عرض مشاركة واحدة
قديم 17-02-09, 03:04 AM   #7
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
مشاركة رد: الشاعرمحمد مهدي الجواهري-متنبي العصرالحديث


قصة الملك المدلل :

ومما يثير الاستغراب أن يلجأ الجواهري إلى جرح الملك فيصل الثاني بعد وفاته فيقول أنه يكرهه وأنه مدلّل وأنه ترعرع في لندن .. ألخ

ولا أدري في الحقيقة ما أقول في هذا هل كان الجواهري حقاً يكره فيصل الثاني لأنه مدلل أم لأنه ترعرع في لندن ؟ وماذا في أن يترعرع طفل في لندن إذا كان كبار القوم لم يتورعوا عن الحج إلى لندن ، ولم يتذرعوا بأي حجة لرفض دعوات وجهتها إليهم لندن هذه ؟ والغريب في الأمر أن الجواهري قال ما قال بعد أن أصبحت لندن محج العراقيين فهي تحتضن الآن مئات الألوف من العراقيين الذي هربوا من جحيم صدام وبينهم من كانوا ينعتون لندن بعاصمة الاستعمار البريطاني .

وقصة التدليل هذه أمرها عجيب غريب ، فكل من له أدنى علاقة بالبلاط الملكي كان يعرف أن الأمير عبد الإله كان يعامل ابن اخته فيصل معاملة شرسة مهينة ، معاملة لم يكن أحد يتوقعها من خال تجاه ابن اخته الذي أصبح يتيماً قبل أن يتم الرابعة من عمره ... لقد كان فيصل حقاً أهلاً للعطف والرحمة والدلال ولكن قلب خاله المتحجر منع عنه هذا الدلال الذي رآه الجواهري فقط بام عينيه كما يبدو .

لقد مدح الجواهري الأمير عبد الإله بقصيدة في عام 1948 ، قال فيها :

حضن التاج بنيه فتعالى



وتعالى حارسُ التاج جلالا



وتعالت أمةٌ لم تنحرف



عن مدى الحق ولا زاغت ضلالا



يا حفيظ العهد للوادي ويا



أمل الوادي فتوّاً واقتبالا



وصليب العود يأبى غمزةً



ورفيع الرأس يأبى أن يطالا



هرع الشعب إلى (منقذه)



ملقياً في الساحة الكبرى الرحالا




لم يمنح الجواهري الملك فيصل مثل هذه الأوصاف التي انطوت عليها قصيدته في الأمير عبد الإله فلماذا هذا الإمعان في إذلال الملك الذي لا يمكن أن يكون قد ألحق أي ضرر بالجواهري . فهل مدح الأمير حلال ومدح فيصل حرام ؟

أنا لا أريد أن أتحدث بإسهاب عن هذا الدلال وأترك الأمر لأحد أبناء هاشم وهو الملك حسين ملك الأردن .

فقد نشر الملك حسين في عام 1962 ، كتاباً باللغة الإنكليزية (1) تحدث فيه عن الظروف الصعبة التي تعرض لها في حياته وتناول وضع الملك فيصل ضمن الفصل الخاص بالاتحاد العربي الذي أقيم بين العراق والأردن في 14 شباط 1958 .

ذكر الملك حسين في كتابه هذا أن الأمير عبد الإله ، زار لندن مرة للإطلاع على أحوال فيصل الذي كان يدرس في كلية "هارو" وأن عبد الإله وفيصل زاراه في كلية "ساند هرست" العسكرية ، وإن الثلاثة خرجوا في جولة بسيارة كان يقودها الامير عبد الإله وإلى جانبه أحد المرافقين في حين جلس فيصل والحسين في المقعد الخلفي ... وأضاف أن الملك فيصل رجا خاله أن يقوم بجولة في إحدى مناطق لندن ، غير أن الأمير عبد الإله لم يكلف نفسه عناء الرد على هذا الرجاء .. وأضاف أن هذا الأمر أذهلني تماماً وإن الأمير عبد الإله بدأ يلقي خطاباً في تقريع ابن اخته وتعنيفه أمام مرافقه العسكري ، كما لو كان فيصل ولداً شريراً (هذا هو تعبير الملك حسين) وقال أنه عندما استمر عبد الإله في خطابه هذا انفجرت وقلت له تمهل رجاء ، يؤسفني أن أكون في وضع أجد نفسي فيه شاهداً على هذا الشجار العائلي ، لا سيما في هذا الموقف (إشارة إلى وجود شخص غريب) ، لقد تحملت أكثر مما أطيق ، فأرجو أن تتوقف لأنزل من السيارة ، ونزلت لأدخل سيارتي التي كانت تسير وراء سيارة الأمير .

وأوضح الملك حسين في كتابه أن تصرفه هذا كان نتيجة تفاعل حوادث مماثلة تراكمت آثارها في نفسه خلال فترة طويلة ((وأنا أرى فيه ابن عمي الذي أحبه ونفسه تتحطم.))

وأشار الملك حسين في نفس الفصل إلى "المدلل" على حد تعبير الجواهري ، كان يحصل على المواد القديمة والعتيقة أمعاناً في تذليله وقال :

((زرت بغداد مرة وقمنا فيصل وأنا بزيارة لموقع بناء البلاط الملكي الجديد في جانب الكرخ من بغداد ، وكنت مع الملك في سيارته التي كانت شبه بالية بينما الأمير يمتطي مع مرافقيه سيارة ضخمة فخمة من طراز رواز رويس ، فسألت الملك فيصل ألا يجدر بك أن تبدل سيارتك ؟ فلم يرد بل اكتفى بالصمت . وقد اتصلت في نفس اليوم بعمان لترتيب الأمر وفعلاً وصلت إلى بغداد في اليوم الثاني سيارة جديدة قدمتها هدية إلى ابن عمي فيصل .

وأكد الملك حسين في كتابه أنه شعر بأن دمه يغلي في عروقه بسبب هذه المعاملة المذلة التي يلقاها فيصل الثاني من خاله .

ويقول الملك حسين إن مأساة الملك فيصل تتركز في حقيقة واحدة وهي أنه لم يسمح له أبداً بتحقيق أي من آماله ، كما لم يسمح له بتصريف مسؤولياته الملكية كما يجب .. أن الملك فيصل كان في الحقيقة أسير الوضع بسبب ما أشبعه خاله من ذل وهوان غير أن اللوم لا يوجه كلياً إلى الساسة العراقيين القدماء ، لأن اللوم في الحقيقة على العلاقة القائمة بينه وبين خاله .

وقال الملك حسين : ((لقد نشأنا على أساس أن يحترم صغيرنا الكبير ، ولكن كانت هناك أوقات لم يكن من السهل عليّ فيها أن أسير على هذا الأساس.))

هذه هي قصة الملك المدلل الذي شبع الهوان والتحقير والأذلال ، وممّن ؟ من خاله الأمير عبد الإله، فأين هذا الواقع مما قاله الجواهري عن التدليل الذي لم يكن في الحقيقة إلا عنوان المهانة والتذليل ، أما لماذا كل هذا ؟ فالرد على هذا السؤال يكمن في شخصية الجواهري وانفعالاته واندفاعاته وشطحاته .

وقد تحدث عن هذه الشخصية السيد سليم طه التكريتي ، في كتاب نشره عام 1989 فقال : ((أن الجواهري كان قطعة من إحساس متوقد ، وثورة على كل شيء ، على الحكم ، على المجتمع وعلى نفسه هو ، ولا يمكن أن يرضيه شيء ، ولا أن يشبعه مال ، ولا أن يهدأه جاه . ولم يعرف عنه طيلة حياته أنه استقرّ على وتيرة واحدة ، أو رضي بالنعمة المتوفرة ، أو ألف العيش الرتيب لفترة ما . فهو جذوة من أعصاب متوترة ، وفكر جوّاب ، وروح هائم وراء المكانة الأعلى ، وقلق متواصل ، وانتهازيه دائمة .))

وقد اقتبس أقوال التكريتي هذه الدكتور سليمان جبران ونشرها في كتابه صل الفلا ـ دراسة في سيرة الجواهري وشعره ، ص 62 ، وقد نشر هذا الكتاب في حيفا عام 1994 .

وأقول هنا أن السيد سليم التكريتي كاتب ومترجم إضافة إلى كونه صحافياً عمل في الكثير من الصحف التي أصدرها الجواهري ، ولذلك فإن رأيه في الجواهري له وزن وقيمة .

وفي ص 485 من الجزء الأول من ذكرياتي أشار الجواهري إلى السيد التكريتي فوصفه بأنه من الأسماء الشاخصة والوجوه البارزة في جريدته (الرأي العام) وسائر الصحف الأخرى التي كان يصدرها عند تعطيل (الرأي العام) ، ومن الأسماء التي ذكرها بهذا الصدد إضافة إلى التكريتي ، بدر شاكر السياب، إلياس وزير ، والشهيد حسين مروّة ، وعبد القادر البراك ، فهؤلاء هم الذين كانوا الصفوة المختارة في كل الصحف التي أصدرتها)) .

والحقيقة أن ذكر اسم إلياس وزير الذي سبق اسم ((الشهيد مروة)) قد هزني هزاً ، فالسيد إلياس الوزير لم يعمل في الصحافة العراقية بانتظام أبداً لأنه كان موظفاً دائماً في دائرة العلاقات العامة التابعة للسفارة البريطانية ببغداد ، وكان يزور الصحف وليس (الرأي العام) فقط انسجاماً مع وظيفته هذه وعمله بعض الوقت في محطة إذاعة الشرق الأدنى ! فكيف بالله يذكر الجواهري اسم هذا الشخص وينسى اسم السيد سليم البصون الذي رافقه في معظم الصحف التي أصدرها ؟ كان الجواهري قد خص السيد البصون بمعلومات قيمة ثمينة لم يتمكن البصون من نشرها بعد أن أقعده المرض منذ عام 1981 وحتى شهر آب من عام 1995 فرحل إلى رحمة الله ، ولعل عائلته الكريمة تتمكن من نشر هذه المعلومات الثمينة لتضع اسم المرحوم ((البصون)) في مكانه اللائق في حياة الجواهري .

واسم آخر فات الجواهري أن يذكره مع هذه الأسماء ، ذلك هو اسم المرحوم عبد الرزاق الناصري صاحب جريدة الأنباء الأسبوعية ، فقد كان السيد الناصري صديقاً للجواهري وتولى إصدار صحف الجواهري كلما عنّ للجواهري أن يغادر الوطن زائراً أو مصطافاً .

وعودة إلى الأمير عبد الإله بعد خمسين عاما :

أشرت في بداية هذا المقال إلى أن الجواهري الغاضب على قصة التتويج قال أنّ الأمير عبد الإله تحدث عن طريقة إلقائه قصيدة التتويج متذكراً على سبيل المثال ما كان منه عند إلقائه قصيدة أثناء تكريم الرئيس بشارة الخوري ضيف الأمير عبد الإله .

ففي 2 كانون الأول عام 1947 زار الرئيس اللبناني بشارة الخوري بغداد ضيفاً على الأمير والوصي على العرش عبد الإله فأقيم في بهو أمانة العاصمة حفل لتكريم الضيف الخوري فألقى الجواهري قصيدة تقع في 99 بيتاً أشبع فيها الخوري وعبد الإله ما شاء له من مديح ، دون أن يشعر بعد ذلك بسنين بأي هم أو غم أو ندم ، كما فعل مع قصيدة التتويج ، وقد كرس الجواهري أربعة وعشرين من أبيات هذه القصيدة لمدح الأمير عبد الإله ومنها :

يرجو العراق بظل راية فيصل



أن يرتقي بكم الذُّرى ويطولا



لا شك أن وديعة مرموقة



عزّ الكفيل لها فكنت كفيلا



قدت السفينة حين شقّ مقادها



وتطلبت ربانها المسؤولا



أعطتك دفّتها فلم ترجع بها



خوف الرياح ولا اندفعت عجولا



ومنحتها والعاصفات تؤودها



متناً أزلّ وساعداً مفتولا



أعطيت ما لم يعط قبلك مثله



شعباً على عرفانكم مجبولا



إن العراق يجلّ بيعة هاشم



من عهد جدّك بالقرون الأولى




وفي الثاني من كانون الأول 1992 أي بعد مرور خمسين عاماً على إلقاء الجواهري قصيدته ((ناغيت لبناناً)) في تكريم الرئيس بشارة الخوري ، أقامت وزارة الثقافة الأردنية حفلاً في عمان لتوزيع جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية ، ألقى خلالها الجواهري قصيدة بنفس الوزن والقافية بين يدي الملك حسين تقع في أربعة وثلاثين بيتاً ضمنها عشرة أبيات قصيدته ((ناغيت لبناناً)) مع تغييرات طفيفة جداً في بعض الأبيات .

وفيما يلي الأبيات العشرة التي وردت في القصيدتين كما ألقاها الجواهري في حفل وزارة الثقافة الأردنية :

يا ابن الذين تنزّلت ببيوتهم



سور الكتاب ، ورتّلت ترتيلا



الحاملين من الأمانة ثقلها



لا مُصعرين ، ولا أصاغرَ ميلا



والطامسين من الجهالة غيهباً



والمطلعين من النهى قنديلا



والجاعلين بيوتهم وقبورهم



للسائلين عن الكرام دليلا



شدّت عروقك من كرائم هاشم



بيض نُمين ، خديجة وبتولا



وحنت عليك من الجدود ذؤابة



رعت الحسين وجعفراً وعقيلا



هذي قبور بني أبيك ودورهم



يملأن عرضاً في الحجاز وطولا



ما كان حج الشافعين إليهم



في المشرقين طفالة وفضولا



حب الألى سكنوا الديار يشفّهم



فيعاودون طلولها تقبيلا



يا ابن النبي وللملوك رسالة



من حقها بالعدل كان رسولا






حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس