عرض مشاركة واحدة
قديم 18-09-09, 10:50 AM   #4
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
مشاركة رد: رباعيات الخيام (ترجمة الصافي النجفي)


الصافي النجفي شاعر سياسي ووطني من الدرجة الأولى وبامتياز كما يشهد له بذلك شعره الحافل بالأشعار الوطنية والسياسية المناوئة للإستعمار وعملائه،فلقد شغل هذا الشعر مساحة واسعة من دواوينه ومجموعاته الشعرية،حتى أننا إذا ذكرنا الصافي تداعى إلى أذهاننا الشعر الوطني والسياسي بكل مايحمله هذا المصطلح من معنى.

وقد ذكر د. العاتي أن الصافي النجفي قد انتمى إلى حركة المشروطة(الحركة الدستورية) المناهضة للاستبداد، والداعية إلى التعددية الحزبية، والحياة البرلمانية الحقيقية. وأكثر من ذلك فإن الصافي كان يتوفر على مشاعر قومية جياشة. وحينما قاد العقيد صلاح الدين الصباغ حركته الإنقلابية اتهمت ألمانيا بأنها كانت وراء ذلك الانقلاب. ويبدو أن تهمة النازية قد لحقت بشاعرنا الكبير الصافي النجفي، حيث اعتقلته القوات البريطانية إثر وشاية ملفقة، وزجّته في السجن لمدة 43 يوماً تفاقمت إثرها حالته الصحية، وشارف على الخطر، لكن القائمين على السجن نقلوه تحت الحراسة إلى مستشفى سان جورج، ثم أعادوه إلى السجن حينما تماثل للشفاء. وخلال مدة سجنه أنجز الصافي ديواناً كاملاً أسماه "حصاد السجن"، ويعد هذا الديوان بحق علامة فارقة في أدب السجون في العصر الحديث. وعلى الرغم من الوضع المأساوي الذي كان يعيشه الصافي في السجن إلا أن السخرية لم تفارقه،كما نرى في البيتين التاليين:

رمونا كالبضائعِ في سجونٍ وعافونا ولم يُبدوا اكتراثا

رمونا في السجن بلا أثاثٍ فأصبحْنا لسجنِهمُ أثاثا

ويؤكد العاتي أن صديقه القديم صالح جبر هو الذي توسط لدى السلطات البريطانية حينما كان وزيراً للداخلية، ووكيلاً للخارجية، وأخرجه من السجن. وعلى اثر تلك الوشاية المغرضة أصبح الصافي متوجساً في علاقاته الشخصية مع الناس الآخرين. ومع ذلك فقد ظلت نزعته القومية الوطنية قوية، وربما يكشف تشبثه بالزي العربي عن طبيعة هذه النزعة المشروع في وقت كانت تعاني فيه العروبة من توجهات قطرية عدائية. "

وفي خلال رحلة عمره التي امتدت زهاء الثمانين عاماً، كتب الصافي النجفي شعراً متميزاً يضم بين دفتيه المواقف المتعارضة مع السلطة، والمنتمية إلى الشعب؛ فقد نبذ التسلط العثماني وعاصر أدوار الحكم الملكي المتعاقبة على العراق، وكانت بداية المواجهة بينه وبين السلطة تتمثل في الموقف الوطني الذي اتخذه إبان الثورة العراقية الكبرى " ثورة عام 1920 " تلك التي انطلقت شرارتها من جنوب العراق رداً على الاحتلال البريطاني الغاشم للبلاد ثم تطورت لتشمل كل مدن العراق دون استثناء وساهمت فيها القوى الوطنية وفي مقدمتهم علماء الدين ووجد الصافي النجفي نفسه مكلفاً من قبل قيادة الثورة ليكون وسيلة الاتصال ونقل المعلومات بين القيادة وجماهير الثورة في النجف وما يجاورها من مدن أخرى، وقد تمكن من إيصال رسالة الثورة في مناهضة قوى الاحتلال ومطالبته بالاستقلال من خلال الكثير من القصائد الوطنية التي كتبها ودون فيها تفاصيل الثورة ومواقف الثوار والحوادث التي حصلت من المقاومة الباسلة والقتال الذي تكبدت فيه بريطانيا وقواتها افدح الخسائر وهي تواجه بترسانتها العسكرية شعباً اعزل لا يملك سوى أسلحة بدائية ولكنه يملك الأيمان ويسعى إلى الحرية، وعندما تمكنت بريطانيا من إخماد الثورة، كان الصافي النجفي من الأشخاص المطلوبين للاعتقال والمحاكمة ثم الصادر بحقهم عقوبة الشنق، وفي ذلك يقول:

ولئن أُشْنَقْ تكنْ مقبرتي منبراً يعلنُ جرمَ الإنجليزِ

ثم غادر العراق متخفيا نحو الأراضي الإيرانية –كما ذكرنا- وظل من هناك يرسل قصائده الوطنية مساهماً في تأجيج غضب الجماهير ونقمتها على وجود بريطانيا وقواتها والعملاء الذين كانوا ينفذون سياستها الغاشمة وهو يخاطب القوة المحتكمة إلى الفعل القسري المضاد لتطلعات الجماهير قائلاً:

أيها القوةُ مهلاً فاحذري إنّ في التاريخِ للناسِ خبرْ

وإليّ أصغي قليلاً و انظري ومعي سيري تري فيه العبرْ

كم هُوَّةٍ مِن قوةٍ قبل الأجلْ وعروشٍ وشعوبٍ و دولْ

بعد ما صالوا بجندٍ وخَوَلْ إنهم بالسيفِ قاموا وعَلَوْا

وبه أيضاً من الأوجِ هَوَوْا

ونظم الصافي القصیدة التالیة عندما إشتدّ علیه المرض في السجن وکان الإنجلیز یعلّلونه کل یوم بأنهم أبرقوا إلی حکومة العراق یسألونها رأیها فیه، وقد مرّ علیه سبعة وعشرون یوماً وهو یستغیث من الداء وهم لا یسمحون بنقله إلی المستشفی، ولمّا إشتدّت علیه وطأة الداء أنشأ قائلاً دون أن ينسى لهجته الساخرة المعتادة :

سُجِنتُ وقد أصبحت سلوتي من السقمِ، عَدّي لأضلُعي

أعالجُ بالصبرِ برحَ السّقامِ ولکنّ علاجيَ لم ینجعِ

أتاني الطبیبُ وولّی سُدیً وراحَ الشفیعُ فلم یشفعِ

وکم قیلَ مدِّدْ مدی الإصطبارِ ومهما عراکَ فلا تجزع

وکم ذا أمدُّ مدی الإصطبارِ فإن زدتُ في مدِّه یُقطع

ولکنّهم صادفوا عقدةً بأمريَ تُعیي حِجی الألمعي

حکومةُ لبنانَ قد راجعت فرنسا لفکِّي فلم تسطعِ

وراحت فرنسا إلی الإنکلیزِ تراجعُهم جَلَّ مِن مرجعِ

وقد راجعَ الإنکلیزُ العراقَ وللیومِ بالأمرِ لم یُصدَعِ

فقلتُ: إعجبوا أیّها السامعونَ ویا أیّها الخلقُ قولوا معي:

أمِن قوّتي صرتُ أم من ضعفِهم خطیراً علی دولٍ أربعِ؟!

ومن قصیدة طويلة له ضمن مقطّعات تحمل عنوان «ملحمة السجن»، عنوانها «ألواح وأشباح» نظمها بأسلوبه الساخر المعتاد وهو یعاني مرارة السجن في خارج وطنه،ويبدو أن وطأة السجن كانت قاسية في هذه المرة على الشاعر أو يبدو أن مدة السجن قد طالت على الشاعر دون أن يأتي الفرج فإذا باليأس يسيطر بظله الكئيب على نفس الشاعر، لتختلط عنده السخرية بالشعور بالإحباط واليأس، فيتفجر كل ذلك على لسانه شعراً مريراً مفعماً بالجزع والإنقباض اللذين قلما نعهدهما لدى شاعرنا الساخر حتى أنه ليتمنى الموت على هذه الحالة التي فرضت عليه،فلنستمع إليه وهو يعزف على مسامعنا هذه السمفونية الكئيبة:

أری في غربةِ الأنسانِ سجناً فکیف بسجنِ إنسانٍ غریبِ

یزورُ رهینَ سجنٍ أهلُ قربی ولکنّي السجینُ بلا قریبِ

أبشّرُ عندَ فتحِ البابِ نفسي بأن ستفوز بالفتحِ القریبِ

فمَن لي أن أری یأساً مُریحاً یخلِّصُني من الأملِ الکذوبِ

سأقتلُ حيَّ آمالي سریعاً وأرجعُ منه ذا سیفٍ خضیبِ

فإنّ لخادعِ الآمالِ عُقبی تزیدُ مرارةَ القلبِ الکئیبِ...

سیُمسکُني وقارُ الیأسِ کیلا أراني لُعبةَ الأملِ اللعوبِ

وأُغضي عن سَنا الآمالِ طرفي وأدخلُ ظلمةَ الیأسِ الرهیبِ

فإنّ أشعةَ الآمالِ تحکي نِصالاً واخِزاتٍ للقلوبِ..

تسامرُني همومي في الدیاجي ویُطربُني فؤادي بالوَجیبِ

فکم في السجنِ من لیلٍ غضوبٍ وکم في السجنِ من یومٍ عصیبِ

وزادَ عليَّ ضیقَ السجنِ أني حُرِمتُ به من الخِلِّ الأریبِ

فأدعو اللهَ تعجیلاً بفکٍّ لسجني أو بسجنِ فتیً لبیبِ

تمنّیتُ الزیارةَ من قریبٍ وإن تکُ زورةَ الأجلِ القریبِ

على أن شعر شاعرنا الصافي لم يقتصر على المواضيع السياسية البحتة،فنحن واجدون في شعره بعض الموضوعات التي يغلب عليها الطابع الإجتماعي وإن لم تخرج في بعض الأحيان من الإطار السياسي؛ومن جملة هذا الشعر ذلك الذي نظر فيه شاعرنا احمد الصافي النجفي نظرة معمقة إلى البيئة الفلاحية وكيف استحوذ نظام الإقطاع على جهود الفلاحين الذين يصلون الليل بالنهار في عمل مضن دون الحصول على الحياة الحرة الكريمة، وهو يرى أن دوره التحريضي يقضي إن ينبه أبناء شعبه من الحيف الذي لحق بهم كمن يضع أمامهم مشعلاً منيراً ليكشف عن سجف الظلام، وكمن يمهد بذلك إلى الثورة حيث يقول في ذلك مشيراً إلى النظام الإقطاعي الذي كان سائداً في عصره والاستغلال البشع الذي كان الفلاح يتعرض له حيث تصادر جهوده،وحيث لا يملك من أمره شيئاً، فالإستعمار مخيم على البلاد من كل حدب وصوب وهناك استعمار داخلي فضلاً عن الخارجي لايقل عنه بشاعة وظلماً،ولذلك نرى الشاعر يتعاطف مع هذه الشريحة المستضعفة:

رفقاً بنفسك أيها الفلاحُ تسعى وسعيُك ليس فيه فلاحُ

هذي الجراحُ براحتيك عميقةٌ ونظيرُها لك في الفؤادِ جراح

عرقُ الجبينِ يسيلُ منك لآلئاً فيُزانُ منه للغنيِّ وشاحُ

النهاية المحزنة:

وفي لبنان شهد الصافي الأحداث الدامية فكان يسير في جوار الحيطان والمباني المتهدمة خوفاً من الرصاص الطائش. واشتد إطلاق الرصاص عشوائياً في منتصف كانون الثاني 1976 فآوى إلى غرفته القريبة من مستشفى (أوتيل ديو) ومكث مدة خمسة أيام دون طعام وأصيب جدار غرفته بخمس رصاصات وعند توقف إطلاق الرصاص خرج ليفتش عن رغيف خبز يسد به جوعه، سار قليلاً عن منزله فأحس بحرارة تسري في جسمه ظنّ في بادئ الأمر أن حمّى شديدة قد انتابته إلا أنه لم يتمالك نفسه فسقط أرضاً عند باب جاره وإذا به مصاب بعدة رصاصات!، اتصل جاره بالسفارة العراقية وأعلمها بما جرى فأرسلت له سيارة إسعاف ونقلته إلى مستشفى المقاصد لإسعافه وبعدها نقل الصافي إلى بغداد في 1976 وأدخل مدينة الطب للمعالجة بعد ان دب الضعف في جسده النحيل أصلاً وكف بصره فقال في هذا الحادث :

يا عودةً للدارِ ما أقساها أسمعُ بغدادَ ولا أراها

ولكن الأمل مالبث أن عاوده من جديد ليقول:

بين الرصاصِ نفدتُّ ضمنَ معاركٍ فبرغمِ أنفِ الموتِ ها أنا سالمُ

ولها ثقوبٌ في جداري خمسةٌ قد أخطأتْ جسمي وهنّ علائمُ


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس