عرض مشاركة واحدة
قديم 17-02-09, 03:05 AM   #8
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث


والحقيقة أن موقف الجواهري من الأمير عبد الإله والملك فيصل الثاني في قصيدتيه ته يا ربيع وناغيت لبناناً ، تصور بجلاء منقطع النظير التناقضات الكثيرة التي لوّنت حياة هذا الشاعر العظيم .

تكهن أن يموت غريبا :

إنتقل الجواهري إلى جوار ربه في دمشق في السابع والعشرين من شهر تموز من عام 1997 ، وكان قبل أكثر من سبعين عاماً قد تكهن بأن يموت خارج العراق ، وذلك في قصيدته الشاعر التي نشرتها له عام 1924 مجلة العرب للمرحوم اللغوي الأب انستاس ماري الكرملي ، قال فيها :

حمل الناس سكوناً



وجلالاً في الحنايا



شاعراً أدركه الموت



غريباً في الزوايا



سبر الأفق بعين



أدركت منه الخبايا




أجل ! إنتقل الجواهري إلى جوار ربه خارج بغداد التي أحبها وغناها ، ولذلك فإنه لم يشيع التشييع الذي كان يتوقعه ليسير في بغداد عشرات الألوف في موكب حزين مهيب قبل أن يوارى جثمان الجواهري الثرى ، غير أن مواكب عديدة سارت في مختلف أنحاء العالم من أستراليا في الشرق وحتى أمريكا في الغرب مروراً بآسيا وأوربا وأفريقيا لإحياء ذكرى الجواهري ، وكلها تضم عشرات الألوف من العراقيين الذين فروا من العراق هرباً من بطش صدام حسين ، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن صدام حسين كان قد أسقط الجنسية العراقية عن العراقي الأصيل العريق محمد مهدي الجواهري ، فتأمّل!!

هل من خلف للجواهري ؟

وبعد كل هذا الحديث الذي انحصر أكثره في سيرة الجواهري ، لا بد من الحديث قليلاً عن شاعريته الهادرة النادرة ، ولا بد من طرح هذا السؤال ، هل من خلف للجواهري ؟

الحقيقة هي أنه لا يمكن الرد على هذا السؤال في هذه الحقبة من الزمن ، لا سيما وأن الجواهري انتقل إلى جوار ربه بعد أن خلف للعربية والإنسانية دواوين شتى تضم ما يقارب من خمسة وعشرين ألف بيت ، الأمر الذي لم يتيسر لأي من شعراء العربية في مختلف العصور ، فهو فذ في هذه الناحية ، أضافة إلى أنه أبرز الشعراء طراً وأغزرهم مادة ، وأكثرهم أغراضاً ، وأنبتُهم قافية ، وأطولُهم نفساً ، وأعمقهم أدباً ، وأشرقُهم بياناً وألصقُهم بالتراث ، وهذه أمور لا تتوفر في أي شاعر معاصر من شعراء العربية ، لا سيما وأن معظم الشعراء المعاصرين يركضون وراء الخفيف السهل من الإنتاج الشعري .

كنا مرة في مقهى حسن عجمي في محلة الحيدر خانة من بغداد ، ودار الحديث مع الجواهري ، فيما دار ، عن الخلف ، فما كان من الجواهري إلا ورد رداً قاطعاً فاصلاً بقوله ((لو كان لبان)) وفعلاً مر على هذه المقولة الجواهرية أكثر من أربعين عاماً ، ولم يبرز هذا الخلف ، وسيمر أكثر من أربعين عاماً وربما أكثر من مئة عام قبل أن يبرز شاعر قد يقترب من مكانة الجواهري الشعرية ، فالعمالقة من أمثال الجواهري لا يظهرون كل قرن .



عندما دخل الجواهري السجن

بسبب الكاشير والطاريف عند يهود العراق

بعد مرور بضعة أشهر على وقوع حركة الإنقلاب التي قام بها اللواء الركن بكر صدقي في 29/10/1936 ، دخل الشاعر محمد مهدي الجواهري السجن لأول مرة في حياته ، لا بسبب دعوة وطنية أو موقف وطني وإنما بسبب ((الكاشير والطاريف)) ، على الرغم من أنه كان من المناصرين لهذا الإنقلاب .

وقد حار الجواهري كثيراً في استيعاب هذه الحالة ، وحاول مراراً أن يصور سجنه وكأنه جاء لأسباب لحوم الكاشير والطاريف ، إلا أنه لم يفلح أبداً في محاولاته هذه .

ولحوم الكاشير هي لحوم من ذبح اليهود بموجب الشريعة اليهودية وأكلها حلال بعكس لحوم الطاريف التي هي من ذبح غير اليهود وأكلُها حرام يهودياً .

وكان الجواهري قد أصدر بعد وقوع حركة الإنقلاب جريدة اتخذ لها اسم ((الإنقلاب)) تيمُّنا بالحركة الإنقلابية ، وقد شاركت في الوزارة التي شكل بعد يوم من وقوع الحركة برئاسة حكمت سليمان ، عناصر وطنية معروفة وفي مقدمتها كامل الجادرجي أن حكمت سليمان يتردد في تنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي أعلنه على الشعب ، ثم كان ما كان من اغتيال بكر صدقي في مدينة الموصل، واستقالة حكمت سليمان في شهر آب 1937 .

وبعد أن لاحظ الجواهري أن حكومة الإنقلاب أخذت تبتعد عن أهدافها المرسومة ناصبها العداء ، ونشر مقالات نقداً لاذعاً لسياستها ، وفي هذه الأثناء حدثت انتفاضة الشباب اليهودي في بغداد ضد أسعار لحوم الكاشير الباهظة .

يقول الكاتب حسن العلوي في كتابه ((الجواهري ديوان العصر)) ص 266 ما يلي :

((... لكنه سرعان ما أخذ يهاجمهم حين أداروا ظهرهم لقوى الحركة الوطنية ، ولم يكن بمقدور سلطة الانقلاب أن تفعل شيئاً ضده ، فاستثمرت ((قضية الكاشير)) في انتفاضة قام بها الشباب من فقراء اليهود في العراق اً على الحاخام ساسون خضوري (رئيس الطائفة) الموكولة إليه مهمة تسعير اللحوم التي هي من ذبح اليهود ، وكانت الأسعار لا تتناسب مع المستوى المعاشي لفقراء اليهود ، فيما كانت اللحوم هي من ذبح المسلمين تباع بأسعار زهيدة . وقد هدد أصحاب الانتفاضة بأنهم سيأكلون من هذه اللحوم المحرمة يهودياً ، فساند الجواهري مطاليب الانتفاضة وتبنّاها في جريدته ((الإنقلاب)) مما أدى إلى إضراب اليهود عن تناول الكاشير فأقام الحاخام ساسون خضوري بتحريض من رجال السلطة، الدعوى على الجواهري وحكم عليه فيما بعد بالسجن)) .

وقد تناول الدكتور سليمان جبران هذا الموضوع في كتابه صل الفلا دراسة في سيرة الجواهري وشعره ، إذ قال في ص 45 :

((لم تدم العلاقة الحسنة بين الجواهري والإنقلابيين طويلاً ، إذ سرعان ما أخذ الشاعر يوجه النقد لوزارة الإنقلاب بسبب تخليها عن الوعود التي قطعتها على نفسها ، فاستغلت الحكومة قضية ((الكاشير والطاريف)) ضد الجواهري لتكون النتيجة دخول الشاعر السجن ، وإغلاق جريدة الإنقلاب أيضاً .

واقتبس الدكتور جبران في كتابه ص 45 فقرة من كتاب نشره الكتاب العراقي سليم طه التكريتي الذي عمل طويلاً مع الجواهري جاء فيها :

((.. إن الشاعر أيد في جريدته فقراء اليهود في نضالهم ضد الأسعار العالية للحوم التي كانوا يشترونها من الجزارين اليهود ، مما دفع رئيس الطائفة اليهودية إلى إقامة دعوى على الجواهري بتهمة التحريض وإثارة الرأي العام ، فحكمت عليه المحكمة بالحبس مدة شهر بهذه التهمة )) .

ويذكر أن الجواهري قال في ذكرياته ((الجزء الأول)) أنه سخر من الحاكم ومن الحكم ومن المحكمة ثم حكم عليه بالسجن شهراً آخر لتحقيره المحكمة .

والفائدة الوحيدة التي جناها الجواهري في قضية الكاشير والطاريف كانت قصيدته في السجن والتي نظمها وهو يمضي فترة محكوميته ، وتقع هذه القصيدة في 31 بيتاً ليس بينها بيت واحد يشير إلى أنه قد سجن بسبب قضية وطنية أو دفاعاً عن قوى وطنية ، كما حاول أن يثبت عبثاً ، وقد مضت على هذه القضية فترة نصف قرن ، وأصدر الجواهري الجزء الأول من ذكرياته بدمشق عام 1988 ، وتناول هذا الموضوع في صفحات عديدة إلا أنه لم ينجح في إثبات أن سجنه كان لأسباب وطنية خارجة عن الكاشير والطاريف ، وقد دافع عن الجواهري في محاكمته عدة محامين بارزين بينهم المحامي حسين جميل ولو كان أحد هؤلاء المحامين قد أشار في دفاعه إلى قضية وطنية لأورد الجواهري ذلك في ذكرياته ، وعندما نشر الجواهري ذكرياته نشر فيها نص القصيدة التي نظمها داخل السجن ، ولم يضف إليها أي بيت جديد ينسجم مع محاولاته الرامية إلى إضفاء صبغة الوطنية على سجنه لكنه لم يشر بكلمة واحدة إلى الكاشير والطاريف في كل الصفحات التي تناول فيها هذا الموضوع في ذكرياته ، فقد قال في ص33 عن إتهامه :

((..إنه مجرد تهمة هي أقرب إلى السخرية منها إلى الواقع بل وإلى التخيّل ، أي أنها كانت مجرد أن باعة عدد ما من جريدتي كانوا ينادون بأهم عناوينها المثيرة ، وذلك ما لا يجيزه قانون الصحافة المشرع في عهد الاحتلال ...)) والعناوين المثيرة المقصودة هنا هي المتعلقة بالكاشير والطاريف والحقيقة أن الجواهري أدرك أن سبب التهمة تافه وتافه جداً فأثارت هذه الحالة شاعريته وأوحت له قضية سجنه بقصيدة الكاشير والطاريف التي يقول فيها :

يا عابثا بسلامة الوطن العزيز وبالأمان



ومفرقاً زمر اليهود طوائفاً كلاً لشأنِ



ما أنت و ((الكاشير)) و ((الطاريف)) من بقر وضانِ



إن لم تفدك عقوبة فعسى تفيد عقوبتانِ




والقصيدة بحد ذاتها تعبر بوضوح عن خيبة أمل الجواهري من اندفاعه في قضية الكاشير والطاريف التي لم تك ـ في الحقيقة تستدعي الإثارة ولا العناوين المثيرة التي إختارها باعة الجريدة لترويج بيعها .

مراد العماري



ويا ساكني أرض العراقين إنني



أحبكم إني أحنّ إليكُم



أسامركم رغم الفراقِ وحكمِه



لأني بحبيكُم عشيقٌ مُتيّمُ



نأيتُ عن الأحبابِ رغم إرادتي



ورغم إرادات لكم قد نأيتُم



أناجيكم والقلب عندي ممزّقٌ



وأوجاعكم في أضلعي تتحكّمُ



أناغيكُم والظلم يطحنُ جمعكُم



فأحبِس آهي والمدامع تسجمُ



أرى الشعب منساقاً إلى السلخ عنوة



يحار لمن يشكو لمن يتظلّمُ



ويا سامعي في الرافديْن بلّيلة



يؤرقني فيها يتيّم وأيّمُ



وليس لديّ اليوم إلا مقالةً



وهل تنفع الأقوال والموت يحكمُ



وكل الذي عندي فدى لأحبتي



وليس الذي عندي سوى ما بنيتُمُ


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس