إنّ سنين المراهقة هي في المعتاد أصعب السنين من حيث العلاقات الشخصيّة في البيت . والمظهر الأول لتغيّر المراهق يتجلّى في طلبه المتزايد للحرّية , ويمتدّ هذا الطلب الى كلّ الحقول . فيثور على المراقبة والتوجيه , ويبدأ بإرادة التفكير والتصرّف كفرد حرّ مستقل ؛ يحتقر ما يعتبره طفولياً , وتقوم عنده رغبة في الظهور بمظهر الشخص الراشد . ويتجلّى هذا في رفضه قبول النمط السلوكي العائلي , بإعتباره النمط الوحيد المرغوب . ويقوده ذلك الى مناقشات مستمرّة حول كلّ تفصيل حيوي من تفاصيل الحياة اليومية . ويريد أن ينفذ الى كلّ شيء بنفسه, رغم أن معارفه وقدراته لا تكفيه , ويكون غير قادر موضوعيّاً على تقييم قواه وإمكانيّاته , وإذا أظهر الكبار , بالقول أو بالفعل , انه ما يزال في نظرهم (صبيّاً ) فإنّ ذلك يشكّل إساءة له , ويأخذ بالدفاع عن نفسه , لأنه يشعر بأنه يشارك ( على قدم المساواة ) تقريباً في حياة الكبار التي كانت غامضة وبعيدة المنال منذ زمن بعيد .
ومن السنّ الثالثة عشرة , يريد المراهق أن ينتقي أصدقاءه الخاصين به , ويصرّ على أن تكون له كلمته في انتقاء ثيابه , ويناقش في ضرورة الحفاظ على المواعيد والنوم باكراً , وعلى المظهر المرتّب ( الأنيق ) , وترتيب الغرفة , والمساهمة في الأعمال المنزليّة , وضرورة القيام بالواجبات المدرسيّة بدلاً من مشاهدة التلفاز أو الإستماع الى المذياع . ويبدو المراهقون في الجماعة العائليّة حائرين في اختيار مسلكهم .
وكثيراً ما يشعرون بأنهم غير مفهومين ولا مرغوب فيهم , وأن كل الناس يحاولون الوقوف في وجه حرّيتهم , وأن العائلة بكاملها تتآمر عليهم . هم بعيدون عن الثقة بالنفس ويصعب عليهم أن يتأكدوا من مدى سوّية سلوكهم بالنسبة لعمرهم , وما إذا كانوا على حقّ أو على ضلال . إن مشاعرهم عميقة بالنسبة لكلّ شيء , وينظرون الى ذواتهم نظرة مغرقة في الجدّية , ويحاولون الإمساك بالحياة باليدين الإثنتين .
إنهم ما زالوا غير قادرين على مراعاة شعور الآخرين . وهذا أمر معقول ما داموا مستغرقين في مشاعرهم الخاصة . ولذلك فهم قلّما يقدّرون أثر تقلّباتهم , وثوراتهم العاطفيّة , وإغراقهم في المناقشة وقلّة تعاونهم مع بقيّة أفراد الأسرة , وهم ميّالون أيضاً إلى التسرّع في كلّ شيء .
إن واحدة من فضائلهم هي مطالبتهم بالإخلاص والصراحة في ذواتهم وعند سواهم , وكثيراً ما يقودهم ذلك الى المصارحة التي تتخذ شكل النقد القاسي , الذي يعتبره الكبار قسوة . ومن الغريب حقّاً أن تكون المصارحة والإخلاص في معظم الأحيان محصورة في قول ما لا يسرّ . وفي رأيهم أن الإخلاص والمصارحة يقضيان الإفضاء بكلّ ما يشعرون به , وعدم الإحتفاظ به لأنفسهم .
إن من الشائع أن نسمع الأبوين يقولان للمراهق " أنت تنظر الى كلّ ما نقوم به نحوك بإعتباره واجباً علينا , ولا يبدو أنك تقدّر ما نفعله من أجلك " . ولكنّ المراهق يجيب : " وأنتما لا تقدّران الجهود التي أبذلها … ان كلّ ما تفعلانه هو النقد والتجريح حين أقوم بعمل لا ترغبان فيه " وثمة استجابة أخرى تضايق الأبوين الى حدّ بعيد ( حين يتهمان المراهق بعدم عرفان الجميل ) إنها جوابه " لماذا ولدتماني ؟ انني لم أطلب ذلك " أو قوله "انني لم أطلب أن أولد في هذه الأسرة " ويميل الوالدان حين ينقد المراهق أو يهاجم إلى اللجوء الى وقارهم الأبوي وعدم الردّ عليه , أو الى القول بأن هذه ليست هي الطريقة المناسبة في التحدّث مع الوالدين , أو الى وصم المراهق بالوقاحة .
إن واحدة من أهم وسائل الدفاع التي يستطيع أي فرد منّا , ليس المراهق فقط , بناءها ضدّ ميله الطبيعي لتنفيذ جميع رغباته , وميله الى الأنانية , وعدم مراعاة مطالب الآخرين , هي إعتقاده بأن الذين يحبّهم يقدّرونه ويؤمنون بإمكانياته ويعنون حقاً وصدقاً بما يفعله . أمر كهذا يساعدالمراهق على تقدير نفسه , وعلى بناء احترامه لذاته , ويقدّم له خير الحوافز وأقواها لمحاولة العيش وفقاً لإمكانياته ..
نادراً ما يجد المراهق قدرة على أن يتحدّث مع والديه بسهولة , والمقصود بذلك القدرة على التحدّث إليهما عن مشاعره الشخصيّة , ومناقشته معهما مشكلاته ومصاعبه التي تولد خلال حياته اليوميّة . واحدة من الصفات المميّزة للمراهقة , هي نشوء رغبة في السرّية , وخوف من إظهار المشاعر أمام الآخرين . وهكذا فإنّه حتّى الأطفال الذين كانوا دوماً يتحدثون بحرّية مع أمهاتهم يميلون في مرحلة الشباب الى أن يصبحوا كتومين وإنعزاليين .ومن المضرّ جدّاً الإصرار على سؤالهم وإستجوابهم , وإذا ما تحدّثوا , محاولة فرض الرأي عليهم . إن خير ما نفعله هو إعارتهم آذاناً صاغية عطوفة , ومحاولة تفهّمهم وتقدير مشاعرهم .
مثال : " حين يخبرك المراهق بمشكلة من مشكلاته , من المفيد أن تسأله : ما رأيك تجاه هذا الأمر ؟ ثمّ تتركه ليعبّر عن رأيه قبل أن تتقدّم أنت بأيّ من آرائك " وحينما تستمع اليه حتّى النهاية فإنّ من الحكمة أن تقول " إن في رأيك الكثير من الصواب " بحيث يكون ردّ فعلك الأول ايجابيّاً . إن موقفاً كهذا يشعر المراهق بأنك ذكيّ , وأن التحدّث اليك مفيد , وأنك لست رجعيّاً في أفكارك . الموافقة في البداية من أجل السماح فيما بعد بعدم الموافقة . دون استثارة عداء المراهق أو حرمانك من ثقته . ولقد قيل : إنه إذا ثابر المراهق على جعل الأم أو الأب موضع سرّه وثقته , فإنه قد يبقى تحت تأثيرهما , ويتبنّى آراءهما بدلاً من أن ينمّي آراءه الخاصة به .
تقبلي

روميل