منتديات زهرة الشرق - اكذب حتى تصدق نفسك

قبل عقود .. اخترع غوبلز وزير دعاية الرايخ الثالث مقولة راجت في أطراف الدنيا الأربعة ..تقول الأكذوبة : اكذب .. اكذب .. اكذب .. حتى تصدق نفسك .. ويبدو ان غوبلز لم يخترعها كما ادعى البعض .. بل نقلها عن التاريخ العربي ( المشرف) إذ كان اشعب يوهم أطفال الشوارع بان مائدة تقام في أطراف البلدة .. فيركض الأطفال طلبا للطعام .. وعندما يراهم اشعب يركضون يحدث نفسه : ربما كان هذا الآمر صحيحا .. فيركض خلفهم للحاق بالمائدة السراب .
ولم يكن غوبلز أو أشعب هما ألا وحدان اللذان كذبا وصدقا نفسيهما .. بل أن التاريخ في معظم أجزائه كذبه .. وبعيداً عن الجلد الذي نمارسه ضد أنفسنا فان تاريخ هذا العالم قد بني على الكذب .. ولماذا نبتعد كثيرا فنذكر التاريخ .. لم لا نعيش مع الواقع في الوقت الحاضر .. فالرجل يكذب على زوجته عندما يتخذ عشيقة غيرها .. والمرأة تكذب على زوجها عندما تسنح لها الفرصة .. المدرس يكذب على الأطفال فيحكي لهم قصصا عن بطولات بائدة .. مع أن الحقيقة تقول بأنها بطولات زائفة .. والزعيم يكذب على شعبه فيحدثهم عن المعارك التي خاضها والأوسمة التي نالها مع انه لم يخض معركة واحدة في حياته .. وربما خاضها مع النساء فقط .. المخرج يكذب على الجمهور فيحول قصة وهمية إلى حقيقة نعيشها فتسيل دموعنا رحمة أو تقسو قلوبنا حقدا مع أننا نعلم جيدا أن ما نراه وهما لا حقيقة .. المومس تكذب عندما تصف نفسها بأنها اشرف امرأة في الدنيا .. واللص يكذب في المحكمة ويحلف اغلظ الأيمان انه بريء .. المختار أو العمدة يكذب على أبناء قريته فيوهمهم بأنه يعمل لصالحهم مع انه لص ومصاص دماء .. البائع الذي ينادي على بضاعته ويصفها باعذب الكلمات وبيوت الشعر ما أن تشتريها حتى تكتشف أنها تالفة .. وزير الاقتصاد في أية دولة يصرح بان الدنيا ما زالت بخير في بلده مع أن الناس يموتون في الطرقات جوعا. أعضاء البرلمانات ومجالس الشعب والشيوخ في هذا العالم كاذبون .. يرفعون شعارات الحرية والديمقراطية عندما يرشحون أنفسهم وعندما ينجحون لا تراهم إلا في الدورات القادمة لابتكار كذب آخر يمكن أن نصدقه .. القبلة في التمثيل كاذبة .. والضم والعناق كاذب .. أو كما قال القذافي رضي الله عنه ( لا نيابة عن الشعب .. والتمثيل تدجيل ) وايا كان التمثيل سواء كان نيابيا او تلفزيونيا فانه تدجيل .. وهذه هي المقولة الوحيدة التي مارسها القذافي وكان صادقا فيها مع ان في نيته الكذب .
واذا ما عددنا ما يجري في حياتنا اليومية فاننا نصل في النهاية الى مفهوم يقول بان الحياة ايضا كذبة كبرى .. فلماذا يعيش الانسان في هذه الدنيا طالما ان نهايته حفرة لا تكاد تتسع لجسده .. بمعنى ان حياته كذبة او جزءا من الكذب .. وكل ما يبنى على الكذب فهو باطل من اساسه .
وقد نجنح الى ناحية اخرى فنقول ان الكتب السماوية قد حضت على الصدق .. وقد نتساءل لماذا ؟ ونجيب بان الله يعلم بان الانسان كاذب .. لذا فقد حض على الصدق .. ودليل آخر .. لو لم يكن الزنا منتشرا ما انزل الله آيات بتحريمه .. ولو لم تكن الخيانة في جسد الرجل والمرأة معا ما حضت تلك الكتب على العفاف .. لأن عدم وجودها ينفي الكتابة عنها .. ولو لم يكن الرق موجودا ما حض الله عز وجل على عتق الرقبه .. فالقراءة عن وجوب الصدق يعني انه نادر ندرة العملة الصعبة في دول العالم المتخلفة .. واللجوء الى الكذب يعني ان كل الموبقات صادقة وموجوده .. وهذا يعني ان الكذب هو القاعده .. والصدق هو الشواذ .
قال لي مرة صديق أحمق مثلي .. اتدري ان الشركات التي تطعمنا الطعام وتسقينا الماء ومشتقاته كلها كاذبه .. قلت : كيف ذلك .. قال .. انهم مثلا يصنعون العصائر من المواد البترولية .. ثم يكتبون على اغلفتها انها عصير طبيعي صاف مائه بالمائه .. وان حليب الاطفال والحليب الذي نشربه ليس حليبا بقريا او ماعزيا .. وانما هو مصنوع من الفاصوليا البيضاء .. لذا فهم كاذبون ..
قلت : هل بقي شىء في هذا الكون لم يطاله الكذب .. قال نعم .. ان حضك على الصدق في تعاملاتك معناه انك كاذب او في طريقك للكذب ..
اكذب حتى تصدق نفسك .. انها مأساة نلصقها عادة بمن هم بارزون في هذا الكون.. ومن تسلط الاضواء على وجوههم .. اما النكرات فاننا لا نشعر بكذبهم الا عندما يتعلق الامر بمصالحنا التي اضرها الكذب ..
ومن مصيبة الانسان انه يتعمد الكذب ثم يردد ويحلف انه صادق .. انني ارثي لحالنا في هذا الكون .. فيا عزيزي .. لا تتصنع البراءه .. فنحن كاذبون حتى العظام . ولله في خلقـــــه شئون