في الذكرى الأولى "عائلة أبو سلمية" توثّق بدماءأبٍ وأمٍ وأبنائهماالسبعة مجزرة صهيونية
عائلة "أبو سلمية" توثّق بدماء أبٍ وأمٍ وأبنائهما السبعة مجزرة صهيونية ستبقى على الدوام وصمة عارٍ على جبين الإنسانية

المشي على أنقاض منزل عائلة نبيل أبي سلمية كان تماماً كالمشي على الذاكرة التي تحوَّلت إلى أشلاء ممزقة، بعد قصفها بطائرات صهيونية محمَّلة بأطنان لا عدد لها من شحنات الحزن والقهر، وبقوة تفوق قوة الطائرات الحربية "إف 16" التي قصفت عائلة يحمل اسمها معنى السلام في ليلة الثلاثاء الماضي (11/7)، وذلك في حالة مدهشة من التوحد بين الذاكرة وبين من أصبحوا خارج المكان.
يد هذه الذاكرة المُخضَّبة بدماء الأطفال السبعة وأبيهم وأمهم وحدها استطاعت أن تنفض الركام عن الكلمات بعد أن تعطَّلت فيها حاسة الوصف لمنظر الحجارة وهي تنطق بأعلى صوت "ما ذنب هؤلاء الأطفال الذين عادوا من رحلة بحرية قصيرة وقد اغتسلوا بفرحتهم البريئة استعداداً للموت؟، هؤلاء الأطفال عندما خلدوا إلى النوم لم يخطر ببالهم سوى الحلم بأحلام نصفها الأول كابوس مزعج كرؤية هدى غالية وهي تصرخ على أبيها، ونصفها الآخر هو رؤيا الجنة حيث المساحات الخضراء الواسعة والأراجيح والألعاب، والأهم من ذلك فلسطين؛ التي طالما حكت لهم جدتهم عنها، وعندما وصلوا إلى هذه اللقطة من الحلم تحديداً ابتسمت وجوههم النائمة كابتسامة المواليد الجدد، ولكن الصواريخ الصهيونية ضيَّعت ملامح الوجوه والابتسامات والأحلام ودفنتها في ضريح واحد".
الجريمة والوحشية
اسمي جهاد محمد السلول، أعمل مدرساً، عمري (49 عاماً)، وأقطن بجوار منزل الدكتور نبيل أبو سلمية في حي الشيخ رضوان، في حوالي الساعة 2:45 دقيقة صباحاً، استيقظت من نومي على صوت انفجار خفيف، زوجتي وأبنائي استيقظوا أيضاً، وقد اعتقدنا أن مصدر الانفجار قنبلة صوتية، توجَّه أبنائي لواحدة من نوافذ المنزل، وخلال دقائق معدودة، سمعنا صوت انفجار ثان، تساقط زجاج النوافذ على رؤوسنا، خرجت من المنزل لتقصي ما حدث معتقداً أن الانفجار في منزل جاري د.أحمد بحر (أبو أكرم)، النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي ، لكنني فوجئت وأنا أسير تجاه منزله بأن الانفجار وقع في منزل د. نبيل أبو سلمية، شاهدت الدخان والرماد يخرجان من المنزل بكثافة، شاهدت أيضاً شاباً بلحية بين أنقاض المنزل وكان مصاباً، قمت بالتعاون مع ثلاثة من الجيران بنقله بسيارة مدنية زرقاء اللون من نوع "فيات"، ومن ثمَّ ذهبت لأساعد في إنقاذ الآخرين.
وجدنا ابن د. أبو سلمية، محمد الطالب في السنة الأولى في كلية الهندسة في الجامعة الإسلامية مصاباً في وجهه، كان يقف على شرفة المنزل المدمر ينادي مستغيثاً، توجَّهنا إليه وتمكَّنا من نقله في سيارة الإسعاف، بعد ذلك رأيت إحدى بنات د. أبو سلمية وعمرها حوالي (17 عاماً) وهي معاقة حركياًً؛كانت ملقاة على الأرض في الحديقة بين الأشجار،رأيت أيضاً جثمان ابنه يحيى وهو طالب في الصف الرابع الابتدائي؛ كان جسداً بدون رأس؛ رأسه كان ملقياً في ممر المنزل المجاور والذي يعود لعائلة عباس، وأنا أعرف المرحومَيْن يحيى والبنت جيداً، بعد ذلك وجدت ابناً آخرَ من أبناء د. أبو سلمية وهو ميّت وملقىً على الأرض، ثم وجدنا جثة الأم وكانت مبتورة الساق، وجدنا أيضاً يدين اثنتين لرجل، الكف والساعد كانا بين الأشجار.
سكان المنزل المجاور لمنزل الدكتور أبو سلمية وهو منزل المواطن راجح عباس، كانوا مصابين غالبيتهم، بشظايا الزجاج والطوب، وقد قمنا بإخلاء المُسِّنة أم راجح عباس وعمرها حوالي (65 عاماً) وكانت مصابة في ساقها، كما أنقذنا معها طفلاً من تحت الرماد والأنقاض وكان يتنفس؛ أنا شخصياً لم أصدق أنه حيٌّ.
في هذا الوقت، ومباشرة بعد وقوع الحادث، كان الدفاع المدني يبحث في الموقع عن أيِّ ناجين أو مصابين.
حوالي الساعة السابعة 7 صباحاً وجد رجال الدفاع المدني بين الأنقاض المواطن عوض نبيل أبو سلمية، وعمره (19 عاماً) وهو طالب في كلية الهندسة سنة أولى وكان مصاباً إصابات متوسطة.
تابع جهاد يقول: "هذه منطقة سكنية، تقيم بها أسر، حتى لو كان بها مطلوبون واحد أو اثنان، كيف يتم استهداف حيٍّ بأكمله وقصفه بالطائرات وبالصواريخ مسببين كل هذا الموت والدمار لنا ولسكان المنزل المستهدف وللجيران، وجميعنا مدنيون، هم لا يريدون قتل مطلوبين، بل يهدفون بالأساس إلى تدمير المدنيين وقتلهم وإرهابهم أيضاً.
المنزل مقام على حوالي 200 متر مربع، مكوَّن من جزئين، جزء جنوبي وهو عبارة عن مبني قديم مكوَّن من دور أرضي ودور أول. وجزء شمالي وهو مكون من مظلة في الدور الأرضي وغرفتين وصالة لأولاده.
الجزء المستهدف من المنزل هو الجزء الجنوبي، وفيه وقع الشهداء ، هذه المنطقة تدعى حي الشنطي، مشروع عامر، حي الشيخ رضوان.
لا شيء سوى الصدمة
في بيت العزاء جلست منى الابنة الكبرى لهذه العائلة المفجوعة تحمل على ذراعيها ابنها يحيى الذي وضعته منذ أسبوع حيث اكتست وجهها حالة من الصدمة الشديدة، حاولت أن نستنطقها دون أن نثقل عليها في فتح الجروح التي تأبى أن تندمل؛ حيث قالت بعد برهة من صمت التعابير في عينيها: "أنا متزوجة من عائلة الغول التي أسكن فيها مقابل البناية التي يسكن فيها والدي وأخوتي".
بعد فاصل آخر من الصمت واصلت "عندما سمعت القصف لم أكن أتوقع أن أهلي هم المستهدفون، لقد قام أبي وأمي وأخوتي الصغار رحمهم الله بزيارتي قبل أيام ليهنئوني بطفلي يحيى".
سؤال آخر حول ذكرياتها الأخيرة معهم لكن لا إجابة منها سوى مساحة سوداء من الصمت..
ومن الجدير بالذكر، أن شهداء القصف الصهيوني على المنزل في (12/7) هم د.نبيل أبو سلمية الذي يعمل أستاذاً في كلية المجتمع والعلوم المهنية والتطبيقية (46 عام)"، وزوجته سلوى (41 عاماً)، وبناتهما سمية (17 عاماً) وهي معاقة، بسمة (15 عاماً)، هدى (13 عاماً)، إيمان (11 عاماً) ويحيى ويبلغ تسعة أعوام، وآية سبعة أعوام، ونصر الله أربعة أعوام"، ولم يتبق من العائلة سوى ثلاثة أفراد، منهم وهم عوض (19 عاماً)، الذي يرقد الآن في مستشفى الشفاء ، ومحمد (21 عاماً) وأخته المتزوجة منى (22 عاماً).
ونعم التربية
خالتها ندوى أبو سلمية بدت متماسكة إلى حدٍّ ما حيث قالت "لقد رأيت أختي سلوى قبل استشهادها بيوم حيث كنت أزورها وجلسنا نتحدث عن ابنتها منى التي وضعت مولودها مؤخراً، وقد طلبت مني أن أحضر لها العجين من بيتي حتى تخبزه عندها لكني رفضت، كما دعتني على الغداء قبل خروجي وأصَّرت عليَّ، لكني كنت على عجلة من أمري".
وأكدت ندوى أن أختها سلوى كانت تطلب الشهادة دوماً، وتدعو الله أنه إذا أصاب أبناءها صاروخ بأن تكون معهم، مشيرة إلى أن أولاد أختها كانوا شغوفين في الحديث عن الجهاد والإسلام.
وأخذت تتحدَّث بدورها عن تربية أبناء أختها التي وصفتها بالإسلامية، وخاصة ابنتها هدى التي كانت تتمتع بصوت جميل في قراءة كتاب الله، وعندما استشهدت عائلة غالية شاركت هدى في إحدى الإذاعات المحلية في اتصال هاتفي لتعبِّر عن شعورها، أما نصر الله فعلى الرغم من صغر سنه إلا أنه كان عندما يركب أي سيارة أجرة مع أمه وتكون هناك أغاني، فإنه يصّر على النزول منها.
وعن شعورها لحظة القصف قالت:" لقد راودني شعور بأن منزل أختي الذي لا يبعد عنَّا كثيراً هو المستهدف، فلم أتمالك نفسي وخرجت إلى الشارع أجري دون غطاء على رأسي لولا أن بناتي لحقن بي ليعطينني زيَّ الحجاب، وعندما رأيت المنزل منهاراً أخذت الدموع تنهمر مني بينما لساني يلهج بدعاء الله بأن ينجي أختي وأبناءها".
وعن زوج أختها فقد أثنت على أخلاقه وقالت: "لقد كان حريصاً على مشاركة الناس في فرحهم وحزنهم، كما أنه كان يواسيهم في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها شعبنا بأن الناس يجب أن يصبروا ويجاهدوا بكل ما يملكون".
يتبع.................
توقيع : مس لاجئة
|