عرض مشاركة واحدة
قديم 27-12-08, 03:22 PM   #5
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: كتب ليث الحمداني -هكذا كان العراق


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ




قطاع الصناعات المعدنية

اما قطاع الصناعات المعدنية فقد شهد نهضة واسعة حيث تم توسيع كبريت المشراق وتم انشاء مجمع عكاشات وتمكن هذا القطاع من الدخول في اسواق تصديرية للاسمدة الفوسفاتية.



القطاع الخاص

لم تهمل الدولة القطاع الخاص، ولكن وللأسف ظل الموقف منه يتعرض إلى مد وجزر. ففي السبعينات أعلن (بيان الرئيس البكر) لدعم هذا القطاع، وبموجبه خصص للقطاع مشاريع يحق له الاستثمار فيها، ودعمت الدولة المصرف الصناعي بزيادة رأسماله ومهماته كما دعمت (المؤسسة العامة للتنمية الصناعية) بالتخصيصات السنوية اللازمة لاستيرادات هذا القطاع، وشجعت (اتحاد الصناعات العراقي) على الخوض في مجال دراسات لتطوير بعض صناعات هذا القطاع، حيث تم فعلا الخوض في تجربة (مكننة مشاريع الطابوق). وكان الكادر الهندسي في الاتحاد يومها يضم مهندسيْن عملا على متابعة التجربة لضمان نجاحها هما (يوسف حسن مهدي) و (كمال أحمد آغا). كانت هذه الصناعة من الصناعات المتخلفة التي تستخدم العمالة بأسلوب يقرب من العبودية (5)، وتسهم في تلويث البيئة حول مدينة بغداد وفي مدن الجنوب عموما وخاصة العمارة. وتم تحديث العشرات من هذه المشاريع وتحويلها إلى مشاريع نصف ممكننة بإدخال المحارق الأتوماتيكية وآلات القطع لها. وأسهم هذا في تحسين نوعية هذه المادة التي يعتمدها المواطن العراقي في البناء وخصوصا في وسط وجنوب العراق. لقد الحقت الاضرار بهذا القطاع نتيجة دخول عناصر طارئة على العمل الصناعي في عقدي الثمانينات والتسعينات كانت في حقيقتها نتاج لتزاوج المال والسلطة فاقامت صناعات هدفها الربح السريع مستفيدة من الامتيازات التي كانت تمنحها المؤسسة العامة للتنمية الصناعية لها في مجالات الاستيراد.



بعد الاحتلال تدمير شامل وعودة الى الوراء

مع الأيام الأولى للاحتلال، بدا واضحا أن القطاع الصناعي سيناله ما نال القطاعات الأخرى من التدمير، فمن جهة طالت أعمال النهب والتدمير أغلب منشآته بالإضافة إلى منشآت الصناعة العسكرية التي كلفت الدولة مليارات الدولارات والتي كانت قد بدأت بالتحول للصناعات المدنية. ويؤكد شهود عيان كانوا يعرفون واقع هذه المنشآت أن معداتها نقلت عبر عصابات منظمة تنتمي للأحزاب المشاركة في السلطة إلى إيران وبيعت بأبخس الاثمان. وأغلب هذه المنهوبات كانت معدات ثقيلة نقلت على ناقلات الدبابات التي نهبت هي الأخرى من معسكرات الجيش واستقر أغلبها في كردستان العراقية وفي ايران. ومن يراجع واقع المنشآت يلمس جليا حجم التدمير الذي لحق بها. وفي الإعلان الذي صدر مؤخرا لتصفية بعض منشآت التصنيع يذكر أن أكثر من 50-70 بالمائة قد نهبت. وحدثني أصدقاء من هذا القطاع مؤكدين أن أعمال النهب تمت بأياديَ خبيرة وأن المكائن، ومنها (أنواع من التورنات الدقيقة التي تعمل بعقول الكترونية)، نقلت الى إيران بشكل مباشر.

بعد النهب جاء التخريب الذي أقره مجلس الحكم البريمري بكامل أعضائه حين فتح الحدود على مصراعيها للاستيراد بدون رسوم كمركية لفترة طويلة أو برسوم شكلية فيما بعد، مما أدى إلى تدمير سوق الصناعة الوطنية وإغراقه بمنتجات قد تكون منافسة سعريا ولكنها غير منافسة من حيث النوع، في غياب شبه تام لأجهزة الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية التي كانت تقوم بفحص جميع المستوردات من الخارج. ويبدو أن كل شيء كان مخططا لإنهاء تلك المنجزات لأنها تذكر بماضٍ يريدونه هم (أسود قاتم). لقد أغلقت أكثر من 90 بالمائة من معامل القطاع الخاص، وكان هذا لصالح الإنتاج الإيراني (6)، وانتهت كل أنواع الحماية التي كانت توفرها الدولة للصناعة الوطنية تحت شعارات فضفاضة تدور حول (اقتصاد السوق) غير ذلك (7)، وأصبح من المستحيل أن تستمر الصناعات العراقية وتضمن وسائل للتحديث بسبب ارتفاع كلف الإنتاج المرتبط أصلا بارتفاع أسعار الوقود والغياب شبه التام للطاقة الكهربائية والأوضاع الأمنية.

وتراجع القطاع المختلط، وهو قطاع رائد وتوقفت بعض خطوطه الإنتاجية ولم يعد يعمل حتى ولا بنصف طاقاته الإنتاجية المتاحة. وكنموذج على التردي العام للقطاع الصناعي يكفي أن نطلع على تصريحات المسوؤلين الحكوميين فهذا وكيل وزارة الصناعة العراقية لشوؤن التنمية والاستثمار يقول بتاريخ 21-3-2008 إن هناك 14 مصنعا للسمنت معروضة للتأهيل والتطوير على شركات القطاع الخاص. ولفت إلى أن المختصين في وزارته (يرجحون قدرة الشركات المتقدمة للاستثمار على إعادة المبالغ الموظفة في فترة لاتتجاوز الثلاث سنوات، مما يعني أن أرباحها ستتضاعف خلال عقد من السنوات). من المتقدمين لتأهيل أحد المعامل (معمل القائم)، هي مجموعة (الحنظل) مع شركة (الجوهرة) الخليجية و (البنيان) ويتضمن الاتفاق أمورا من بينها الوصول بطاقة معمل سمنت القائم 900 الف طن (طاقته الإنتاجية كما أذكر مليون طن) (8). تخيلوا أن بلدا حجم عمليات الفساد فيه حوالي (18) مليار دولار عاجز عن تأهيل مشروعات أساسية يحتاجها إعادة التعمير (ان كان هناك اعادة تعمير فعلا) وهل تمتلك أي من الشركات المتقدمة خبرة الكادر العراقي في هذه الصناعة أم أن هذه الصفقات فساد من نوع آخر؟! وزير الصناعة فوزي حريري كان قد أعلن قبل ذلك (9) أن الوزارة أعدت برناجا شاملا لتأهيل وتحديث 12 مصنعا. وهذه المصانع هي (سمنت كربلاء) و (سمنت المثنى) (سمنت الكوفة) (سمنت سنجار) و(سمنت القائم) وشركات الحديد والصلب وأسمدة أبو الخصيب والبتروكيمياويات (10) وورق ميسان والسيارات وزجاج الرمادي.

القطاع الخاص العراقي الصناعي الحقيقي لن يكون له أي دور في عمليات التأهيل هذه لأن أغلب رموزه أصبحوا خارج العراق هربا من الخطف والقتل، والاضطرار لدفع مبالغ فلكية كفدية لعصابات تحتمي بأحزاب ممسكة بالسلطة. والمساهمون مع الشركات المتقدمة (للتاهيل) سيكونون من أعوان السلطة بالتاكيد وليس من رجال القطاع الخاص الصناعي العريق. والمطلع على ورقة (استراتيجيات تنمية القطاع الصناعي العام) (11) التي حدد فيها د. سامي الأعرجي وكيل الوزارة مراحل لتأهيل وتطوير شركات ومعامل الوزارة يدرك من عموميتها عدم وجود أية جدية لإعادة الحياة للقطاع الصناعي، فهي تعترف في الفقرة (1) أن التخريب مستمر حتى الآن وهي تشير لاقتصاد السوق وكأنه (الحل السحري) لمشكلات القطاع في بلد هو بأمسّ الحاجة لتوفير فرص عمل لملايين العاطلين. أليس جديرا بمن يريد أن يكتب عن التنمية الصناعية اليوم أن يكتب عن هذا الواقع المرير بدلا من أن يلعن مرحلة لايستطيع أن يرى فيها سوى السواد، بينما هي في الحقيقة مرحلة وضعت الأساس لتنمية صناعية شاملة؟.

وأخيرا فإن الشمس لاتغطى بغربال!!



• المقالة استعرضت المشروعات معتمدة على الذاكرة فعذرا إن كان هناك مشروعات لم نذكرها



هوامش:

(1) كتب أحد المسؤولين السابقين يقول إن التنمية الصناعية في عهد البعث كانت تنمية (طائفية) لأنها اهتمت بالمناطق السنية. واستشهد هذا المسؤول بتعدد مشاريع السمنت في محافظة الانبار. استعراضنا للمشاريع أعلاه يثبت عدم دقة ما جاء به ذلك المسؤول، أما قضية مشاريع السمنت في الأنبار فإن السبب معروف لمن يفهم بالعمل الصناعي، وهو أن المنطقة تعتبر من أغنى مناطق العراق بحجر الكلس المستخدم في هذه الصناعة، وإقامة المشاريع بالقرب من مصدر المواد الأولية يؤدي إلى خفض التكاليف وهذا معروف لمن يريد أن (يعرف)

(2) كانت صناعة الطابوق من أكثر الصناعات تخلفا، وكان أصحاب المعامل البدائية يلجأون إلى تشغيل الأسرة بكاملها بأجر مقطوع. وكان من الطبيعي أن ترى ابن الثماني سنوات يخوض في الأطيان في عملية العجن أو يصعد فوق المنصة العالية ليصب النفط، وكذلك العجوز والمرأة. وكان عدد المعامل المتطورة لايتجاوز أصابع اليد الواحدة.

(3) تستخدم مادة (الجص) في البناء في العراق عموما لطلاء الجدران الداخلية للبيوت وأحيانا في عمليات البناء أيضا. وكانت تنتج بأسلوب بدائي ولم يكن هناك سوى مصانع تعد على أصابع اليد تستخدم المكننة ولكن بطاقة إنتاجية قليلة. الدولة أنشأت عددا من المصانع الحديثة في أنحاء مختلفة من العراق (بيعت في مرحلة التسعينات).

(4) لم يكن التصنيع العسكري، كما يحاول البعض ان يصوره، شرا مستطيرا، فقد أسهم مساهمة كبيرة في توطين التكنولوجيا في العراق واستخدمت فيه (الهندسة العكسية) على نطاق واسع، وأسهم ايضا في عمليات البناء وإعادة إعمار ما دمرته حرب الكويت. وأفضل مثال على قدرته على الإعمار هو إعادة الجسور التي دمرت في الحرب وبناء جسر الطابقين، آخر الجسور التي بنيت في بغداد.

(5) كان عمال صناعة الطابوق يسكنون قرب المصانع في أجواء ملوثة بدرجة عالية نتيجة عملية الاحتراق غير التام للوقود، وكانت ظروف العمل فيها قاسية جدا ويشتغل الأولاد بأعمار 8 سنوات أو حتى 7 سنوات أحيانا في ظروف غير إنسانية وغير صحية. ويذكر أهالي بغداد تلك المعامل التي كانت تنتشر في مدخل بغداد الشمالي (منطقة التاجي) وطريق بعقوبة القديم وأجواء الدخان فيها.

(6) نقلت إحدى الصحف تصريحا للدكتور محسن الأحمد المدير العام في وزارة الصناعة قال فيه: (إن إيران تعرقل، ومنذ عامين، عملية إعادة تأهيل مصانع السمنت والحديد والصلب والطابوق والصناعات الدوائية والصحية والكهربائية والبلاستيكية بهدف إجبار العراق على الاستمرار في استيراد تلك المواد من إيران بكلف عالية ونوعيات متدنية. وأوضح الأحمد أن موظفين كبارا في وزارة المالية العراقية والحكومة والبرلمان العراقي متورطون في تلك الفضيحة.

(7) كانت الحماية الصناعية تمنح للصناعات الوطنية بنسب مختلفة تتناسب مع نوعية الإنتاج الوطني والطاقات الإنتاجية المتوفرة في البلد. دراسات منح الحماية كانت تعد من قبل لجان تضم ممثلين عن وزارة المالية، وزارة التجارة، الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، وزارة الصناعة واتحاد الصناعات العراقي. وكانت وزارة المالية

(8) (الكمارك) تحدد الرسوم الكمركية في ضوء تلك الدراسات أيضا.

(9) قال السيد راضي الراضي رئيس هيئة النزاهة في جلسة استماع أمام الكونغرس الأمريكي إن تكلفة الفساد الذي كشفت عنه لجنة النزاهة حوالي (18) مليار دولار، وقال إنه توصل إلى أن قضايا فساد كبيرة تعود الى 35 من كبار المسوؤلين.

(10) قال وزير الصناعة لمراسل جريدة (الأخبار) اللبنانية في بغداد إن الوزارة أعدت برنامجا لتأهيل وتحديث 12 مصنعا وإن المصانع تشمل صناعة السمنت والأسمدة والزجاج وغيرها، صناعة الأسمدة كانت من الصناعات التصديرية التي احتلت أسواقا واسعة لجودة نوعية إنتاجها فهل يعجز العراق الذي تنهب ثرواته وأمواله يوميا عن تخصيص المبالغ اللازمة لإعادة تاهيل هذه الصناعات.

(11) في 17 ... ذكرت (قناة الحرة الامريكية) أن وزارة الصناعة ستغلق الشركة العامة لصناعة البتروكيمياويات بسبب عدم الجدوى، وقد بادر أحد رجال الدين (الشيخ اليعقوبي) بإرسال وفد إلى وزارة الصناعة للتراجع عن القرار بدوافع ذكرها في بيان أصدره في 19-11-2007 ونقله موقع إلكتروني اسمه (جند المرجعية). لاحظ إلى أي مستوى وصل التردي بحيث تفكر الوزارة بإلغاء أحد اهم الصناعات العراقية.

(12) الورقة نشرت في جريدة (الصباح) العراقية بتاريخ 2-9-2007 وتتسم بالعمومية وعدم الوضوح وخاصة بالنسبة للمستقبل (مرحلة إعادة الإعمار) و(تتعكز) الورقة على ماتسميه (منظور اقتصاد السوق).

laith@albilad.net

شبكة البصرة

الجمعة 11 جماد الاول 1429 / 16 آيار 2008

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس