القصـة تحـت الاحتلال
سنوات الجمر و التأسيس 1967 ـ 1987
لقد استطاعت الحركة الأدبية في الضفة الغربية و قطاع غزة تجاوز مرحلة الانكسار التي سادت بعد نكبة 1967 ، حيث ظهرت بعض الأقلام القصصية الواعدة ، أقلام لم تجد أمامها سوى الأسيجة ، غياب الرواد إما بالخروج أو النفي ، كما في حالات محمود شقير و يحيي يخلف و ماجد أبو شرار ، إضافة إلى صمت البعض المتبقي ، قوائم محظورات لا تنتهي ، انعدام النوافذ الثقافية كدور النشر و الصحف و المجلات ، تغييب القصة الإنسانية الناضجة ، مما وضع على عاتق تلك الأقلام مهام تعبيد الدرب القصصي الوعر من خلال الالتصاق بالواقع اليومي ومعايشته واستشفاف الآتي .
كان يجب على تلك الأقلام أن تنحت في الصخر و أن تتخطى بإمكانيات محدودة القمع الثقافي السائد ، أن تتلاحم مع الحركة الثقافية العربية ماضياً و حاضراً و مستقبلاً ، أن تساهم في إخراج قصة فلسطينية لها شكلها الفني المميز و نبضها المعبر عن آلام المقهورين و طموحاتهم ، مع محاربة كل الأشكال التي تحاول إشاعة معاني اليأس و الهروبية في الأدب .
لقد بدأت تتبلور في أواسط السبعينيات في الضفة والقطاع حركة أدبية وطنية تجاوزت شروط الحصار الذي فرضه سيف الرقيب الإسرائيلي الذي وصل عسفه حد تهشيم العمل الأدبي ـ شطباً و تشويهاً ـ و حظر توزيع كثير من المطبوعات الصحفية المقدسية : ( الفجر، الشعب ، الطليعة ، الكاتب ، البيادر) في أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة بأوامر عسكرية إضافة إلى تشمم كثير من المفردات التي كان يلجأ إليها الكاتب الفلسطيني مستعيناً بالتلميح والتظليل لتمرير مادته الأدبية ، بحيث غدت بعض الألفاظ على شاكلة : (الفجر ، النور ، الشمس ، المطر ، العصافير ، العتمة ، الأشواك ، الأصفاد ، الجلاد ...إلخ...) رموزاً مسجلة لدى الرقيب الإسرائيلي يستند إليها في خنق أي عمل أدبي بتهم التحريض و تشكيل خطر على أمن إسرائيل ، حتى لو جاءت تلك المفردات في سياق عادي .
لقد شكلت اللقاءات بين الكُتاب الذين لم يتجاوز عددهم الثلاثين في ذلك الوقت ظاهرة امتدت عبر جهات الوطن مكتبة بلدية رام الله ـ جمعية الهلال الأحمر في غزة ـ مجمع النقابات المهنية في القدس ـ جمعية الملتقى الفكري في القدس ـ مكتبة بلدية نابلس ) لمناقشة الأعمال الأدبية لكل من جمال بنورة ، علي الخليلي ، أسعد الأسعد ، سحر خليفة ، غريب عسقلاني ، زكي العيلة ، محمد كمال جبر ، عبد الله تايه ، سامي الكيلاني ، محمد أيوب ، خليل توما ) و قد ساهم في إثراء تلك النقاشات و تطويرها حضور النقاد : ـ محمد البطراوي ، صبحي الشحروري ، عادل سمارة ، عادل الأسطة ، إبراهيم العلم ـ إضافة إلى الكتابات النقدية لحنان عشراوي .
في هذا الوقت بدأت تظهر بعض النوافذ الأدبية مثل :
ـ مجلة البيادر الأدبي و صدر العدد الأول منها في مارس - آذار 1976 .
ـ صفحة الشعب الثقافي في جريدة الشعب بدءاً من عام 1978 وأشرف عليها أكرم هنية ثم عادل الأسطة .
ـ الصفحات الأدبية في جريدة الطليعة المقدسية التي صدرت عام 1978 .
ـ ملحق الفجر الأدبي الذي أشرف عليه الشاعر علي الخليلي منذ 1977 ، وقد تحول الملحق إلى مجلة سجلت نقلة نوعية بدعمها الأعمال الأدبية المحلية المنتمية للخط الهادف في ظل تأكيد الخليلي على ضرورة اختراق سقف المرحلة الآنية و بالتالي الإيصال والتواصل عبر وسائل تعبيرية تتخطى الهامش الضيق المحاصر بأوبئة قوانين الاحتلال .
ـ مجلة الكاتب لمحررها الشاعر أسعد الأسعد ، وقد صدر العدد الأول منها في يناير- كانون ثاني 1980 حيث جعلت الأدب المحلي والإنساني على رأس أولوياتها .
وهنا يُشار إلى الدور المتميز لدور النشر الوطنية مثل : ( صلاح الدين ، الكاتب ، الرواد ، ابن رشد) التي كان لها فضل احتضان الإنتاج المحلي وتسويقه .
ولقد ساهم في تحسين الأدوات الفنية للكُتاب الالتقاء بالواقع الثقافي الطالع بالنبض من أعماق الجليل و المثلث عبر نتاجات : إميل حبيبي الذي نشر مجموعته القصصية(سداسية الأيام الستة) عام 1969 ، حيث عكس من خلالها أوجاع الأقلية الفلسطينية التي تبقت داخل الوطن المحتل ولم تغادره بعد نكبة 1948 ، وتبع ذلك نشره رواية ( الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل ) التي تعتبر من أهم الروايات العربية الصادرة في حقبة السبعينيات باعتمادها السخرية اللاذعة الناقدة واستلهامها عبق التراث في تصويرها لمأساة شعب منكوب .
وهناك أسماء أخرى كانت حاضرة في ذاكرة الحركة الأدبية الفتية في الضفة والقطاع في تلك المرحلة مثل :
ـ (توفيق فياض) ابن قرية (المقيبلة) قرب الناصرة ، الذي رصد من خلال قصته (الشارع الأصفر) 1968 المعاناة اليومية للإنسان الفلسطيني .
ـ (محمد علي طه) ابن قرية ميعار ، الذي نتلمس عبر قصصه واقع الإنسان الفلسطيني داخل الوطن المحتل ، وقد صدر للكاتب في تلك الحقبة المجموعات القصصية التالية :
1ـ جسر على النهر الحزين ، منشورات عربسك ، 1974 .
2ـ عائد الميعاري يبيع المناقيش في تل الزعتر ،منشورات العودة ،عكا، 1978 .
3ـ وردة لعيني حفيظة ، دار أبو رحمون ، عكا ، 1983 .
ـ (محمد نفاع) ابن قرية بيت جن الذي نشر مجموعته القصصية(أصيلة) عن منشورات عربسك 1975 ، وأتبعها عن دار الأسوار ـ عكاـ بالمجموعتين: (ودية)عام 1976 ، ثم مجموعة (ريح الشمال) 1979 ، تلاها بمجموعة (كوشان)1980 ، وفي قصص (نفاع) نتلمس تضاريس الريف الفلسطيني بما يحويه من دلالات وإيحاءات .
تضاف إلى ذلك أسماء أخرى منها : (حنا إبراهيم) ابن البعنة الذي أصدر مجموعتيه القصصيتين : (أزهار برية)1972 ، ثم (ريحة الوطن) 1977 ، و(زكي درويش) ابن البروة الذي صدرت له المجموعات القصصية : (الجسر و الطوفان) 1976، ثم (الرجل الذي قتل العالم) 1978 عن دار الأسوار ، ثم (الكلاب) عن الدار نفسها 1980 ، ولدرويش شغف بالتجريب ، كذلك أصدر (نبيه القاسم) ـ وهو ناقد مجيد ـ مجموعة (ابتسمي ياقدس) القصصية عام 1978 ، وفي السنة ذاتها صدرت لعفيف صلاح سالم مجموعة (سواعد الرجال) عن دار الأسوار .
وهناك (رياض بيدس) ابن شفا عمرو الذي أصدر مجموعة (المسلك) 1980 .
ولا تفوتنا الإشارة هنا إلى الروايتين الهامتين اللتين أصدرهما الشاعر
(سميح القاسم) وهما :
ـ إلى الجحيم أيها الليلك ، دار صلاح الدين ،القدس1977 .
ـ الصورة الأخيرة في الألبوم ، دار الكاتب ، القدس 1978 .
وهنا لابد أن نسجل الدور الهام الذي لعبته صحيفة الاتحاد و مجلتا الجديد و الغد ـ الصادرة في حيفا ـ التي احتضنت عبر نوافذها كثيراً من نتاجات الأدب الطالع من الضفة و القطاع .