عامل الغاز الطبيعى
وحدى الليلة..
قررت أختى الصغيرة أن ترقد فى فراش أمى
بالطابق الأسفل...تلك الليلة
تمثل دور الأب الغائب..تلك الليلة
وتدعى أن امى تخاف
حاولت اقناعها دون فائدة
وتركتها..
بل تركتنى..
قضيت ليلتى اللعينة بعشوائية
أنتظر النوم بفارغ صبر
ولم يأتى..
وجاء الصباح..
وأقتحمنى النوم مبتسما
قائلا والان..
انى مباح..
ولم أعاند..
فأنا الآن متعبة
فأهلا بك..
وارتميت على سريرى الكبير..
انه يتسع لأربعة أشخاص فى عمرى
لكنهم غائبون..
وألقيت تحية النوم علىّ
أحلام سعيدة..
ألقيت رأسى المليئة بالافكار
لتلك الوسادة التى بدلت ثيابها أمس
كأنها تضحك قائلة
ما رأيك فى هذا الثوب النظيف
الذى أهدتنى اياه امك
لا بأس...
وأغمضت عيونى المغمضة
سأنام حتى غروب الشمس
تلك الضيفه الثقيلة على قلبى
ورحت هناك... فى سبات عميق
جائنى هاتف يرن فى أذنى
انه جرس الشقة اللعين
من ذاك الجرىء الذى اقتحم على نومى؟
أعتقد أنه غريب..
فأهلى يحملون آلاف النسخ من المفتاح
سأطرده فورا دون تأنيب ضمير
وسأصب جام غضبى على الطابق الأسفل
وأندفعت نحو الباب
غاضبة..
ثائرة..
وفى رأسى بداية ونهاية المعركه
فتحت الباب بوجه يحمل كل غضب الدنيا
يا الهى!..
انه عامل الغاز الطبيعى
لم تستطع الشمس يوما أن توقظنى
فأتت بعامل غاز!؟
كم أنا غاضبة الآن..
وجاء على لسانى كل شتائم العالم
فاختار لسانى كلمة اخرى
نعم؟!
رجل فى الخمسينات من العمر
ترتسم على وجه ابتسامه
تحمل كل طيبة العالم
صباح الخير آنستى..
وأحمرت وجنتاى من فرط خجلى
هل يستحق هذا الرجل الطيب!
أن ألقى عليه ما يدور فى ذهنى الآن؟
سأعتذر له على ما لم أقله
بطريقة ما..
يا ويلتى!..
انى لا أحسن واجب الضيافة
جاءنى ليطلى ماسورة الغاز الممتدة
من غرفة مكتبى الى المطبخ الصغير
فقلت تفضل..
انى حقا سخيفة!
فقط تفضل؟
لا بأس
سأعتذر بطريقة ما
وأفسحت الطريق
يا الهى
غرفة مكتبى سوق
ولم لا
اعترف انى مهملة
وهو عامل غاز
لن يرانى ثانية
ولن أسمع منه انى مهملة
فليتفضل
ان ستائرى اللعينه تغطى تلك الماسورة
سيطلب منى أن أرفعها من هنا
سيطلب منى أن أزيح تلك الركنة الجلدية
ليضع سلمه القذر
وعلىّ أن أفعل
انى غاضبة مرة جديدة
لم يفعل
أراه يرفع الستائر
أراه يزيح الركنة الجلدية
يا الهى
انه يمتص غضبى دونما اهتمام
من ذاك الرجل الطيب
سأعتذر له بطريقة ما
تركت جهاز الكمبيوتر يعمل طول الوقت
انى حقا مهملة..
فليكن..
راودتنى فكرة
لم لا أضع له بعض الأغانى وهو يعمل
مهلا...
أنه عامل غاز
ولا يحمل جهازى أغانى شعبية
وألقيت عليه سؤالى
أتريد أن تسمع بعض الأغانى؟!
يا الهى..
لماذا ينظر الى باستغراب
أهو أمر مضحك.. أعتقد أنى سخيفة
وغضبت من جديد
انه يمتص غضبى بمنتهى البساطة
بابتسامته الطيبه
يا الهى .. اراه سعيدا
يطلب أن يسمع فيروز
عجبا لهذا الرجل
انى أعشقها
أرانى سعيده الان..
فجهازى يحمل كل أغانيها
سأضع له الافضل..
انه يغنى معها
انه يحفظ الاغنيه
سأضع أخرى..
انه يغنى معها
وصرت أبحث عن أغانيها القديمة
هل هو التحدى
انى اضحك الان
فتلك الأغنية لا يعرفها
يا لى من طفلة
لماذا أشعر بتلك الغبطة الآن
أراه رجل ودود
يشعرنى أننى لست هنا
انه يعمل ويدندن
وأنا ... ماذا عنى؟
سأفتح حوارا
وأقتحم حواره الآن..
ولم لا؟!
اعتذرت له بطريقة ما..
وعليه ان يفعل
انه اقتحم نومى
فليتحدث الى
ولكن! ماذا أقول؟
سأعد فنجانين من الشاى وبعض البسكويت
وماذا لو رفض؟
سأغضب من جديد..
وللمرة الألف .. يبتسم
لم يتكلم
لسان حاله يقول ..اليك ذلك
وهرولت الى المطبخ ..
انى اضع يدى على فمى الآن
انى أضحك.. مستغربة
لماذا هذا الكم من الغضب والفرح
انه مجرد عامل غاز..
فطرنا سويا
ودار بيننا حوار طويل
أشعر بالفرح
انه رجل مثقف
يعرف كثيرا...كثيرا
يعمل ويتحدث ويسمع فيروز
أشعر انى لم أغضب فى عمرى مرة الآن
انه يتكلم ويتكلم ويتكلم
وأنا اتكلم وأتكلم وأتكلم
ياله من رجل غريب
أحببت حديثه..
أشعر أننا أصدقاء
يا لسخافتى!
صديقى عامل الغاز الطبيعى!..
فى الخمسينات من عمره..
وشرد ذهنى
وأعلن انتهاء عمله
وحديثنا
لن أراه مجددا هنا
انه يرحل الآن دون اهتمام
وجاء الغضب من جديد
وابتسم من جديد..
قائلا... شكرا آنستى
انتى لطيفة..
زفاف ابنتى الاسبوع القادم
يشرفنى حضورك..
وجدتنى ابتسم ... سآتى
وذهب...
وها انا الآن اضحك واضحك
أكان على ان أفعل؟..
لماذا اشعر بتلك السعاده
سأخط بقلمى بضع كلمات
عن رجل الغاز الطبيعى
قائلة لنفسى....
انى احسن واجب الضيافه
التعديل الأخير تم بواسطة ولاء ; 24-04-07 الساعة 09:38 AM
|