عرض مشاركة واحدة
قديم 30-08-04, 03:37 AM   #1
 
الصورة الرمزية بنت الزبارة

بنت الزبارة
عضوية جديدة

رقم العضوية : 2093
تاريخ التسجيل : Aug 2004
عدد المشاركات : 37
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ بنت الزبارة
في المرة القادمة


الرطوبة خانقة ..و الجو شديد الحرارة....الأنفاس المتوترة تتلاحق في فضاء الغرفة الصغيرة ....صمت مضجر يلف المكان ...لا يخترقه سوى صوت ساعة الحائط....
يتبادلون النظرات المبهمة ... ولا يجرؤ أحد على كسر حاجز الصمت ....
أمسك أحدهم بمجلة مهترئة وأخذ يهف بها على وجهه ...وفي تضايق شديد , نظر إلى ساعة يده ثم استمر يهف بالمجلة...مط أحدهم شفتيه و تمتم بصوت هادئ ..
- يبدو آن التكييف معطل اليوم..
رد عليه صاحب المجلة بسرعة متحفزا لفتح حديث يخرجه من دائرة الصمت..
- ألا توجد شركة صيانة في هذا المستشفى ؟...هل من المعقول أن يتركوا المراجعين ينتظرون في مثل هذا الجو الحار؟!...
وبدأ الحوار بينهم .. و اشترك كل من الموجودين في تجاذب أطراف الحديث , عدا ذلك الشاب النحيل ذا النظارات السميكة , الذي يجلس في طرف الغرفة و يعتصر يديه بتوتر شديد و عيناه مثبتتان على الأرض ....
فجأة....فتح الباب....
كان صريره سبباً كافياً لعودة الصمت ..
واتجهت كل الأنظار نحو الممرضة التي صاحت بالرقم 31
وقف الشاب النحيل مرتبكاً .. وبصوت مرتجف أجابها..
- أنا ..أنا رقم 31
نظرت إليه و أشارت بيدها بلا مبالاة .. ثم عادت بسرعة إلى غرفة الطبيب...
استجمع الشاب شجاعته و تقدم بخطوات خائفة إلى داخل الغرفة ...
كانت الغرفة صغيرة و باردة ..تفوح منها رائحة المعقمات ..والطبيب واقف يتأمل صور الأشعة .....شعر الشاب بفزع شديد ..كم يكره هذه الأماكن خاصةً تلك الأوراق السوداء التي تتشعب منها الخيوط الأخطبوطية المخفية .. تبدو له و كأنها خارطةٌ للموت..
تفصدت قطرات من العرق على جبينه ..أخرج منديلاً ومسح جبينه وعنقه ...
ذكر الله في سره ..ثم ألقى التحية ...
التفت الطبيب....أهلاً..تفضل اجلس...
جلس بهدوء....تنحنح الطبيب...
- قبل أن أبدأ..أحب أن أوضح لك أنني أؤمن دائماً بأنه لا يجب إخفاء أي شيء عن المريض , لأنه هو المسؤول أولاً و أخيراً عن نفسه ...لذا سوف أخبرك بتفاصيل مرضك دون أية مقدمات ...
انكمش الشاب في مكانه .. و أمسك بذراعي المقعد كمن يستعد لتلقي ضربة قوية ...
أدار الطبيب ظهره نحو الأشعة .. وأكمل كلامه وهو يسحبها من اللوحة ...
كما أظهرت صور الأشعة .. والتحاليل المخبرية ..فأنت مصاب بأورام خبثة منذ مدة طويلة .... وحتى أكون أكثر صدقاً معك .. لا أمل في علاجها ..
لكن سوف أرتب لك جلسات بالليزر بالإضافة لعلاج كيميائي خاص لتخفيف الآلام ..على العموم ..ليس هناك داعٍ لأن أسرد عليك التفاصيل ..فقط عليك مراجعتي في الموعد القادم ...
كان الشاب ينظر نحو الأرض .. ويضغط بقوة على ذراعي المقعد ....وظل صامتاً للحظات بدت له وكأنها سنوات ..همس بصوت خفيض مرتجف ..لا حول ولا قوة إلا بالله....وبصعوبة استطاع أن يستجمع قواه ويقف..
تساءل الطبيب ...
-هل أنت على ما يرام ...؟
مط شفتيه بابتسامةٍ باهتة..نعم شكراً...
لم يسأل عن أية تفاصيل أخرى ..خرج بهدوء..يجر أقدامه الثقيلة ..
امتطى سيارته متوجهاً إلى المنزل....
ترى ..ماذا يقول لأمه و اخوته الصغار...
من سيعولهم من بعده ..من سيسأل عنهم , وهم الأيتام الذين لا قريب لهم ولا صديق ..
أخذت الأسئلة تلاحقه .... تخنقه ..
شعر بدوارٍ غريب ..أفزعته منبهات السيارات خلفه ..الإشارة خضراء..
تقدم بسيارته ..لم يعد يرى ما أمامه ...
وبعد دقائق ...كانت سيارة الإسعاف تشق طريقها بصعوبة بين السيارات المزدحمة ...
صاح أحد المتجمهرين ..لا حول ولا قوة إلا بالله ..لقد توفي....

*********
وفي مكان آخر ...على بعد مسافة غير بعيدة...
صاحت الممرضة...يا إلهي !!!! تصور ماذا حدث يا دكتور ..لقد ارتكبت خطأً جسيماً...
لقد أعطيتك ملف المريض رقم 32 بدل ملف المريض رقم 31 !!
رد الطبيب في برود شديد :
لا بأس .. نخبره عندما يأتي للمراجعة ..في المرة القادمة.

هذه القصة من كتابات الكاتبة
نوف عبد اللطيف الحزامي
..


توقيع : بنت الزبارة
(( يكفيني فخر ...
إني من قطر ...
أعشق هواها
وأعشق حبات المطر
أنا من قطر ))

بنت الزبارة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس