رد: الحمد لله الذى جعل فى امتى نظير يوسف الصديق..موضوع متجدد..!!
الفتى المعذب ينتصر في النهاية
تحكي أخبار العاشقين اليوم إحدى الروايات التي ظل بطلها يسعى
من أجل أن يستعيد محبوبته مرة أخرى بعد أن عاني في سبيل ذلك الكثير من الويلات، قليل هم العشاق الذي ينال منهم الحب كل هذا الاهتمام والشقاء ولكن قدر لبطل قصتنا اليوم أن يكون واحداً منهم.
وتبدأ القصة كما يلي:
في أحد الأيام التي أشتد بها الحر وبينما كان معاوية بن أبي سفيان جالساً في احد المجالس بدمشق، فإذا به يجد رجلاً يسير نحوه يتلظى من شدة الحر ويحجل في مشيته حافياً من اثر ذلك، فنظر له معاوية مشفقاً وقال لجلسائه : هل خلق الله أشقى ممن يحتاج إلى الحركة في هذه الساعة ؟ فقال بعضهم : لعله يقصد أمير المؤمنين، فقال : والله لئن كان قاصدي سائلاً لأعطينه، أو مستجيراً لأجيرنه، أو مظلوماً لأنصرنه .. يا غلام قف فإن طلبني هذا الأعرابي فلا تمنعه الدخول علي.
وبالفعل كان الرجل قاصداً أمير المؤمنين فلما دخل عليه، قام الرجل بالسلام على معاوية، وسأله معاوية عن المكان القادم منه وعن سبب المجيء فرد الرجل: أنا من بني عذرة، وقد أتيت إليك مشتكياً ومستجيراً من مروان بن الحكم ثم أنطلق يقول
معاوي، ياذا الفضل والحلم والعقل
وذا الـبر والإحسان والجود والبذل
أتيتك لما ضاق في الأرض iiمذهبي
وأنـكرت مـما قـد أصـبت بـه iiعقلي
فــفــرج كـــلاك الله عــنـي iiفـإنـنـي
لـقـيت الــذي لــم يـلـقه أحــد iiقـبلي
وخــذ هــداك الله حـقـي مــن iiالـذي
رمـاني بـسهم كـان أيـسره قـتلي ii!
وكــنـت أرجـــى عــدلـه إن iiأتـيـتـه
فـأكثر تـردادي مـع الـحبس والكبل
سـباني سـعدي وانـبرى لخصومتي
وجـار ولـم يـعدل وغـاصبني أهـلي
فـطلقتها مـن جـهد مـا قـد iiأصـابني
فـهذا، أمـير المؤمنين، من iiالعدل؟
ثم بدأ يحكي قصته لأمير المؤمنين وقد ناله من الشقاء والأسى الكثير، فقال كانت لي ابنة عم اتخذتها زوجة لي وكانت تتمتع بالجمال ورجاحة العقل، فكنت أهيم بها حباً وولعاً وكانت تعينني على أمري، وكان لي المال والإبل التي تغنيني أنا وزوجتي، ولكن لأن دوام الحال من المحال فما لبثت أن أصبت في مالي، فذهب المال والغنى وأصبحت لا أملك شيئاً سوى هذه الزوجة الجميلة الصابرة، ولكن شاءت الأقدار أن تفرق بيني وبينها فما إن علم أبيها بما حل بي من فقر حتى طردني ونهرني، وأبعدني عن زوجتي، ولكني لم أستسلم بل ذهبت إلي مروان بن الحكم أمير المدينة أشكو إليه حالي، فأستمع لي ثم أمر أن يحضر والدها فلما حضر سأله عن السبب الذي جعله يفرق بيني وبينها ولما أنكر الرجل أن يكون قد زوجني ابنته، أمر مروان أن تحضر سعدى زوجتي ويسألها بنفسه فلما حضرت ورآها الأمير أوقعت في نفسه الكثير من الاستحسان والإعجاب، وبعد أن كان مروان ملجاً ونصيراً لي أصبح خصماً، حيث أمر بسجني وتعذيبي كما هددني بالقتل وأجبرني كارهاً أن أطلقها، ووعد والدها أن يطلقها مني وان يتزوجها هو مجزلاً له العطاء فأعطاه ألف دينار وعشرة ألاف درهم وقام بسجني إلى أن تمت عدتها فتزوجها.
فلما أتم الأعرابي قصته انطلق مرة أخرى ينشد قائلاً:
فـي الـقلب مـنى iiنـار
والنار فيها استعار !
والـجسم مـني سـقيم
والـلون فيه اصفرار
وفــي فــؤادي iiجـمـر
والـجـمر فـيه شـرار
والـعين تـبكي iiبشجو
فــدمــعـهـا مـــــدرار
والـحـب داء iiعـسـير
فــيـه طـبـيـب iiيــحـار
حـمـلت مـنه iiعـظيماً
فـمـا عـليه iiاصـطبار
فــلـيـس لـيـلـي لــيـل
ولا نــهـاري نـهـار ii!
وبعد أن تم شعره سقط مغشياً عليه من كثرة الحزن والألم الواقع في نفسه، فلما أتم قصته وقع الكثير من الغضب في نفس الخليفة وقال: تعدى ظلم مروان بن الحكم في حدود الدين، واجترأ على حرم المسلمين، ثم قال : والله يا أعرابي، لقد أتيتني بحديث لم أسمع بمثله قط، ثم دعا بدواة وقرطاس، وكتب إلى مروان بن الحكم : قد بلغني أنك اعتديت على رعيتك، وأنهكت حرمة من حرم المسلمين، وتعديت حدود الدين، وينبغي لمن كان والياً أن يغض بصره عن شهواته، ويزجر نفسه عن لذاته، وألحق بكتابه ما يلي:
ركـبت أمـراً عـظيماً لست أعرفه
أستغفر الله من جور امري iiزاني
قــد كـنـت تـشبه صـوفيا لـه كـتب
مــن الـفـرائض أو آيــات iiفـرقان
حـتى أتـاني الفتى العذري iiمنتحباً
يـشـكو إلــى بـحـق غـيـر iiبـهـتان
أعـطى الإله عهوداً لا أخيس iiبها
أو لا فـبـرئت مــن ديــن وإيـمـان
إن أنـت راجـعتني فـيما كـتبت iiبه
لأجـعـلـنـك لـحـمـاً بــيـن iiعـقـبـان
طـلـق سـعـاد، وعـجـلها iiمـجـهزة
مع الكميت ومع نصر بن ذبيان !
فـما سـمعت كـما بلغت من عجب
ولا فـعـالـك حــقـاً فــعـل iiإنــسـان
ثم أرسل الكتاب مع كل من الكميت ونصر بن ذيبان، فلما وصلا إلى مروان وسلماه الكتاب قرأه وما إن فعل حتى قام بتطليقها في الحال وبعث بها إلى أمير المؤمنين ومعها كتاب له جاء فيه:
حــــوراء يــقـصـر عـنـهـا iiالــوصـف
إن وصفت أقول ذلك في سر وإعلان
المستجير بالرمضاء من النار
وعندما وصل الكتاب إلى معاوية قال لقد أحسن في الطاعة، وأطنب في حسن الجارية، ثم عندما رأى معاوية سعدى الجارية أنبهر بجمالها وحسنها وفصاحتها، فقال للأعرابي هل لك أن تتركها وأعوضك عنها ثلاث جوار ومع كل جارية ألف دينار وأقسم لك من بيت المال في كل سنة ما يكفيك ويعينك على صحبهن.
وعندما سمع الأعرابي ذلك لم يتمالك نفسه من شهقة قوية أنتفض لها من حوله حتى ظنوا انه مات، ولما أفاق قال لمعاوية استجرت بعدلك من جور ابن الحكم، فبمن استجير من جورك ! وقال:
لا تـجعلني والأمـثال تضرب iiبيك
الـمستجير مـن الـرمضاء بالنار
اردد سـعاد عـلى حـيران iiمكتئب
يـمسي ويـصبح فـي هـم وتـذكار
قــد شـفـه قـلـق مــا مـثـله iiقـلق
وأسـعـر الـقلب مـني أي iiإسـعار
كـيف الـسلو وقد هام الفؤاد iiبها
وأصبح القلب عنها غير صبار !
وأصر الأعرابي على تمسكه بزوجته وحبه قائلاً : يا أمير المؤمنين لو أعطيتني ما حوته الخلافة ما أعتضته دون سعدى، فأقترح معاوية عليه أن يرجع الأمر لها ويخيرها أيهم تفضل فإن اختارت سواه زوجه بها، وإن اختارته أرجعها إليه.
فقال الأعرابي مستسلماً: افعل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ودعاها معاوية وقام بتخييرها بين نفسه موضحاً عزه وشرفه وسلطانه وقصوره، وبين مروان بن الحكم بعسفه وجوره، وبين الأعرابي مع جوعه وفقره وسوء حاله.
فقامت بالإنشاد قائلة:
هـــذا وإن كـــان فــقـر iiوإضــرار
أعز عندي من قومي ومن جاري
وصـاحب الـتاج أو مروان عامله
وكــــل ذي دره عــنــدي iiوديــنــار
ثم استطردت تقول : والله يا أمير المؤمنين، ما أنا بخاذلته لحادثة الزمان، ولا لغدرات الأيام، وإن لي معه صحبة قديمة لا تنسى ومحبة لا تبلى وأنا أحق من صبر معه على الضراء، كما تنعمت معه في السراء، فتعجب معاوية من عقلها ومروءتها، وأمر لها بعشرة آلاف درهم، وردها بعقد جديد، فأخذها الأعرابي وانصرف.
منقول
محمود الكبيسي ----تابعو معى
|