عرض مشاركة واحدة
قديم 21-12-08, 06:47 PM   #1
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,648
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
بدر شاكر السياب


بدر شاكر السياب



ولد الشاعر بدر شاكر السياب عام 1926 في قرية جيكور على الفرات، قرب مدينة البصرة جنوب العراق.

تنقل بين جيكور وأبي الخصيب والبصرة ثم بغداد لاستكمال تعليمه وتحصيله الدراسي ليتخرج من دار المعلمين في بغداد في منتصف الأربعينات، حيث كانت بغداد تعيش كباقي العواصم العربية انعكاسات الصراعات العالمية أثناء الحرب الثانية.

دخل السياب معترك الحياة السياسية وعانى منها الكثير فقد دخل السجن مرات وطرد من الوظيفة ونفي خارج البلاد.

صدرت مجموعته الأولى "أزهار ذابلة" عام 1947 في القاهرة وكان كتب في منفاه أجمل قصائده ومناجاته الشعرية غريب على الخليج وصهرت هذه المرحلة شعره ليتبلور فيها صوته وتكتمل أداته ويكتب ذروة نصه الشعري الذي صار يتميز به بعد رحيله.

زار بيروت عام 1960 لطبع ديوان له، وقد ساهم في هذه الفترة في الحركة الشعرية والثقافية المتمثلة بصدور مجلة شعر وحوار والآداب.

وفي هذه الفترة بالذات تدهورت صحته وصار يتنقل بين بيروت وباريس ولندن وراء العلاج وكان جمسه يهزل أكثر وأكثر حتى انكسر عظم ساقه لهشاشتها.

شكلت هذه السنوات الأخيرة بين 1960 - 1964 مأساة السياب الصحية والاجتماعية حيث عانى من الموت يحمله بين ضلوعه في المنافي وليس لديه إلا صوته ومناجاته الشعرية ممزوجة بدم الرئة المصابة، حتى مات مسلولا في يوم 24/12/1964 في المستشفى الأميري في الكويت.

أسس السياب لحداثتنا شعرا وكتب قصائد لا ماضي لها في الشعر العربي المعاصر مختطا بذلك مسارا في القصيدة العربية الحديثة سار عليه الكثيرون من بعده.

يمتاز شعر السياب بالمناجاة الغنائية العميقة والصورة البارعة التي تمتزج فيها اللغة بالرؤية وبالإيقاع في مدى شعري ممتد بين روعة الأداء وعمق الدلالة وتشابك إيماءاتها.

صدرت له المجموعات الشعرية التالية "أزهار وأساطير" و"المعبد الغريق" و"منزل القنان" و"أنشودة المطر" و"شناشيل ابنة الجلبي".

وهذه ثلاثةقصائد من اروع ما كتب :




((النهر والموت))

ديــوان شــعر ملــؤه غـزل بيــن العــذارى بــات ينتقــل
أنفاســي الحــرَّى تهيـم عـلى صفحاتـــه والحـــب والأمــل
وســـتلتقي أنفاســهن بهــا وتــرف فــي جنباتــه القبــل
ديــوان شــعر ملــؤه غـزل بيــن العــذارى بــات ينتقــل
وإذا رأيـن النــوح والشـكـوى كــل تقــول: مـن التـي يهـوى?
وسـترتمي نظراتهن على الـصـ ـفحــات بين سطــوره نشــوى
ولربمـــا قرأتـــه فــاتنتي فمضـت تقـول: مـن التـي يهوى?
ديــوان شــعري* رب عـذراء أذكرتهــــا بحبيبهـــا النـــائي
فتحسســـت شـــفة مقبلــة وشـــتيت أنفـــاس وأصــداء
ديــوان شــعري رب عـذراء أذكرتهـــا بحبيبهـــا النـــائي
قــد بــت من حسـد أقـول لـه يــا ليــت مـن تهـواك تهـواني
ألــك الكــؤوس ولـي ثمالتهـا ولـــك الخــلود وإننــي فــان
يــا ليتنــي أصبحـت ديـواني لأفــر مــن صــدر إلـى ثـان
ســأبيت فــي نـوح وتسـهيد وتبيــت تحــت وســائد الغيــد
أولســت منــي? أننــي نكـد مــا بــال حـظك غـير منكـود?
زاحــمت قلبــي فـي محبتـه وخــرت منهــا غــير معمــود
أأبيــت فــي نـوح وتسـهيد وتبيــت تحــت وســائد الغيــد?




((المسيح بعد الصلب))


بعدما أنزلوني ، سمعت الرياح
في نواح طويل تسف النحيل
و الخطى وهي تنأى . إذن فالجراح
و الصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل
لم تمتني . و أنصت : كان العويل
يعبر السهل بيني و بين المدينه
مثل حبل يشد السفينه
وهي تهوي إلى القاع . كان النواح
مثل خيط من النور بين الصباح
.و الدجى ، في سماء الشتاء الحزينه
.ثم تغفو ، على ما تحس ، المدينه

حينما يزهر التوت و البرتقال
حين تمتد جيكور حتى حدود الخيال
حين تخضر عشباً يغني شذاها
،و الشموس التي أرضعتها سناها
،حين يخضر حتى دجاها
.يلمس الدفء قلبي ، فيجري دمي في ثراها
قلبي الشمس إذا تنبض الشمس نورا
،قلبي الأرض ، تنبض قمحا ، و زهرا ، وماء نميرا
قلبي الماء ، قلبي هو السنبل
.موته البعث ، يحيا بمن يأكل
في العجين الذي يستدير
ويدحى كنهد صغير ، كثدي الحياه
.مت بالنار : أحرقت ظلماء طيني ن فظل الإله
.كنت بدء ، وفي البدء كان الفقير
،مت ، كي يؤكل الخبز باسمي، لكي يزرعوني مع الموسم
كم حياة سأحيا : ففي كل حفره
،صرت مستقبلا ، صرت بذره
صرت جيلا من الناس ، في كل قلب دمي
.قطرة منه أو بعض قطره

..هكذا عدت ، فاصفر لما رآني يهوذا
فقد كنت صره
كان ظلا ، قد اسود مني ، وتمثال فكره
جمدت فيه واستلت الروح منها
خاف أن تفضح الموت في ماء عينيه
عيناه صخره)
(راح فيها يواري عن الناس قبره
.خاف من دفئها ، من محال عليه ، فخبر عنها
- " أنت ؟ أم ذاك ظلي قد ابيض وارفض نورا؟
.أنت من عالم الموت تسعى ؟ هو الموت مره
" هكذا قال آباؤنا ، هكذا علمونا ، فهل كان زورا ؟
.ذاك ما ظن لما رآني ، وقالته نظره

قدم تعو ، قدم ، قدم
القبر يكاد بوقع خطاها ينهدم
أترى جاءوا ؟ من غيرهم ؟
قدم .. قدم .. قدم
،ألقيت الصخر على صدري
.أو ما صلبوني أمس ؟ .. فها أنا في قبر
فليأتوا - إني في قبري
من يدري أني .. ؟ من يدري ؟
ورفاق يهوذا ؟ من سيصدق ما زعموا ؟
..قدم
.قدم

: ها أنا الآن عريان في قبري المظلم
،كنت بالأمس ألتف كالظن ، البرعم
،تحت أكفاني الثلج ، يخضل زهر الدم
كنت كالظل بين الدجى و النهار
.ثم فجرت نفسي كنوزا فعريتها كالثمار
حين فصلت جيبي قماطا وكمي دثار
حين دفأت يوما بلحمي عظام الصغار
حين عريت جرحي ، وضمدت جرحا سواه
.حطم السور بيني و بين الإله

فاجأ الجند حتى جراحي ودقات قلبي
فاجأوا كل ما ليس موتا و إن كان في مقبره
فاجأوني كما فاجأ النخلة المثمره
.سرب جوعى من الطير في قرية مقفره

أعين البندقيات يأكل دربي
شرع تحلم النار فيها بصلبي
إن تكن من حديد ونار ، فأحداق شعبي
من ضياء السموات ، من ذكريا وحب
تحمل العبء عني فيندى صليبي ، فما أصغره
.ذلك الموت ، موتي ، وما أكبره

بعد أن سمروني و ألقيت عيني نحو المدينه
: كدت لا أعرف السهل و السور و المقبره
،كان شئ ، مدى ما ترى العين
،كالغابة المزهره
.كان ، في كل مرمى ، صليب و أم حزينه
قدس الرب
.هذا مخاض المدينه





((شناشيل ابنة الجلبي))
و أذكر من شتاء القرية النضاح فيه النور

من خلل السحاب كأنه النغم

تسرب من ثقوب المعزف - ارتعشت له الظلم

وقد غنى - صباحا قبل

فيم أعد ؟ طفلا كنت أبتسم

لليلي أو نهاري أثقلت أغصانه

النشوى عيون الحور

وكنا - جدنا الهدار يضحك أو يغني

في ظلال الجوسق القص

وفلاحيه ينتظرون : " غيثك يا اله"

و أختي في غابة اللعب

يصيدون الأرانب و الفراش

و (أحمد) الناطور

نحدق في ظلال الجوسق السمراء في النهر

ونرفع للسحاب عيوننا : سيسل بالقطر

وأرعدت السماء فرن قاع النهر

و ارتعشت ذرى السعف

و أشعلهن ومض البرق أزرق ثم أخضر ثم تنطفئ

وفتحت السماء لغيثها المدرار بابا بعد باب

عاد منه النهر يضحك وهو ممتلئ

تكلله الفقائع، عاد أخضر

عاد أسمر، غص بالأنغام واللهف

وتحت النخل حيث تظل تمطر كل ما سعفه

تراقصت الفقائع وتفجر- انه الرطب

تساقط في يد العذراء وهي تهز في لهفه

بجذع النخلة الفرعاء تاج

وليدك الأنوار لا الذهب،

سيصلب منه حب الآخرين ،سيبرئ الأعمى

ويبعث من قرار القبر ميتا هده التعب

من السفر الطويل إلى ظلام الموت

يكسو عظمه اللحما ويوقد قلبه الثلجي فهو بحبه يثب


و أبرقت السماء … فلاح، حيث تعرج النهر

وطاف معلقا من دون يلثم الماءا

شناشيل ابنة الجلبي نور حوله الزهر

(عقود ندى من اللبلاب تسطع منه بيضاءا

و آسية الجملية كحل الأحداق

منها الوجد و السهر


يا مطرا يا حلبي

عبر بنات الجلبي

يا مطرا يا شاشا

عبر بنات الباشا

يا مطر من ذهب


تقطعت الدروب، مقص هذا الهاطل المدار

قطعها و واراها،

و طوقت المعابر من جذوع النخل في الأمطار

كغرقي من سفينة سندباد

كقصة خضراء أرجأها و خلاها

إلى الغد (أحمد) الناطور

وهو يدير في الغرفة

كوؤس الشاي، يلمس بندقيته

ويسعل ثم يعبر طرفه الشرفه

ويخترق الظلام

وصاح ( يا جدي) أخي الثرثار

" أنمكث في ظلام الجوسق المبتل ننتظر؟

متى يتوقف المطر؟


و أرعدت السماء، فطار منها ثمة انفجرا

شناشيل ابنة الجلبي …

ثم تلوح في الأفق

ذرى قوس السحاب . وحيث كان يسارق النظرا

شناشيل الجميلة لا تصيب العين الا حمرة الشفق


ثلاثون انقضت، وكبرت : كم حب وكم وجد

توهج في فؤادي

غير أني كلما صفقت يدا الرعد

مددت الطرف أرقب : ربما ائتلق الشناشيل

فأبصرت ابنة الجلبي مقبلة إلى وعدي

ولم أرها هواء كل أشواقي ، أباطيل

و نبت دونتا ثمر ولا ورد


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس