عرض مشاركة واحدة
قديم 13-07-07, 06:27 PM   #1
 
الصورة الرمزية مس لاجئة

مس لاجئة
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 5461
تاريخ التسجيل : Sep 2006
عدد المشاركات : 5,496
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ مس لاجئة
سلامي لكِ عائشة........قبل ان تدخلوا هنا فكروا قليلا لان هنا ما يدمي القلب


بسم الله الرحمن الرحيم


الشهيدة عائشة الشوا: اقرأي يا أمي رسائلي... لكن أقبّل يديك ألا تبلليها بدموعك الغالية



سقطت كل قلاع المقدمات الإنسانية...فلا مداخل إبداعية أمام قصة الشهيدة الطالبة عائشة ماهر يعقوب الشوا (18عاماً) التي استشهدت برصاص العناصر الأمنية الخميس 14 | 6 | 2007 أثناء عودتها من امتحان الثانوية العامة.

تفاصيل قصتها التي اقشعرت حروفها حزناً على صاحبتها يمكن أن تكون في رسالة كهذه أعادت صياغتها "فلسطين" أثناء زيارتها لمنزل عائلتها في غزة.

"أمي الحبيبة...سلام الله عليك ورحمته وبركاته....أما قبل وأما بعد وما بينهما من شوق إلى والدي ووالدتي الحبيبين:


أقبّل يديك.. لا تبك

أولاً وقبل كل شىء أقبّل يديك لا تبك....أعرف أنك تفتقدين ابنتك البكر الآن....بل أني أسمع صوت دموعك التي لم تجف منذ قالوا لك إن ابنتك عائشة رحلت....أمي سأعترف لك بسر كنت أخفيه في ليلة استشهادي الساعة الثانية صباحاً عندما كنت أسهر ليلتي وأنا أراجع مادة تكنولوجيا المعلومات، كنت خائفة للغاية من أزيز الرصاص، حتى أنك رأيت خوفي وهلعي وأنا أنتقل تارة بين طاولة الطعام التي اختبأت تحتها أنا وكتابي المنهكة أوراقه بسببي، وتارة أخرى أزحف إلى المطبخ وتارة ثالثة إلى الغرفة المجاورة، ولكنني كابرت عندما طلبت منك أن تذهبي للنوم وألا تخشي علي، ولكنني في حقيقة الأمر كنت بحاجة لأن تكوني بجانبي طوال الوقت لأن الرعب كان يملؤني، ما كنت أخشاه يا أمي أن تصيبني رصاصة وأصبح بعدها معاقة، فأنت تتذكرين زميلتي التي حدثتك عنها من قبل عندما أصيبت في الاقتتال الداخلي الشهر الماضي، فاخترقت الرصاصة خدها وشوهتها.

رسالة رقم 1

في هذه اللحظة بالذات أتمنى لو أنك تسمعيني وأنا أقول لك بأنك لم تكوني أماً بالنسبة لي فحسب بل صديقة حقيقية، كلانا كانت تملأ على الأخرى حياتها، رغم أن سني لم يتجاوز الثامنة عشر لكني كنت أتعمد أن أكون أكبر من عمري وأتحمل المسؤولية، كنت أحاول أن أسد فراغ أبي في البيت، بعد أن اختار منذ سنوات طريق الغربة للعمل في دبي من أجل توفير حياة كريمة لي ولأخوتي، كنت أطير من الفرح كلما سمعتك تفخرين بي، وتصفينني بأجمل الصفات...إنها بر الوالدين.

أرجوكي سامحيني لأني تركتك قبل أن أحقق حلمك الكبير، لقد بذلت كل ما في جهدي في الدراسة، حتى أني ختمت المنهج أكثر من مرة، سامحيني....فأنت كان كل مناك أن تسمعي اسمي في الراديو عندما تعلن وزارة التربية والتعليم عن أسماء العشرة الأوائل في قطاع غزة في نتائج الثانوية العامة، ولكنك سمعتيه في أخبار الوفيات، كيف لا وأنا قد حصلت في الامتحان التجريبي على معدل 97%.

كنت انتظر طوال العام الماضي هذه اللحظة مثلك ليس لأني أريد أن أفخر بتفوقي فقط، بل لأني أريدك أن ترفعي رأسك بي، لقد وعدتك ولم أفي بوعدي، وعدتك بأن أحقق هدفي الذي حددته بدقة متناهية عبر التخطيط والاجتهاد كي أكون من متفوقي فلسطين، كنت أريد أن التحق بتخصص "تجارة انجليزي" في الجامعة، فأنت تعرفين حبي للغة الانجليزية والرياضيات، كنت أتمنى أن أسافر بعدها إلى دبي لأعمل مع بابا ونحقق لك سوياً كل ما تطلبينه حتى لو كان "لبن العصفور" يا أمي.

وألف هل يا أمي!!

أتذكرين شخصيتي عندما كنت طفلة في الصف الثالث الإبتدائي يا أمي؟ عندما أصررت على ارتداء الحجاب وكنت التزم بالصلاة،، كما كان يوصيك أبي دائماً بأن تربينا على الستر والعفاف وعلى الخلق القويم منذ كنا صغاراً.

هل ستروي يا أمي للناس كيف كنت أعشق الأرض التي تمشين عليها، هل ستحنّط أذنك صوتي وهو يعزف كفراشة صيف عندما كنت أقول لك" يا الله أديش يا ماما بتفاءل فيكي"؟ هل ستحتفظ معالم وجهك الحنون بفرحته عندما كنت أعود إليك في الأيام الأولى من عقد الامتحانات وأقول لك "يا الله يا ماما أديش الامتحان كان سهل والإجابات كلها صح"؟ هل سيحتفظ فمك بطعم الشوكولاتة التي كنت أشتريها لنفسي وامنحها لك بدلاً مني لأنك أنت نفسي؟ هل سيحتفظ درجك بالأوراق التي كنت أكتب عليها الأشياء الضرورية التي سنشتريها للبيت حتى لا يتبدد المصروف؟ هل سيحتفظ أخوتي بالهدايا التي كنت اشتريها بما كنت اقتصده من العيدية؟ هل ستحتفظ أركان منزلنا بصوتي وهو يصدح بضحكاتي ومداعباتي لهذا وذاك؟ هل سيحتفظ الهاتف بنبراتي الحنونة وأنا أشكر "بابا" على إلحاحه بأن استعين بمدرسين خصوصيين؟.

هل ستحتفظ الجدران ببراويز شهاداتي التقديرية المعلقة عليها؟ هل سيحتفظ قلبك باللحظات الإيمانية التي تجلت في تراتيل أية الكرسي التي كنت تتلينها علي كل صباح قبل خروجي إلى الامتحان؟ هل ستحتفظ الكؤوس ببرودة العصير التي كنت تسعفيني به بعد عودتي من المدرسة في أيام الحر الحزيرانية؟ هل ستحتفظ "كنبتي" المفضلة التي طالما درست عليها بذاكرة المعادلات التي تعج بالحيوية والتحدي في كتب الفيزياء والكيمياء والأحياء؟ هل ستحتفظين بحصتي من البيتزا "وجبتي المفضلة" كلما صنعت لأخوتي منها؟.

رصاصة في قلبي يا أمي!

أنت يا أمي لا ذنب لك لأنك لم تمنعيني في ذلك اليوم من الذهاب إلى لجنة الامتحان، فقد كنت مطمئنة بأن جميع الطلبة والطالبات ذهبوا رغم أزيز الرصاص أليس كذلك؟ لكنه القدر يا أمي!!، حتى أن صديقتي "دعاء الوادي" عرضت علي يومها أن نعود سوياً مشياً وليس "بالباص"، لكني خشيت أن تحدث اشتباكات أثناء الطريق فآثرت السلامة، أنت تعرفين بأني أفضل دوماً الجلوس في المقعد الخلفي ولكن لله حكمة في أني هذه المرة استبدلت مكاني لأجلس في المقعد الأمامي، يا الهي كم كنت احتاجك في تلك اللحظات عندما وصلنا إلى محل "عمو عماد" في شارع الثلاثيني، طلب مسلحو حركة حماس من السائق الرجوع لأن المنطقة خطرة وما أن وصلنا إلى برج السوسي حتى ظهر الخطر الحقيقي، وأخذ مسلحون من الأجهزة الأمنية بإطلاق الرصاص بكثافة، ولكن هل يمنع الحذر القدر؟، إحدى زميلاتي اخترقت الرصاصة كتفها، وذاتها دخلت مباشرة إلى قلبي، كانوا يعتقدون بأنه أغمي علي فقط، لأنهم لم يروا دمائي نظراً للون الجلباب الأسود، وكانت هذه خاتمتي في سبيل طلب العلم يا أمي، فرائحتي المفعمة بالمسك شاهدة والنور الذي كان يشع من وجهي شاهداً وسبابة الشهادة التي رفعتها عالية كانت وستظل شاهدة.

ليس صحيحاً البتة ما أشاعوه بأنهم أعدموني لأنني كنت ارتدي "الجلباب" لأنني لست الوحيدة التي كانت ترتدي هذا الزي الشرعي في الباص، وحتى لو كان هذا صحيحاً فأنا أفخر بأن يكون موتي بسبب طاعة ربي، كل ما أعرفه أن إسلامنا بريء من القتلة أيا كانوا، وأن الله سينتقم منهم لا محالة لأنه لم يكن لي ذنب في كل ما حدث، لذا لا داعي لأن تحزني يا أمي.

بالله عليك يا أمي كفي عن الحملقة في صورتي تلك التي أجلس فيها إلى جانبك، ألا تخفف عليك ابتسامتي التي تتسع أكثر وأكثر وتحثك على الطمأنينة كلما صرخت باكية "يا حبيبتي يا بنتي"، بالله عليك كفي عن احتضان جلبابي الذي كنت ارتديه وضعيه في خزانتك.

استحلفك بالله أن تصبري ابشري يا أماه!! سأتشفع لك أنت وأبي وإخوتي يوم القيامة، ستدخلين بي الجنة يا أحلى أم في الدنيا، فأنا أعرف غلاوتي عندك وخاصة عندما أخذت تركضين بلا وعي في الشارع عندما تلقيتي النبأ الذي كان يتمثل في أنني أصبت بإغماء وليس بموت، سأبقى هواءك الذي تتنفسينه، ولكن يكفيني أن تقولي "حسبي الله ونعم الوكيل".

رسالة رقم 2

لا تنسي أن تسلمي لي على أبي وإخوتي، وخاصة أختي الحبيبة نوران وسلمي لها هذه الرسالة التي أقول لها فيها " الشاي الذي صنعتيه يا نوران لي وللمرة الأولى في حياتك ليلة استشهادي كانت نكهته مميزة، استعدي جيداً لمرحلة الثانوية التي ستنتقلين اليها، وجهزي نفسك للالتحاق بالقسم العلمي في "التوجيهي" حتى تحققي لأبي وأمي ما لم أحققه أنا لهما.

نوران أنت أكثر من كان تعرف خططي بعد انتهاء الامتحانات، والتي كانت أهمها خطة للريجيم وأخرى لتبييض أسناني وإجراء عملية ليزر، أتذكرين يا شقية عندما كنا نختلف فتغضبين مني وتصرخين بأعلى صوتك "والله عمري ما أكلمك يا عايشة"، ولكنك تعودين بعد خمس دقائق تتكلمين معي وكأن شيئاً لم يكن؟".

أريد أن أطلب منك شيئاً يا أختي...اقبلي هديتي ولا ترديها، تلك العقود الجميلة والملابس التي طرت من الفرح عندما أهداني إياها أبي في زيارته الأخيرة الصيف الماضي، لن أقول خسارة أنني لم ارتديها لأنها هدية لك مني، أطلب منك أيضاً بألا تتحدثوا عن طلبة التوجيهي أمام أمي، حتى لا تقلبوا الوجع عليها، أسمعك وأنت تكتمين صوت دموعك التي قالت "اللي قتلوك ارهابيين يا عايشة".



يتبع.....................


توقيع : مس لاجئة





مس لاجئة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس