|
سلسلة هذا خلق الله 7
خلق الله (7)
إدريس عليه السلام
قال تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً }مريم56
وإدريس عليه السلام هو خنوخ , وكان أول بني آدم أعطي النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام .وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم , وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثماني وستين .وقوله تعالى {ورفعناه مكانا عليا }هو كما ثبت في الصحيحين في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو في السماء الرابعة . وعن مجاهد في قوله تعالى {ورفعناه مكانا عليا } قال إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى عليه السلام , وقيل أنه رفع إلى السماء حيا ثم قبض هناك , والحديث المتفق عليه أنه في السماء الرابعة
وقال الحسن البصري ( ورفعناه مكانا عليا ) قال إلى الجنة و وقال قائلون رفع في حياة أبيه برد بن مهلابيل , والله أعلم .
ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن الياس هو إدريس .
قصة نوح عليه السلام
هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن ( خنوخ ) وهو إدريس بن برد بن مهلابيل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام , وكن مولده بعد وفاة آدم بمائة وست وعشرين سنة فيما ذكره بن جرير وغيره .
ونوح عليه السلام بعثه الله لما عبدت الأصنام والطواغيت , وشرع الناس في الكفر
والضلالة , فبعثه الله رحمة للعباد فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض , وكان قومه يقال لهم بنو راسب فيما ذكره بن جبير وغيره .
وأما ما جرى له مع قومه مأخوذا من الكتاب والسنة والآثار , فعن ابن عباس أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام رواه البخاري , ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال يأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام , قال تعالى {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً }نوح23 , وعن ابن عباس في تفسير هذه الآية أن هذه أسماء رجال صالحين من فوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم ان انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا وبعد فترة من الزمن عبدت . قال بن عباس : وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب.
ولما انتشر الفساد في الأرض وعم البلاء بعباد الأصنام فيها , بعث الله عبده ورسوله نوحا عليه السلام يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له وينهى عن عبادة ما سواه فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض . قال تعالى{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }الأعراف59 , وقال
{يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً. فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً. وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً } ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً. ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً . فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } .
أخذ نوح يدعو قومه إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار والسر والعلانية والترغيب تارة والترهيب أخرى وكل هذا لم ينجح فيهم بل استمرأ كثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأوثان ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان , وتوعدوه هو ومن آمن معه بالرجم والإخراج {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ }الأعراف61 {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }الأعراف62 ولكنهم قالوا له {فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }هود270 ولكن نوح رد عليهم قائلا {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ }هود28 .
{وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ . وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }هود30 {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ}.
وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم حتى أنه لبث فيهم يدعوهم إلى الإيمان بالله وحده حوالي ألف سنة إلا خمسين عاما ومع ذلك ما آمن به إلا القليل وكان كلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته .
وكان الوالد يوصي ابنه أن لا يؤمن بنوح أبدا ما عاش ودائما ما بقي ولهذا قال تعالى
{وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً}.ولهذا قالوا{قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }هود32.
ولكن الله أراد أن يسله عما حدث منهم فقال { وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }هود36 ثم أمره أن يصنع السفينة {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ }هود37 ذلك أن نوحا لما يأس من عناد قومه وكفرهم وأذيتهم له , دعا عليهم دعوة غضب فلبى الله دعوته , قال تعالى {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ }الصافات75 {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً }نوح26{إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً }نوح27لذلك أنره الله أن يصنع الفلك وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها ولا يكون بعدها مثلها وقال الله له إنه إذا جاء أمره. وحل بهم باسه أن لا يخاطبه في القوم المجرمين فقال تعالى {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ }هود37.
أخذ نوح في صنع الفلك وكان كلما مر عليه قوم سخروا منه واستهزءوا به
قال تعالى{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ }هود38.
وقد قال بعض السلف أن الله أمره أن يغرس شجرا ليعمل منه السفينة فغرسه وانتظره مائة عام , ثم نجره في مائة عام أخرى وقيل أربعين سنة والله أعلم
وقيل أنه أمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا وقيل كان طولها ألفي ذراع وعرضها مائة ذراع وكلن ارتفاعها ثلاثين ذراعا وكانت ثلاث طبقات كل واحدة عشرة أذرع وكانت السفلى للدواب والوحوش والوسطى للناس . والعليا للطيور . وأمره أنه إذا جاء أمره وحل بأسه أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات وسائر فيه ومن المأكولات لبقاء نسلها وأن يحمل معه أهل بيته إلا من سبق عليه القول منهم أي إلا من كان كافر وأن لا يحاول ان يراجعه فيهم إذا ما حل عليهم العذاب . قال تعالى{حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }هود40.
والتنور عند الجمهور وجه الأرض أي نبعت الأرض من سائر أنحائها حتى نبعت التنانير التي هي محال النار .
وقد اختلف العلماء في عدة من كانوا معه فقالوا ثمانين نفسا , وقالوا اثنين وسبعين , وقيل كانوا عشرة , وقيل سبعة . قال تعالى {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }المؤمنون28 أمره أن يحمد ربه على ما سخر له من هذه السفينة فنجاه بها .
فال تعالى {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }هود41 . أي على اسم الله ابتداء سيرها وانتهاؤه . وقال تعالى {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ } ذلك بأن الله أرسل من السماء مطرا لم تعهده الأرض قبله ولا تمطره بعده , وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها كما قال تعالى {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ. فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ }.
وقد ذكر ابن جرير أن الطوفان كان في الثالث عشر من آب (أغسطس) وقال جماعة من المفسرين أن الماء ارتفع على أعلى جبل بالأرض وعم جميع الأرض طولها , وعرضها , سهلها , وجبالها , وقفارها, ورمالها ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ }هود42{ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ }هود43 وهذا الإبن هو يام أخو سام وحام ويافث وكان كافرا عمل عملا غير صالح فخالف أباه في دينه ومذهبه فهلك مع من هلك
{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }هود44 أي لما فرغ من اهل الآرض ولم يبقى أحد ممن عبد غير الله وحده أمر الله الأرض أن تبلع ماءها وأمر السماء أن أن تقلع أي تمسك عن نزول المطر وغيض الماء أي نقص عما كان قال تعالى {فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ }الأعراف64 . ثم ذكر الله تعالى مناشدة نوح ربه في ولده وسؤاله له عن غرقه على وجه الاستعلام وأنه وعده بنجاة أهله معه وهو منهم فأجيب بأنه ليس من أهلك أي الذين وعدت بنجاتهم لإنه عمل غير صالح وقد غرق مع حزبه من أهل الكفر والطغيان .
ولما نضب الماء على وجه الأرض وأمكن السعي فيها أمر الله نوح أن يهبط من السفينة بعد أن استقرت على جبل الجودي وهو جبل بأرض الجزيرة (بسلام منا وبركات ) أي اهبط سالما مباركا وعلى من سيولد من أولادك فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلا سوى نوح عليه السلام .وعن قتادة عن الحسن عن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم " .
وعن ابن عباس قال : كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلا معهم أهلوهم وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوما وإن الله وجه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوما ثُم وجهها إلى الجودي فاستقرت عليه .
فال الله تعالى { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }الإسراء3 .فيل أنه كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشانه كله .
صومه عليه السلام
عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " صام نوح الدهر إلا يوم عيد الفطر ويوم الأضحى "
في المرة القادمة بإذن الله ساتكلم عن هود عليه السلام
توقيع : بهجه فراج
[align=center]  [/align]
|