ابن رشد.. فيلسوف قرطبة

د. قصي الحسين

هو محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي، القرطبي، وكنيته أبو الوليد: الفيلسوف. ويسميه الإفرنج Averroes من أهل قرطبة بالأندلس، عاش بين عامي (520 595 ه) / (1126 1198م)، كان جده قاضي قرطبة واسمه ايضا محمد بن احمد ابن رشد. كما كان يكنى بأبي الوليد، وقد توفي سنة 520 ه أي في العام نفسه الذي ولد فيه ابن رشد الفيلسوف. وكان يعرف ايضا بتصانيفه ومؤلفاته الكثيرة في العلوم الدينية والفقهية. ولذلك، سمي ابن رشد الفيلسوف على اسم جده قاضي الجماعة بقرطبة، تيمناً به، كما كان أبوه قاضياً أيضاً.

أخذ دروسه الأولى في العربية وعلومها على يد جلة من العلماء المشهورين بقرطبة ثم تحوّل لدراسة الفقه والطب والاهتمام بكلام أرسطو. ومن شيوخه الذين أخذ عنهم علومه، ابو جعفر هارون، وهو من مدينة “ترجيلة Truyilla” بالأندلس. وقد زار ابن رشد عام 548ه / 1153م مدينة مراكش، ويقال ان ابن طفيل هو الذي رغبه في الرحلة اليها. وهناك التقاه وقدمه الى أبي يعقوب يوسف الموحدي، الذي شمله برعايته. ويقال ان الخليفة أبا يعقوب سأله عن رأي الفلاسفة في السماء، هل هي جوهر قديم، أم حادث، فامتلأ رعباً ولم يحر جواباً. فهش له الخليفة، وبدأ يبسط هذه المسألة بنفسه، ويسرد آراء مختلف العلماء، في تثبت ودراية واسعتين، يندر وجودهما عند أمثاله من الأمراء، وقد صرفه الخليفة بعد ان أجازه. ويقال ان ابن طفيل، كان قد أشار عليه بشرح كتب أرسطو، وقال له ان أمير المؤمنين كثيرا ما يشكو من غموض فلاسفة الإغريق كما كانت تظهرهم الترجمات، وانه ينبغي عليه ان يضطلع بشرحها تسهيلاً للفائدة منها، وقد صنف نحو خمسين كتاباً منها “فلسفة ابن رشد”، وتسميته حديثة، وهو مشتمل على بعض مصنفاته. وكتاب “التحصيل” في اختلاف مذاهب العلماء و”الحيوان”، و”فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال”، و”الضروري” في المنطق، و”منهاج الأدلة” في الأصول و”المسائل” في الحكمة، و”تهافت التهافت” في الرد على الغزالي و”بداية المجتهد ونهاية المقتصد” في الفقه، و”جوامع كتب ارسطوطاليس” في الطبيعيات، والإلهيات، و”تلخيص كتب أرسطو”، و”علم ما بعد الطبيعة”، و”الكليات” في الطب، وقد ترجم هذا الكتاب الى اللاتينية والاسبانية والعبرية. و”شرح أرجوزة ابن سينا” في الطب، و”تلخيص كتاب النفس”، ورسالة في “حركة الفلك”. وكان دمث الأخلاق، حسن الرأي كثير التعليل والشرح في كل ما كتب وترجم وصنف من المؤلفات. ومما كتب في ابن رشد: كتاب “ابن رشد وفلسفته” لفرح انطون، وكتاب “ابن رشد” ليوحنا قمير، و”ابن رشد الفيلسوف” لمحمد يوسف موسى، و”ابن رشد” لعباس محمود العقاد.

وقد ولي ابن رشد القضاء بقرطبة سنة 567ه، وعلى الرغم من اشتغاله بما تتطلبه تلك المناصب من أعباء، فقد صنّف أهم كتبه في ذلك العهد. كما عمل طبيباً خاصاً لأبي يعقوب يوسف الموحدي. وكان موضع رعاية ايضا من يعقوب بن منصور خليفة يوسف في بداية حكمه. غير ان ثورة الفقهاء عليه وإحراق مؤلفاته واتهامه بالمروق، كان مما حرّض يعقوب عليه. فحوكم من أجل ذلك، ونفي الى “أليسانة” بالقرب من قرطبة. وقد أمرالخليفة في الوقت نفسه بإحراق كتبه في الفلسفة، ما عدا كتبه في الطب والحساب والمواقيت. وقد توفي ابن رشد في التاسع من صفر عام 595 ه/ 1198م، ودفن بقرب مراكش خارج باب “تاغزوت”.

ولم يبق من مؤلفاته بالعربية إلا القليل مثل كتاب “تهافت التهافت”، وشروحه الوسطى على كتابي الشعر والخطابة لأرسطو، ورسالة في المنطق، وكتاب “فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة في الاتصال”، بالإضافة الى بعض كتبه الأخرى التي تكشف له حيناً بعد حين، في زوايا الإهمال، في المكتبات التاريخية الكبرى في الأندلس والعالم.

وقد اشتهر من شروح ابن رشد لكتب أرسطو، ثلاثة شروح. فثمة شرح أكبر، وشرح أوسط، وشرح أصغر. وهذا التأليف الثلاثي يتماشى مع مراحل التعليم الثلاث التي كانت تعرف في الأكاديميات الإسلامية. إذ كان يدرّس الشرح الأصغر في العام الأول، بينما يدرّس الأوسط في العام الثاني، أما الشرح الأكبر فهو يدرّس في العام الثالث. كذلك كتب ان رشد شرحاً لجمهورية افلاطون، ونقد منطق الفارابي وطريقته في فهم أرسطو، وشرح نظرية ابن سينا وعلّق على عقيدة المهدي بن تومرت. ويقول رينان في كتابه عن ابن رشد ومدرسته انه لا يملك اعتبار فلسفته فلسفة مبتكرة، إذ نحى أفرادها منحى اليونان وعرفوا بالفلاسفة، والتي أخذ بها من قبله الكندي والفارابي وابن سينا في الشرق، وابن باجه في الغرب. ولا شك انه خالف هؤلاء الفلاسفة العظام الذين سبقوه في عدة مسائل، إلا ان تلك المسائل، كانت في الدرجة الثانية من الأهمية. على الرغم من ان ابن رشد كان قد سار في خطى أولئك الفلاسفة العرب السابقين في أكثر من مسألة من مسائل العلم.

ان أهمية ابن رشد كفيلسوف، إنما ترجع في الغالب الأعم، إلى عمق تحليله، وقدرته على الشرح، وهما صفتان يصعب علينا اليوم ان نقدرهما حق التقدير، لبعدنا عن ابن رشد في التفكير والمنهج. غير ان هاتين الصفتين، كانتا مجال تقدير وإعجاب في القرون الوسطى، لأن معظم العلماء آنذاك، كانوا يفيدون من شروحه ونظرياته، في حلقاتهم التعليمية وفي مؤلفاتهم التصنيفية على حد سواء. علماً انه كان عرضة لتهجم فقهاء المسلمين ورجال الدين النصارى، ومن ثم علماء اللاهوت حتى ان أساقفة باريس وأكسفورد وكانتربري، كانوا يحرّمون قراءة مصنفات ابن رشد في القرن الثالث عشر للميلاد، للأسباب نفسها التي حدت بفقهاء الأندلس الى تحريم قراءتها أيضا.

ويبدو لنا من خلال قراءة فكر ابن رشد وفلسفته، انه أفاد من الفارابي وابن سينا وتأثر بهما، خاصة فيما يتعلق بموضوع الإبداع الشعري. كما قرأ كل آراء أساتذة المدرسة اليونانية في هذا المضمار، ووقف على الجدل الذي كان يثيره كتاب الخطابة وكتاب فن الشعر لأرسطو بين الفلاسفة والنقاد والبلاغيين العرب والمسلمين. وقد جرى ابن رشد في إثر ارسطو، في كتاب الشعر، ناقداً له، موضحاً ان هذا الكتاب لأرسطو، لا يمكن ان يكون ذا جدوى للقارىء العربي، إذا هو لم يطبق ما يمكن تطبيقه من آراء أرسطو على الشعر العربي. ومن هنا، فقد وجد ان مهمته تكمن في الشرح المبسط لكتاب أرسطو، حتى يصبح واضحاً مفهوماً ذا فائدة عملية، فلا يبقى بعيداً أوغريباً عن النقد العربي. فهو ينقل عن أرسطو قوله: “قال: فكل شعر وكل قول شعري، فهو إما هجاء، وإما مديح، وذلك بيّن باستقراء الأشعار، وبخاصة أشعارهم التي كانت في الأمور الإرادية: أعني الحسنة والقبيحة. وكذلك الحال في الصنائع المحاكية لصناعة الشعر، التي هي الضرب بالعيدان والزمر والرقص. أعني أنها معدّة بالطبع لهذين الغرضين”. ولا شك ان ابن رشد يريد بالمديح فنّ المأساة/ التراجيديا، كما يريد بالهجاء فن الملهاة/ الكوميديا. ولذلك نراه يعمد الى قسمة الشعر العربي بجملته بين هجاء ومديح، حيث يعتبر ان النفس البشرية، معدّة بطبعها سلفا للانفعال بهذين الغرضين. ونحن نرى ابن رشد يعرّف المديح، بواسطة مصطلح “المحاكاة”، تعريفاً قريباً من تعريف ارسطو للمأساة/ التراجيديا الطراغوذيا. يقول: والحد المفهم جوهر صناعة المديح، هو انها تشبيه ومحاكاة للعمل الإرادي الفاضل الكامل، الذي له قوة كلية في الأمور الفاضلة، لا قوة جزئية في واحد واحد من الأمور الفاضلة. فابن رشد يرى ان المحاكاة هي العمود في المديح، لأن الالتذاذ ليس يكون بذكر الشيء بل بمحاكاته، لأن العملية التعليمية لا تتم إلا عن طريق المحاكاة. وهذا أهم اكتشاف توصل اليه ابن رشد، من خلال قراءته لهذه النظرية عند أرسطو.

أختي الفاضلة ومشرفتي القديرة حياة


موضوع جدا رائع وهادف

رعاكِ الله لكل ما تقدمينه من فوائد



لكِ أجمل المنى

مرحبا اخي الفاضل احزان الليل

شكرا لك على مرورك الجميل

دمت بخير

السلام عليكم

موضوع قيم عن ابن رشد فيلسوف قرطبه

شكر حياة

ياهلا نجم الليل

شكرا لك