عرض مشاركة واحدة
قديم 16-08-04, 01:16 PM   #1
 
الصورة الرمزية sandra

sandra
العضوية الذهبية

رقم العضوية : 76
تاريخ التسجيل : Jun 2002
عدد المشاركات : 1,158
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ sandra
اللغـــــــات أيضاً تنقرض


ثلاثة الاف من لغات العالم ماتت او تحتضر بسبب تضاؤل عدد الناطقين بها، وضياع اللغة يضيع تراث شعبها.

بقلم: رجب سعد السيد
ماري سميث، سيدة أمريكية في الخامسة والثمانين من عمرها، تنتمي لقبيلة كانت تعيش في ألاسكا؛ تستطيع تلك العجوز مخاطبة جيرانها بالإنجليزية، ولكن أحداً لن يفهمها إن هي نطقت باللغة التي كانت لسان عشيرتها، وتسمى "إياك"؛ وذلك لأن ماري سميث هي آخر من يعرف هذه اللغة، التي ستختفي من الوجود تماماً، أي تنقرض، بموت تلك السيدة المسنة، التي يحيط بها جمع كبير من الأبناء والحفدة، فقدوا كل صلة بلغة الأجداد: ألإياك!

والحقيقة، أن الإياك ليست هي اللغة الوحيدة التي لقيت هذا المصير المظلم: الانقراض؛ فثمة ما يزيد على 3 آلاف لغة ولهجة محلية زالت، أو تلفظ أنفاسها، في السنوات الاخيرة. ويقول اللغويون، إن السبب المباشر في اندثار هذه اللغات هو تضاؤل عدد الناطقين بها؛ فاللغة التي يقل عدد من يستخدمونها عن 2500 إنسان، لا يكتب لها الاستمرار، فلا تلبث أن تتلاشى، إذ أن هذا العدد القليل من المتحدثين بها سرعان ما تدركه المنية، فتدفن معه اللغة. أما اليونسكو، فتقدر العدد من البشر، الضروري لأن تحتفظ لغةٌ بحيويتها، بمائة ألف متحدث، على الأقل.

ويحلو لبعض علماء اللغة أن يرى اللغات كالكائنات الحية؛ تنشأ، وتتطور، وتزدهر، ثم تشيخ، وتخبو، وتموت؛ وتتعرض لذات العوامل التي تؤدي إلى انقراض أنواع من الكائنات الحية، وأهمها إهمال صونها. ومن العوامل التي تساعد على اندثار اللغات المحلية، الحروب - وحروب الإبادة، بوجه خاص - والكوارث الطبيعية ذات التأثير المدمر واسع المدى، كالزلازل القوية، بالإضافة إلى التعامل بأكثر من لغة في المجتمع الواحد، وانحياز الأفراد للغة بعينها، تتخذها الدولة لغة رسمية لها، على حساب لغات ولهجات محلية أخرى؛ وقد يكون ذلك مصحوباً بإجراءات تحظر استخدام اللغات "الصغيرة" في التعامل، فتبقي في ظلام التداول السري، تتآكل، حتى تموت.

وإذا كانت "إياك" تنتظر النهاية، بموت السيدة ماري سميث، فإن لغة محلية كان ينطق بها السكان القدماء لجزيرة "مان"، في البحر الأيرلندي، قد ضاعت فعلاً بوفاة آخر متحدث بها، في العام 1974. وفي العام 1992، مات آخر فلاح تركي ناطق بلغة "أوبيخ"، وهي لغة قوقازية قديمة، كانت تحتوي على أكبر عدد من الحروف الساكنة، بين كافة لغات البشر .. 81 حرفاً!. ومن اللغات المحلية، التي حان أجلها، "أوديهي"، التي لا يزيد عدد المتحدثين بها، في سيبيريا، عن مائة فرد؛ و"أريكابو"، التي كانت لغة تخاطب لقبائل في غابات الأمازون، ولم يعد يعرفها إلا عدد من الأفراد، يقل عن عدد أصابع اليدين. وعليك، إن شئت، أن تبذل جهداً شاقاً لتصل إلى عدد من الأفراد، يمكنهم أن يقولوا لك "أهيهي"، أي "شكراً لك"، بلغة "نافاجو" المنقرضة، التي كان يتحدث بها بعض قبائل الهنود الأمريكيين؛ أو لتسمع من يستقبلك بكلمة "كيا أورا"، أي "مرحباً"، بلغة محلية عرفها سكان نيوزيلاندا القدماء.

اللافت للانتباه، أن أكثر من نصف عدد لغات ولهجات العالم يتركز في ثماني دول، هي : بابوا (غينيا الجديدة)؛ وإندونيسيا؛ ونيجيريا؛ والهند؛ والمكسيك؛ والكاميرون؛ واستراليا؛ والبرازيل.

والجدير بالذكر، أن اندثار اللغات ظاهرة طبيعية، لم تتوقف على مدار تاريخ الحضارة البشرية؛ غير أن المثير للقلق هو تزايد معدل الاندثار، بالآونة الأخيرة. ويصل التشاؤم ببعض المراقبين إلى حد أنهم يتوقعون ضياع عدد يتراوح بين 3400 و 6120 لغة ولهجة محلية، مع نهاية القرن الواحد والعشرين؛ أي بمعدل لغة واحدة كل أسبوعين!
إن اندثار لغة يعني خسارة اللغويين والأنثروبولوجيين والأثريين وعلماء التاريخ، وغيرهم، مصدراً غنياً للمعلومات التي تعين في دراسة وتوثيق تاريخ الشعب المتحدث بتلك اللغة. والحقيقة، أن ضياع لغة قد يعني ضياع التاريخ برمته؛ والعكس صحيح، وهل تكشفت ملامح التاريخ الفرعوني، في أوضح صورها، إلا بعد أن فكَّ "شامبليون" الفرنسي شفرة الأبجدية الهيروغليفية؟

ومن وجهة نظر أخرى، فإن ضياع لغة يعني - أيضاً - سقوط جانب من الميراث الثقافي للبشرية، ويعني أن العالم أصبح أقل تنوعاً، من حيث الأصوات واللهجات التي تتردد في فضاءاته!


توقيع : sandra
[align=center][/align]

sandra غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس