رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء
[align=center]سيف الإسلام حسن البنا
بقلم د.مصطفى الفقى ٢٤/ ٧/ ٢٠٠٨
دق جرس الهاتف في مكتبي مع نهاية الثمانينيات، وكان المتحدث هو المحامي المعروف «سيف الإسلام حسن البنا»، ابن «الإمام» مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين»، وهو قطب معروف في الحياة السياسية والنقابية معًًا، طالبًا لقائي، فنحن ننتمي معًا إلي منطقة واحدة من محافظة «البحيرة»، وعندما التقيته، رأيت حديثه معتدلاً ومقبولاً في مجمله، كما أن آراءه اتسمت بالمرونة والرغبة العامة في الإصلاح دون تعصب أو تشدد أو غلواء..
ومنذ ذلك الوقت توثقت علاقتي به، فقد كان حديثه يدور حول تمليك دور السينما للقطاع الخاص، بحيث لا تتحمل الدولة وزر الخطايا الناجمة عنها - من وجهة نظره - كما كان يدعو إلي أن تتحرر الدولة من ملكية شركات تصنيع الخمور، خصوصًا «النبيذ»، وأن تترك ذلك لغيرها، وهذه أمور تتماشي مع فلسفة «الخصخصة»، التي تمثل الاتجاه السائد في الاقتصاديات المعاصرة، وتتوافق مع رغبة الجماعة التي ينتمي إليها الأستاذ «سيف الإسلام البنا».. وقد سعي إلي مرة ثانية ليحكي لي والدموع في عينيه - فهو رقيق الحاشية، شديد العاطفة، سريع البكاء..
وتلك صفات ورثها عن أبيه الإمام الراحل - كيف أن الملك الراحل «الحسين بن طلال» استقبله في إحدي قاعات القصر الملكي في «عمان»، عندما ذهب «سيف الإسلام البنا» ضمن وفد تهنئة مصري للتيار الإسلامي الأردني بالفوز في الانتخابات النيابية عند نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وكيف أن الملك هو الذي دعاه إلي لقاء منفرد، وحدّثه عن احترامه لأبيه الإمام «حسن البنا»، وعرض عليه تقديم أي خدمة تؤديها المملكة لأسرة «الإمام»..
وقد ظلت علاقتي بالأستاذ «سيف الإسلام حسن البنا» - وسوف تظل - وثيقة وقوية، رغم اختلافي مع فكر الجماعة التي ينتمي إليها، إذ إنني أري فيه نموذجًا للمسلم الطيب الذي يدعو إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولقد تابعت الصراعات التي أقحمت عليه في نقابة المحامين منذ سنوات، حيث كان دائمًا عضوًا فاعلاً فيها، ووجدته دائمًا مسالمًا تقيا لا يكرهه أحد، وقد جاءني صوته منذ شهور قليلة يطلب وساطتي في سفر ابنة شقيقته لاستكمال دراستها للدكتوراه في الخارج،
ولقد تحقق لها ذلك بفضل تفهم جهاز الأمن المصري، وكان قد اتصل بي أيضًا لأمر آخر قبل ذلك بعام تقريبًا، طالبًا السعي للسماح له بالسفر إلي العاصمة الأردنية للمشاركة في الاحتفال بمرور مائة عام علي ميلاد والده «الإمام».. وهو يدرك جيدًا أن قدرتي محدودة، ولكنه يسعي إلي كصديق يتحدث معه ويطلب رأيه، ولقد شعرت من أحاديثه في الفترة الأخيرة بنغمة حزن واضحة علي ما آلت إليه أوضاع المواجهة بين الحكومة والجماعة - المحظورة قانونيا، المتواجدة سياسيا - وكان عاتبًا علي بعض العناصر من رفاقه، الذين يميلون إلي الإثارة والتشدد، وهو أمر يؤدي إلي التصعيد من الجانب الآخر، واستمرار احتدام حدة المواجهة، وما التقيته مرة - حتي في غمار أزمتي مع الجماعة أثناء الانتخابات البرلمانية عام ٢٠٠٥ - إلا ورأيته هو نفسه الصديق العزيز، الذي يفيض وجهه بشاشة، وتقطر تصرفاته أدبًا ورقيا..
ورغم أنني أختلف مع جماعة «الإخوان المسلمين» مائة وثمانية درجة من الناحيتين الفكرية والتطبيقية، فإنني أؤمن علي الجانب الآخر بحقهم في التعبير عن آرائهم، والتعريف بفكرهم من خلال القنوات الشرعية دون غلواء أو تحريض، ولا أزال أحتفظ بعلاقات طيبة للغاية مع عدد من رموز هذه الجماعة، في مقدمتهم «سيف الإسلام البنا»، والراحل «مأمون الهضيبي» والدكاترة: «عبدالمنعم أبوالفتوح»، و«محمد مرسي» و«عصام العريان»، و«سعد الكتاتني»، والأستاذ «حسين إبراهيم»..
وغيرهم، ممن يؤمنون بأن «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، ولقد سعيت ذات يوم إلي أداء واجب العزاء في المرشد العام الراحل المستشار «مأمون الهضيبي» بحكم صلتي الشخصية به واعتزازي بنجله الطبيب اللامع الدكتور «خالد الهضيبي» الأستاذ بجامعة «عين شمس»..
وأنا أظن مخلصًا أنه قد آن الأوان لإيجاد أرضية مشتركة تسعي فيها الجماعة - بوطنية كاملة والتزام حقيقي بالمفهوم الديمقراطي الحديث - للاندماج في الحياة السياسية المعاصرة، وعلي الجماعة أن تدرك طبيعة المتغيرات الدولية والتحولات الإقليمية والمستجدات المحلية، وسوف تبقي صداقتي بالأستاذ «سيف الإسلام حسن البنا» أمرًا أعتز بوجوده، وأتمسك به، وأسعي إلي استمراره.
عادل إمام
بقلم د. مصطفي الفقي ١٧/ ٧/ ٢٠٠٨
لا أظن أن الكوميديا العربية عرفت بعد «نجيب الريحاني» ـ العراقي الأب، القبطي الأم ـ مثل «عادل إمام» في العقود الثلاثة الأخيرة، وهما مدينان معاً للقاهرة وجمهور الفن المصري، بينما فنان آخر هو «دريد لحام» مثلاً، وهو بالمناسبة صاحب مدرسة في الكوميديا السياسية أيضاً، غير مدين للقاهرة ولا للجمهور المصري في شهرته، وإن كانت لديه شعبية لا بأس بها بين المصريين، أعود إلي «عادل إمام» ذلك الشاب الواعد الذي كنا نسمع اسمه من خلال الأنشطة الفنية للاتحادات الطلابية في مطلع الستينيات، باعتباره النجم البازغ من كلية الزراعة جامعة القاهرة، ومعه زميل دراسته ورفيق عمره «صلاح السعدني»،
حتي بدأ يلفت الأنظار حين قدم رائعته «شاهد ما شافش حاجة» بعد «مدرسة المشاغبين»، لكي تكون نقطة تحول كبري وضعته علي قمة الكوميديا العربية في عصره بلا منازع، وتبدو القيمة الحقيقية لكوميديا «عادل إمام» ـ مثل الريحاني ـ من ذلك القدر من التلقائية الموهوبة التي لا تحتاج إلي حركة كثيرة علي المسرح، وهذه نقطة اختلاف بينه وبين مشاهير الكوميديا الآخرين في عصره من أمثال «عبدالمنعم مدبولي»، و«فؤاد المهندس»،
لذلك تمتع «عادل إمام» بشعبية في العالم العربي لا نكاد نجد لها نظيراً، وأتذكر أثناء خدمتي في «الهند» أن دبلوماسياً عراقياً شاباً كان لا يستطيع النوم كل ليلة إلا إذا شاهد فصلاً كاملاً من إحدي مسرحيات «عادل إمام»! ولكن القيمة الحقيقية لذلك الفنان الكبير تأتي من أنه ارتفع بمهنته إلي الصفوف الأولي في الحياة العامة، وكانت مدرسته في الكوميديا السياسية المضادة للإرهاب، والمكافحة للتطرف، والمعادية للتعصب، والداعية إلي الاعتدال والتسامح الديني والوحدة الوطنية، وكشف الفساد منظومة كونت في مجملها شخصية ذلك الفنان المسيس حتي النخاع، الذي اقتحم المواقع الصعبة في الظروف المعقدة،
وذهب إلي قلاع التطرف الديني في عقر دارها وتحدي الإرهاب في أوج شدته، ثم إنه أيضاً ذلك الفنان الذي يستقبله رؤساء الدول، ويحتفي به رؤساء الحكومات، لأنه عبر عن مشاعر المواطن العربي تعبيراً أميناً وصادقاً، ولقد جمعتني بالفنان «عادل إمام» صداقة طويلة في مناسبات سياسية وجلسات نقاش فكرية، ولقد كان الكاتب الكبير «محمود السعدني» ـ شفاه الله وعافاه ـ هو همزة وصل بيننا في البداية،
خصوصاً أن «عادل إمام يقف أمام محمود السعدني مثلما يقف شقيقه الأصغر «صلاح»، محبة دائمة، وود قديم، واحترام لا يزول، ويداعبهما الكاتب الساخر أحياناً بأنهما كانا يأتيان إلي منزله من كلية الزراعة طلباً لوجبة غداء ساخنة في سنوات الستينيات التي كانت فيها الجيوب خاوية ولكن الهامات عالية! إنه «عادل إمام» الذي ما ترك مناسبة في حياتي سارة أو حزينة إلا وجاملني بشكل لا أنساه، فأنا مدعو علي المائدة الرئيسية مع الوزراء من أصدقائه في زفاف ابنته بحديقة منزله بالهرم، وهو يشاطرني الأحزان في وفاة أمي وأبي علي صفحات «الأهرام»، وأراه دائماً يحترم نفسه بشكل ملحوظ،
ولا يتخيل أحد أبداً أن ذلك المثقف الذي يشتبك في مناقشات سياسية ساخنة بعمق واقتدار، هو ذاته فنان الكوميديا الذي يضحك الملايين علي المسرح أو شاشة السينما، وتبدو قيمة أخري للفنان «عادل إمام» هي أنه عاش خارج سياق الوسط الفني المعتاد، فتزوج سيدة فاضلة هي سليلة عائلة راقية، ودفع بأبنائه إلي الجامعة الأمريكية للدراسة ولم ينفرط في نزوات الفن أو هفوات البعض، ولم يرتبط اسمه، إلا بفنه ومسرحياته وأفلامه، وهو ليس ذلك الفنان الذي يجلس في مناسبة اجتماعية ليوزع النكات والقفشات حتي يضحك الحاضرون، فليست تلك هي مهمته أبداً في تلك اللقاءات، إذ إن مهمته الفنية تتوقف فقط عند دوره فوق خشبة المسرح أو علي شاشة السينما، ألم أقل لكم إنه فنان ارتقي بالكوميديا إلي قمة الفنون وصعد باسم الفنان إلي قمة المجتمع؟!
وكثيراً ما تعرض «عادل إمام» لحملات ضارية وافتراءات ظالمة وشائعات مغرضة، ولكنه استطاع أن يتجاوز كل ذلك لكي يصبح مثقفاً متألقا وشخصية عامة مرموقة قبل أن يكون فناناً رفيع القدر، ولا أزال أتذكر لقاءنا بالقاهرة مع الرئيس «أحمد بن بيلا» بطل الاستقلال وأول رئيس للجمهورية الجزائرية، والكلمة التي ألقاها «عادل إمام» أمامه والتي تكشف عن وعي سياسي شامل يربط ما بين الستينيات بما لها وما عليها وواقعنا الذي نعيش فيه ونتفاعل معه..
إن «عادل إمام» فنان قد أدخل بعض مفردات الكوميديا إلي قاموس الحياة السياسية، واستعار من عبارات السياسيين تعبيرات كوميدية لا ينساها الناس، إنه بحق إنسان يجمع بين شعبية الفنان وكبرياء المثقف وشموخ الوطني الذي يعيش قضايا أمته ويعكس معاناة شعبه.[/align]
|