الحديث الضخم

كنت في أحد مساجد مكة المكرمة حرسها الله , وبعد أن فرغنا من أداء صلاة الظهر – وكان الصيف قد هجم علينا بأنفاسه الخانقة – استدار الإمام وألقى على سامعنا كلمة موجزة رائعة , أحسست في قرارة أعماقي أن مؤيدة من لدن حكيم خبير .تذكرت حينها قول الشاعر :
وحديثها السحر الحلال لو انه لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز
درر تعيش الأذن في نغماتها بمطرز عذب وغير مطرز
ولله درك يابن الرومي كيف جمعت لنا في هذه الثلاث الأبيات أصول الكلمة المقبولة وروعة الخطاب الرائع , ولا أعني بالأصول تلك القواعد المتينة والتي لا يجوز الخروج عليها . مثل أصول التفسير , لا يجوز لمفسر القرآن الكريم تجاوزها مطلقا وإلا كانت فوضى . أنا لا أقصد بأصول الكلمة تلك القواعد أبدا . أنما أقصد بأصول الكلمة اشتمالها على المتعة والبساطة والفائدة . وحين قلت كلمة موجزة قصيرة .لا أشترط على الكلمة لأن تكون مؤثرة أن كذلك . ألم يقل ابن الرومي :
إن طال لم يملل ...وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز
وقليل من الوعاظ والخطباء أعرفهم وسمعت عنهم من ذلك الطراز:
إن طال لم يملل ....
وإن كان في أصل الكلمة المؤثرة إيمان المتحدث بها , ومدى تفاعله معها , وحسن ظرافته فيها , وأسلوب طرحها . ولا أقصد بالطرح , 1-1=0 إنما الطرح الذي أعنيه استهلال الحديث . أقول , إن كان المدار أصلا على القلب . فلا ينبغي أن نغفل الإلمام بالموضوع والإحاطة به من جميع أقطاره , وإن من الدعاة من تحيى القلوب بذكرهم ,وتنقص الأرض بموتهم .. الذين سماهم أحد الشعراء : رجال الحقائق
ولكني أرى الذكرى تنبه غافلا إذا هي جاءت من رجال الحقائق.
كيف ذلك ؟ كنت وأنا أشاهد برنامجا تلفزيونا للشيخ عميد الأدب العربي علي الطنطاوي عليه رحمة الله .أرى روحه المشرقة , روحه الأدبية , تطل من وراء حديثه , بادية على قسمات وجهه .إذ لا ينقلك من موضوع لموضوع , ومن موقف لموقف , ومن مغزى لمغزى , يجدّ حينا ويهزل , ترتفع نبرة صوته حينا وتنخفض حينا , ثم حركة يديه , وملامح وجهه , باب آخر من أبواب البلاغة ..وكل ذلك ينم عما بداخله من روح فوارة , روحا تلقي بظلالها .. بكيانها .. بفضائها .. بعالمها .. وما الفم إلا منفذا ضيقا صغيرا , فما أين يصل قلبك كل ذلك الإشعاع ؟!
إذا قال لم يترك مقالا ولم يقف لعيٍّ ولم يثن اللسان على هجر
يصرّف بالقول اللسان إذا انتحى وينظر في أعطافه نظر الصقر
إن الروح إذا تشبعت بالموضوع من جهة أهميته وضرورته ودعوة الحاجة إليه وأثر الانحراف عنه وصاحب ذلك أدبا وفهما بطبائع الناس كان الحديث لوحة فنية رائعة ..إنها الروح إذا .. وكم تمنيت على الله وأنا اقرأ لابن القيم وأبي حيان التوحيدي والجاحظ ومن المعاصرين المنفلوطي والعقاد والرافعي ومحمود محمد شاكر والزيات في رسائله وسيد قطب ومحمد الغزالي والطنطاوي أن يرزقني تلك الروح التي بها يكتبون . تلك الروح التي يؤيد الله بها من يشاء من عباده العاملين .فلا تحس مللا ولا ثقلا وإلغاء لحرية المستمع .. بل تجد أبواب الرحمة مشرعة أمامك مندفعا إليها بقوة تأثير ذلك السحر الحلال .. فتندفع إلى العمل الصالح تلقائيا دون أن يقول لك : افعل كذا أو اترك كذا .بل تنبعث للخير انبعاث محب وتنصرف عن الشر انصراف كاره.كثير من يستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة لكنك تحس فرقا بين فلان وفلان ..أليس كذلك ؟! الفارق إذا بالروح .والروح المقصودة هنا ليست روحا أخرى غير الروح التي تسري فيك . لاتعجبوا فالله قد ذكر الروح وأنواعها في القرآن الكريم .قال سبحانه في معرض ثنائه على عباده المؤمنين :" أولائك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه .." وقال في ابن مريم عليه السلام :" وأيدناه بروح القدس " وقال في القرآن :" وأوحينا إليك روحا من أمرنا .."وقال عن الروح لما شرع اليهود في السؤال عنها بغرض التعجيز :" ويسألونك عن الروح قل الروح من أم ربي .." ولا شك أن اللفظة واحدة لكن المعاني مختلفة كل الاختلاف ..إن الروح التي أعني روحا طليقة في مراعي الأد ب ومراتع الشعر محلقة في الأجواء , فهي مأخوذة بالأدب مشدودة إليه .لا يكاد يفصل بينها وبين الأدب شيئا .. لا لست مغاليا في ذلك , فالقرآن الكريم نزل على أهل أدب ولغة وعلى طرائقهم ووفق سلائقم ,فأخذهم سحر بيانه سحرا وأسرهم أسرا . فالأدب هويتنا والشعر ديواننا .. فالأدب لغة حضارتنا ولغة انطلاقنا .
.ولولا خلال سنها الشعر ما درى بناة العلا كيف تبنى المكارم
نريد روحا تطفح بالجمال والذوق الأصيل .. فإن كتبت في السيرة أخرجتنا من ذلك السرد المباشر الممجوج , , ويعلم الله أن هناك كتابا تقرأ لهم فتثير أفكارهم فيك أفكارا , يلهمونك بحثا ..يلهمونك مفهوما .. يتغلغلون فيك ويتلمسون مواطن الإبداع فيك فينفضون عنها ما تراكم عليها وما علق بها من عوادي الزمن . فإذا بك غرّيدا محلقا ونسمة شجية وغديرا ينبض بالحياة فهذه دعوة لمراجعة وإصلاح الخطاب بكافة أشكاله .. ولله القطامي إذ يقول :
فهن ينبذن من قول يصبن به مواقع الماء من الغلة الصادي

على فكرة طارق من الواضح جدا انك متاثر بجو السعودية بالمحافظة على الصلاة والخطب
وايضا انت انسان مثقف فكلماتك الضخمة تدل على ذلك وما ذكرته ايضا من اصحاب الكتب(جعلك الله منهم)
وجزاك الله كل الخير واتمنى منك ان تمنحنا بقليل مما هو عندك
سلام

الكاتب الأصلي: لما على فكرة طارق من الواضح جدا انك متاثر بجو السعودية بالمحافظة على الصلاة والخطب وايضا انت انسان مثقف فكلماتك الضخمة تدل على ذلك وما ذكرته ايضا من اصحاب الكتب(جعلك الله منهم) وجزاك الله كل الخير واتمنى منك ان تمنحنا بقليل مما هو عندك سلام

مرحبا لما .. نورت المنتدى ..أشكرك على كلماتك الطيبة .. وكل عام وأنت بخير

ويعلم الله أن هناك كتابا تقرأ لهم فتثير أفكارهم فيك أفكارا , يلهمونك بحثا ..يلهمونك مفهوما .. يتغلغلون فيك ويتلمسون مواطن الإبداع فيك فينفضون عنها ما تراكم عليها وما علق بها من عوادي الزمن . فإذا بك غرّيدا محلقا ونسمة شجية وغديرا ينبض بالحياة فهذه دعوة لمراجعة وإصلاح الخطاب بكافة أشكاله .. ولله القطامي إذ يقول :
فهن ينبذن من قول يصبن به مواقع الماء من الغلة الصادي

شكرا طارق ايها الفيلسوف المتمكن من لغتك وقلمك
فليس كل ما يكتب يقرا
وليس كل من يكتب يقرا له
وشكرا للامثلة التى ارفقتها بالموضوع ذادته جمالا

دمت رائعا 0000 تقى

[ALIGN=CENTER]طارق السكري

لغة قوية

يعطيك العافيه[/ALIGN]

الكاتب الأصلي: تقى ويعلم الله أن هناك كتابا تقرأ لهم فتثير أفكارهم فيك أفكارا , يلهمونك بحثا ..يلهمونك مفهوما .. يتغلغلون فيك ويتلمسون مواطن الإبداع فيك فينفضون عنها ما تراكم عليها وما علق بها من عوادي الزمن . فإذا بك غرّيدا محلقا ونسمة شجية وغديرا ينبض بالحياة فهذه دعوة لمراجعة وإصلاح الخطاب بكافة أشكاله .. ولله القطامي إذ يقول : فهن ينبذن من قول يصبن به مواقع الماء من الغلة الصادي شكرا طارق ايها الفيلسوف المتمكن من لغتك وقلمك فليس كل ما يكتب يقرا وليس كل من يكتب يقرا له وشكرا للامثلة التى ارفقتها بالموضوع ذادته جمالا دمت رائعا 0000 تقى

أشكرلك تفاعلك .. وأشكر لك ردك الجميل .. بارك الله فيك أختا لنا

الكاتب الأصلي: لينا [ALIGN=CENTER]طارق السكري لغة قوية يعطيك العافيه[/ALIGN]

أشكرك أختي الفاضلة لينا..

أستاذي طارق السكري السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد قرأت موضعك وأثار فيا شجوناً وحرك مشاعري كيف لا وأنا أعرفك منذ مدة طويلة وبيننا جلاسات أدبية أسبوعية نتدارسها فزدنا من شجونك وأطربنا لا فض فوك /أنس

إن طال لم يملل ...وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز

لانكتفي بقراءة واحده بل تستحق القراءة عدة مرات

شكرا لك استاذ طارق

الكاتب الأصلي: أنس أستاذي طارق السكري السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد قرأت موضعك وأثار فيا شجوناً وحرك مشاعري كيف لا وأنا أعرفك منذ مدة طويلة وبيننا جلاسات أدبية أسبوعية نتدارسها فزدنا من شجونك وأطربنا لا فض فوك /أنس

حفظك الله يابو مالك هذا من طيب قلبك الشاعر

الكاتب الأصلي: حياة إن طال لم يملل ...وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز لانكتفي بقراءة واحده بل تستحق القراءة عدة مرات شكرا لك استاذ طارق

أشكرك من كل قلبي أيتها الكتاب الجميل

أخي الفاضل

طارق السكري

دوما تتحفنا بما في جعبتك من احاديث ضخمة

حقا رائع

تحيتي لشخصك

*استاذنا وصاحب القلم الذهبي والفكر الراقي طارق
*مبدع انت في كل ما تكتب
*ان كتبت القصيدة ذبنا بها طربنا
*وان طرحت الفكرة انرت بها عقولنا
*وان سطرت الخاطرة امتعت واجدت
*وولله ما ذكرته في اول المقال من ابيات ابن الرومي انت احق بها
فان اطلت لم نمل وان اوجزت تمنينا ان لا توجز
*كما قلت اخي طارق
*من الكتاب من يسحرك بما يكتب وتجد فيما تقرأعذوبة الروح ودفئ المشاعر وربما احسست بلفح انفاس كاتبها.....ومن الكتاب ما تجد في ما يكتب صحراء قاحلة لا تستطيع الصبر على حرها وسمومها
*وقد ذكرت في معرض حديثك كاتبي المفضل وكما لقبته عميد الادب العربي الشيخ على الطنطاوي
*كم اعشق ما يكتب واتذكر قبل سنوات كنت قد صليت الفجر واخذت اقرأ في كتاب حديث النفس للشيخ الطنطاوي وعشت معه وكأنه بجانبي يحدثني وكأن ما بين يدي ليس كتابا بل جسدا من لحم ودم وروحا تتنفس
اتممت الكتاب وأنا اشعر بسعادة غريبة نظرت الى الساعة فاذا هي الثامنه صباحا
نزلت الى مكتبة قريبة لاشتري الجريدة اليومية كعادتي
اخذتها معي وانا في طريق عودتي نظرت الى الصفحة الاولى فاذا الخبر الصدمة (وفاة الشيخ الطنطاوي)
لم اتمالك نفسي وبكيت بكاء حارا.... قبل لحظات كان يحدثني ويبوح لي بذكرياته وهو الان قد مات كان خبرا كالصاعقة ولم انساه ابدا
رحم الله شيخنا واسكنه فسيح جناته
*
وعذرا على الاطالة والخروج عن الموضوع

الكاتب الأصلي: تعبت أشكي *استاذنا وصاحب القلم الذهبي والفكر الراقي طارق *مبدع انت في كل ما تكتب *ان كتبت القصيدة ذبنا بها طربنا *وان طرحت الفكرة انرت بها عقولنا *وان سطرت الخاطرة امتعت واجدت *وولله ما ذكرته في اول المقال من ابيات ابن الرومي انت احق بها فان اطلت لم نمل وان اوجزت تمنينا ان لا توجز *كما قلت اخي طارق *من الكتاب من يسحرك بما يكتب وتجد فيما تقرأعذوبة الروح ودفئ المشاعر وربما احسست بلفح انفاس كاتبها.....ومن الكتاب ما تجد في ما يكتب صحراء قاحلة لا تستطيع الصبر على حرها وسمومها *وقد ذكرت في معرض حديثك كاتبي المفضل وكما لقبته عميد الادب العربي الشيخ على الطنطاوي *كم اعشق ما يكتب واتذكر قبل سنوات كنت قد صليت الفجر واخذت اقرأ في كتاب حديث النفس للشيخ الطنطاوي وعشت معه وكأنه بجانبي يحدثني وكأن ما بين يدي ليس كتابا بل جسدا من لحم ودم وروحا تتنفس اتممت الكتاب وأنا اشعر بسعادة غريبة نظرت الى الساعة فاذا هي الثامنه صباحا نزلت الى مكتبة قريبة لاشتري الجريدة اليومية كعادتي اخذتها معي وانا في طريق عودتي نظرت الى الصفحة الاولى فاذا الخبر الصدمة (وفاة الشيخ الطنطاوي) لم اتمالك نفسي وبكيت بكاء حارا.... قبل لحظات كان يحدثني ويبوح لي بذكرياته وهو الان قد مات كان خبرا كالصاعقة ولم انساه ابدا رحم الله شيخنا واسكنه فسيح جناته * وعذرا على الاطالة والخروج عن الموضوع

أنا ماأدري كيف فاتني هذا التعليق ... ولاأدري تاريخه بالضبط ..ارجو المعذرة تعليقك رائع وحبيب وشاعر وأديب ..لالالا أقولها مجاملة ,, بل هي حقيقة والله,, لأن قلبا تعلق الطنطاوي لهو قلب عبقري وأديب وعظيم ..ألف شكرلك

أخى طارق لك كل الشكر على جميل مواضيعك
أنتظر منك المزيد