عرض مشاركة واحدة
قديم 16-07-08, 07:26 PM   #1
 
الصورة الرمزية القلب الهادي

القلب الهادي
مشرفة التسلية والترفيه

رقم العضوية : 8941
تاريخ التسجيل : Sep 2007
عدد المشاركات : 1,085
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ القلب الهادي
اغمض عينيك ايها المصري؟!


[grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]هزا الموضوع عجبني جدا عندما قراته جبته لاخد رايكم فيه
كانت الرائحة العطنة تفوح من الردهة، رائحة شيطانية خبيثة، مصدرها ولا ريب القمامة التي يصر الجيران -لأسباب مجهولة- على إلقائها في منور البناية، ربما تهرّبا من دفع جنيهين شهريا لحامل القمامة، والأدهى أنهم لا يستخدمون الأكياس المحكمة المخصصة لذلك، بل يدفعون بها في أكياس ممزقة، تنبشها القطط الضالة وتدور حولها معارك رهيبة، وتموء في ظلمات الليل مواء مخيفا يطرد النوم من عيونه.

صدمه مشهد القبح الماثل أمامه ولما يخرج إلى الطريق، فتعكر مزاجه بشدة، وتساءل في نفسه عن سر التناقض العجيب بين منازلنا وردهات البناية، وكأن باب المنزل يفصل بين عالمين، أحدهما أنيق معطر حبيب، والآخر قبيح خبيث الرائحة عدو.

يعرف أن المصعد معطل، ولذلك فلا داعي لمحاولة استدعائه، إن سكان البناية يأبون كل الإباء دفع تكاليف الصيانة، وكأن المصعد خالد لا ينتابه العطب ولا تجري عليه سنن الكون التي تجري على الأحياء وغير الأحياء، يرتقبون منه المعجزات وكأنه يعمل دون كهرباء، دون صيانة، هابطا صاعدا في همة، لا يكلّ ولا يملّ، واضعاً نصب عينيه شرف خدمتهم فحسب!

يهبط الدَّرَج عالماً أنه سوف يصطدم بقطة أو أكثر، قطط مخيفة لا تنتمي لعالم القطط الوديع القديم الذي رحل مع الراحلين.. قطط متوحشة تنال طعامها من بين أنياب الذئاب، يرهَبهم الجانّ، وتفزع منهم الشياطين.

مضى يهبط الدَّرَج في حذر ثم تنفس الصعداء فقد أفلت بجلده هذه المرة لكنه يجب ألاّ ينسى أنه يحيا في خطر داهم، إن السلالم المكسورة فخ رهيب تشبه ضحكة مخيفة مهشمة الأسنان، والسبب أيضا مفهوم، والتكرار ممل، إن السلالم أيضا في عرف جيرانه خالدة، لا ينبغي لها التهدُّم والفَناء، ويبدو أن جميع الكائنات فيما عدا الإنسان خالدة في رأي جيرانه الأعزاء.

يذكر أنه تساءل في أحد اجتماعات البناية عن مبرر ذلك كله، هو يعلم أنهم جميعهم ميسورو الحال، وأن المليون الذي يطمحون إليه لن يتأثر ببضعة جنيهات، وأنهم ينفقون أضعاف هذا المبلغ في وجبة واحدة، ولكنهم راحوا يرمقونه بنظرات ثابتة صامتة حتى أدركه الارتباك، وراح يفكر.

لقد استقر في وعيهم أنهم يسكنون مجاناً كحق لا يمكن التراجع عنه، ولذلك لم يعد الواحد منهم يقبل -كمسألة مبدأ- أن ينفق مالا قليلا في هذا الشأن.

كان الآن يمارس خطيئته، يدلف من بوابة البناية إلى الطريق.

في الحال هجمت عليه سيارة مسرعة لكنه فر منها بأعجوبة متراجعا إلى الخلف غير مصدّق بالنجاة، تلفت حوله ثم سار في حذر لكيلا يموت. راح يتأمل سيارته في إشفاق، لم يغفل عن تلك الصدمات التي حدثت لها أثناء وقوفها بالأمس، والتخريب الذي نالته بالموس من صبية المدارس المدججين بالسلاح الأبيض.. يخرج الواحد منهم حاملا سلاحه في يده منذ نعومة أظافره، وبدت له السيارة كبشرة امرأة مجربّة نالت منها الأيام، لكنه حمد الله على أنه من أصحاب السيارات.

مضى بسيارته في الطريق، تهدر الكلاكسات من حوله، بداعٍ أحيانا وبغير داعٍ في معظم الأحيان، وبدا له أنهم يعبّرون عن تفسّخهم النفسي بهذه الوسيلة، يمقت الواحدُ منهم زوجته، تلوح له صورة رئيسه متوعداً، يتذكر العلقة التي نالها من أبيه منذ عشرين عاماً، يشعر بجيوبه خالية الوفاض فيطلق النفير في .

يذكر أنه حاول ال على النفير المتوالي، وكان يقابل بالدهشة العارمة من أصحابها، الأمر الذي أقنعه أنهم يعتقدون أن إطلاق النفير حق من حقوق الإنسان كالتنفس سواء بسواء.

كانت الطرقات مهشّمة، وكأن معارك رهيبة بالمدفعية الثقيلة قد دارت لتوها، مضت السيارة تئنُّ من جراء الحفر المتناثرة، لكنه لم يحاول أن يتجنبها خشية أن يصدم المارة الذين مضوا يتسكعون في عرض الطريق في أمان تام، وكأنهم يخترقون الصالة إلى غرفة النوم!! اختلط الحابل بالنابل.. دراجات، موتوسيكلات، سيارات، حافلات، عربات كارو، بشر، كلاب، قطط، حشرات، نساء، صبيان، رجال.. يتسرب القبح إلى نفوسنا جميعا دون أن نشعر ثم نتساءل بعد ذلك عن أسباب الاكتئاب!!
نظر أمامه فلم ير إلا شقاءً.
تلفت يميناً فلم ير إلا قبحاً.
تلفت يساراً فلم ير إلا قمامةً.

ولذلك فقد تشبث بمقود السيارة، وأطلق نفيرا مستمراً، ثم أغمض عينيه وانطلق بسرعة..
منقول[/grade]


القلب الهادي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس