى المميزة مجاناً أو بأرخص الأسعار، ويزودهم برخص الاستيراد، والوكالات الحصرية، ويؤمّن لهم الأوضاع الاحتكارية، ويعفيهم من دفع الضرائب، ويضمهم للحزب الحاكم، ويضعهم فى أعلى مراتبه، ثم يفسح لهم الطريق للتحكم فى البرلمان، توطئة لتسلمهم الرئاسة، أو الهيمنة على أعصاب النظام والبلد، وغسل سمعة العائلة بعد رحيل القائد، وحماية اسمه وتاريخه من كشف الفضائح والجرائم المريعة، التى ارتكبها بنفسه، أو ارتكبها المحيطون به، تحت سمعه وبصره.

ليست المعلومات السابقة سوى بعض ما تردد عبر مصادر ذات قدر من المصداقية عن الرئيس التونسى المتنحى زين العابدين بن على، الذى خاض اختباراً قاسياً خلال الأيام السابقة، فى مواجهة أبناء شعبه الناقمين على «الاستبداد، والقمع، والبطالة، والغلاء، والفساد، وتغول العائلة الحاكمة».

ويبدو أن تلك المعلومات تحظى بقدر كبير من الصحة، ليس فقط لأن التظاهرات نادرة الحدوث تواصلت فى هذا البلد الصغير المسالم، ولا لأن العشرات من المتظاهرين لقوا حتفهم برصاص الشرطة، ورغم ذلك استمرت الات بتصميم وعزم لا يلينان، ولكن لأن الرئيس اعترف بكل ما سبق.

نعم، لم يكابر الرئيس، واعترف بكل ما سبق، بل زاد على ذلك حين قال: «العديد من الأمور لم تسر كما أردت».. «لقد ضللونى».. «لقد غلطونى».. قبل أن يترك بلاده ويرحل، مخلفاً وراءه نظاماً منهاراً، ووطناً يواجه المجهول.

ظل الرئيس قابضاً على سلطته، فحكم البلاد ٢٣ سنة، وكسب ولاية جديدة تزيد سنوات حكمه إلى ٢٧ سنة، وبدأ التمهيد لتعديل دستورى يبقيه حاكماً إلى الأبد، ومكّن زوجته من السيطرة والتحكم فى الشؤون العامة، ومكّن أقاربه وأصهاره من الثراء والصعود السياسى، ومهد لهم خلافته، وقوّض المعارضة، وسحق المعارضين، وضيّق على الإعلام، وقمع الحريات، وبدد ثروات البلد بسبب تغول الفساد وتدنى كفاءة الإدارة، وترك الشباب العاطل يعانى الفقر والغلاء وانسداد الأفق وغياب الأمل.

لكن الرد جاء سريعاً من المظلومين المهانين المحرومين، فاشتعلت التظاهرات والات فى مدن البلاد المختلفة: «خبز وماء والرئيس لا»، «ارحل أيها الرئيس»، «لا نريدك».

حاول الرئيس قمع التظاهرات بالنار، لكن موجات ال كانت أكثر صدقاً وصلابة وقدرة على الاستمرار، فاضطر لأن يعلن حزمة تعهدات وتغييرات، ووقف مخاطباً المحتجين: «أنا فهمتكم.. فهمت الرسالة.. الوضع يفرض تغييراً عميقاً وشاملاً». لكن المتظاهرين لم يصبروا على الرئيس لينفذ تعهداته المزعومة، فواصلوا ضغطهم عليه حتى رحل.

«الوضع يفرض تغييراً عميقاً وشاملاً».. تلك هى فحوى الرسالة، التى فهمها الشعب التونسى ورئيسه الذى فر.. فهل تفهمها أنت؟


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس