منتديات زهرة الشرق

منتديات زهرة الشرق (http://www.zahrah.com/vb/index.php)
-   شخصيات وحكايات (http://www.zahrah.com/vb/forumdisplay.php?f=16)
-   -   اسطوانة على الطريق (http://www.zahrah.com/vb/showthread.php?t=8174)

المهاجر 06-06-03 02:05 PM

اسطوانة على الطريق
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رجل مسن بقي في مكانه على الأرض لم يقوى على الركض هربا من الجنود الصهاينة الذين لاحقوا السكان العائدين إلى بيوتهم ؛ موظفون وموظفات وعمال من كل الأعمار ينتظرون العودة إلى بيوتهم والجنود يقطعون الطريق ككل يوم ولا يسمحون لأحد بالمرور؛ وحتى ساعات المساء السوداء؛ وكلما ثار المنتظرون لاحقهم الجنود بكل شراسة .. وعندما سأل الرجل المسن الجندي أن يسمح له وللأبرياء بالمرور ؛ أجابه الجندي بكل برود واستعلاء بأن يعلم -أي هذا المسن- وأن يخبر جميع المارة بأن الجنود سيقتلون أي شخص يفكر بالمرور ؛ وعندما قال المسن للجندي :" أين تريدهم أن يذهبوا ؟! ؛ هل تريدهم أن يناموا في الشوارع "؟؟ قال له الجندي : " لا يهمنا أمركم؛ ليجد لكم المخرب المنتحر مأوى " ..

وكنت قد اقتربت من منزلي عندما فوجئت بوصول الدورية العسكرية الصهيونية المكلفة بقطع الطرق ؛ كنت على بعد أمتار فقط عندما وصلت الدورية ؛ ونحن نعلم عندها أن توقفها أمامنا يعني أن علينا العودة إلى الخلف ؛ لكني لم أستطع تقبل ذلك ؛ كنت منهكة جدا وبالكاد أستجمع قواي لأمسك بيدي طفلين ؛ وكان العود إلى الخلف يعني شيء كالانتحار ؛ كان يعني أن أعود إلى المدينة ثم إلى الجهة الأخرى وثم أنتظر في دور التفتيش على البطاقات الشخصية التي أصبحت تجرى للنساء والرجال ، ثم أسير مسافة طويلة مرهقة حتى أجد مواصلة ثالثة ، ثم أسير مسافة أخرى حتى بيتي .. يا إلهي .. كيف يمكن أن يكون هذا وأنا على بعد أمتار من منزلي؟؟ أجابني الجندي : "أنا لا يهمني أمركم؛ أنتم السبب ؛ نحن لا دخل لنا في ما يحدث لكم ".. هكذا وبكل برود أجابني الجندي مدعيا بأن الإستشهاديون هم الذين يعذبونا وهم الذين يقطعون الطريق ، أما الجنود الصهاينة فهم أناس طيبون في منتهى الأخلاق والتسامح والرحمة ؛ ثم أمرني أن أعود إلى الخلف ؛ فرفضت واستعديت للمرور ، فنزل مفترسا من الدورية وأربعة من الجنود وأعدوا سلاحهم جميعا للإطلاق وبدأوا بالانقضاض علينا وهددوني بقتل طفليّ أما عيني إن لم أعد إلى الخلف فورا، وبدأ بشتمي وقومي بكل ما يعتقد من إهانات واصفا إيانا بالمخربين القتلة ..

ويمكنك أن تسمع هذا الكلام من فم أي جندي صهيوني يواجه المواطنين الأبرياء هنا ؛ فاسطوانة التحريض ضد الاستشهاديين تبث على مدار الساعة، يمكنك أن تسمعها على الطرق خلال احتجاز الآلاف وتعذيبهم ، وتسمعها طوال الليل وأنت ترتجف وأطفالك خوفا تحت جدران منزلك المطوق بالجنود ؛ يمكنك أن تسمعها مع صوت الرصاص الذي يخترق صدر طفلك أو عزيزك العائد من عمله أو مدرسته .. تسمعها وأنت تسأل العدل في ثمانية آلاف أسير وفي ثمن دواء عشرات الآف من الجرحى وفي سبب انقطاع دخل مئات الآلاف من الأسر، وتسمعها في الفضائيات الراقصة على أحلامك ، وفي مؤتمرات قتل الشيوخ والأطفال .. التي تتناسى ظلم احتلال دمر حياة أبرياء قبل مولد أول استشهادي بقرون ؛ يتلاعبون بمشاعر بسطاء الناس الذين أرهقوا في السعي وراء لقمة العيش، يريدون للضحية أن تترك للجلاد حبل وريدها ؛ أن تخضع كحكام بلادها .. وتبدو هذه الاسطوانة من الرخص ما جعل معظم وسائل الاعلام تشتريها ؛ فكم يا ترى أثر دورانها المستمر في نفوس البسطاء من الناس هنا ؟؟ ..

الشاب (ز) يقف بجواري في الصف الطويل على الحاجز يقول :" الاستشهاديون أكرم الناس وأرفعهم ؛ لا أتخيل إستشهاديا يقف على حاجز كهذا ؛ لان ما من استشهادي يقبل الذل والإهانة ".. الشاب ( ع) شاب غير متدين بل نراه أحيانا كمنحرف ومع ذلك يقول :" الاستشهاديون خسارة فينا ؛ إنهم أطهر البشر " ولما عاودت عليه القول بأن هؤلاء يموتون وينهون أيامهم بسرعة لعلمي بحبه للدنيا ومتاعها؛ أجابني وهو في غاية الانفعال :" لا تقولي هذا ؛ بل إنهم يخرجون من جهنم إلى الجنة .. أننا نعيش في جهنم".. واقتربت من رجل متوسط العمر بسيط الحال لا يعرف غير العمل لأجل بيته فقال :" أذلنا الصهاينة يا ابنتي والله بعث لهم من يذلهم ؛ كل شيء حسبوا له حساب إلا شيء واحد لم يتوقعوه وهو أن يظهر لهم واحد كيحيى عياش" .. سيدة أشهرت دوما رفضها لقتل الأبرياء من أي طرف تقول :"الصهاينة يدفعون الناس إلى العنف والانفجار ؛ كم من مرة قام الصهاينة بارتكاب مذابح بشعة ولم يكن هناك عمليات استشهادية "..

وفي حقيبتي رسوم أطفال تروي ردا قادما على هذه الاسطوانة الصهيونية ؛ "أمل " طفلة في الثالثة والنصف من عمرها ؛ ترسم جنودا أمامهم عشرات القتلى؛ فنسألها : ما هذا يا أمل ؟ تجيب :" هذا يهودي يقتل عمو ماشي ".. وتعبر هنا أمل عن ما انطبع في ذاكرتها وهي تسير مسافة طويلة مع مئات المارة وسط إرهاب الجنود، وتسمي "أمل" الماشين على الطريق "عمو" تعبيرا عن إحساسها بأنهم أهلها المضطهدون .. "جميلة" طفلة في عامها العاشر؛ رسمت قلبا وفي وسطه إنسان ؛ وكتبت في أسفل الرسم ":أنت في قلبي يا استشهادي".. "خالد" طفل في الثامنة من عمره ؛ رسم جنودا يطلقون النار على الشمس ؛ ورسم مربع قرب الشمس وعصفور محلق ؛ وكتب في المربع عبارة تقول :" إنهم لا يقتلون أشباب فقط ؛ بل يقتلون كل شيء في بلادي ؛ حتى العصافير " ، كتب "خالد" كلمة "أشباب" هكذا بخطئها النحوي بدل "الشباب" ؛ وبرغم ذلك فإن مشاعر الطفل وتلقائيته أبلغ تعبيرا وأطول عمرا من عشرات المؤتمرات الكونية التي تعقد وتكتب بيد البلغاء لتشويه الحقيقة ولطعن الضحية في الوريد ..

الشاب (ج) قدم للتو من حاجز آخر على أمل المرور من هنا هذه المرة ؛ منذ الصباح الباكر أمسكه الجنود وهو متوجه إلى عمله ؛ فاقتادوه من هذا المكان نحو حاجز آخر وقاموا بشبحه معظم الوقت وضربه وإهانته بتقييد يديه ووضع علبة من الكرتون فوق رأسه ليكون منظره مذلا له وللمارة قرب الحاجز الآخر ؛ ثم أمروه بالتوجه عكسيا نحو المدينة وليس نحو بيته ؛ فعاد إلى هنا مشيا على الأقدام على أمل المرور نحو بيته فوجد نفس الجنود الذين اقتادوه في الصباح متواجدين هنا ؛ رآه أحد الجنود فضحك طويلا مبتهجا بمنظر الشاب الذي ارتسمت على وجهه علامات اليوم كله، ثم قال الجندي للشاب وهو يضحك :" أهلا بك مجددا ؛ كم أتمنى أن أقتلك ، ما رأيك أن أفعل "...

وعندما أفلتنا أخيرا من قبضة الجنود وركضنا مسرعين نحو بيوتنا في الظلام الدامس وقت تبديل الدوريات العسكرية المناوبة ؛ وقع الرجل المسن وسط الطريق فأسرع الشاب (ج) لحمل هذا الرجل المسن بين ذراعيه وركض به حتى أدخله سيارة أجرة في الجهة الأخرى ؛ عندها سمعنا مذياع السيارة يبث خبر عاجل مفاده:" عشرات الجنود القتلى في عملية استشهادية ... " عندها سمعت صوت أنفاس الركاب تعود إلى صدورهم كأن الهواء يعود إليها بعد انقطاع ؛ وابتسم الشاب للمسن وأخرج من جيبه منديل ؛ مسح بالمنديل دمع الرجل المسن وبقايا الأتربة التي علقت على جبينه ..


من الايميل

sad_girl 09-06-03 09:25 PM

الاخ الفاضل المهاجر


موضوع راائع جدا وقصة رائعة


تمنياتي لك بالتوفيق والنجاح



تحياتي وتقديري

حياة 09-06-03 09:49 PM

هذه حياه اخواتنا في فلسطين المحتله

مطاردات اهانات من جنود الاحتلال المجرمين

ولكن هؤلاء ليس لهم الا العمليات الاستشهاديه تشفي صدور اهلنا في فلسطين

تحياتي لك

جريح الحب 18-07-03 01:20 PM

والله قصة رائعة أخوي المهاجر


ألف شكر لك على هذا النقل المبارك



أخوك الجريح

lonely 22-07-03 08:15 PM

.




أخي المهاجر . .

أشكرك جزيل الشكر على هذا النقل الثقافي الهادف

قصة رائعة


لك أجمل الاماني






مع محبتيlonely

حـــــازم 23-07-03 08:03 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

أخي الفاضــل

المهاجـــر

تشدني مواضيعك واتابعها واجد المتعة والفائدة

من خلال طرحك المميز لموضوعاتك

لذا أتقدم اليك بخالص الشكر والتقدير

لحُســـن إختياراتك لمواضيعك

وفي إنتظار جديدك


وتقبــل خالص تحيــاتي

أخوك

حـــازم

دموع القمر 26-07-03 09:31 PM

الاخ المهاجر


قصة أكثر من رائعة


أهنيك على هذه الروعة في الاختيار



تقبل تحياتي


الساعة الآن 04:48 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.