عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-09, 12:44 PM   #6
 
الصورة الرمزية faucon

faucon
خطوات واثقة

رقم العضوية : 12810
تاريخ التسجيل : Jul 2009
عدد المشاركات : 77
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ faucon
رد: التشويش على قناة الحوار


أحد عشر عاما مرت على حادثة القتل الجماعي في سجن أبو سليم ولا تزال الدولة الليبية ترفض التعاطي مع القضية بمسؤولية وشفافية كما تعاملت مع ملفات أخرى وخطت فيها خطوات جيدة إلى الأمام كملف سجناء الرأي الذين أطلق سراحهم، وملف رفع قضايا تعويض سجناء السياسيين، وإطلاق سراح كتاب اعتقلوا بسبب كتابتهم على الإنترنت، وما باتت تشهده البلاد من هوامش في حرية التعبير استحسنته منظمات أهلية ودولية.

غير أن قضية "أبو سليم" التي وإن كانت الدولة تصر على اعتبارها أنها قضية "تمرد وعصيان" وقعت في سجن سياسي، بينما تقدم منظمات حقوق الإنسان المعروفة بحياديتها رواية مخالفة لما أوردته القيادة الليبية، وتؤكد أن ما وقع هو إفراط في استعمال القوة من قبل شرطة السجن المسلحين ضد سجناء عزل اعتصموا في باحة السجن مطالبين بتحسين أوضاعهم الإنسانية والصحية المسحوقة، فتم تصفيتهم بالعشرات، مما اعُتبر أكبر حادثة قتل جماعي تعرفها ليبيا في تاريخها الحديث، ولا تشبهها إلا حوادث نادرة في العالم كتلك التي وقعت في سجن تدمر بسوريا.

وأيا يكن التفسير وأيا يكن الأمر، فالقيادة الليبية التي تريد أن تنتقل من مرحلة "الثورة" إلى مرحلة "الدولة" ينبغي أن تبدأ في علاج ملف "حادثة أبو سليم" علاجا حقيقيا وتسوي القضية كما سوت ملفات سياسية كبيرة مع الغرب وملفات في حقوق الإنسان.
فمطلوب من الدولة أن تضمد جراح أم مكلومة تقفز من فراشها كلما طرق بابها طارق، لعله يكون ابنها الذي غاب عنها منذ صيف عام 1996، لا تعرف أهو حي فتنتظره أو ميت فتبكيه!؟.. مطلوب من الدولة تحرك جاد من أجل إنهاء مأساة الأهالي والأمهات من العذاب.. فمن الظلم أن تترك الأم سنة تلو سنة وهي تموت كمدا وحزنا.. وكم من أم أو أب ماتوا حسرة على أبنائهم المغيبين في ظلمات الجب.

إن أول ما يمكن أن تقوم به الدولة تجاه أهالي ضحايا حادثة أبو سليم، وتجاه الوطن والتاريخ، وتجاه الانتقال إلى بناء دولة العدل، هو أن تكشف الحقيقة كما هي وتروي بكل شفافية ما وقع في أبو سليمِ، فسماع القصة الحقيقية من الدولة سوف يهيئ النفوس نحو معالجة الموقف بهدوء وروية. الأمر الثاني على الدولة أن تشفع بيانها للحقيقة باعتذار عما ارتكبه موظفوها في السجن لأنها هي المسؤولة عنهم في كل الأحوال. ولعل من مصلحة الدولة أن تشكل لجنة تقصي حقائق مكونة من قبل رجال القانون والمحامين والقضاة الليبيين المعروفين بنزاهتهم تقوم هي بالبحث عن تفاصيل ما حدث وتعلن تقريرها بكل جرأة.

وإذا كانت ليبيا قد تحملت ذنب تفجير طائرة لوكربي التي تحوم عليها هذه الأيام الشكوك من جديد، ودفعت في سبيل رفع الحصار 10 مليون لكل عائلة أمريكية وبريطانية، فإن من الوطنية و"الرجولة" أن تتحمل الدولة مسؤولية جريمة "أبو سليم" حتى وإن كان قد صدر أمر إطلاق النار على السجناء العزل، من ضابط صغير، وأن تعتذر لأهالي الضحايا وتطلب منهم الغفران وأن تقوم بتعويضهم ماديا ومعنويا، وتعمل على ضم جراحهم وجبر كواسرهم وتسلمهم الجثث حتى يقوموا بدفنها من جديد والصلاة عليها.. ولتكن صلاة لأجل ليبيا بأن يحميها الله عز وجل من شر ما حصل في العراق ويحفظ الله وحدة ترابها عزيزا من أن يدنسه محتل.. مقتدين بقول القائل

بلادي وإن جارت علي عزيزة .. وأهلي وإن ضنوا علي كرام

ولا يجب على الدولة ان تخشى من كشف الحقيقة، فالدول القوية هي التي تواجه شعبها بأخطائها، ولعل في "إسرائيل" الدولة الغير شرعية أصلا، وتشكيلها للجنة "فينوغراد" للتحقيق في حرب لبنان، المثل، فقد احترمها العدو قبل الصديق.

إن "فوبيا الأمن وهواجس استهداف النظام" التي تسيطر على عقول بعض رجال الأمن في الدولة الليبية يجب أن لا تكون عائقا نحو التسريع بخطوات الانفتاح الداخلي والمضي في "مصالحة وطنية شاملة" تقوم على رد الحقوق المادية والمعنوية لأصحابها، فالليبيون شعب طيب ومتسامح إن كانت هناك نوايا حقيقة للتعايش، أما تأجيل ملفات الاصلاح والمصالحة الجادة بحجة الأمن وزعزعة استقرار الوطن فهو أمر مبرر عندما كانت أجواء التوتر قائمة مع أمريكيا والغرب، أما اليوم فلا مجال لمثل هذه المبررات على الإطلاق.

وفي الختام لا يسعنا إلا أن نشد على أسر ضحايا حادثة القتل الجماعي في سجن أبو سليم الذين اتجهوا للقضاء الليبي وبدؤوا في رفع دعاوى قانونية يطالبون فيها بالكشف عن مصير أبنائهم ومن ورائهم محامون وطنيون ينافحون عن حقوقهم.. ولن يضيع حق وراءه مطالب بإذن الله.




faucon غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس