سلامٌ لك أيتها العابرة ..
اننا نجيء إلى هذه الدنيا من حيث لا نعلم ثم نحس اننا جئنا إليها وصرنا فيها ، ثم نمضي عنها ولا ندري اننا مضينا، الحياة بكلمة واحدة فقط عابرة .
نعم ولكن هذا ليس إلا ليزيدها بهاء ويثيرُ تعاطُفَنا نحوها ، فمن أولى الصفات التي تميز الإنسان عن باقي المخلوقات هو إدراكه لطابع الفناء الذي تتسم فيه هذه الحياة ، معرفته أنها تملك نقطة انطلاق ونقطة وصول ،وان كل ماله بداية له بالضرورة نهاية.
ففي الصباح عندما تسير الساعة بسرعة اكبر نفرح لان النهار إذ يخرج من خلف الحواجز وكل العراقيل ليبثُ الجرأة في النفس والحياة ،فكل شيء يجري ويتحرر من أثقاله أناشيد الصباح تتعالى مع أول شعاع من الضياء فننسى همومنا وهواجسنا وكوابيسنا، إنها فرصة ذهبية يسجل فيها الزمان نجاحا باهرا فإذا بالعالم من حولنا يضحك مرحا ونحن كذلك وإذا بقلبنا يتقافز بين ضلوعنا تواقا إلى الهرب من قفصه وكل سجونه ، عاشقا اللحظة العابرة
لذا يجب أن نتخذ عظة وعبرة حتى ونحن نتأمل كبار السن عندما يزور الشيب الأبيض رؤوسهم ، عندما يعيشون سني الشيخوخة في ظلمتها وأساها ،عندما يجترون ذكريات أوقاتهم متأثرين أحيانا عندما يزورهم أحد أطياف الماضي البعيد ،لا منتظرين عودة عزيز غائب أو نادبين فقيدا راحل .
وذلك لأسباب عديدة قد تجتمع في واحد منها ،وهو أن هناك ساعات من عمرنا نستطيع أن نفعل فيها ما نريد ، أن نمضي إلى الأمام أن نتراجع إلى الوراء ،فهذا لا أهمية له،بينما هناك ساعات أخرى تمضي بسرعة ونعرف أنها لن تتكرر فان فوتناها استحال علينا استعادتها من جديد وبعدها لن نعرف شيئا إلا المستحيل .
فلنفتش إذا سويا ومعا عن تلك الساعات الجميلة بكل لحظاتها فهي بل تأكيد لن تعوض .
عندما نكون في مقتبل الشباب نطمئن إلى هذا العمر المديد المتبقي أمامنا ونرتاح إلى هذا الرصيد المحترم من السنين المحفوظ على اسمنا ،لكننا ننسى أن الوقت المحدد لنا مؤلف من أيام وساعات ودقائق وثوان ، وإننا لا نستطيع أن نعيشه كله معا بل جزءا جزءا ، والحصة التي استنفذناها حتى الآن خصمت علينا ، والحصة التي لم نستهلكها بعد ليست حاليا في متناول يدنا ولا يمكننا أن نحيا سوى برهة قصيرة ، فلنحيا إذا اللحظة نعيشها ونسعد بها،
وحسبنا أننا يجب أن نتخذ عظة وعبرة ، حتى ولو اجتمعت عظات البشرية والعالم لتأتي عبر لحظة واحدة عابرة .
التعديل الأخير تم بواسطة سلافة ; 09-12-03 الساعة 12:05 PM
|