عائلة بشكار : حلّ العيد و أبناؤها الأربعة في قيد الحديد
نابلس – تقرير خاص :
بدأت تلملم جراحها ، و ترتدي وشاح الصبر الذي تتجمّل به الأمهات الفلسطينيات مع قدوم كلّ عيد لا يحمل عن الأبناء نبأ سعيد ، أم محمد ، من مخيم عسكر حكاية غير جديدة و قصة طالما مثلت ملاحم الأحزان التي يعيشها الفلسطينيون في غمرة فرحتهم .
استقبلت زوارها الذين حضروا للتخفيف عنها من ألم فراق الأبناء خلف القضبان فإذا بها هي من يداوي جراح الزائرين و يبعث بسمة الأمل على شفاههم و هي تبدأ حديثها بذكريات البيت الذي كان يعمر بضحكات عنان و شادي و عبد الهادي و عبد الرحيم ، في قلب مخيم عسكر الجديد نشأوا و شبّوا كالغراس تعهّدتهم يداها بالرعاية و قلبها بالحنان بعد رحيل الوالد و وفاته ، تقول أم محمد : "ليست هذه أول مرة نستقبل فيها رمضان و نودّعه في انتظار العيد و نحن محرومون من لقاء بعضنا البعض" .
ما أوحش فراق الأحبة و ما أصعب البعد حين يفتح باب الذكريات على قلب الأم التي تذكر أبناءها في العيد لتجدهم جميعاً قد رحلوا و غابوا عنها و استقرّ بهم المقام في مكان بعيد .
أم محمد ربة بيت اعتقل أصغر أبنائها قبل أكثر من عامين ، عبد الرحيم يبلغ من العمر (21 عاماً) و يقبع الآن في سجن شطة بعد أن أصدرت إحدى محاكم الاحتلال عليه حكماً بالسجن لشعر سنوات بعد اتهامه بالقيام بنشاطات و فعاليات ضد الاحتلال .
أما عبد الهادي (26 عاماً) الطالب في قسم التربية الرياضية بجامعة النجاح فقد أمضى كذلك عامين في سجون الاحتلال في انتظار إنهاء محكوميته البالغة 26شهراً .
تقول أم محمد : "ما يخفّف عنا ما نحن فيه من بلاء و محنة أن عبد الرحيم و عبد الهادي ما زالا يعيشان في البيت ، فهما عازبان و ليس هناك من مسؤوليات يعيق اعتقالهما الالتزام بها و إن كانت أحكام الاحتلال عليها جائرة و ظالمة ، فأنا أعدّ الأيام التي بقيت لعبد الهادي حتى يفرج الله عنه و ثقتي بالله كبيرة أن عبد الرحيم لن يقضي محكوميته داخل السجن ففرج الله أقرب إلينا من حكم الظالمين" .
و تتضاعف معاناة عائلة بشكار باعتقال عنان (31 عاماً) منذ أكثر من سنة ، عنان متزوّج و أب لولدين و طفلتين ، عائلة بأكملها يغيب عنها الوالد إلى أن يشاء الله ، فهو يقبع الآن في سجن مجدّو و لم يصدر بحقّه بعد أيّ حكم و لا تعلم العائلة و لا أطفاله الأربعة الذين لا يتوقّفون عن السؤال عنه و إن كان سيقضي العيد بينهم أو بعيداً عنهم .. و هذا أيضاً حال الطفل صهيب الذي أبصر النور و والده شادي (28 عاماً) موقوف كذلك في سجون الاحتلال .
كلنا في الهم شرق :
و ترى أم محمد في غياب عنان و شادي عن عائلاتهم معاناة مضاعفة و هي تحتضن أحفادها من أبنائهم و تقول : "لم يرتكب هؤلاء الأطفال ذنباً كي يحرَموا فرحة العيد مع آبائهم ، و حتى أبنائي عنان و شادي و جميع أسرانا ماذا فعلوا ليزجّ بهم خلف القضبان ، لم يبحثوا هم عن الاحتلال و إنما المحتلون جاءوا يبحثون عنا ، لم يرُقْ لهم رؤيتنا نعيش حياتنا بشكلٍ طبيعي" .
أم محمد التي اعتادت أن تتحدّى قسوة الظروف في مسيرة حياتها ما زالت تتشبث بالأمل و تنظر إلى غياب أبنائها عنها بأنه ضريبة بدفعها كلّ من يطالب بحقوقه و يعمل على تحصيلها ، حيث تقول : " نحن لا نشكو أمرنا و أمر من ظلمنا إلا لله وحده ، فالشكوى لغيره ذلة و مهانة و نحن أكبر من أن نهان أو نذلّ" .
و تضيف : "لقد كان الأربعة يملأون عليّ حياتي و يشيعون جوّ الفرح و الحياة في البيت ، الآن هم ليسوا هنا و لكني بانتظار عودتهم ، و أعلم أنهم يبعثون الحياة في أيّ مكان يحلّون فيه حتى و إن كان خلف القضبان" .
معاناة أم محمد تستمر و تتواصل مع التقارير الكثيرة و الدائمة حول معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ، لكنها ما تزال تصرّ على أن أبناءها جزء من المجموع الذي يقضي زهرات شبابه و خيرة سني حياته خلف القضبان ، حيث تقول : "أسمع عن معاناة الأسرى في شطة فأقلق على عبد الرحيم ، و عن وقوع مصادمات في النقب فأخشى على شادي و عبد الهادي ، و أعلم ان أسرى مجدّو قد أضربوا عن الطعام فأبدأ بالدعاء لعنان ، غير أن أهم ما في الموضوع أنهم ليسوا وحدهم هناك" .
قلب أم محمد أصبح موزّعاً بين ثلاث سجون يقبع فيها أبناؤها الأربعة لكنها ترى أنه يتّسع لذلك الحمل الكبير حيث تضيف : "قد يحمل العيد معه آلاماً و أحزاناً لكنه يبقى مناسبة للفرح والسرور ، نحن مؤمنون و عقيدتنا قوية و سلاحنا الصبر و الثبات و نعتقد أن ما يجري لنا هو شرف كبير ، فالسجون لا تفتح أبوابها إلا ليدخلها الرجال و أنا قد أعددت أبنائي ليكونوا رجالاً" .
أغلقنا أبواب الحديث و قفلنا عائدين و في مخيّلتنا لوحة من داخل المعتقل وقّعها الأبناء بقولٍ معروف :
عيد بأيّ جال عدت يا عيد بما مضى أم الأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم يا ليت دونك بيداً دونها بيد