عرض مشاركة واحدة
قديم 09-09-09, 01:51 PM   #40
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: قبس من مصابيح الهدى


المبحث العاشر : أقواله :
كان من آثار العلم والفقه والحديث الذي حمله عروة أن أُوتي فصاحة في لسانه وبلاغة في منطقه وكذلك حكمة في رأيه وسداداً فيه ، فنقلت عنه كلمات سارت بها الركبان لما فيها من فصاحة وجمال وبلاغة ، وإني في هذا المبحث أحاول أن أجمع بعض مقولاته التي انتقيتها من بطون الكتب والمراجع ولا أدعي أني جمعتها فهذا مما يشق ويعسر ، فمن أقواله :
قال هشام بن عروة : قال أبي : رب كلمة ذُّل احتملتها أورثتني عزاً طويل(43).

وقال : ماحدثت أحداً بشيء من العلم قط لا يبلغه عقله إلا كان ضلالة عليه(44).
وقال : كان يقال : أزهد الناس في عالم أهله(45).
وقال هشام بن عروة عن أبيه قال : إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة ، فاعلم أن لها عنده أخوات فإذا رأيته يعمل السيئة فاعلم أن لها عنده أخوات ، فإن الحسنة تدل على أخواتها وإن السيئة تدل على أخواته(46).
وعن هشام بن عروة قال : قال عروة لبنيه : يابني لا يهدين أحدكم إلى ربه عز وجل ما يستحي أن يهديه إلى كريمه فإن الله عز وجل أكرم الكرماء وأحق من اختير إليه(47).
وعن هشام قال : قال عروة لبنيه : يابنِّي تعلموا فإنكم إن تكونوا صغار قوم عسى أن تكونوا كبارهم ، وسوأناه ! ماذا أقبح من شيخ جاهل(48)؟ .
وقال : إذا رأيتم خلة شر رائعة من رجل فاحذروه وإن كان عند الناس رجل صدق فإن لها عنده أخوات ، وإذا رأيتم خلة خير رائعة من رجل فلا تقطعوا عنه إياسكم ، وإن كان عند الناس رجل سوء فإن لها عنده أخوات ، قال الناس بأزمنتهم أشبه منهم بآبائهم وأمهاتهم ، لفظ الجوهري(49).
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال : مكتوب في الحكمة لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك بسطاً تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء(50).

قال معاوية بن إسحاق عن عروة ، قال : مابر والده من شد الطرف إليه(51).
وغيرها من الأقوال الحكم التي فاض بها فمه وتناقلها الرواة عنه مما أعجز ويشق عليِّ تتبعه واستقراؤه(52) .

* المبحث الحادي عشر : شِعْره :
كان عروة بالإضافة إلى فقهه وروايته للحديث راوياً للشعر وكان مكثراً منه حتى عُرِف به واشتُهر عنه ، حتى قال عنه ابن كثير : (( وكان أروى الناس للشعر )) (53) .
وعن ابن أبي الزناد ، قال : مارأيت أحداً أروى للشعر من عُروة .
فقيل له : ما أرواك للشعر ؟!
فقال : ماروايتي مافي رواية عائشة ، ماكان ينزل بها شيء إلا أنشدتْ فيه شعر(54).
فلقد كان من أكبر الأسباب التي أدت إلى روايته للشعر تأثره بخالته أم المؤمنين والتي تأثر بفقهها ولازمها وروى عنها الحديث عائشة بنت الصديق رضي الله عنها .

* المبحث الثاني عشر : عبادته :
بالإضافة إلى علمه كان عروة رحمه الله ممن عرف بالعبادة ، والإكثار منها وقد قسم هذا المبحث إلى مطلبين :
المطلب الأول : قيامه وقراءته القرآن :
كان عروة ممن عرف عنه الإكثار من قراءة القرآن حتى أن كان يقرأ كل يوم ربع القرآن ويقوم به الليل(55) ، وكانت قراءته للمصحف نظراً بالتدبر والتفكر حتى يذهب عامة يومه به ثم يقوم تلك الليلة بذلك الربع من القرآن على التدبر والتفكر حتى يذهب عامة ليله به وما ترك ورده من الليل إلا ليلة قطعت رجله(56) .
وروي أنه لم تيرك جزءه وورده حتى تلك الليلة(57) .
المطلب الثاني : صيامه :
أورد كثير ممن ترجم لعروة حاله مع الصيام ، فقد روي أنه كان يصوم الدهر ويسرده إلا يوم الفطر ويوم النحر ، حتى أنه رحمه الله صام يوم قطع رجله من المفصل فما تضور وجهه ، ومات رحمه الله تعالى وهو صائم وجعلوا يقولون له : افطر ولم يفطر(58)، وغيرها من العبادات التي سأنثرها في طيات هذا البحث إنشاءالله .

* المبحث الثالث عشر : أخلاقه :
كما تميز عروة رحمه الله بأخلاق حميدة وخصال جليلة جعلت منه ذلك الإمام المشار إليه بالبنان وذلك الإمام والعالم الذي ملأ به أهل السير سيرهم ، واقتدى به المقتدون ،
واخترت من أخلاقه ما أسعفني به أهل السير ومن ترجم له من المواقف ، وقد قسمتها على أربعة مطالب :
المطلب الأول : كرمه :
كانت هذه الخصلة الحميدة مما فاضت به كتب السير في سيرة عروة فلقد روي أنه إذا كان أيام الرطب ثلم حائطه فيدخل الناس فيأكلون ويحملون . وكان إذا دخله ردّدّ هذه الآية فيه حتى يخرج منه (( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاءالله لا قوة إلا بالله )) (59)، حتى يخرج(60) .
وقيل : كان ينزل حوله ناس من البدو فيدخلون ويأكلون ويحملون(61).
وما ذلك إلا لكرمه وحسانه إلى الناس مما جعل الناس يذكرونه بخير حتى قال ابنه هشام : ماسمعت أحداً من أهل الأهواء يذكر أبي بسوء(62).

المطلب الثاني : ورعه :
المواقف التي تدعم القول بأن هذه الصفة مما اتصف به عروة كثيرة نذكر منها :
ما قاله أحمد بن عبد الله العجلي : عروة بن الزبير تابعي ثقة ، رجل صالح ، لم يدخل في شيء من الفتن (63)، وذكر نحوها في غير موضع(64).
وذكر ابن سعد في طبقاته أنه كان علي بن حسين بن علي بن أبي طالب يجلس كل ليلة هو وعروة بن الزبير في مؤخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العشاء الآخرة ، فكنت أجلس معهما ، فتحدثنا ليلة فذكر جور من جار من بني أمية والمقام معهم وهو لا يستطيع تغيير ذلك ثم ذكرا ذلك وما يخافان من عقوبة الله لهم فقال عروة لعلي : ياعلي إن من اعتزل أهل الجور والله يعلم منه سخطه لأعمالهم فإن كان منهم على ميل ثم أصابتهم عقوبة الله رجي له أن يسلم مما عصا بهم ، فخرج عروة فسكن العقيق(65).
فلما اتخذ عروة قصره بالعقيق قال له الناس : جفوت مسجد رسول الله ! قال : رأيت مساجدهم لاهية ، وأسواقهم لاغية ، والفاحشة في فجاجهم عالية ، فكان فيما هنالك – عما هم فيه – عافية(66)، ولما فرغ من بنائه وبئاره ، دعا جماعةً ، فطعم الناس ، وجعلوا يبَّركون وينصرفون(67).
كذلك مما يروى من ورعه : أنه قال : كنا نقول : لا نتخذ كتاباً مع كتاب الله ، فمحوت كتبي ، فوالله لوددت أن كتبي عندي ، إن كتاب الله قد استمرت مريرته(68).
وروي أنه أحرق كتباً له فيها فقه ، يوم الحرة ، فكان يقول بعد ذلك : والله لوددت لو أني فديتها بأهلي ومالي(69)، فهو لم يحرق كتبه إلا خشية أن تختلط بكتاب الله تعالى وهذا من ورعه رحمه الله تعالى .
المطلب الثالث : تواضعه :
مع ما تميز به عروة كان يتحلى بتواضع جمِّ . فقد
قال هشام بن عروة : كان أبي يدعوني وعبد الله بن عروة وعثمان وإسماعيل إخوتي وآخر سماه هشام ، فيقول : لا تغشوني مع الناس لكن إذا خلوت فسلوني ، وكان يأخذ بأحاديث في الطلاق ثم الخلع ثم الحج ثم الهدي ثم كذا ثم كذا .... (70) .
فعروة يأمر أبنائه بألا يسألوه أمام الناس ، لئلا يكون ذلك سبباً لأن يسأله الناس ، وذلك مع علمه وفقهه الذي عُرِف ومُيِّر به . فكيف بحالنا ؟؟!! .
المطلب الرابع : محنته وصبره :-
إذا ذكر اسم عروة بن الزبير فإنه غالباً ما يذكر معهما قصة بلائه ومحنته وصبره بعد ذلك وهي قصة قطع رجله لما وقعت فيها الآكلة فنشرها فما زاد على أن قال الحمدلله . وبما أننا التزمنا بذكر سيرته كان لزاماً علينا أن نورد هذه القصة فإلى تفاصيلها :
روي أن عروة خرج إلى الوليد بن عبدالملك ، حتى إذا كان بوادي القرى ، فوجد في رجله شيئاً ، فظهرت به قرحة الآكلة (71) ، ثم ترقى به الوجع ، وقدم على الوليد وهو في محْمل ، فقيل : ألا ندعوا لك طبيباً ؟ قال : إن شئتم ، فبعث إليه الوليد بالأطباء فأجمع رأيهم على أن لم ينشروها قتلته ، فقال شأنكم فقالوا : اشرب المُرقد(72) ، فقال : امضوا لشأنكم ، ماكنت أظن أن خلقاً يشرب مايزيل عقله حتى لا يعرف ربه عز وجل ، ولكن هلموا فاقطعوها .
وقال ابن قتيبة وغيره : لما دعي الجزار ليقطعها قال له : نسقيك خمراً حتى لا تجد لها ألماً ، فقال : لا أستعين بحرام الله على ما أرجو من عافية ، قالوا : فنسقيك المرقد ، قال : ما أحب أن اسلب عضواً من أعضائي وأنا لا أجد ألم ذلك فأحتسبه ، قال : ودخل قوم أنكرهم ، فقال : ماهؤلاء ؟ قالوا : يمسكونك فإن الألم ربما عَزَبَ معه الصبر ، قال : أرجو أن أكفيكم ذلك من نفسي ...
فوضع المنشار على ركبته اليسرى فنشروها بالمنشار فما حرك عضواً عن عضو وصبر حتى فرغوا منها ثم حمسوها وهو يهلل ويكبر ، ثم إنه أغلي له الزيت في مغارف الحديد فحسم به ، ثم غشي عليه ، وهو في ذلك كله كبير السن وإنه لصائم فما تضور وجهه ، فأفاق وهو يمسح العرق عن وجهه .
وروي أنه لما أُمر بشرب شراب أو أكل شيء يذهب عقله قال : إن كنتم لا بد فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة فإن لا أحس بذلك ولا أشعر به ، قال : فنشروا رجله من فوق الآكله من المكان الحيَّ احتياطاً أنه لا يبقى منها شيء وهو قائم يصلي فما تصور ولا اختلج فلما انصرف من الصلاة عزّاه الوليد في رجله .
وقيل : إنه قطعت رجله في مجلس الوليد ، والوليد مشغول عنه بمن يحدثه ، فلم يتحرك ولم يشعر الوليد أنها قطعت حتى كويت فوجد رائحة الكي . وقال الوليد : مارأيت قط شيخاً أصبر من هذا .
ولما رأى رجله وقدمه في أيديهم أو في الطست دعا بها فتناولها فقلبها في يده ثم قال : أما والذي حملني عليك أنه ليعلم أن مامشيت بك إلى حرام ، أو قال : إلى معصية . ثم أمر بها فغسلت وحنطت وكفنت ولفت بقطيفه ثم أرسل بها إلى المقابر .
وكان معه في سفره ذلك ابنه محمد ، ودخل محمد اصطبل دواب الوليد ، فرفسته دابة فخر ميتاً . فأتى عروة رجل يعزيه ، فقال : إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها . قال : بل أعزيك بمحمد ابنك ، قال : وماله ؟ فأخبره ، فقال : اللهم أخذت عضواً وتركت أعضاء ، وأخذت ابناً وتركت أبناءًا . فما سمع منه شيء في ذلك حتى قدم المدينة فلما قدم المدينة . أتاه ابن المنكدر ، فقال ، كيف كنت ؟ قال (( لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً )) (73)وقال : اللهم إنه كان لي أطراف أربعة فأخذت واحداً وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد ، وكان لي بنون أربعة فأخذت واحداً وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد وأيم الله لئن أخذت لقد أبقيت ولئن ابتليت لطالما عافيت ، وروي : اللهم إن كان لي بنون سبعة ... (74) .
ولما دخل المدينة أتاه الناس يسلمون عليه ويعزونه في ابنه ورجله ، فبلغه أن بعض الناس ، قال : إنما اصابه هذا بذنب عظيم أحدثه ، فأنشد عروة في ذلك متمثلاً أبياتاً لمعن بن أوس :
لعمرك ما أهويت كفي لريبة *** ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها *** ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماشٍ ماحييت لمنكر *** من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة *** وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الدهر *** إلا قد أصابت فتى قبلي (75)

وكان أحسن من عزاه إبراهيم بن محمد بن طلحة ، فقال له : والله مابك حاجة إلى المشي ، ولا أربُ في السعي ، وقد تقدمك عضو من أعضائك وابن من أبنائك إلى الجنة ، والكل تبع لبعض - إنشاء الله تعالى - وقد أبقى الله لنا منك ماكنا إليه فقراء من علمك ورأيك نفعك الله وإيانا به ، والله ولي ثوابك ، والضمين بحسابك(76)، وعاش بعد قطع رجله ثماني سنوات(77). ولم يدع ورده من القرآن والقيام وحتى في هذه الليلة - كما مر بنا - .

* المبحث الرابع عشر : رحلاته وتنقلاته :
مما ذكر من ذلك أن عروة قدم البصرة على ابن عباس وهو عامل فيها ، فيقال أنشده :
أمُتُّ بأرحامٍ إليك قريبةٍ *** ولا قُربَ بالأرحام مالم تُقرٍّب

فقال لِعروة : من قال هذا ؟ قال : أبو أحمد بن جحش ، قال ابن عباس : فهل تدري ما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، قال : قال له : صدقت ، ثم قال : ما أقدمك البصرة ؟ قلت : اشتدت الحال ، وأبى عبدالله أن يقسم سبع حِجَجٍ تألى حتى يقضي دين الزبير ، قال : فأجازني وأعطاني ، ثم لحق
عصر ، فتزوج وأقام بها بعد سبع سنين ثم عاد إلى المدينة(78).
فهو انتقل إلى البصرة ثم إلى مصر فتزوج واقام بها سبع سنين ثم رجع الى المدينة .


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس