عرض مشاركة واحدة
قديم 18-03-05, 03:22 PM   #13
 
الصورة الرمزية الذكرى

الذكرى
خطوات واثقة

رقم العضوية : 2547
تاريخ التسجيل : Feb 2005
عدد المشاركات : 132
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ الذكرى

[ALIGN=CENTER]لا ترحل ~


الحلقة السادسة



* * * * * * *
















وقفت جامدا في مكاني ، و أنا أراقب عمّار يترنح ، ثم يهوي ، و تسكن حركاته ...

كان دوي الطائرة يزلزل طلبتي أذني ... دققت النظر إليه ... لم يحرّك ساكنا

رفعت قدمي بصعوبة و حثثتها على السير نحو عمّار

بصعوبة وصلت قربه فرأيت عينيه مفتوحتين ، و الدماء تسيل من أنفه ، و صدره

ساكنا عن أية أنفاس ...

أدركت ... أنه مات ... و إنني أنا ... من قتله





استدرت للخلف و عيناي تفتشان عن رغد ...

صغيرتي الحبيبة ...

مدللتي الغالية ...

مهجة قلبي ...



رأيتها تقف بذعر عند سيارتي ، و تنظر إلي و دموعها تنهمر بغزارة ، فيما يستلقي

حزامها القماشي على الرمال الناعمة بكل هدوء ...




بتثاقل و بطء ، بانهيار و ضعف شديدين ، سرت باتجاهها ...

نفذ كل ما كان في جسدي من طاقة ، فكأنما كنت أعمل على بطارية انتزعت مني

و تركتني بلا طاقة و لا حراك ...





في منتصف الطريق ، انهرت ...


خررت على الأرض كما تخر قطعة قماش كانت متدلية كالستار المثبت إلى الحائط

و ارتطمت ركبتاي بالرمال ... و هبطت أنظاري برأسي نحو الأرض ...



رفعت رأسي بصعوبة و نظرت إلى رغد ، و هي لا تزال واقفة في نفس الموضع و الوضع ...



بصعوبة فتحت ذراعي قليلا ، و قلت بصوت مخنوق خرج من رئتي :

" تعالي ... "





رغد نظرت إلي دون أن تتحرك ، فعدت أقول :

" تعالي ... رغد "



الآن ، أقبلت نحوي بسرعة ، و بقوة ارتمت في حضني و كادت تلقيني أرضا ...

طوّقتني بذراعيها بقوة ، و حين حاولت تطويقها أنا عجزت إلا عن رممي ذراعي
المنهارتين حولها بضعف



بكيت كثيرا ... و كثيرا جدا ...

لما ضاع ... و لما انتهى ..

و لما هو آت و محتوم ...





بقينا على هذا الوضع بضع دقائق ، لا أقوى على قول أو فعل شيء ... و السكون التام يسيطر على الأجواء ...



كان طريقا بريا موحشا ، و لم تمر بنا أية سيارة حتى الآن ...



استعدت من القوة ما أمكنني من تحريك يدي قليلا ، فجعلت أمسح على رأس طفلتي و أنا أقول بحرقة و مرارة :


" سامحيني يا رغد ... سامحيني ... "







رغد استردت أنفاسها التائهة ، و قالت و وجهها لا يزال مغمورا في صدري :

" دعنا نعود للبيت "




أبعدت رأسها قليلا عني و سمحت لأعيينا باللقاء ... و أي لقاء ؟؟

لقاء مبلل بسيول عارمة من الدموع الدامية




لم يجد لساني ما يستطيع النطق به ...





حاولت النهوض أخيرا ، و ذراعاي تجاهدان من أجل حمل الصغيرة ، ففشلت



أطلقت صيحة حسرة و ألم مريرة تمنيت لو أنها زلزلت الكون كله ، و حطمت كل الأجرام و الكواكب و من عليها ... و محت الدنيا من الوجود ...




و طفلتي الصغيرة تبكي على صدري مذعورة فزعة ... و عدوّي الوغد جثة هامدة تقطر دما ... و حلمي الكبير قد ضاع و تلاشى كغبار عصفت به ريح غادرة ...
و مصيري المجهول البعيد ... كما وراء الأفق ... و الساحة الخالية إلا من رغد وأنا ... و الشمس تشهد ما حدث و يحدث ... رفعت يدي إلى السماء ... و صرخت :



" يا رب .... "










استطعت أخيرا أن اشحن بالطاقة الكافية ، لأنهض و أحمل صغيرتي على ذراعي ، و أسير بها نحو السيارة ...


لم أجلسها على المقعد المجاور لا ، بل أجلستها ملتصقة بي ، فأنا لا أريد لبضع بوصات أن تبعدها عني ...


رن هاتفي المحمول ، و الذي كان في السيارة ، ألقيت نظرة لا مبالية على اسم المتصل الظاهر في الشاشة ، كان صديقي سيف ، أخذت الهاتف و أسكته ، و ألقيت به جانبا ... فكل شيء قد انتهى ...





انطلقت بالسيارة ببطء ، و أنا لا أعرف إلى أين أتجه ... فكل شيء أمامي كان مبهما و مجهولا ...



قطعت مسافة طويلة في اتجاهات متعددة ، و نار صدري تتأجج ، و دموعي عاجزة عن إطفاء شرارة واحدة منها ...



صغيرتي ، ظلت متشبثة بي ، لا تتكلم ، و تنحدر دمعة من عينها تخترق صدري و تمزق قلمي قبل أن ينتهي بها المصير إلى ملابسها المتعطشة لمزيد من الدموع ...








بعد فترة ، مررت في طريقي بحديقة عامة



و تصورا أي تصرف لا يمت لوضعي بصلة ، هو الذي بدر مني دون تفكير !



" رغد عزيزتي ، ما رأيك باللعب هنا قليلا ؟ "



رغد رفعت بصرها إلي ببراءة و شيء من الاستغراب ... فحتى على طفلة صغيرة محدودة المدارك ، لا يبدو هذا تصرفا طبيعيا ..



" سأشتري بعض البوضا لنا أيضا ! هيا بنا "






و أوقفت السيارة ، و فتحت الباب ، و نزلت و أنزلتها عبر الباب ذاته .



أمسكت بيدها و حثثتها على السير معي نحو مدخل الحديقة



هناك ، كان العدد القليل جدا من الناس يتنزهون ، مع أطفالهم الصغار ، فهو نهار يوم دراسي و حار ...



إنني اعرف أن صغيرتي تحب الأراجيح كثيرا ، لذا ، أخذتها إلى الأرجوحة و بدأت أؤرجحها بخفة ...





تخلخل الهواء ملابسها الغارقة في الدموع ، فجففها ، و صافحت وجهها الكئيب فأنعشته ...



تصوروا أنها ابتسمت لي !



عندما كانت رغد تبتسم ، فإن الدنيا كلها ترقص بفرح في عيني ّ و البهجة تجتاح فؤادي و أي غبار لأي هموم يتبعثر و يتلاشى ...



أما هذه الابتسامة ... فقد قتلتني ...



لم أع لنفسي إلا و الدموع تقفز من عيني ّ قفزا ، و أوصالي ترتجف ارتجافا ، و قلبي يكاد يكسر ضلوعي من شدة و قوة نبضاته ...



تبتسمين يا رغد ؟ بكل بساطة ... و كأن شيئا لم يكن !؟



ألا يا ليتني ... قتلتك يا عماّر يوم تعاركنا ...

ليتني قضيت عليك منذ سنين ...

ليتني أحرقتك قبل أن تحرق قلبي و تدمر ماضي و مستقبلي ... و تحطّم أغلى ما لدي ...







" وليد "




انتبهت على صوت رغد تناديني ، و أنا غارق في الحزن المرير ...



مسحت دموعي بلا جدوى ، فالسيل منهمر و الدمعة تجر الدمعة ...



" نعم غاليتي ؟ "


" هل نشتري البوضا الآن ؟ "



أغمضت عيني ...


و أوقفت الأرجوحة شيئا فشيئا ، فنزلت و استدارت إلي ... فأخذتها في حضني و قلت باكيا و مبتسما :


" نعم يا صغيرتي ، سنشتري البوضا و أي شيء تريدينه ... و كل شيء تتمنينه ...
أي شيء أيتها الحبيبة ... أي شيء ... أي شيء ... "



و انخرطت في بكاء قوي ...



رغد ، تبدلت تعابير وجهها و قالت و هي تندفع للبكاء :



" لا تبكي وليد أرجوك "



و أجهشت بكاءا هي الأخرى ...






جذبتها إلى صدري و طوقتها بحنان و عاطفة ممزقة ... و بكينا سوية بكاءا يعجز اللسان عن وصفه ...

و القلب عن تحمله ..

و الكون عن استيعاب فيض عبره

و امتزجت دموعنا ...

و لو مر أحد منا لبكى ...

و لو شهدتم بكاءنا لخررتم باكيين ...





ألا و حسبنا الله و نعم الوكيل ....









بعد ذلك ، مسحت دموعها و دموعي ، و ابتسمت لها :



" إلى البوضا الآن ! "





حملت الطفلة الصغيرة الحجم الخفيفة الوزن الضئيلة الجسم البريئة الروح على ذراعي ، فهي تحب ذلك ...




و أنا سأفعل كل ما تحبه و تريده ... و لو أملك الدنيا و ما عليها لقدمتها لها فورا ...

قبل الرحيل ...




و هل سيعوّض ذلك شيئا ...؟؟







اشترينا البوضا ، و جلسنا نتناولها قرب النافورة ، و حين فرغت من نصيبها اشتريت لها واحدا آخر ...



و كذلك ، أطعمتها البطاطا المقلية فهي تحبها كثيرا !

أطعمتها بيدي هاتين ...


نعم ... بهاتين اليدين اللتين كثيرا ما اعتنتا بها ... في كل شيء ...

و اللتين قتلتا عمّار قبل قليل ...

و اللتين ستكبلان بالقيود ، و تذهبان إلى حيث لا يمكنني التكهن ...







جعلتها تلعب بجميع الألعاب التي تحبها ، دون قيود و دون حدود ، بل ركبت معها و للمرة الثانية في حياتها ذلك القطار السريع الذي جربنا ركوب مثيله قبل 3 سنوات ...



و كم أسعدتها التجربة الثانية !


نعم ... ببساطة ... أسعدتها !


كأي طفلة صغيرة وجدت فرصة لتلهو ... دون أن تدرك حقائق الأمور ...






لهونا كثيرا ... ، و حين اقترب الموعد الذي يفترض أن أكون فيه عند مدرسة رغد و دانة ، في انتظار خروجهما ...



" عزيزتي ، سنذهب لأخذ دانة من المدرسة ، لا تخبريها عن أي شيء "



نظرت رغد إلي باستفهام ، أمسكت بكتفيها و قلت مؤكدا :



" لا تخبري أحدا عن أي شيء ، أنا سأخبرهم بأنك لم تشائي الذهاب للمدرسة فأخذتك معي ... اتفقنا رغد ؟ عديني بذلك ؟ "



و ضغط على كتفيها و بدا الحزم في عيني ... فقالت :


" حسنا "




قلت مؤكدا :


" أخبريهم فقط أنك ذهبت معي ، و نمت أثناء الطريق و لا تعلمين أي شيء آخر ... لا تأتي بذكر أي شيء آخر رغد ... فهمت ِ عزيزتي ؟ "




" نعم "

" عديني بذلك يا رغد ... عديني "

" أعدك ... وليد "

" إذا أخلفت وعدك ، فإنني سأرحل و لن أعود إليك ثانية "




توجم وجهها ، ثم أمسكت بيدي و شدّت قبضتها بقوة و اغرورقت عيناها بالدموع و تعابيرها بالفزع و قالت :




" لا لا ترحل وليد . أرجوك . لا تتركني . أعدك . أعدك "




وصلنا إلى البيت أخيرا ، بدا الوضع شبه طبيعي ، إلا من سكون غريب من قبل رغد و التي يفترض بها أن تكون مرحة ...




الكل عزا ذلك للحزن الذي يعتريها بسبب سفري المرتقب .



سألتني أمي :



" كيف كان الامتحان ؟ "



قلت :



" سأخبرك بعد الغذاء "




و تركت العائلة تنعم بوجبة هنيئة أخيرة ...





بعد ذلك ، ذهبت إلى غرفة والدي ّ في وقت قيلولتهما الصغيرة ...



" والدي ... والدتي ... لدي ما أخبركما به "


بدا القلق على وجهيهما ، و تلعثمت الكلمات على لساني...





أمي ، حين لاحظت حالتي المقلقة قالت :


" هل الامتحان .... ؟؟ "


قلت :


" لم أحضر الامتحان "


اندهشا و تفاجأا ...


قال والدي :


" لم تحضره ؟ كيف ؟؟ لماذا ؟؟ ماذا حصل ؟؟ "


نظرت إليهما ، و سالت دموعي ... و انهرت ... و طأطأت رأسي للأرض ...




هتفت أمي بقلق و فزع :


" وليد ؟؟ "




أخذت نفسا عميقا ... و رفعت بصري إليهما و بلسان مرتجف و جسد يرتعش و شفتين مترددتين قلت :




" لقد .... قتلت عمّار "










~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~[/ALIGN]


توقيع : الذكرى
اذا ما نما العشب فوق قبرى ...فلتكن هذه دعوة لأن أنسى تماما

الذكرى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس