عرض مشاركة واحدة
قديم 16-06-08, 05:59 PM   #1
 
الصورة الرمزية لميس صلاح

لميس صلاح
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 9320
تاريخ التسجيل : Oct 2007
عدد المشاركات : 4,014
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ لميس صلاح
مشاركة هلسة : مشيت من عكا إلى مرجعيون للإلتحاق بالنضال




هلسة: مشيت من عكا إلى مرجعيون للالتحاق بالنضال







معتقلة سابقة في السجون الاسرائيلية تروي رحلتها مع الثورة الفلسطينية

رشا عبدالله سلامة

عمّان- ستة عشر ربيعا هو العمر الذي اختارت فيه تيريز هلسة بدء رحلتها مع الثورة الفلسطينية، التي انتقلت مراحلها من خطف طائرة إلى اعتقال مروراً بحكم بالمؤبد وانتهاء بالنفي إلى الجزائر.
الثالثة بين أخواتها، عاشت في بيت يخيم عليه الحب في منطقة عكا التي انتقل إليها والدها منذ العام 1947. أما والدتها فكانت من قرية الرامة الفلسطينية. طفولتها هادئة، وكذلك مرحلتها الدراسية في تراسطنة عكا.
وعندما بلغت هلسة، المتحدرة أصولها من مدينة الكرك الأردنية، الستة عشر عاما، وأثناء تدربها على مهنة التمريض، اعتملت في قلبها جراح الاحتلال الإسرائيلي، "مشهد إهانة الرجال الفلسطينيين أمام عائلاتهم وأبنائهم" كان من أكثر ما ملأ قلبها حسرة ورغبة في الثورة على الوضع السائد، لذا قررت شدّ رحالها مشيا على الأقدام من عكا إلى مرج عيون في الجنوب اللبناني كي تنذر نفسها لأي عملية ثورية من غير أن تُعلم أحدا من أهلها عن نيتها.
منذ لحظة اختفائها وضع أهلها صورتها في الجرائد العبرية تحت عنوان خرج ولم يعد، بينما كانت تيريز في مرج عيون تتلقى تدريباتها مع منظمة التحرير الفلسطينية على استخدام جميع أنواع الأسلحة والمتفجرات. تقول "حتى ذلك الحين لم أكن أعلم شيئا عن نوع العملية التي سأقوم بها، بيد أني لم أتفاجأ حينما أبلغوني بأنني سأقوم بخطف طائرة".
وفي يوم الرحلة المتجهة من بيروت إلى روما، قامت المنظمة بتعريف هلسة بأحد الشبان الذين سينفذون عملية الاختطاف معها، وكان اسمه زكريا الأطرش. تقول تيريز "استشهد زكريا أثناء العملية إلى جانب الشهيد علي طه، فيما بقيت أنا والمناضلة ريما طنوس".
وعن تفاصيل ذلك اليوم تقول "في تاريخ 2/5/1972 استقلينا الطائرة كمتزوجين، أنا وزكريا، وريما وعلي، من بيروت إلى روما ومن ثم إلى ألمانيا وبعدها إلى بلجيكا وتحديدا يوم 6/5/1972 وهو اليوم الذي أُبلِغنا فيه أن الطائرة المزمع اختطافها ستقلع من بروكسل إلى مطار اللد في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48. وكان التواصل يتم بيننا والمنظمة عن طريق علي".
ملامح توتر ترتسم على محيا هلسة، مستحضرة بها مشاعر ذلك اليوم الذي كان الهم الأول فيه هو تنفيذ العملية بنجاح ومن دون تدخل من أحد. توضح قائلة "من إحدى أبرز الثغرات أثناء تنفيذ أي عملية ثورية تدخل القيادة بها بعد رحلة التخطيط، لأن الموجود في الظرف هو الأقدر على الحكم. ولكن ما حدث معنا هو تدخل المنظمة عندما مددت ساعات اعتقال الرهائن وبالتالي أضعفت من قوة الموقف".
وبعد أن استقلت هلسة ورفاقها طائرة سابينا، وهي خطوط بلجيكية برأس مال بلجيكي- إسرائيلي مشترك، وأثناء الرحلة المتجهة نحو مطار اللد قام علي ومن ثم زكريا ومن ثم هلسة وبعدها ريما من مقاعدهم وكأنهم متجهون نحو الحمام، بينما أشهروا أسلحتهم. حينها أعلن علي عبر مكبرات الصوت أن الطائرة قد اختُطِفت. وبلغت قيادة الطائرة برج المراقبة بأن الاختطاف حصل وبأن مطالب الخاطفين هي تحرير الأسرى خلال ست ساعات وإلا فسيتم تفجير الطائرة.
تكمل هلسة قائلة "وعن طريق كابينة القيادة صار التواصل بيننا وبين المنظمة. وبرغم أننا غير مقتنعين إلا أننا اضطررنا إلى الرضوخ لأوامرهم بتمديد فترة المهلة إلى ساعات عدة حتى وصلت أربعا وعشرين ساعة".
لحظات صمت طويلة مرت قبل أن تقول هلسة "لم يكن هدفنا رؤية الناس الأبرياء يموتون". كانت تتحدث عن نفاذ وقود الطائرة وبالتالي أكسجينها، ما اضطرهم للمجازفة وفتح أحد الأبواب لدخول الهواء كي لا يموت الركاب. تضيف "على الرغم من أنه كان بإمكاننا استغلال الأكسجين الاحتياطي في الطائرة لمدة أيام بينما نترك الركاب يختنقون، غير أن ذلك ليس هدفنا إطلاقا، فنحن لسنا إسرائيليين لنتلذذ برؤية الموت كما يفعلون هم مع الفلسطينيين".
وتماشيا مع معاهدة جنيف، التي تسمح لرجال الصليب الأحمر بالصعود للطائرة المختطفة لتفقد أحوال الرهائن، وافقت هلسة ورفاقها على ذلك، معقّبة "بيد أنهم كانوا من الدهاء والمكر ما يكفي لتحديد عددنا ومواقعنا من دون أن نشعر. وبعد ذلك طلبنا منهم وقودا للطائرة وطعاما للمسافرين، وأجابوا بالقبول حتى وقف (لاند روفر) بجانب الطائرة على أساس أنه لمسؤول الصليب الأحمر كي يمدنا بالمطلوب، لذا فتح الشهيد علي فتحة في أرض الطائرة لإدخال الطعام بينما باغتته رصاصة إسرائيلية في رأسه، ليتبين أن (اللاند روفر) للجيش الإسرائيلي وليس الصليب الأحمر".
وبعد أن هرعت هلسة لمسدس علي كي تأخذه وتصوب رصاصة منه على المتفجرات المخبأة في آخر الطائرة كي تنفجر، باغتها الجنود برصاصات متتالية انهمرت على ساعديها حتى وقع المسدس من يدها التي غرقت في دمائها. وعن تلك اللحظات تقول "تناهى لسمعي وأنا أمضي نحو المتفجرات صوت جنود الاحتلال وهم يقولون عن الشهيد علي بأنه فارق الحياة، بينما رأيت الشهيد زكريا غارقاً في دمائه. وقبل أن يصّوبوا على ذراعيّ حدثت مناوشة بيننا بالرصاص وكان من بين من أصيبوا نتنياهو. وأخطأت إحدى الرصاصات صدغي مسببة مجرد فتح فيه، بينما ذراعيّ امتلأتا بالرصاص..".
يطبق الصمت للحظات، بينما تكشف هلسة عن ذراعيها اللتين ما تزالان شاهدتين على كثافة وابل الرصاص الذي صُوّب نحوههما. وبرغم كل ذلك رفضت هلسة الاستسلام، وهرعت نحو جناح الطائرة هاربة، فتبعها الجنود وألقوا القبض عليها. وبعد ذلك تم وضعها على نقّالة، "حتى جاء جندي وقطع شريان يدي اليسرى الذي يتصل بالقلب عن طريق سكين مثبتة في عقب بارودته.. وبعد ذلك فقدت الإحساس بكل شيء وغبت عن الوعي" تقول هلسة التي ما تزال تذكر تفاصيل ذلك اليوم وكأنه في الأمس القريب.
وأفاقت هلسة جرّاء سكب المياه على وجهها في مستشفى "تل هاشومير" العسكري، لتبدأ دوامة التحقيق الطويلة. وبعد أن كانوا يداومون على سؤالها عن التنظيم وعن أسماء الأشخاص الذين يقفون وراءها برغم إعلانها ورفاقها على متن الطائرة بأنهم تابعون لمنظمة التحرير. وبرغم حالتها الصحية المتدهورة، إذ كانوا يضعون لها إبرة المغذي في رجلها لأنه لم يعد في ذراعيها المصابتين مكان للإبر، برغم ذلك ضربها جندي احتلال من غيظه على مكان الغرز عند الشريان المقطوع، ما اضطرهم لإدخالها مجدداً إلى غرفة العمليات.


توقيع : لميس صلاح
زهرة الشرق
zahrah.com

لميس صلاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس