عرض مشاركة واحدة
قديم 17-12-08, 12:14 PM   #6
 
الصورة الرمزية هيام1

هيام1
مشرفة أقسام المرأة

رقم العضوية : 7290
تاريخ التسجيل : Apr 2007
عدد المشاركات : 15,155
عدد النقاط : 197

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ هيام1
رد: (((..نبرة انسانية في كتاب زاهي وهبي الجديد..)))


[align=center]

زاهي وهبي في يعرفك مايكل أنجلو...
قاطف الشوك والقصيدة
بيروت - قزحيا ساسين
لم يستطع الإعلام تحجيم الشاعر في زاهي وهبي الذي لم يكن مثل كثيرين استغلوا الإعلام لإثبات هويّة شعريّة لم يجد عليهم الله بها. فهو مصاب بمرض الشعر الجميل قبل أن يمتطي أحصنة الإعلام التي أوصلته الى البعيد البعيد وهو يعرف حين يكون إعلاميًا ألا يكون الشاعر والعكس صحيح.

تجربة وهبي الشعريّة تخطو نحو نضجها من ديوان إلى آخر لتميّزه بين شعراء الحداثة الذين لا يخشون على حداثتهم من الوضوح، ويعتمدون الرمزيّة المدروسة التي تعطّل وصول المعنى الى الملتقّي ولا تُعمي بالغموض عيون فراشات العاطفة.

في «يعرفك مايكل أنجلو»، جديد زاهي وهبي الشّعري الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون-منشورات الاختلاف، شاعرٌ يتألّق في قلبه شجر الحب العالي، وترفّ في محبرته أسراب الحنين، وترافق جملته الشعريّة تحوّلاته العاطفيّة. فالطفل يحبو على بساط قصيدة وهبي: «بماذا تفكرين الآن بالجنين المبتسم لموسيقى موزار». طفله العطر محمولاً بين أجنحة نحل الروح ينسج الغيمة الخرافيّة التي تظلّل زاهي، وتقيه شمس الغربة في كوكب لا يتعب من الدّوران: «أحتضنه ثانية احتضان عطر تسرّب من قارورة روحي، أمسى روحًا ثانية». هذا هو الطفل روح تتسرّب من روح فتحوّل الأب أبًا كبيرًا. وإذا من ألم يخشاه الشاعر فهو أن يمضي قبل أن يُشبع عنق رضيعه شمًّا، فالعطر في عنق رضيعه يصيح فيطلع الضوء، وليس كرائحة الطفل ما يحرِّض على الاستمرارية ويجعل الحياة ممكنة: «قتلوني قبل صياح العطر في عنق رضيعي».

أراجيح أطفال

حتى السطوح جعلها زاهي أراجيح أطفال، فلا هي على ارتفاع ولا هي على انخفاض ولا تقول شيئًا من الذي سبق للشعراء والأدباء أن خصّوها به من جميل الكلام: «سطوحها لامعة كابتسامة رضيع» . وجنين وهبي يصرخ مستمدًّا الصوت من رحم أمّه وحنجرتها في آن، فهو الامتداد الطبيعي لامرأة شاءها الحبّ أن تكون أمًّا له: «صرخة جنين مغسولة بوجع المخاض». وربما تقود ريّاح الحنين زاهي وهبي الى خيام البداية: «لست سوى شوق الذاكرة الى ارتجافات البداية».

البداية سبب من أسباب محبرة زاهي الرئيسة، حافز أوّل لارتكاب الكتابة. طفله ليس طفلاً عاديًّا هو الأمّ الصغيرة التي سوف «تكون أمًّا لأبيها» هذه الجملة تفتح صدر زاهي وبوَّابة باله الشاعرة، وطاقة قلبه المغسول بندى الحنين. زاهي يريد استرجاع الزمن المفقود «لم أكتفِ من رائحة أهلي»، يحاول تأليف أب وأمّ ودار بحفنة من الحبّ بذرها بجسد حبيبته وروحها. يبكي زاهي أمه في «روما»، وفي الأمكنة كافة، هي الحاضرة بشللها الرُّعاشي على بساط شمس تشرق وعلى بساط شمس تغيب، تستعمره بأرقى أنواع الحبّ، وتقيم «في الرغبة المتدلّية من أعالي لهفتي». لم ينجو وهبي بعد من أمّه، الموت يحاول قطع حبل السرّة، الشعر يجابه الموت، ويحاول أن «يفقر» حصرم الحبر في عيني الوقت الذي يمعن في جرّ الناس إلى بيت طاعته.

وحدها المرأة أيقونة خلاص، وجسر عبور الى المعنى الجديد. والمرأة عند زاهي أنوثة في زمن تكثر فيه النساء وتقلّ الأنثى، «الأنوثة لا تكتملّ الا بذكورة الانتباه أو بالشّعر». لا يستطيع الشاعر عشق امرأة لا ترتاح في بيت الشّعر قبل أن ترتاح في غيره من البيوت. فالشّعر مرآة القلب، ولا تكتمل دائرة الأنوثة إلا بـ»الكلمة»، وهي أكثر من بطاقة هويّة وأكثر من وثيقة زواج.

رجولة

مثلما ينادي بالأنوثة مكتملة ينادي وهبي بالرجولة غير منقوصة أيضًا: «الأرض اليباب لا يؤنّثها إلا مطر فاحش»، وشيئًا فشيئًا نتيقّن أنّ الشاعر يدوّن اته بالخطّ العريض على بوّابة الدنيا، هاربًا من عصر أثقلته المادّة فغدا عصرًا مجوَّفًا، لذلك ينشد امرأة بكلّيتها: «أسمّيكِ كلّ أسباب الجسدْ».

وبقدر ما هو زاهي واضح لقارئه هو غامض أمام ذاته: «تعطّرتُ بفتنة غموضي»، وليس غموضه إلا وليد رحلة الإنسان الشاقّة في غابة الأسئلة الكبيرة حيث الجواب سؤال والوصول انطلاق، والراحة انتقال من تعب الى آخر. فتنة غموض زاهي هي جمال العقل الذي لا يتعب وجمال العواطف والأحاسيس الباحثة عن فيء شجرة المعاني الصعبة.

في مقابل هذا الغموض الذي لا ينعكس على النص الشعريّ، يقرّ زاهي بأنّ الحياة علّمته «أنّ الحياة أحلى من مجازها» وفي هذا القول رغبة جامحة إلى نقطة البداية حيث الحياة لم تكن بعد مجازًا، وما الذي جعلها مجازًا غير العصر المركّب وسبق الناس الى استبدال المُعاش بما هو ليس معاشًا والحقيقة بما هو ليس حقيقة. أن تكون الحياة بلا مجاز يعني أن تُعاش بأدقّ تفاصيلها، والحبّ لا يمكن الا أن يكون ابن هذه التفاصيل الصغيرة ذات المعاني القابلة للحياة طويلاً.

زاهي وهبي في جديده كاتب متألّم ألم الأنبياء «كلمتي نافذة الدهر / جسدي قوت المساكين»، ويسكنه فرح التبشير بالكلمة التي لا يُعشّش بين أحرفها الموت ولا يصل إليها عنكبوت النسيان، وشأن المسيح يريد تقديم جسده خبزًا للناس. وفي هذا السياق أيضًا نجده يتحضّر ليصير الغيمة: «لست غيمة بعد لكن صلوات استقساء تناديني»، فالمنحى النبويّ عند وهبي آتٍ من رغبته في العطاء فهو يريد أن يقول أنّه لا يقدر أن يحيا بعيدًا من آلام الناس، لا سيما المساكين منهم، ليأخذ الكلام بعدًا إنسانيًا شاملاً. ذلك كله يتمّ وزاهي يقطف الشوك ولم يغسل أصابعه بعطر وردة: «خذلتني الوردة وما خذلني الشوك»، ومع اشتداد الألم يرفع الشاعر عينيه الى السماء وبخلفيّة صوفيّة دافئة يخاطب ربّه «دعني أتسلّق صلاتي إليك».

في «يعرفك مايكل أنجلو» يقدم زاهي وهبي نموذجًا حيًّا للقصيدة الحديثة التي بات من خبرائها العتاق، وهو يثبت مرّة تلو أخرى أنّ الخيال الذي لا يغطّي جمالات الكلام والعاطفة البسيطة الصادقة ينقذان الشعر الحديث من فخّ الظلمة ويجعلانه أكثر قدرة على الحياة والجمال.
.
.[/align]


توقيع : هيام1
قطرة الماء تثقب الحجر ، لا بالعنف ولكن بدوام التنقيط.


زهرة الشرق

هيام1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس