منتديات زهرة الشرق - العرب ورثوا لغتهم معربة

لم يرتب احد من اللغويين القدامى في ان الاعراب من خصائص العربية ، بل من أشد هذه الخصائص وضوحا،
وأن مراعاته في الكلام هي الفارق الوحيد بين المعاني المتكافئة .

ولقد عبروا عن هذه الظاهرة بأساليب متنوعة تنطبق جميعاً بحقيقة واحدة . ولعلً اوفى خلاصة لتلك الآاء قول ابن فارس: (( فأما الاعراب فبِهِ ُتميُز المعاني ويوقفُ على أغراض المتكلمين .

وللعرب في ذلك ماليس لغيرها : فهم يفرقون بالحركات وغيرها بين المعاني .

وزاد ابن فارس هذه الظاهرة تقريراً وتوضيحاً بقوله في موضع آخر (( من العلوم الجليلة التى خُصت بها العرب :الاعراب الذي هو الفارق بين المعاني المتكافئة في اللفظ ، وبه يعرف الخبر الذي هو أصل الكلام ولولاه مامُيزَ فاعل من المفعول ، ولا مضاف من منعوت ، وولا تعجب من استفهام ، ولا صدر من مصدر ، ولا نعت من تأكيد ))

ولما أصابت العربية حظأً من التطور أضحى الاعراب أقوى عناصرها ، وابرز خصائصها ، بل سر جمالها ، وأمست قوانينه وضوابطه هي العاصمة من الزلل ، والمعوضة عن السليقة ، ولأن الناس ادركو حين بدأ اختلاطهم بالاعاجم انهم لولا خلاطهم لهم لما لحنو في نطق ، ولا شذوا في تعبير ، فقد كان يثقل على هؤلاء الاعاجم اخراج أحرف الحلق واحرف الاطباق بوضوح اصواتها في العربية ، فاذا هم يحرفون مثلا ((عربي)) الى ((اربي ))و((طرق )) الى ((ترك)) حتى شكا الناس من فساد الالسنة واضطربها .

ولم يكن بد من أن يتأثر العرب بأولئك الاعاجم ، مع أنهم كانوا قد ورثوا عربيتهم معربة ، وقرؤوا القرآن معربا ،وتناقلوا احاديث نبيهم معربة .

وان أدلة كثيرة لتقوم على شعور العرب بوراثتهم لغتهم معربة : فهذه أمارات الاعراب باطرادها وسلامتها ، واضحة فيما صح من أشعار الجاهلين . وذلك هو التصرف الاعرابي مافتئ يراعي بدقة بالغة حتى اوائل القرن الثالث الهجري ، يوم كان الرواة والاخباريون يختلفون الى الاعراب في البادية ، ليأخدوا من افواههم اللغة ، ويعودوا ألسنتهم الفصاحة والبيان .

أما ترتيلهم القرآن معرباً فما نحسب عاقلاً في الدنيا يرتاب فيه ، ولم يزعم أحد من العلماء في الشرق والغرب ، قديما أوحديثا ، عامية الأسلوب القرآني ، أو تجرده من ظاهرة الاعراب ، لأن مافي القرآن من الالفاظ الصالحة لأن تقرأ رسما بأكثر من وجه كان السياق فيه غالبا يعين قراءته المثلى ، ويفرض وجهه الافضل ، ولا يعين قراءة ما الا تحريك الاواخر بالحركة الاعرابية المناسبة .

وهناك بعض المستشرقين الذي يدعى ان القرآن نزل أول الامر بلهجة مكة المجردة من ظاهرة الاعراب
الا ان هذا وجد من يرد عليه وهو مستشرق اخر ومن كبار المستشرقين لم يستسيغو اهذا الراي العقيم.

وشعور العرب بوراثتهم لغتهم معربة هو الذي كان يحملهم على أن يجتنبوا اللحن فيما يكتبونه أو يقرؤنه اجتنابهم بعض الذنوب )

تحيتي

حياة

ومن يريد التوسع اكثر في الموضوع
عليه بالاطلاع على كتاب (دراسات في فقة اللغة العربية ))